كيف يأخذ السمّ الإمام الحسن عليه السلام وهو معصوم ؟

طباعة

كيف يأخذ السمّ الإمام الحسن عليه السلام وهو معصوم ، عندما قدّمت له عليه السلام جعدة ؟ كيف يرمي نفسة إلى التهلكة  وهو إمام معصوم ، وهو يعلم بساعة وفاته ويعلم أنه سيقدّم له السم ؟

 

الجواب : السيّد جعفر علم الهدى

كان الأئمّة عليهم السلام يعلمون بتعليم من الله ورسوله صلّى الله عليه وآله بوقت شهادتهم وكيفيّتها ، لكن ليس في اقدامهم على الشهادة إعانة على ازهاق أنفسهم ، وإلقائها في التهلكة الممنوع عنه بنص الذّكر المجيد. فان الإبقاء على النفس والحذر عن إيرادها مورد الهلكة انما يجب شرعاً اذا كان مقدوراً لصاحبها ، او لم يقابل بمصلحة أهم من حفظها. واما اذا وجدت هناك مصلحة أهم من حفظ النفس ، كما في الجهاد والدفاع ، فليس الإلقاء في الهلكة حراماً بل الشارع المقدس يأمر بالإلقاء في التهلكة.

وقد أمر الله تعالى الأنبياء والمرسلين والمؤمنين بالجهاد ، فمشوا إليه موطنين أنفسهم على القتل ، وكم فيهم سعداء وكم من نبي قتل في سبيل دعوته ، بل قد أمر الله تعالى قوم موسى بإلقاء أنفسهم في التهلكة ، فقال عزوجل ( فتوبوا إلى بارئكم واقتلوا أنفسكم ). فلم يكن اقدام الأئمة عليهم السلام على القتل أو تناول السموم جهلاً منهم بما صنعه حكّام الجور بل هم على يقين من ذلك. وانما تناولوا السمّ مثلاً لأن الله تعالى أمرهم في ذلك الوقت بالاقدام على ذلك. ولذا نرى أنّ الامام الحسن عليه السلام يستشفى بتربة جدّه تارة ويعمل بقول الطبيب تارة أُخرى ، ويأخذ بقول أهل التجربة ثالثةً ، مع علمه بأن ذلك المرض لا يقضي عليه. وللأجل حد معلوم ولكنه أراد إرشاد الناس إلى أنّ مكافحة العلل تكون بالاسباب العادية فلا غناء عنها ، لكنّه لما حان الاجل المحتوم لم يعمل شيئاً تسليماً للقضاء وإطاعة للامر الإلهي. فلمّا قدّمت إليه جعدة بنت الأشعث اللبن المسموم وكان الوقت حاراً والامام صائماً ، فرفع رأسه إلى السماء قائلاً إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، الحمد لله على لقاء محمد سيّد المرسلين وأبي سيد الوصيين وأمّي سيدة نساء العالمين وعمي جعفر الطيار في الجنّة وحمزة سيد الشهداء ، ثم شرب اللبن وقال لها لقد غرّك وسخر منك فالله يخزيك ويخزيه. وهي تضطرب كالسعفة.

ولعل المصلحة التي كانت أهم من حفظ النفس هي ما أشار إليها الإمام عليه السلام بقوله « ويخزيه » حيث ان وفاة الامام وشهادته بالسمّ الذي دسّه إليه معاوية بواسطة زوجته جعدة أظهرت خبث معاوية ودجله وكفره الباطني مع أن كان يظهر للناس إلتزامه بالدين والاخلاق وقد اغترّ به الكثير من المسلمين.