هل كان خالد بن الوليد مأموراً بقتل مالك بن نويرة ؟

طباعة

السؤال :

هل كان خالد بن الوليد مأموراً بقتل مالك بن نويرة ؟

الجواب :

إنّ خالداً لم يؤمر بالذهاب إلى مالك ، وقد خالفه الأنصار في ذهابه إليه ، وبالتالي يتبيّن بأنّ خالداً ذهب لغرض آخر ، ألا وهو امرأة مالك ، حتّى إنّ مالكاً رضي الله عنه أخبرنا بذلك ، وهو شاهد عيان لما يدور حوله ، وما يعرفه من خالد عندما رأى امرأته عند أسره ، وهي مكشوفة الوجه ، قال لها : لقد قتلتيني ، أيّ أنّي سأقتل بسببك ، وهذا قول من يشاهد الأحداث ، بل المجنى عليه ، وهو خير شاهد ، وليس هو قول الجاني أو أنصاره ، أو حتّى قولنا بعد أكثر من ألف وأربعمائة سنة.

ولنسرد الروايات والأقوال في مالك ، وقتل خالد له ، ومن أصحّ الكتب والمحقّقين عند أهل السنّة.

1 ـ قال ابن حجر : « قال المرزباني : وكان ـ مالك بن نويرة ـ من أرداف الملوك ، وكان النبيّ صلّى الله عليه وآله استعمله على صدقات قومه ، فلمّا بلغته وفاة النبيّ صلّى الله عليه وآله أمسك الصدقة وفرّقها في قومه » (1).

2 ـ روى عبد الرزّاق عن معمر عن الزهري : « إنّ أبا قتادة قال : خرجنا في الردّة حتّى إذا انتهينا إلى أهل أبيات ، حتّى طلعت ـ أيّ طفقت ـ الشمس للغروب ، فأرشفنا إليهم الرماح ، فقالوا : من أنتم ؟ قلنا : نحن عباد الله ، فقالوا : ونحن عباد الله ، فأسرهم خالد بن الوليد ، حتّى إذا أصبح أمر أن يضرب أعناقهم.

قال أبو قتادة : فقلت : اتّقِ الله يا خالد ! فإنّ هذا لا يحلّ لك ، قال : اجلس ، فإنّ هذا ليس منك في شيء.

قال : فكان أبو قتادة يحلف لا يغزو مع خالدٍ أبداً.

قال : وكان الأعراب هم الذين شجّعوه على قتلهم من أجل الغنائم ، وكان ذلك في مالك بن نويرة » (2).

3 ـ روى المتّقي الهندي عن أبي عون وغيره : « إنّ خالد بن الوليد ادّعى أنّ مالك ابن نويرة ارتدّ بكلام بلغه عنه ، فأنكر مالك ذلك ، وقال : أنا على الإسلام ما غيَّرت ولا بدَّلت ، وشهد له بذلك أبو قتادة ، وعبد الله بن عمر ، فقدّمه خالد وأمر ضرار بن الأزور الأسدي فضرب عنقه ، وقبض خالد امرأته ، فقال ـ أيّ عمر ـ لأبي بكر : إنّه قد زنى فارجمه ، فقال أبو بكر : ما كنت لأرجمه ، تأوّل فأخطأ.

قال : فإنّه قد قتل مسلماً فاقتله ، قال : ما كنت لأقتله ، تأوّل فأخطأ.

قال : فاعزله ، قال : ما كنت لأشيم ـ أيّ لأغمد ـ سيفاً سلَّه الله عليهم أبداً » (3).

4 ـ روى ابن عساكر الزهري عن سالم عن أبيه قال : « قدم أبو قتادة على أبي بكر فأخبره بقتل مالك بن نويرة وأصحابه ، فجزع من ذلك جزعاً شديداً ، فكتب إلى خالد ، فقدم عليه ، فقال أبو بكر : هل يزيد خالد على أن يكون تأوّل فأخطأ » ؟ (4).

