هل عقيدة الرجعة لدى الإماميّة من مسلّمات المذهب

طباعة

السؤال : يدعي البعض أنّ عقيدة الرجعة لدينا ـ الشيعة الإماميّة ـ ليست من ضروريّات المذهب أو مسلّماته ، سواء كانت بخصوص الأئمّة عليهم السلام أو من بلغوا درجات الإيمان المحضة.

سؤالنا : هل الرجعة ومستلزماتها ترقى لمستوى الضروري أم هي مسلّمة فقط ؟ وما هي آراء الفقهاء والعلماء العظام المتأخّرين والمتقدّمين ؟ وهل هما ـ الفرقتين من الفقهاء ـ مختلفتان في تحديد مفهومها وكونها ضروريّة أم لا ؟

الجواب : المتصفح لكتب التراجم والكتب الكلاميّة للقدماء يرى أنّ القول بالرجعة في مذهب الإماميّة يحاذي أو يفوق القول بالبداء لديهم ، وأنّ بين متكلّمي العامّة والخاصّة في زمن الأئمّة عليهم السلام قد وقع الجدال المستمرّ حول الرجعة ، وقصّة مؤمن الطاق مع أبي حنيفة في ذلك معروفة ، وبل أنّ في بعض الوقائع يظهر منها أنّ الرجعة رمز بارز وسمة لاسم التشيّع مقرونة به ، كما في القصّة بين السيّد الحميري الشاعر في عهد الإمام الصادق عليه السلام وبين سوار القاضي في محضر المنصور العبّاسي.

وأمّا إلقاء نظرة سريعة على أقوال علماء الإماميّة فقد قال الشيخ المفيد في أوائل المقالات : « واتّفقت الإماميّة على وجوب رجعة كثير من الأموات إلى الدنيا قبل يوم القيامة ، وإن كان بينهم في معنى الرجعة اختلاف ».

وقال في موضع آخره : « إنّ الله تعالى يرد قوماً من الأموات في صورهم التي كانوا عليها فيعزّ منهم فريقاً ، ويذّل ويديل المحقّين من المبطلين والمظلومين منهم من الظالمين وذلك عند قيام مهدي آل محمّد عليهم السلام وعليه السلام ـ إلى أن يقول : ـ وقد جاء القرآن بصحّة ذلك وتظاهرت به الأخبار ، والإماميّة بأجمعها عليه إلّا شذاذاً منهم تأوّلوا ما ورد فيه ممّا ذكرنا على وجه ».

  والاختلاف الذي يشير إليه من قلّة منهم هو : تأويل للأخبار الواردة برجوع الدولة ، ورجوع الأمر والنهي إلى الأئمة عليه السلام وإلى شيعتهم ، وأخذهم بمجاري الأمور دون رجوع أعيان الأشخاص.

وبعبارة أخرى لا يشير المفيد رضي الله عنه إلى من ينكر استفاضة الأخبار في الرجعة والآيات القرآنيّة وإنّما هناك شذّ إذا يتأوّلون معناها ، والحال كذلك إلى عصرنا الحاضر.

وقال الشيخ الحرّ العاملي صاحب كتاب وسائل الشيعة المشهور المعروف في كتابه « الإيقاظ من الهجعة في إثبات الرجعة » : « وممّا يدلّ على ثبوت الإجماع اتّفاقهم على رواية أحاديث الرجعة حتّى أنّه لا يكاد يخلو منها كتاب من كتب الشيعة ، ولا تراهم يضعفون حديثاً واحداً منها ، ولا يتعرضون لتأويل شيء منها ، فعلم أنّهم يعتقدون مضمونها ، لأنّهم يضعّفون كلّ حديث يخالف اعتقادهم ـ إلى أن يقول : ـ وممّا يدلّ على ذلك كثرة المصنّفين الذين رووا أحاديث الرجعة في مصنّفات خاصّة بها أو شاملة لها ، وقد عرفت من أسماء الكتب التي نقلنا منها ما يزيد على سبعين كتاباً قد صنّفها عظماء علماء الإماميّة كثقة الإسلام الكليني ، ورئيس المحدّثين ابن بابويه ، ورئيس الطائفة ابن جعفر الطوسي ، والسيّد المرتضى ، والنجاشي ، والكشي ، والعياشي ، وعلي بن إبراهيم ، وسليم الهلالي ، والشيخ المفيد ، والكراجكي ، والنعماني ، والصفّار ـ إلى أنّ قال بعد أن عدّ ما يقارب من واحد وخمسين إسماً من أعلام الطائفة الإماميّة من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ومن أصحاب بقيّة الأئمّة عليهم السلام ، ومن أعلام الغيبة الصغرى ، ومن القرن الرابع والخامس إلى القرن الحادي عشر الذي عاش فيه قال : ـ وغيرهم فقد صرّحوا بصحّة الرجعة ونقلوا أحاديثها ».

ومن ثمّ ذهب المجلسي صاحب البحار المعاصر له إلى أنّ الرجعة من ضروريات المذهب ، وحكى الشيخ الأحسائي في شرح الزيارة ـ على ما ببالي ـ عن كتاب الرجعة للسيّد نعمة الله الجزائري أنّه قد جمع في كتابه ستمائة ونيف حديث في الرجعة ، وهو غير مستبعد إذ ما من نصّ زيارة أو دعاء أو حديث في الملاحم والظهور إلّا ويشتمل في الغالب على الإشارة إلى الرجعة ولو بكلمة.

وقد تعرض العلّامة الطباطبائي في تفسيره « الميزان » إلى الرجعة ودفع الإشكالات الفلسفيّة عنها ، كما قد ذهب الحكيم الفقيه الميرزا أبوالحسن الرفيعي القزويني إلى قيام البرهان العقلي الفلسفي المستقلّ على الرجعة وكتب في ذلك رسالة مستقلّة مطبوعة.

فيتحصّل أنّ البعض القليل ممّن ينسب إليه التردّد في الرجعة ليس هو تردّد في ورود الروايات المستفيضة والآيات فيها وإنّما هو في معناها كما ذكر ذلك الشيخ المفيد.