ما هو البرهان العقلي على أن لكلّ ممكن مرجّح ؟ وأنّه لكلّ حادث محدث ؟

طباعة

السؤال :

ما هو البرهان العقلي على أن لكلّ ممكن مرجّح ؟ وأنّه لكلّ حادث محدث ـ غير الإستشهاد بفطريّة هذا المبدأ ـ ؟

الجواب :

أمّا الممكن ، فهو الشيء الذي يمكن ان يتحقّق ويمكن ان لا يتحقّق ، أيّ نسبته الوجود والعدم إليه على حدّ سواء ؛ فإذا وجد في عالم الخارج فلا محالة يأتي هذا السؤال العقلي لماذا وجد وتحقّق هذا الشيء ؟ وكيف وجد مع انّ نسبته الوجود والعدم إليه واحدة ، وقد كان غير موجود ؟ فكيف خرج عن العدم وصار موجوداً ؟ فإمّا ان يوجد نفسه بنفسه ، وهذا غير صحيح ، إذ لم يكن في ذاته هذه الخاصيّة ، فانّ نسبة الوجود والعدم إليه كانت على حدّ سواء ، فلا محالة لا بدّ من سبب وعلّة ومرجّح اقتضى وجوده وخروجه من العدم إلى الوجود.

وبعبارة أدقّ انّه إذا كانت نسبة الماهية إلى الوجود والعدم على حدّ سواء ، فترجيح كلّ واحد من كفّتي العدم والوجود على الأخرى من دون علّة وبدون مرجّح غير معقول ، واستحالة الترجّح بلا مرجّح من بديهيّات العقل ، وعلّة العدم عبارة عن عدم علّة الوجود.

وأمّا الحادث ، فمعناه انّه لم يكن ، ثمّ كان ، في مقابل القديم الذي كان من الأزل ، فنفس حدوثه بعد ان لم يكن موجوداً يدلّ على انّ هناك علّة أخرجته من العدم إلى الوجود ، وإلّا كان يبقى على عدمه.

وبعبارة أخرى الحادث الذي كان معدوماً ثمّ صار موجوداً قد حصل فيه التغيير بأن خرج من الحالة السابقة « العدم » إلى الحالة اللاحقة وهي الوجود. فنسأل كيف حصل هذا التغيير ؟ هل حصل عبثاً واعتباطاً أم ان هناك علّة لهذا التغيير ؟ لا سبيل إلى الأوّل ، لأنّ الحصول عبثاً واعتباطاً معناه الصدفة والاتّفاق ، فلو كان الحادث شيء واحد أمكن ان يكون وجوده لأجل الصدفة والاتّفاق ، لكن الصدفة لا تتكرّر ولا يمكن عقلاً ان تتحقّق الصدفة ملائين المرّات بان توجد جميع الحوادث بلا أسباب وعلل من باب الاتّفاق والصدفة ، ولو كان الأمر كذلك لزم أن يتحقّق الحريق بدون أيّ سبب واقعاً من باب الصدفة.

وفي الحديث انّ ابن أبي العوجاء قال للإمام الصادق عليه السلام : ما الدليل على حدوث الأجسام ؟ فقال عليه السلام : انّي ما وجدت شيئاً صغيراً ولا كبيراً إلّا وإذا ضمّ إليه مثله صار أكبر ، وفي ذلك زوال وانتقال عن الحالة الأولى ، ولو كان قديماً ما زال ولا حال ، لأن الذي يزول ويحول يجوز ان يوجد ويبطل ، فيكون بوجوده بعد عدم دخولاً في الحدث ، وفي كونه في الأزل دخوله في القدم ، ولن تجتمع صفة الأزل والعدم والحدوث والقدم في شيء واحد. فقال ابن أبي العوجاء : هبك علمت في جرى الحالتين والزمانين على ما ذكرت واستدللت بذلك على حدوثها ، فلو بقيت الأشياء على صغرها من أين كان لك ان تستدلّ على حدوثهنّ ؟ فقال عليه السلام : انّما نتكلّم على هذا العالم الموضوع ، فلو رفعناه ووضعنا عالماً آخر كان لا شيء أدلّ على الحدث من رفعنا إيّاه ووضعنا غيره ، ولكن اجيبك من حيث قدّرت ان تلزمنا ، فنقول انّ الأشياء لو دامت على صغرها لكان في الوهم انّه متى ضمّ شيء إلى مثله كان أكبر ، وفي جواز التغيير عليه خروجه من القدم كما انّ في تغييره دخوله في الحدث ليس لك وراءه شيء يا عبد الكريم ؛ فانقطع وخزي. [ الكافي / الصفحة : 77 / المجلّد : 1 / باب حدوث العالم ]

وهذا الحديث إشارة إلى ما يقوله الفلاسفة : العالم متغيّر ، وكلّ متغيّر حادث ، فالعالم حادث.