لماذا لا تعتبر الشيعة أبي هريرة من ثقات المحدّثين ؟

طباعة

السؤال :

أنا مسلم انتمي إلى الطائفة السنيّة ، وبطبيعتي لا أحبّ أن أقذف أيّ مسلم بأيّ اتّهام ما إن أتأكّد من صحّة ما جاء به ، فلذا أتمنّى من فضيلتكم أن تتفضّلوا بالإجابة على أسئلتي ولكم الشكر والأجر الجزيل.

1 ـ ما الذي تنقمه وترى أنّه مثلب على أبي هريرة رضي الله عنه ؟ ولماذا لا تعتبرونه من الثقات المحدّثين ؟

2 ـ نحن ـ أعني كمذهب سنّي ـ ندين المذهب الشيعي بوضع الصحابي الجليل أبو هريرة محلّ شبه وعدم الثقة ؛ فقد ورد في كتب الأحاديث المعتمدة عندكم كتاب بحار الأنوار رواية تثبت بأنّ الرسول صلّى الله عليه وآله ميّز هذا الصحابي بإهدائه هبة الحفظ ـ راجع كتاب بحار الأنوار 18 / 13 ـ باب معجزات النبي في استجابة دعائه ، نقلاً عن الخرائج : « إنّ أبا هريرة قال لرسول الله عليه السلام إنّي اسمع منك الحديث الكثير أنساه ، قال : ابسط رداك ، قال : فبسطته فوضع يده فيه ، ثمّ قال : ضمّه ، فضممته فما نسيت كثيراً بعده ». وعلى هذا فما ذنب أبي هريرة إذا دعا له الرسول عليه السلام أن يعطيه الله الحفظ ؟

بل هذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ورد عنه رواية في بحار الأنوار 40 / 139 : « إنّ الرسول عليه السلام دعا له أن يعطيه فهما وحفظاً فما نسي آية من كتاب الله !!! » ، فما ذنب علي بن أبي طالب حين دعا له الرسول ؟

عندما أسلم أبي هريرة لزم الرسول عليه السلام ولم يفارقه مدّة أربعة سنوات إلّا قليلاً ، وساعد على هذه الملازمة أنّه كان من أهل الصفّة ، ذلك المكان المظلّل في مسجد الرسول عليه السلام الذي كان يعتبر أوّل مدرسة.

ثمّ إنّنا نجد أنّ عدد مرويات أبي هريرة عن رسول الله عليه السلام تأتي قرابة 5374 حديث.

وبعد ذلك ننتقل إلى رواة الأحاديث من الشيعة وننظر كم رووا من الأحاديث عن الأئمّة ونقارن بينهم وبين أبي هريرة.

فقد ورد في فوائد الطوسيّة 262 والبحار 46 / 240 : « إنّ جابر الجعفي روى عن الباقر سبعين ألف حديث كان مأموراً بإظهارها ، وسبعين ألف مأمور بكتمانها !!! ».

وفي رواية « سبعين ألف حديث !!! » قاله في روضة الكافي 138 / 139 ، ومدينة المعاجز 5 / 44 باب الثالث والثلاثون ، وكتاب حلية الأبرار 1 / 13 ، وكتاب اللئالي 2 / 20.

وإليكم إخواني هذه الرواية حيث روى الكشي عن زرارة بن أعين قال : « سألت أبا عبد الله عليه السلام عن أحاديث جابر ، فقال : ما رأيته عند أبي قطّ إلّا مرّة واحدة وما دخل عليّ قطّ ».

رجال الكشي 191 وأخرجها الخوئي في معجم رجال الحديث 4 / 25.

ولا أقول إلّا ما مصير سبعين ألف حديث رواها عن إمام لم يدخل عليه إلّا مرّة واحدة ؟؟!!

وهذا أيضاً محمّد بن مسلم روى ثلاثين ألف حديث عن الباقر وستّة عشر ألف حديث عن الصادق !!

قاله في كتاب فوائد الطوسية 262 ورجال الكشي 163 / 167.

فما رأي الشيعة في روايات رواتهم وكثرتها بالمقارنة مع كثرة روايات أبي هريرة ؟؟!!

