ما هو تفسير الحديث مصدر: « حول ما همَّ به الرسول بإحراق منزل رجل لم يأتِ لصلاة الجماعة » ؟

طباعة

السؤال :

استمعت لحوار للشيخ محمّد السند في الراديو حول فضل صلاة الجماعة واستشهد الشيخ بحديث : « حول ما همَّ به الرسول بإحراق منزل رجل لم يأتِ لصلاة الجماعة » ، وبمناقشة ذلك مع عدد من المؤمنين استغربوا الحديث ، ومنافاته للغلظة الشديدة بالحرق ، وأنّ هذا لا يصدر من الرسول صلّى الله عليه وآله وطالبوا مني مصدر الحديث ، وأن يكون موثقاً من ثقات أعلام ، دامت أفضالكم ؟

الجواب :

رواه الشيخ في كتاب التهذيب بسند صحيح ، وهو : صحيح عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام : المجلد 3 / 75 الحديث 87. ورواه الصدوق في كتاب الأمالي بطريق آخر : / 392 الحديث 13 ، وفي كتاب عقاب الأعمال : / 276 الحديث 2 ، ورواه في الفقيه مرسلاً : المجلد (1) / 245 الحديث 1092. وذكرها في كتاب الوسائل : المجلد 8 / 291 ـ 293 طبعة مؤسّسة آل البيت صلى الله عليه وآله.

نعم للعلماء توجيه لهذه الرواية وهو أنّ أولئك القوم الذين كانوا يتخلفون عن صلاة الجماعة كانوا من فئة المنافقين ، كالذين بنوا مسجداً ضرار للتفريق بين المؤمنين ، وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله فأمر تعالى بأن لا يقيم النبي صلّى الله عليه وآله الصلاة فيه. ثمّ أمر بهدمه وإحراقه ، فكان تأمر المنافقين على أصعدة متعدّدة وبغيتهم أن لا تقام أركان الدين ، فكان عدم حضورهم صلاة الجماعة بقصد إيجاد التسيّب في إقامة الصلاة ، ولئلا يستمع المسلمون إلى خطب النبي صلّى الله عليه وآله وهدايته وتعاليمه القدسيّة ، فيتم تضعيف موقف الرسول صلّى الله عليه وآله ، لا سيما وأن إقامة صلاة الجماعة هي في أوّل عهد الإسلام وغصنه يانع طريّ لم يستحكم ، فالتهاون مدعاة لزعزعة ركن الصلاة ، والناس لمّا تتربّى على أركان الدين.

نعم قد ذهب جماعة من الفقهاء إلى الاحتياط في لزوم الصلاة جماعة لظهور هذه الروايات.

وعلى كلّ تقدير فالغلظة ليست مطلقاً مذمومة ، فقد قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ) [ سورة التوبة ـ براءة ـ : 73 ]. فقد كان صلّى الله عليه وآله مأموراً بالغلظة مع المنافقين بل قد أمر بذلك مرّة أخرى في سورة التحريم : 9.

وقال تعالى : ( قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنْ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً ) [ التوبة : 123 ].

وقال تعالى : ( أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ) [ الفتح : 29 ].

نعم الغلظة لها موقعها واللين والرأفة لها موقعها ، لا افراط ولا تفريط ، ولكلّ موازين وموارد ، فلا يتخلّى عن أخلاقيّة قوانين الدين الحنيف ، كما قد تخلّي عن أخلاقيّة قوانين الجهاد في كثير ممّا سُمي بالفتوحات في ما بعد عهد النبي صلّى الله عليه وآله ، وكما استُخدم أُسلوب الغلظة والشدّة ضدّ المؤمنين في الحوادث التي وقعت بعد وفاة الرسول صلّى الله عليه وآله ، وقد أخبر تعالى عن بعضهم : ( قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ ِلأَخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلاَ يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً * أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنْ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ) [ الأحزاب : 18 ـ 19 ].

بل قد استُخدم هذا الاسلوب ـ الذي أمر الله تعالى باستخدامه ضدّ الكفار والمنافقين ضمن حدود ومقرّرات معيّنة مذكورة في القرآن والسنة في باب الجهاد ـ تجاه بنت النبي صلّى الله عليه وآله وفلذة كبده وروحه التي بين جنبيه ، والذي يغضبه ما يغضبها ويرضيه ما يرضيها ، بل قد اخبر صلّى الله عليه وآله : أنّ الله يرضى لرضا فاطمة ويغضب لغضبها ، وقد ذَكر هذه الأحاديث أهل سنّة الجماعة في صحاحهم وكتبهم ، وقد قال تعالى : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ) [ آل عمران : 144 ].