5 ـ أقرّ ابن حجر بأسلوب خالد وتصرّفاته فقال : « وكان سبب عزل عمر خالداً ما ذكره الزبير بن بكار قال : كان خالد إذا صار إليه المال قسّمه في أهل الغنائم ، ولم يرفع إلى أبي بكر حساباً ، وكان فيه تقدّم على أبي بكر ، يفعل أشياء لا يراها أبو بكر ، أقدم على قتل مالك بن نويرة ، ونكح امرأته ، فكره ذلك أبو بكر ، وعرض الدية على متمّم بن نويرة ، وأمر خالداً بطلاق امرأة مالك ، ولم يرَ أن يعزله ، وكان عمر ينكر هذا وشبههُ على خالد ، وكان أميراً عند أبي بكر ... » (5).

6 ـ أمّا ابن كثير فقد روى قصّة مالك مع خالد كما يلي : « فصل في خبر مالك بن نويرة اليربوعي التميمي : كان قد صانع سجاح حين قدمت من أرض الجزيرة ، فلمّا اتصلت بمسيلمة لعنهما الله ثمّ ترحّلت إلى بلادها ـ فلمّا كان ذلك ـ ندم مالك بن نويرة على ما كان من أمره ، وتلوَّم في شأنه ، وهو نازل بمكان يقال له : البطاح ، فقصدها خالد بجنوده ، وتأخّرت عنه الأنصار ، وقالوا : إنّا قد قضينا ما أمرنا به الصدّيق ، فقال لهم خالد : إنّ هذا أمر لابدّ من فعله ، وفرصة لابدّ من انتهازها ، وإنّه لم يأتني فيها كتاب ، وأنا الأمير ، وإليّ تردّ الأخبار ، ولست بالذي أجبركم على المسير ، وأنا قاصد البطاح !!

فسار يومين ، ثمّ لحقه رسول الأنصار يطلبون منه الإنتظار فلحقوا به ، فلمّا وصل البطاح ، وعليها مالك بن نويرة ، فبثّ خالد السرايا في البطاح ... فجاءته السرايا ، فأسروه وأسّروا معه أصحابه ، واختلفت السرية فيهم ، فشهد أبو قتادة ـ الحرث بن ربعي الأنصاري ـ أنّهم أقاموا الصلاة ، وقال آخرون ـ أيّ الأعراب الذين ذكرهم أبو قتادة كما في الرواية الأُولى أنّهم شجّعوا خالداً من أجل الغنائم ـ : أنّهم لم يؤذّنوا ولا صلُّوا ... وقتل ضرار بن الأزور مالك بن نويرة ، فلمّا سمع الداعية ، خرج وقد فرغوا منهم !! فقال : إذا أراد الله أمراً أصابه.

واصطفى خالد امرأة مالك بن نويرة !! وهي أُمّ تميم ابنة المنهال ، وكانت جميلة !! فلمّا حلّت بني بها ـ وهذا تردّه الروايات الأُخرى الأصحّ منه ـ ... وأمر برأسه فجعله مع حجرين ، وطبخ على الثلاثة قدراً ... ويقال : إنّ شعر مالك جعلت النار تعمل فيه إلى أن نضج لحم القدر ، ولم تفرغ الشعر لكثرته !! ـ لكثرته أم لكرامته ! ـ وقد تكلّم أبو قتادة مع خالد فيما صنع ، وتقاولا في ذلك ، حتّى ذهب أبو قتادة فشكاه إلى الصدّيق ، وتكلّم عمر مع أبي قتادة في خالد ... وجاء متمم بن نويرة فجعل يشكو إلى الصدّيق خالداً ، وعمر يساعده ، وينشد الصدّيق ما قال في أخيه من المراثي ، فوداه الصدّيق من عنده ... واستمرّ أبو بكر بخالد على الإمرة ، وإن كان قد اجتهد في قتل مالك بن نويرة وأخطأ في قتله » ! (6).

