نوح السبايا والصحابة يوم أربعين استشهاد الحسين عليه‌ السلام

البريد الإلكتروني طباعة

نوح السبايا والصحابة يوم أربعين استشهاد الحسين عليه‌ السلام

لقد تأكّد بالروايات المتواترة أن السبايا والاسرى عرجوا بعد خروجهم من الشام على مجزرة كربلاء في اليوم العشرين من شهر صفر ، هو اليوم المصادف لمرور أربعين يوماً على مقتل الإمام الحسين عليه‌ السلام ومصرع آله وأصحابه ، وأقامت المناحات على الشهداء حول مصرعهم ومدفنهم بكربلا غير أن هناك خلافاً بين المؤرّخين حول ان حضور ركب الاسرى والسبايا على قبول الشهداء في كربلاء هل كان في السنة نفسها ـ أيّ سنة ٦١ هـ ـ أو في السنة التي تلتها ، ـ أي سنة ٦٢ هـ ـ ومعظم الروايات صريحة وكثير من الأدلّة ناطقة بأن ذلك قد تمّ في العشرين من شهر صفر سنة ٦١ هـ وهي السنة التي صرع فيها الحسين وآله بكربلاء.

هذا بالإضافة إلى أن بعض الصحابة من شيعة آل علي عليه‌ السلام كانوا قد توافدوا أيضاً على ساحة المعركة في ذلك اليوم ، وأقاموا العزاء والنوح فيه على تلك القبور. وصادف أن التقى ركب السبايا والأسرى بوفود الصحابة في هذه الساحة الحزينة العزلاء ، فاقام الفريقان فيها مناحة على ضحايا البغي والظلم لم يسبق لها مثيل في ذلك العصر.

وانقل فيما يلي ما توفّر لدي من هذه الروايات.

١ ـ جاء في الصفحة « ٧٤٧ » من « موسوعة آل النبي » عند وصف الرحلة من الشام إلى المدينة ، وإلحاح دليل قافلة الأسرى والسبايا على قضاء حوائجهم ما نصه :

« قالت زينب للدليل مرة : لو عرجت بنا على كربلاء فأجاب الدليل محزوناً : أفعل ، ومضى بهم حتى أشرفوا على الساحة المشؤومة ، وكان قد مضى على المذبحة يومئذ أربعون يوماً ، وما تزال الأرض ملطّخة ببقع من دماء الشهداء وبقيّة من أشلاء غضة ، عفا عنها وحش الفلاة وناحت النوائح ، وأقمن هناك ثلاثة أيّام ، لم تهدأ لهن لوعة ، ولم ترفأ لهن دمعة. ثم أخذ الركب المتهك طريقه إلى مدينة الرسول ... ».

٢ ـ ورد في رواية أخرى تنقلها أسناد الرواية المعتبرة مفادها : انّ يزيد أمر برد السبايا والأسارى من الشام إلى المدينة المنوّرة في الحجاز ، مصطحبين بالرؤوس ، تحت إشراف جماعة من العرفاء ، يرأسهم النعمان بن بشير الأنصاري ، فلمّا بلغ الركب أرض العراق في طريقه إلى مدينة الرسول قالت زينب للدليل : مر بنا على طريق كربلاء ، ومضى بهم حتّى أشرفوا على ساحة القتل المشؤومة وكان جابر بن عبد الله الأنصاري الصحابي الجليل ، وجماعة من بني هاشم ، ورجال من آل الرسول صلّى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم قد وردوا العراق لزيارة قبر الحسين عليه‌ السلام.

فيقول في ذلك علي بن طاووس في كتابه « اللهوف » : « إن الأسارى لما وصلوا إلى موضع مصرع الإمام الحسين ، وجدوا جابر بن عبد الله الأنصاري وجماعة من بني هاشم ورجالاً من آل الرسول صلّى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم قد وردوا لزيارة قبر الحسين عليه‌ السلام. فتوافدوا في وقت واحد ، وتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم ، وأقاموا المآتم المقرحة للأكباد واجتمع عليهم أهل ذلك السواد وأقاموا على ذلك أياماً » (1).

