كيف يمكن التفقّه في الدين ؟

طباعة

السؤال :

لقد وددت دراسة العلم الشرعي في أوقات فراغي ، لا لأكون فقيهاً ، ولكن لأعرف ديني وأكون متعمّقاً فيه ، فقهاً واُصولاً ، وعندما فاتحت أحدهم ـ حفظه الله ـ أوصاني بقراءة شيء من الفقه والنحو ، بالإضافة إلى حلقات الشهيد الصدر في الأصول ، وشيء من الفلسفة وعلم الكلام ، ورجوته رعاه الله أن يفسّر لي ما هو هذا الشيء الذي عليّ أن أقرأه من الفقه والنحو والفلسفة وعلم الكلام ؟ فأجاب مشكوراً :

ـ الرسالة العمليّة وشرح اللمعة في الفقه ، شرح الألفيّة في النحو ، شرح التجريد في الكلام ، وشرح المنظومة في الفلسفة ، خلاصة القول أنّه لم يجب أحدهم على سؤالي حسب النهج الذي أريده وذلك لمشاغلهم ـ وفقهم الله ـ والأيّام تمضي وأخاف أن تخمد هذه الرغبة في نفسي فالتجأت إليكم لتساعدوني على الطاعة.

فوالله ما أبغي إلّا أن ينطبق عليّ الحديث الشريف : « صلاة العالم أفضل بسبعين ». لقد أطلت عليكم أحبّتي ولكنّي أبثّ همّي إليكم لإجابتي على سؤالي ، وهو :

ما هو المنهاج الذي يدرسه الطالب الحوزويّ بدءاً بالمقدّمات ، وانتهاءً بالسطوح ـ أي بدءاً بالرسالة العمليّة ، وانتهاء بالرسائل والكفاية إن كنتم تفضلونها عن الحلقات ـ ، اُريد التفصيل إن أمكن والرجاء عدم الاعتماد على منهاج التثقيف الدينى.

إنّ ما أرجوه هو :

برنامج الطالب الحوزويّ والذي يؤهّله لدخول أبحاث الخارج ، الرجاء أخذ الحريّة في الإجابة ، مع العلم بأنّني سأستعين بعلماء منطقتي في حلّ جميع ما يشكل عليّ ، وفي نيّتي دخول بعض الحوزات القريبة « كالبحرين والإحساء » في دورات خاصّة مكثفة في أيّام إجازاتي لدراسة ما يحتاج مراجعته تحت يد مدرّس ، أمّا كتب النحو والصرف فسأستعين بمدرّس خاص من الجامعة ، إنّي ـ وأعوذ بالله من كلمة أنا ـ على قدر وافٍ من الثقافة الدينيّة وما ينقصني إلّا الدراسة المنهجيّة ، الرجاء عدم إهمال سؤالي ـ فقد استغرقت كتابته دهراً ـ داعياً المولى أن يكحل عيناي برؤيتكم ، ونحن ننهل معاً من علم آل محمّد عليهم السلام تحت أحد منابر مدرسي بحث الخارج سريعاً ـ إن شاء الله ـ إنّي أعلم أنّ منهاج الدراسة الحوزويّة يستغرق قرابة العشر من السنين للطالب المتفرّغ ، ولكنّني سأخطوها في أقلّ من ذلك بدعائكم لي ـ والمؤمنين ـ بالتوفيق. وإنّ الله يقصّر المدّة لأيّ مجتهدٍ في سبيله.

الجواب :

في البداية أحيي فيك الرغبة الصادقة في الدراسة الدينيّة التي قلّ الراغبون بها في هذه الأيّام مع الأسف الشديد ، مع أنّها ـ في الجملة ـ مطلوبة من كلّ مسلم حتّى يعرف معالم دينه ويسير على هدىً من أمره ، فيأتي بما يريده الشارع المقدّس ويترك ما حرّمه و نهى عنه ، ولذا ورد في رواية معتبرة إنّ الإمام الصادق عليه السلام سئل عن قول الله تعالى : ( قُلْ فَلِلَّـهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ) [ الأنعام : 149 ] ؟ فقال عليه السلام : « إنّ الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة : عبدي أكنت عالما ؟ فإن قال : نعم ، قال له : أفلا عملت بما علمت ؟ وإن قال : كنت جاهلاً ، قال له : أفلا تعلَّمت حتّى تعمل ؟ فيخصمه ، وذلك الحجّة البالغة » (1).

ثمّ إنّ ما طرحته في رسالتك تارةً تريد به الاطّلاع على مناهج الدراسة الحوزويّة المقرّرة في الحوزات العلميّة المعروفة لغرض الانتماء إليها ودراسة تلك المناهج .. ، واُخرى تريد معرفة المنهج الدراسي المناسب لك باعتبارك غير متفرّغ للدراسة التخصّصية ، وباعتبار أنّ هدفك من الدراسة هو تحصيل الثقافة الدينيّة بمعناها الواسع. وطبعاً الجواب مختلف جدّاً ، إن كان المقصود الأوّل ، فالمناهج الدراسيّة في الحوزة معروفة تبدأ بالمقدّمات ، ثمّ السطوح ، ثمّ بحث الخارج ، وهي تحتاج إلى اُمور :

1 ـ تفرغ كامل ، أيّ عدم الانشغال بأيّ أمر آخر سواها.

2 ـ استعداد ذهني جيّد ، باعتبار أنّها دراسة معمّقة ودقيقة يكون استيعابها والاستفادة منها موقوفاً على قابليّة جيّدة وذكاء عال.

3 ـ الرغبة الصادقة والاندفاع الذاتي في الدراسة ، النابع من معرفة أهميّتها والنتائج المهمّة المترتّبة عليها.

4 ـ الانتماء إلى إحدى الحوزات المعترف بها والدراسة فيها ، فلا يكفي أن يقرأ الطالب المناهج المقرّرة بنفسه ، أو يعتمد على سماع الدروس المسجّلة على الكاسيت أو نحو ذلك.

هذه أهمّ الاُمور التي لا بدّ من توفّرها في هذا المجال ، فإن كانت الشروط متوفّرة فيك ، فأهلاً وسهلاً بك في هذه الجامعة الدينيّة ، وستعرف تفاصيل أكثر عن سير الدراسة والمناهج والأساتذة وغير ذلك من الاُمور إذا عزمت على الانتماء إليها.

وأمّا إذا كان مقصودك هو الثاني ، فتحديد المنهج المناسب يرتبط بمعرفة بعض الاُمور المتعلّقة بك ، مثل الساعات التي تتفرّغ فيها للدراسة ، ومقدار ما تملكه من معلومات دينيّة وغير ذلك ، ولذا فأنا أقترح أن تراجع أحد طلّاب الحوزة المعتمدين والموثوقين للاستنارة برأيه في هذا المجال ، وإذا بقي عندكم سؤال فنحن في خدمة إخواننا المؤمنين.

الهوامش

1. كتاب الأمالي ـ الشيخ المفيد ـ / الصفحة : 228 / الناشر : جماعة المدرّسين في الحوزة العلميّة.