هل ادّعاء الشيعة في نزول مصحف على فاطمة بعد وفاة الرسول ، صحيح ؟

طباعة

السؤال :

تدعي كتب الشيعة نزول مصحف على فاطمة بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. تقول إحدى روايات الكافي عن مصحف فاطمة : « ... إن الله تعالى لما قبض نبيّه صلّى الله عليه وسلّم دخل على فاطمة عليها السلام من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلّا الله عزّ وجلّ ، فأرسل الله إليها ملكاً يسلي غمها ويحدثها فشكت ذلك إلى أمير المؤمنين رضي الله عنه ، فقال : إذا أحسست بذلك ، وسمعت الصوت قولي لي ، فأعلمته بذلك ، فجعل أمير المؤمنين رضي الله عنه يكتب كلّ ما سمع حتّى أثبت من ذلك مصحفاً .. أمّا إنّه ليس فيه شيء من الحلال والحرام ولكن فيه علم ما يكون ».

تفيد هذه الرواية بأن الغرض من هذا المصحف أمر يخصّ فاطمة وحدها ، وهو تسليتها وتعزيتها بعد وفاة أبيها صلّى الله عليه وسلّم ، وأنّ موضوعه « علم ما يكون » ، وما أدري كيف يكون تعزيتها بإخبارها بما يكون وفيه ـ على ما تنقله الشيعة ـ قتل أبنائها وأحفادها ، وملاحقة المحن لأهل البيت ؟!

ثمّ كيف تعطى فاطمة « علم ما يكون » و « علم الغيب » ورسول الهدى يقول كما أمره الله : ( وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ ) ؛ فهل هي أفضل من رسول الله ؟

وتقول هذه الرواية بأن عليّاً هو الذي كتب ما أملاه الملك رغم أنّ رواياتهم الأخرى تقول بأن بعد وفاة الرسول صلّى الله عليه وسلّم كان منشغلاً بجمع القرآن. والكذب لا محالة له من التناقض والاختلاف.

ويقولون بأنّ مصحفهم هذا ثلاثة أضعاف القرآن.

جاء في الكافي عن أبي بصير قال : دخلت على أبي عبد الله ـ ثمّ ذكر حديثاً طويلاً في ذكر العلم الذي أودعه الرسول صلّى الله عليه وسلّم عند أئمّة الشيعة كما يزعمون ، وفيه قول أبي عبد الله : ـ وإنّ عندنا لمصحف فاطمة عليها السّلام. قلت ـ القول للرّاوي ـ : وما مصحف فاطمة عليها السّلام ؟ قال : مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرّات ما فيه من قرآنكم حرف واحد. فهذه الأسطورة التي يرويها ـ ثقة الإسلام عندهم ـ بسند صحيح عندهم. كما يقرّره شيوخهم.

تقول : « إن مصحفهم يفوق المصحف في حجمه ، ويخالفه في مادته ... » ؛ فهل معنى هذا أكتاب الله أقلّ من مصحف فاطمة ؟ وأن مصحف فاطمة أكمل وأوفى من كتاب الله سبحانه الذي أنزله الله سبحانه : ( تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ ) [ النحل : 89 ] ، وجعله دستوراً ومنهاج حياة للأمّة إلى أن تقوم الساعة ؟! وهل الأمّة محتاجة إلى كتاب آخر غير كتاب الله ليكمل به دينها ؟! وإذا فقدته فهي لم تستكمل أسباب الهداية والخير ، وهي اليوم قد فقدته ، إذ لا وجود له باعتراف الجميع ...

ثمّ كيف يكون كتاب تسلية وتعزية كما تقول روايتهم السابقة أكمل من كتاب الله سبحانه ؟ أليس هذا الزعم غاية في التحلل من العقل والجرأة على الكذب ؟

الجواب :

نعم وألف نعم ؛ هناك عند الأئمّة عليهم السلام كتاب يعرف بمصحف فاطمة عليها السلام وهم يفتخرون بذلك حيث انّه من مصادر علومهم ، لكن ليس مصحف فاطمة قرآناً بل ليس فيه شيء من القرآن ولا يرتبط أصلاً بالقرآن الكريم ، بل هو كتاب ذكر فيه الحوادث والوقائع إلى يوم القيامة ، ويكون مثل كتاب الجفر والجامعة وغيرهما من الكتب الموجودة عند الأئمّة عليهم السلام ، ويكون من مصادر علومهم (1).

وليس معنى المصحف هو القرآن بل كلّ ما يكون من بين الدفتين يعبّر عنه بالمصحف ؛ فكلّ كتاب يطلق عليه المصحف ، وانّما نعبر عن القرآن الكريم بالمصحف لأنّه كتاب ، وكلّ كتاب مصحف (2).

وأمّا انّ مصحف فاطمة أهمّ وأعظم من القرآن الكريم ؛ فهذه تهمة وإفتراء أو جهل بعقائد الشيعة الإماميّة.

وأمّا انّ الاُمّة محتاجة إلى كتاب غير القرآن الكريم ، فهذا ممّا لا شكّ فيه ؛ لأنّ القرآن الكريم هو كتاب هداية وإرشاد وموعظة وتشريع لأصل الأحكام الإلهيّة ، أمّا تفاصيل الأحكام والشريعة فلا تكون مذكورة في القرآن الكريم ، وليس من الممكن ان يستوعب القرآن جميع أحكام الشريعة وتفاصيلها وشرائطها وأجزائها ، لأنّه يستلزم ان يكون القرآن مجلّدات متعدّدة ينوء عن حملها البعير ، فلا محاله لابدّ من الرجوع إلى السنّة النبويّة التي يحكى عنها الروايات والأحاديث المشتملة على الأحكام الإلهيّة وتفسير القرآن الكريم ، أو إلى كتب أخرى تشتمل على العلوم التي يحتاج إليها البشر والتي لا توجد في القرآن الكريم ، وهذا أمر واضح بديهي ، ومصحف فاطمة من هذا القبيل.

والعجيب انّك تحتاج في ركعات صلواتك إلى غير القرآن الكريم من حديث أو رواية منقولة عن النبي صلّى الله عليه وآله ، ومعذلك تدّعي أنّنا لا نحتاج إلى غير القرآن الكريم لأنّه تبيان كلّ شيء ؟؟!

أقول : صحيح البخاري أو صحيح مسلم أو أيّ كتاب آخر من الصحاح هو ثلاثة أضعاف القرآن ، فهل يعتبر ذلك أفضليّة صحيح البخاري عن القرآن الكريم ؟ ثمّ انّ البخاري كتب هذا الصحيح وجمعه وقضى عمره في جمعه ، ومعذلك ألّف كتباً أخرى مثل الأدب المنفرد وغيره ، فهل هذا تناقض ؟ فعلي عليه السلام جمع القرآن و معذلك كتب ما يمليه جبريل على فاطمة ، فما المانع من ذلك ؟

الهوامش

1. راجع :

الكافي « للشيخ الكليني » / الملجلّد : 1 / الصفحة : 238 ـ 242 / الناشر : دار الكتب الإسلاميّة / الطبعة : 3.

دلائل الإمامة « لمحمّد بن جرير الطبري » / الصفحة : 104 ـ 107 / الناشر : مؤسسة البعثة / الطبعة : 1.

بحار الأنوار « للشيخ المجلسي » / المجلّد : 22 / الصفحة : 545 ـ 546 / الناشر : مؤسسة الوفاء / الطبعة : 2.

2. راجع :

لسان العرب « لابن منظور » / المجلّد : 9 / الصفحة : 186 / الناشر : نشر أدب الحوزة.