ما الفرق بين الزواج الدائم والزواج المتعة

طباعة

السؤال :

علماً أنّني لا أخوض هذه المعارك إلّا قليلاً ، ولأنّني لا أعلم عن زواج المتعة إلّا القليل ، فأرجو منكم مساعدتي حول هذا الموضوع لأخرس السنّة ، هؤلاء الذين يدّعون أنّ مَن يتزوّج متعة عاهراً ، وأنّ زواج المتعة لم يوضع إلّا للدعر الدعارة الحلال !

قراءة نقدية في فقه زواج المتعة ترى ما الفرق بين الزواج الدائم وزواج المتعة.

يشترك الزواج الدائم مع المتعة في أنّه يتطلّب عقداً : « أيّ إيجاباً وقبولاً من الطرفين» ، ويتطلّب تقديم مبلغ من المال إلى المتمتّع بها ، كما يثبت فيه النسب تماماً كالزواج الدائم.

وتختلف المتعة عن الزواج الدائم في أنّها زواج مؤقّت بمدّة معيّنة ، بحيث تنتهي الزوجيّة ويفترق الزوجان بمجرّد إنتهاء الأجل المتّفق عليه دون طلاق ، كما أنّه لا يتطلّب شهوداً ، ولا موافقة الولي ، ولا توارث فيه بين الزوجين إلّا مع شرطه ، وعدّة الفراق فيه حيضتان أو شهران ، ولا يتقيّد حقّ الرجل في أربع نساء كما هو الحال في الزواج الدائم ؛ إذ يحقّ للرجل أن يستمتع بعدد لا حدّ له من النساء !

وبعيداً عن الجدل الفقهي الممجوج الذي يثور دائماً كلّما طُرح موضوع المتعة ؛ فإنّ هدفي من هذا المقال هو طرح السؤال التالي :

هل حقّاً شبابنا يعرف ما هو زواج المتعة ؟

وهل يطبّق بحذافيره ؟

وهل يعلم المغالطات التي يقع فيها ؟

هل المتعة هي علاقة جنسيّة سوية ومقبولة اجتماعيّاً وعرفاً ؟

ما هو الفارق الحقيقي بين المتعة والدعارة أو الزنى ؟

وإذا سلّمنا بأنّ الفارق الوحيد بينهما هو ثبوت النسب في المتعة ، فالسؤال الذي يطرح هنا : إذا استعمل الرجل وسيلة لمنع الحمل ألّا يزول هذا الفارق الوهمي ؟

وهذا ما يحدث عمليّاً في جميع حالات المتعة ؛ إذ يستحيل أن تجد رجلاً يقدم على عقد المتعة وهو يتوقّع أن يرزق بابن نتيجة هذه العلاقة التي تقوم أساساً لهدف إشباع الدافع الجنسي فحسب.

إذن ما هو الفرق الحقيقي بين العلاقتين بعيداً عن التسميات الشكلية ؟ وهل اختلاف التسميات تجعل الحلال حرام والدعارة نقاء ؟ وثبوت النسب والعدة !

هل تعتقد أن مَن يقدم على ممارسة شرّعت أساساً لاشباع الدافع الجنسي بأسهل الطرق ، ومن خلال علاقة عابرة كالمتعة سيفكّر في حدوث حمل ؟

ماذا لو أنّه اتّخذ الاحتياطات اللازمة لتجنب الحمل ؟

ومن هنا فقد أحببت في هذا المقال أن انبّه الشباب أو الرجال إلى أنّهم في واقع أمرهم أنّما يقعون في مغالطات خطيرة ، فهم يمارسون شكلاً من أشكال الدعارة المقننة ، وينسون أنّهم يمارسون تجاوزات أخلاقيّة تحت ستار شرعي ، لا يفهمون من وجوده إلّا التسمية ؟

لذا أرجو من سماحتكم مساعدتي لأقف أمام جميع هذه السخافات التي تدور حول المذهب الشيعي.

الجواب :

الواقع هو أننا لم نفهم وجه السؤال ؛ فهل السؤال عن أصل تشريع المتعة في الإسلام ، أم السؤال عن الفرق بينها وبين الزنا بعد الاعتراف والإيمان بأصل تشريع المتعة وتحليلها في الإسلام ؟

فان كان السؤال عن الأوّل : فالجواب هو أنّه لا خلاف ولا إشكال عند الشيعة في جواز المتعة في الشريعة الإسلاميّة وحلّيتها إلى يومنا هذا وإلى يوم القيامة ، فحلال محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم حلال إلى يوم القيامة ، وحرامه حرام إلى يوم القيامة. وقد تمّت لدينا الأدلّة القطعيّة من الكتاب والسنّة على جواز المتعة ، وليس من حَقّ أيّ شخصٍ أن يحرّم ما حلّله الله ورسوله.

وإن أحببتم الاطّلاع على بعض الأدلّة الدالّة على جوازها في الشريعة ، وعمل المسلمين بها في عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فننصحكم بالرجوع إلى كتاب : « لله وللحقيقة » تأليف الشيخ علي آل محسن ، رَدّاً على كتاب : « لله ثمّ للتاريخ » ، ففيه ما ينفعكم بإذن الله تعالى.

وإن كان السؤال عن الثاني : فالجواب هو أنّه بعد الاعتراف بحلّيّة المتعة في الإسلام ، فإنّ الفرق بينها وبين الزنا هو أنّ الله ورسوله قد أحلّا المتعة وحَرَّما الزنا.

فبالنسبة الى المتعة قال تعالى : ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) (1).