7 ـ ونختم برواية ابن الأثير ، ونكتفي بقوله وتعليقه : « مالك بن نويرة ... قدم على النبيّ صلّى الله عليه وآله ، واستعمله رسول الله صلّى الله عليه وآله على بعض صدقات بني تميم ، فلمّا توفّي النبيّ صلّى الله عليه وآله وارتدّت العرب ، وظهرت سجاح ، وادّعت النبوّة صالحها ، إلّا إنّه لم تظهر عنه ردّة ، وأقام بالبطاح ، فلمّا فرغ خالد من بني أسد وغطفان ، سار إلى مالك ، وقدم البطاح ، فلم يجد به أحد ، كان مالك قد فرّقهم ونهاهم عن الإجتماع ، فلمّا قدم خالد البطاح بثّ سراياه ، فأتى بمالك بن نويرة ونفرٍ من قومه ، فاختلفت السرية فيهم ، وكان فيهم أبو قتادة ، وكان فيمن شهد أنّهم أذّنوا وأقاموا وصلّوا ، فحبسهم في ليلة باردة ، وأمر خالد فنادى ادفئوا أسراكم ...!! ، فخرج وقد قُتِلوا ، فتزوّج خالد امرأته !!

فقال عمر لأبي بكر : سيف خالد فيه رهق وأكثرَ عليه ، فقال أبو بكر : تأوّل فأخطأ ، ولا أشيم سيفاً سلّه الله على المشركين ، وودى مالكاً ، وقدم خالد على أبي بكر ، فقال له عمر : يا عدّو الله ، قتلت امرءاً مسلماً ، ثمّ نزوت على امرأته ، لأرجمنّك.

وقيل : إنّ المسلمين لما غشّوا مالكاً وأصحابه ليلاً أخذوا السلاح ، فقالوا : نحن المسلمون ، فقال أصحاب مالك : ونحن المسلمون ، فقالوا لهم : ضعوا السلاح وصلُّوا ... فقدم متمّم على أبي بكر يطلب بدم أخيه ، وأن يردَّ عليهم سبيهم ، فأمر أبو بكر بردِّ السبيّ ، وودى مالكاً من بيت المال ... فهذا جميعه ذكره الطبري وغيره من الأئمّة ، ويدلّ على أنّه لم يرتَدَّ.

وقد ذكروا في الصحابة أبعد من هذا ، فتركهم هذا عجب ، وقد أختلف في ردّته ، وعمر يقول لخالد ٍ : قتلت امرءاً مسلماً ، وأبو قتادة يشهد أنّهم أذّنوا وصلّوا ، وأبو بكر يردّ السبيّ ، ويعطي دية مالك من بيت المال ، فهذا جميعه يدلّ على أنّه مسلم ... رحمه الله ورضي عنه » (7).

أقول : ونستفيد من هذه الروايات أيضاً بأنّ سبي خالد لقوم مالك ليس شرعيّاً.

ونختم برواية تشهد لما قدّمناه من سبب قتل خالدٍ مالكاً كما يرويها الذهبي : « إنَّ خالداً بثّ السرايا ، فأتي بمالك ، فاختلف قول الناس فيهم وفي إسلامهم ، وجاءت أُمّ تميم كاشفة وجهها فأكبّت على مالك ، وكانت أجمل الناس ، فقال لها : إليك عنّي ، فقد والله قتلتني.

فأمر بهم خالد ، فضُربت أعناقهم ، فقام أبو قتادة فناشده فيهم ، فلم يلتفت إليه ، فركب أبو قتادة فرسه ، ولحق بأبي بكر وحلف : لا أسير في جيش وهو تحت لواء خالد.

وقال : ترك قولي وأخذ بشهادة الأعراب الذين فتنتهم الغنائم » (8) ، ورواه أيضاً ابن عساكر (9).

وقال ابن حجر : « وروى ثابت بن قاسم في الدلائل : إنّ خالداً رأى امرأة مالك ، وكانت فائقة في الجمال ، فقال مالك بعد ذلك لامرأته : قتلتيني ، يعني سأُقتل من أجلك » (10).

فقد ثبت من كلّ ذلك أنّه ليس هناك ردّة لمالك ، ولا سبي صحيح ، بل أرجع لهم سبيهم ، وبقي مالك مسلماً صحابيّاً جليلاً.

الهوامش

1. الإصابة 5 / 560.

2. المصنّف للصنعاني 10 / 174.

3. كنز العمّال 5 / 619.

4. تاريخ مدينة دمشق 16 / 256.

5. الإصابة 2 / 218.

6. البداية والنهاية 6 / 354.

7. أُسد الغابة 4 / 295.

8. سير أعلام النبلاء 1 / 377.

9. تاريخ مدينة دمشق 16 / 258.

10. الإصابة 5 / 561.