لم تحتجّون بحديث الغدير الذي له قصّة وسبب وهو تنقّص بعض من الصحابة ؟

البريد الإلكتروني طباعة

السؤال :

هناك من يقول : إذا كان من اللازم استقصاء جميع ما ورد حول قضيّة معيّنة للبتّ والفصل فيها وإذا كان الحديث يفسّر بعضه بعضاً ؛ فلم تحتجّون بحديث الغدير الذي له قصّة وسبب ، وهو تنقّص بعض من الصحابة أو جيش اليمن ، فقام النبيّ صلّى الله عليه وآله بتبرئة ساحة علي من ذلك ؟

ثمّ يقول : إذا كنت تقول بأنّ المذهب الشيعي يمكن إثباته من طرق أهل السنّة ؛ فإنّنا نقول : إن ما جاء لعلي فضائل ونحن نروي فضائل لكثير من الصحابة ، فالنبيّ كان صلّى الله عليه وآله يشيد بصحابته ؛ فما فائدة هذه الأحاديث ودلالتها إذا ، وإنّما هي أهواء أصحاب المذهب الشيعي ؟

الجواب :

للمزيد راجع ١١ جزء كتاب الغدير خصوصاً الجزء الأوّل.

وعلى الإجمال نقول :

حديث الغدير ليس له سبب إلّا إمتثال أمر الله تعالى بتبليغ أهمّ أركان الإسلام وهي الولاية والخلافة حيث إنّ استمرار وبقاء الإسلام يكون متوقّفاً عليها ، ولذا قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (١) ، حيث يدلّ على أنّ ما أمر الله تعالى نبيّه صلّى الله عليه وآله بتبليغه كان أمراً مهمّاً وخطيراً إلى درجة إن لم يفعل فكأنّما لم يبلّغ الرسالة أصلاً ؛ فما هو هذا الأمر البالغ الأهمّية ؟ هل هو مجرّد بيان بعض الأحكام الشرعيّة كحرمة لحم الميتة ونحو ذلك ؟ أم أنّه أمر يتوقّف عليه مصير الإسلام ، ويكون إمتداد لتبيلغ الرسالة ؟

لذا اتّفق المفسّرون من السنّة والشيعة وتواترت الأخبار من الفريقين أنّ هذه الآية نزلت في غدير خمّ في حجّة الوداع ، حينما رجع النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله إلى المدينة ؛ فجمع الناس في غدير خم ّوخطب فيهم خطبة شريفة وطويلة ثمّ قال : أيّها الناس من وليكم وأولى بكم من أنفسكم ؟ قالوا : الله ورسوله ، فقال : مَن كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال مَن والاه وعاد مَن عاداه. (٢)

وقد روي ذلك مائة صحابي أو أكثر ، وإذا لاحظنا القضيّة بجميع خصوصيّاتها وظروفها نرى أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله أعلن ولاية علي عليه السلام وخلافته على رؤس الأشهاد ، بل روى الغزالي وغيره أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله أخذ البيعة لعلي عليه السلام بالخلافة حتّى من أمّهات المؤمنين ، وكان فيمَن بايعه أبو بكر وعمر قائلاً : « بخٍّ بخٍّ لك يا علي ، أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة » (٣).

والطريف بل الحقّ الحقيق الذي لا يمكن إنكاره أنّ السيوطي وهو من كبار علماء السنّة ذكر في تفسيره الدرّ المنثور في ذيل الآية الكريمة أنّ بعض الصحابة كان يقرأ : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ـ أنّ عليّاً مولى المؤمنين ـ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ). (٤)

وقد ورد في التفاسير أنّ الله تعالى بعد ما أعلن رسول الله صلّى الله عليه وآله ولاية علي عليه السلام يوم غدير خمّ أنزل قوله : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ). واعترف بذلك السيوطي في تفسيره ، إلّا إنّه وصف الرواية بالضعف تعصّباً وعناداً. (٥)

ثمّ إنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله صرّح في موارد ومواطن كثيرة بخلافة علي عليه السلام وولايته ، لكنّ الاعلام العام وأخذ البيعة كان في يوم غدير خمّ كما نطقت بذلك الروايات الكثيرة من طرق أهل السنّة ، وليس مجرّد ذكر فضيلة لعلي عليه السلام بل التدبّر فيها يقتضي الجزم بأنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله أراد بذلك تعيين الخليفة والوصي من بعده.

ثمّ لا يتنافى ذلك أن يقول النبيّ صلّى الله عليه وآله : « مَن كنت أنا وليّه فعليّ وليّه » في موطن آخر ، كما ورد ذلك حينما تنقّصه بعض الصحابة عند رجوعه من اليمن. (٦)

ولا يكون ذلك قرينة على أنّ المراد مجرّد المحبّة والموّدة ، بل حتّى في هذا المورد يكون بمعنى الولاية ، والمراد أنّ عليّاً أولى بهم من أنفسهم كما كان النبيّ صلّى الله عليه وآله كذلك.

الهوامش

١. المائدة : ٦٧.

٢. الأصول من الكافي / المجلّد : ١ / الصفحة : ٢٣٤ / الناشر : المكتبة الإسلاميّة ـ طهران.

الدرّ المنثور في تفسير بالمأثور / المجلّد : ٥ / الصفحة : ٣٨٣ / الناشر : مركز هجر للبحوث والدراسات العربية والإسلامية.

٣. الإرشاد للمفيد / المجلّد : ١ / الصفحة : ١٧٧ / الناشر : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث.

فرائد السمطين / المجلّد : 1 / الصفحة : ٧٧ / الحديث : ٤٤ / الناشر : مؤسسة المحمودي ـ بيروت.

٤. الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور / المجلّد : ٥ / الصفحة : ٣٨٣ / الناشر : مركز هجر للبحوث والدراسات العربية والإسلامية.

٥. الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور / المجلّد : ٥ / الصفحة : ١٨٦ ـ ١٨٧ / الناشر : مركز هجر للبحوث والدراسات العربية والإسلامية.

٦. تاريخ مدينة دمشق / المجلّد : ٤٢ / الصفحة : ١٨٧ / الحديث : ٨٦٣٥ / الناشر : دار الفكر ـ بيروت.

 
 

أضف تعليق

الغدير

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية