ما هي فلسفة الجزية ؟

طباعة

السؤال :

يتّهم البعض الإسلام بأنّه دين حروب وغزوات وأنّ الإسلام لم يقم إلّا بحدّ السيف ، فكيف يطلب المسلمون الجزية من غير المسلمين ، يعني إمّا أن تكون مسلماً أو أن تدفع ؟

فما هي فلسفة الجزية ؟

الجواب :

الجزية ضريبة ماليّة محدّدة تأخذها الدولة الإسلاميّة الحاكمة على المجتمع البشري من أهل الذّمة من الكفّار ، وذلك في مقابل حقن دمائهم وحُسن إدارتهم وحفظ ذمّتهم ، ولها شروط محدّدة مذكورة في الفقه ، وهذه الشروط غير متوفّرة في عصرنا الحاضر.

وقد وردت الجزية في القرآن الكريم في قوله تعالى : ( قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ) [ التوبة : 29 ].

وأهل الكتاب هم اليهود والنصارى والمجوس ، وقد ذكرت الآية الشريفة الحكمة في الأمر بقتالهم من خلال الأوصاف الثلاثة التي ذكرتها لهم ، وهي عدم الإيمان باللّه وباليوم الآخر إيماناً مقبولاً عند اللّه غير منحرف عن الصواب.

وعدم تحريمهم ما حرّم اللّه ورسوله من خلال عدم مبالاتهم في التظاهر بالمحرَّمات في داخل المجتمع البشري ممّا يُفسر المجتمع ويُربك النظام الإسلامي ويُفشل مخطّطات الدولة الإسلاميّة الحاكمة بشأن تربية المجتمع البشري تربية صالحة.

والثالث هو عدم التزامهم بدين الحقّ المنطبق مع واقع الفطرة والخلقة الإلهيّة ، وهو دين الإسلام.

ومن الواضح لدى مَن يتدبّر في مقاصد الإسلام وأهدافه العامّة أنّ قتال أهل الكتاب حتّى يعطوا الجزية ليس الهدف والغرض منه أن يتمتّع المسلمون أو قيادتهم بمتاع الحياة الدنيا ويسترسلوا في الشهوات وينهمكوا فيها كما يفعله المترَفون من الملوك والرؤساء حينما يَغلبون وينتصرون على غيرهم ، وإنّما غرض الإسلام من ذلك إظهار دين الحقّ على الباطل وإحياء سنّة العدل في قبال الظلم وترجيح كلمة التقوى على الفسق والفجور ، فالإسلام يستهدف إقامة دولة إسلاميّة عالميّة واحدة قائمة على أساس التوحيد الخالص عن كلّ شوب وانحراف ، وذلك كي يربّي المجتمع البشري تربية صالحة يعد من خلالها ويصل إلى ما يمكنه الوصول إليه من مراتب الرّقيّ والكمال ، ومن الطبيعي لمثل هذه الدولة التي تستهدف الوصول إلى مثل هذا الغرض محاربة كلّ العوامل التي تراها مزاحمة لغرضها هذا واستئصال كلّ منافذ التربية الفاسدة من المجتمع ، أمّا إذا لم ترتض جماعة معيّنة هذه التربية الإسلاميّة الفَذّة لنفسها وأرادت أن تكون حُرّة فيما ترتضيه لنفسها من تربية ، فسوف لا تمنعها الدولة الإسلاميّة الحاكمة عن ذلك ، بل تعطيها الحرّية في البقاء على دينها إذا كان في دينها شيء من التوحيد وإن لم يكن توحيداً خالصاً ، كدين اليهوديّة والنصرانيّة والمجوسيّة بشرط أن لا تتظاهر هذه الجماعة بمزاحمة التربية الصالحة التي تشهد فيها الدولة الإسلاميّة الحاكمة ، أيّ لا تتظاهر بالمحرَّمات المانعة عن التربية الصالحة في داخل المجتمع ، فالدولة الإسلاميّة الحاكمة تعطيها الحريّة في البقاء على دينها بهذا الشرط وفي قبال دفع ضريبة مالية محدّدة تصرفها الدولة الإسلاميّة الحاكمة في شؤون إدارة المجتمع الذي يضمّ هذه الجماعة أيضاً ، فيكون لها ما لسائر أبناء المجتمع من حقن الدم وحفظ المال والعرض.

هذا هو شأن الجزية وفلسفتها في الإسلام وهذا غاية العدل والإنصاف ، ومنح الحرّيّة من قِبَل دولة قويّة حاكمة بيدها مجاري الأمور كلّها ، ومن قِبَل دين غالب على سائر الأديان.

إذاً ، فليست القضيّة بالشكل المطروح في السؤال بحيث يقال لليهودي أو النصراني أو المجوسي ، إمّا أن تكون مسلماً أو أن تدفع الجزية ، بل يقال له لك الاختيار التامّ والحرّية الكاملة في قبول الإسلام ورفضه ، فإن اقتنعتَ به واخترته بكامل حريّتك ديناً لنفسك كانت لك كلّ حقوق المسلمين ومزاياهم ، فلك ما لَهم ، وعليك ما عليهم ، وإن رفضت قبول الإسلام وأردت البقاء على دينك والعيش في ظلّ الدولة الإسلاميّة الحاكمة وفي كنفها فلك أيضاً ذلك لكن تؤخذ منك ضريبة مالية محدّدة في مقابل ضمان الدولة لك حفظ نفسك وعرضك ومالك عن الإعتداء والضياع ، فهل يا ترى توجد في هذا الحكم مخالفة للعدل والإنصاف أم هو عين العدل والإنصاف ؟ وهل الجزية حينئذٍ إلّا رمزاً للخضوع لمقرّرات الدولة الإسلاميّة في قبال العيش في كفنها وتحت حمايتها ؟