الجواب :

ليس الكلام حول أبي هريرة من جهة كثرة أحاديثه عن رسول الله صلّى الله عليه وآله فقط بل الكلام في عدالته ووثاقته أيضاً ، ولسنا نحن الوحيدين في التكلّم في أبي هريرة.

وقولك بأنّ أهل السنّة يثقون به ويعتمدون عليه خاطئ ، فقد وجدنا في الصّحابة والتابعين وكبار أئمّة أهل السنّة السابقين وفي الكتّاب المعاصرين منهم من يتكلّم في هذا الرجل ، وتلك مصادركم هي التي تحكي طعن الأكابر فيه ، ونحن نذكر هنا طرفاً من ذلك :

قال شيخ الإسلام السرخسي : لما بلغ عمر رضي الله عنه أن أبا هريرة يروى بعض ما لا يعرف قال : لتكفن عن هذا أو لألحقنك بجبال دوس (1).

بل لقد اعترف أبو هريرة بذلك عندما قال : لقد حدَّثتكم بأحاديث لو حدَّثتُ بها زمن عمر لضربني عمر بالدِّرَّة (2).

وسيأتي عن الإمام ابن قتيبة تكذيب عمر وعثمان وعلي وعائشة.

هذا بالنسبة إلى الصحابة باختصار ، وأمّا التابعون فانظر تكذيبهم لأبي هريرة وتكلّمهم فيه في البداية والنهاية لابن كثير (3).

هذا ، وقد كان من أسباب الطعن في أبي هريرة كثرة حديثه.

قال الإمام ابن قتيبة :

وأما طعنه على أبي هريرة بتكذيب عمر وعثمان وعليٍّ وعائشة له ، فإن أبا هريرة صحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، نحواً من ثلاث سنين ، وأكثرَ الرواية عنه وعُمِّر بعده نحواً من خمسين سنة ، وكانت وفاته ، سنة تسع وخمسين ، وفيها توفيت أم سلمة ، زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم ، وتوفيت عائشة رضي الله عنها ، قبلهما بسنة.

فلما أتى من الرواية عنه ، ما لم يأت بمثله من صحبه من جلة أصحابه والسابقين الأولين إليه ، اتهموه ، وأنكروا عليه ، وقالوا : كيف سمعت هذا وحدك ؟ ومن سمعه معك ؟

وكانت عائشة رضي الله عنها ، أشدهم إنكاراً عليه ، لتطاول الأيام بها وبه.

وكان عمر أيضاً ، شديداً على من أكثر الرواية ، أو أتى بخبر في الحكم ، لا شاهد عليه ... (4)

وأبو هريرة نفسه كان يعلم بذلك ؛ فقد روي عنه :

وعنه ، قال : إِنَّكم تقولون : أكثر أبو هريرة عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم ، والله الموعِدُ ... (5)

إذن الصحابة تكلّموا فيه ، التابعون تكلّموا فيه ، وسائر العلماء تكلّموا فيه ... ، فإن كانوا على حقّ فأبو هريرة يستحقّ ذلك ، وإن كانوا مبطلين فما ذنبنا.

وأمّا ما ذكرتم من خبر فإنّه إن صحّ يدلّ على أنّ أبا هريرة قد حفظ ببركة دعاء النبي كلّ ما سمع من النبي صلّى الله عليه وآله ، أمّا أنّه قد سمع كلّ ما كان يروي فلا دلالة للخبر عليه.

هذا ، ونتمنّى لكم التوفيق لأن تكونوا من المحقّقين لا من المقلّدين.

الهوامش

1. كتاب الأصول « للسرخسي » / المجلّد : 1 / الصفحة : 341 / الناشر : دار المعرفة ـ بيروت.

2. جامع البيان العلم « لابن عبد البر » / المجلّد : 1 / الصفحة : 1003 / الناشر : دار ابن الجوزي / الطبعة : 2.

3. البداية والنهاية « لابن كثير » / المجلّد : 8 / الصفحة : 109 / الناشر : دار الفكر.

4. تأويل مختلف الحديث « لابن قتيبة » / الصفحة : 41 / الناشر : دار الكتب العلمية ـ بيروت.

5. المرقاة في شرح المشكاة « لملا علي القاري » / المجلّد : 5 / الصفحة : 458.