كيف يتمّ التمتّع بالنظر إلى جلاله ، كما ورد في المناجاة الخامسة للإمام زين العابدين عليه السلام ؟

طباعة

السؤال :

ورد في المناجاة الخامسة للإمام زين العابدين عليه السلام : « وَاَبْتَهِلُ اِلَيْكَ بِعَواطِفِ رَحْمَتِكَ وَلَطائِفِ بِرِّكَ اَنْ تُحَقِّقَ ظَنّي بِما اُؤَمِّلُهُ مِنْ جَزيلِ اِكْرامِكَ وَجَميلِ اِنْعامِكَ فِي الْقُرْبى مِنْكَ وَالزُّلْفى لَدَيْكَ وَالَّتمَتُعِّ بِالنَّظَرِ اِلَيْكَ » ، فكيف يتمّ التمتّع بالنظر إلى جلاله وإن كان بالقلب فكيف يتمّ ذلك ؟

كما ورد في نفس المناجاة : « وارِداً شَريعَةَ رِفْدِكَ ، مُلْتَمِساً سَنِيَّ الْخَيْراتِ مِنْ عِنْدِكَ ، وافِداً اِلى حَضْرَةِ جَمالِكَ ، مُريداً وَجْهَكَ ، طارِقاً بابَكَ ، مُسْتَكيناً لِعَظَمَتِكَ وَجَلالِكَ ، فَافْعَلْ بي ما اَنْتَ اَهْلُهُ مِنَ الْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ وَلا تَفْعَلْ بي ما اَنَا اَهْلُهُ مِنْ الْعَذابِ وَالنَّقْمَةِ بِرَحْمَتِكَ يا اَرْحَمَ الرّاحِمينَ ». فما هي شريعة رفد الله ، وما هي حضرة جماله ؟

الجواب :

في ما يخصّ السؤال الأوّل : يمكننا القول بأنّ التمتّع بالنظر إليه تعالى إنّما يتّم من خلال تهذيب النفس وتصفية القلب والتسليم له في أمره ونهيه وتقوى الله في السّر والعلانية ، فليس هناك أعظم من « التقوى » في كلّ المجالات التي يعيشها الإنسان : ( وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ) [ الأعراف : 26 ] ، والمتّقون هم الفائزون يوم القيامة : ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ ) [ القمر : 55 ] ، فهم في المحضر الربّوبي يتمتّعون بالنظر إلى جلاله ويحظون برضاه ورضوانه : ( وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّـهِ أَكْبَرُ ) [ التوبة : 72 ] ، فالعالم كلّه حاضر لديه تعالى ، والإنسان يعيش دوماً في محضره فليحاول أن لا يعصي الله في محضره ، و عند ذاك يشعر بالتمتّع بالنظر إليه تعالى.

وفي ما يخصّ السؤال الثاني : فإنّ « الشريعة » عبارة عن الطريق المؤدّي إلى النهر أو البحر ، و « الرفد » معناه العطاء ، والتعبير تعبير أدبي رائع عن حاجة هي من أهمّ حاجات الإنسان وهي عبارة عن أن يسلك الإنسان في حياته دائماً الطريق المؤدّي إلى عطاء الله ورفده ، ولا يقع في الطريق المؤدّية ـ والعياذ بالله ـ إلى سلب النعم عنه ، وإيكاله إلى نفسه ، وأن يكون وفوده دائماً وفوداً إلى المحضر الربوبي ، فلا يفيد في حياته على غيره تعالى ، وهذان إنّما يتوفّران للإنسان إذا أخلص نيّته واتّقى الله ، فعند ذاك يوفقّه الله و يسدّده وينير الدرب أمامه و يأخذ بيده إلى هذه الشريعة و يمهّد له الوفود عليه : ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ) [ العنكبوت : 69 ].