كيف يحكم بكفر الغلاة مع كونهم محبين للإمام علي ع

طباعة

كيف يحكم بكفر الغلاة مع كونهم محبين للإمام علي ع
 

السؤال : من الثابت عند المسلمين حديث : « لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق » في أمير المؤمنين عليه السلام . كيف تفسرون أنّ الغلاة مع الحكم بكفرهم إلا أنّهم محبون للإمام عليه السلام؟
 

الجواب : من سماحة الشيخ محمّد السند

 

لا بدّ من التنبيه إلى أنّ الغلاة على أقسام ، وقد اختلف العلماء في عدّ بعض الأقسام من الغلو بسبب الاختلاف في معاني الغلو ، ولا ريب أنّه ليست كل أنواع الغلو ، سواء المتفق على كونها من الغلو أو المختلف عليها ، ليست كلها موجبة للكفر بمعنى الخروج عن الملّة والإسلام ، بل البعض الآخر منها موجب للفسق أو الابتداع والضلالة ، سواء المتفق على كونه غلوّاً فضلاً عن المختلف فيه .
أما ضابطة الغلو المتفق على كونه كذلك : فهي إثبات كل صفة أو شأن لا يصح اسناده إلا إلى الله تعالى ، سواء من ناحية كيفية الاسناد أو مضمون المسند .
وأمّا الغلو المختلف فهو : إثبات مقامات لهم عليهم السلام لا تخرج عن حدّ صفات الممكنات المخلوقات ، ولكنها تعطيها الحظوة والحبوة الأوفر من الكرامة لهم من بين المخلوقات سواء الملائكة أو النبيين والمرسلين .
هذا من جانب ، ومن جانب ثان : قد روي عن النبي قوله لعلي عليه السلام : « يهلك فيك اثنان محب غال ، ومبغض قال » ، وكذلك روي عن الوصي عليه السلام : « هلك فيّ اثنان محب غال ومبغض قال » ، فحبه عليه السلام مع عدم الغلو في الاعتقاد إيمان ، كما أنّ بغضه نفاق ومرض في القلوب ؛ قال تعالى:{ قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى }(الشورى/23). فالمودة لعترة النبي صلى الله عليه وآله فريضة عظيمة عدلت أجراً لكل الرسالة.
 

ويجب الالتفات إلى أنّ الغلو ليس معناه شدة الحب كما يحاول بعض النصاب والمعادين للعترة النبوية تفسيره ، بل الغلو هو ما مرّ تفسيره وإن كان مع ضعف في الميل والحب ، فشدة الحبّ وضعفه لا ربط له بنحو المعرفة ، فالغلو خطأ في المعرفة والاعتقاد ، وعلى ذلك فليس شدة الحب افراط مع فرض صحة الاعتقاد ، بل شدة الحب حينئذ زيادة إيمان ، ألا تمعن النظر في قوله تعالى:{وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ}(البقرة/165) ؟ ! ألا ترى إلى مدح علي عليه السلام مالك الأشتر :  « كان لي كما كنت لرسول الله » ؟ ! وكان مالكاً شديد المحبة للوصي عليه السلام ، متفانٍ في موالاته ، ونصرته ضد أعدائه ، فإذا استقامت المعرفة والاعتقاد تكون المحبة وشدتها رجحان في الإيمان ، وإذا أخطأ الاعتقاد كانت المحبة ـ ولو الضعيفة ـ على غير السبيل .
ويعزز ذلك : ما ورد في الحديث النبوي : « أنّه لا يؤمن أو لا يكمل إيمان عبد حتى يكون الله ورسوله أحب إليه من نفسه ومن عشيرته وأمواله » ، وهو مضمون قوله تعالى:{قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}(التوبة/24).
فبيّن قوله تعالى أنّ حبّ الله تعالى ، وكذلك حب الرسول صلى الله عليه وآله يجب أن يكون أشدّ من حبّ النفس ، وحب الأموال والأزواج والمساكن والتجارات ، أي أنّ حب الله وحب الرسول يجب أن يكون حباً شديداً يفوق بقية موارد حب الإنسان حتى لنفسه .
فالحاصل : أن شدّة الحب ليست غلواً ما دامت المعرفة والعقيدة صحيحة بل هي قوة إيمان ، فالمدار على صحة المعرفة وصحة العقيدة  ،وعندئذ تكون شدة المحبة رفع درجات في الإيمان .
كما أنّه لا بدّ من التنبيه على ضابطة وهي : كما أنّ الغلو انحراف ، فإنّ الجفاء لعلي عليه السلام أيضاً انحراف ؛ فإنّ من الناس من يثقل على قلبه اسم علي أمير المؤمنين أخ النبي صلى الله عليه وآله وابن عمه ، ويستثقل على سمعه إطراء وذكر مناقب علي عليه السلام ، فإنّ هذه الكراهة نفاق وشقاق ومحاددة لله ولرسولٍ له ؛ إذ قال تعالى :{ قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى }(الشورى/23).علي وفاطمة وأبناؤهما .
كذلك هناك المقصّر في معرفة فضائل ومناقب علي وأهل بيته ، فتراه يدافع إثبات أو ثبوت الفضائل وينزل معرفته بأمير المؤمنين إلى الاعتقاد بأنّه عليه السلام في رتبة غيره ، فالتقصير عن المعرفة الصحيحة والكاملة تقصير في الواجب ، وزيغ عن الطاعة ، ويكفي في الاشارة إلى لزوم ذلك قول النبي : « أنا مدينة العلم وعلي بابها » ، فلا بُدّ من معرفة باب مدينة علم الرسول صلى الله عليه وآله .