ما هو رأي الشرع في الألقاب التعظيميّة ؟

طباعة

السؤال :

إنّ علمائنا الأعلام حفظهم السميع الرحيم في عصرنا الحاضر يطلق عليهم : « آية الله العظمى » :

1 ـ ما هو رأي الشرع في الألقاب التعظيميّة ؟ ومَن هو أوّل أطلق عليه من علمائنا ؟

2 ـ ما هي أعظم آية لله ؟ هل هو الإنسان ؟ فإذا كان كذلك ، فما قولك بأعظم إنسان « رسولنا المعظّم » الذي كان يقول : « أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد » ؟

3 ـ إنّ الإنسان كلمّا سمى في العلم كلّما ازداد تواضعاً لله ، فقد كان علمائنا الأقدمين يطلقون على أنفسهم « بالأحقر » والآن علمائنا « بالأعظم » ؟

الجواب :

1 : رأي الشريفة في الألقاب التعظيميّة هو أنّ التعظيم بشكل عام إذا كان لله تعالى فهو أمر راجح ، بمعنى أن يكون الدافع للإنسان نحو تعظيم شخصٍ دافعاً إلهيّاً ، فانّ التعظيم حينئذٍ ليس تعظيماً للشخص بما هو شخص وإنّما هو تعظيم للقيم المتجسّدة فيه من الإيمان والتقوى والعلم والجهاد ، وقد فضّل الله المجاهدين على القاعدين ( وَفَضَّلَ اللَّـهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ) [ النساء : 95 ].

وقال : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ ) [ الحجرات : 13 ].

وقال : ( يَرْفَعِ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ) [ المجادلة : 11 ].

وأمّا أنّه مَن هو أوّل مَن أطلق عليه لقب « آية الله العظمى » من علمائنا فلم نعثر على تاريخ دقيق لهذا اللقب ، ولا أثر ولا قيمة لمعرفة ذلك ، إنّما المهمّ في الجواب على السؤال ما قلناه.

2 : لم نعرف المقصود من كون الإنسان أعظم آية لله ؛ إنّما الثابت عندنا وفقاً للنصوص هو أنّ الإنسان قد فضّله الله تعالى على كثير من مخلوقاته كما تنصّ عليه الآية الشريفة : ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ) [ الإسراء : 70 ].

ولا شكّ في أنّ أفضل الخلق وأشرفهم نبيّ الإسلام محمّد بن عبد الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.

وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد » (1) ترسيخ لبشريّته ، وتأكيد على المفهوم القرآني المتكرّر في القرآن الكريم القائل : ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ ) [ الكهف : 110 ] ، إيعاداً للناس عن تأليهه وعبادته صلّى الله عليه وآله وسلّم.

3 : لا شكّ في أنّ الإنسان كلّما ازداد علماً ، فإنّ المفروض به أن يزداد تواضعاً ، وهذا هو نهج علمائنا.

وفقهائنا منذ عصر الغيبة الصغرى إلى الآن ، فإنّهم جميعاً ـ رحم الله الماضين منهم وحفظ الله الباقين ـ كانوا القمّة في الإخلاص والتعبّد والتواضع ، فهم مفاخر هذه الطائفة ، ومُثلُها العليا ، ولم يعهد من أحد منهم أنّه أطلق على نفسه لقب « آية الله العظمى » أو لقب « الأعظم » أو ما أشبه ذلك أبداً ، أمّا إطلاق الآخرين عليه ذلك فمرجعه إلى تعظيم الآخرين له ، ومن الواضح أنّ التعظيم إذا كان يدافع إلهي وقُربي فهو تعظيم للقيم المتجسّدة في ذاك الإنسان المعظَّم ، وهل يشكّ أحد في أنّ تعظيم فقهاء هذه الطائفة وعلمائنا تعظيم لما يتمتّعون به من فضائل وسجايا ، وما يجسّدونه من قيم ومُثُل من إيمان وتقوى وعلم وجهاد وزهد وتواضع وإخلاص وعبادة ، وإحساس بالمسؤلية ، وتحمّل المسؤوليّة ، والتصدّي لإرشاد الناس وتوجيهم ، وما إلى ذلك من مظاهر الخلق الرفيع الذي نراه ونلمسهم فيه حفظهم الله تعالى.

الهوامش

1. السيرة الحلبيّة / المجلّد : 3 / الصفحة : 94 / الناشر : المكتبة الإسلاميّة ـ بيروت.