وبالنسبة الى الزنا قال تعالى : ( وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ) (2).

فأيّ فرقٍ أعظم وأهمّ من هذا ؟ أليس تحليل الله ورسوله لشيء وتحريمها لشيء آخر فارقاً عندكم ؟

ففي المتعة تحصل علاقة ورابطة معنوية بين الرجل والمرأة نسمّيها بعلاقة الزوجيّة ، فيما إذا التزمنا بالشروط اللازمة من العقد المحدَّد ، والمدّة المحدَّدة ، والمهر المحدَّد ، والعدّة المحدّدة ، وحصول هذه العلقه الزوجيّة من خلال هذه الشروط أمر حَكَم به الشرع في الكتاب والسنّة ، والمفروض بالإنسان المسلم أن يَتعَبَّد بما حكم به الإسلام ، وأن لا يقول أيّ فرق بين هذا وبين الزّنا ، فيكون مَثَله مَثَل الذين قال عنهم القرآن الكريم : ( ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ) (3). فَرَدّ الله تعالى عليهم قائلاً : ( وَأَحَلَّ اللَّـهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ) (4).

ففي الزنا لا تحصل هذه العُلقه المعنوية الّتي سمّيناه بعلقه الزوجية ؛ لأنّ الله ورسوله لم يعتبرا الزنا عملاً يوجب حصول ذلك ، فالمرأة إذا لم تكن عاهراً ومحترفة للزنا ، ولم تكن أيضاً في عدّة من رجل آخر ، وأجرت العقد المحدَّد من الناحية اللفظيّة بينها وبين الرجل ـ وطبعاً ألفاظ العقد محدّدة ولا تنوب عنها ألفاظ أخرى ـ ، وكان العقد مشتملاً على الشروط اللازمة المذكورة في الكتب الفقهيّة أصبحت زوجةً شرعيّة للرجل ، وترتَّبت على هذه الزوجيّة أحكام شرعيّة معيّنة.

أمّا إذا كانت عاهراً ومشهورةً بالزنا فلا يجوز التمتّع بها ـ لدى الكثير من الفقهاء ـ ، أو كانت عفيفة لكن كان وليّها غير راضٍ بعقد المتعة فأيضاً لا يجوز التمتّع بها ، ولا يصحّ. (5)

لا تقولوا إنّه في الزنا أيضاً قد يرضى الوليّ فأين الفرق ؟ لأنّ الجواب هو أنّه إذا رضي الوليّ وأُجري العقد الذي حدّدناه ، وكان مشتملاً على كلّ الشروط اللازمة ، ولم تكن المرأة من المحترفات للزنا ، فإنّ هذا حينئذٍ ليس عبارة عن « الزنا » بل هو المتعة المحلَّلة شرعاً.

إذاً فالحلال بيّن ، والحرام بيّن ، وتشريع المتعة إنّما كان من أجل إشباع الغريزه الجنسيّة عن طريق مشروع كما دلّت عليه رواياتنا وروايات أهل السنّة أيضاً.

وأمّا استغلال المتعة من قبل البعض وتبديلها عن مسارها ، فهذا لا يخدش بأصل تشريع المتعة في الإسلام ، فكثير من ضعفاء النفوس يستغلّون الصلاة وغيرها من العبادات لمآربهم الدينيّة الدنيويّة ، فهل هذا يضرّ بأصل التشريع ؟ طبعاً لا ، فالممارسات الخاطئه التي تصدر من الناس بالنسبة إلى عمل من الأعمال لا تنعكس سلبيّاً على تشريع الله ورسوله لذلك العمل ، ولا تحلِّل ولا تحرِّم.

فلو سلّمنا أن بعض ضعاف النفوس ـ من رجال أو نساء ـ قد استغلّوا نكاح المتعة أبشع استغلال كما تقولون ، فانّ هذا لا يقدح في حلّيّة نكاح المتعة ، كما لم يقدح في حلّيّة النكاح الدائم استغلاله من قبَل مَن يريد به تحقيق مكاسب مادّية أو معنويّة كما يفعله كثير من الناس.

وأمّا قصر المدّة فأيضاً لا يضرَّ بصحّة النكاح مادام النكاح مشتملاً على شروط اللازمة ، فحال نكاح المتعة في ذلك حال النكاح الدائم ، فمَن عقد على امرأة عقد النكاح الدائم وباشرها ثمّ طلَّقها ، صَحَّ نكاحه وطلاقه بلا خلاف بين المسلمين ، ولا يضرّ قصر المدّة التي عاش معها بصحّة نكاحه ولا بصحّة طلاقه.

وأخيراً ، فانّ المجال هنا ضيّق ولدينا الكثير من الكلام في هذا المجال ، فإن أحببتم الاطّلاع على المزيد من الشرح والتوضيح لكثير من النقاط السخيفه ـ حسب تعبيركم ـ التي تدور حول المذهب الشيعي ، فعليكم بمطالعة الكتاب الذي ذكرناه « لله وللحقيقة » ، وفّقكم الله وإيّانا لما يحبّ ويرضاه.

الهوامش

1. النساء : 24.

2. الإسراء : 32.

3. البقرة : 275.

4. البقرة : 275.

5. راجع :

منهاج الصالحين « للسيد السيستاني » / المجلّد : 3 / الصفحة : 82 / الناشر : مكتب آية الله العظمى السيد السيستاني ـ قم / الطبعة : 1.

منهاج الصالحين « للسيد السيستاني » / المجلّد : 3 / الصفحة : 28 / الناشر : مكتب آية الله العظمى السيد السيستاني ـ قم / الطبعة : 1.