٣ ـ أمّا قصّة الصحابي الأشهر جابر بن عبد الله الأنصاري فتتلخّص في أنّه بعد أن علم بمقتل الإمام الشهيد ـ وكان قد كف بصره ـ توجه من المدينة نحو أرض كربلاء ، وعندما وصل إلى قرية الغاضريّة على شاطئ نهر الفرات ، اغتسل في شريعتها ، وتقمص بأطهر ثيابه ، وتطيب بسعد كان مع صاحبه عطاء ، ثمّ سعى نحو القبر الشريف حافي القدمين ، وعليه علامات الحزن والكآبة ، حتّى وقف على الرمس الكريم ، ووقع مغشيّاً عليه. وعند إفاقته من غشوته سمعه عطاء يقول : « السلام عليكم يا آل الله ... » الخ.

٤ ـ جاء في الجزء « ١ : ١٥١ » من « المجالس السنية » ما عبارته : « لما رجع أهل البيت من الشام إلى المدينة قالوا للدليل : مر بنا على طريق كربلاء ، فلمّا وصلوا إلى موضع المصرع وجدوا جابر بن عبد الله الأنصاري وجماعة من بني هاشم (2) ورجالاً من آل الرسول صلّى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم قد وردوا لزيارة قبر الحسين ، فتوافوا في وقت واحد ، وتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم ، وأقاموا المآتم ، واجتمع عليهم أهل ذاك السواد ، وأقاموا على ذلك أيّاماً.

وعن الأعمش عن عطيه العوفي قال : « خرجت مع جابر بن عبد الله الأنصاري رضي‌ الله‌ عنه زائراً قبر الحسين ، فلمّا وردنا كربلاء دنا جابر من شاطئ الفرات فاغتسل ، ثمّ اتزر بإزار وارتدى بآخر ، ثمّ فتح صرة فيها سعد فنشرها على بدنه ، ثمّ لم يخطّ خطوة إلّا ذكر الله تعالى حتّى إذا دنا من القبر قال : ألمسنيه يا عطيّة ، فألمسته إيّاه فخر على القبر مغشيّاً عليه. فرششت عليه شيئاً من الماء ، فلمّا أفاق قال : يا حسين ـ ثلاثاً ـ. قال : حبيب لا يجيب حبيبه. ثمّ قال : وأنّى لك بالجواب وقد شخبت أوداجك على أثباجك ، وفرق بين بدنك ورأسك. أشهد أنّك ابن خير النبيين ، وابن سيّد المؤمنين ، وابن حليف التقوى وسليل الهدى ، وخامس آل الكسا ، وابن سيّد النقبا ، وابن فاطمة سيّدة النسا. ومالك لا تكون هكذا ». إلى آخر كلامه.

ثمّ يستطرد الكتاب حيث يقول : « ومضى عبد جابر ليرى منهم القادمون من ناحية الشام فما كان بأسرع من أن يرجع وهو يقول : يا جابر قم واستقبل حرم رسول الله ، هذا زين العابدين قد جاء بعمّاته وأخواته. فقام جابر حافي الأقدام مكشوف الرأس إلى أن دنا من زين العابدين ، فقال الإمام عليه‌ السلام : أنت جابر ؟ قال : نعم يا ابن رسول الله. قال : يا جابر ها هنا والله قتلت رجالنا ، وذبحت أطفالنا ، وسبيت نساؤنا ، وحرقت خيامنا ... ».

٥ ـ جاء في الصفحة « ٣٦١ » من كتاب « المدخل إلى موسوعة العتبات المقدّسة » لجامعه جعفر الخليلي عند ترجمة حال جابر بن عبد الله الأنصاري الصحابي الجليل ما نصّه : « وهو ـ أيّ جابر ـ أوّل من زار الإمام الحسين في كربلاء بعد أربعين يوماً من وفاته. وزيارته هذه من الزيارات المشهورة ».

٦ ـ أقول : ومنذ ذلك التاريخ ، ويوم « ٢٠ » صفر من كل عام أصبح يوماً مشهوداً في التاريخ الإسلامي. كما أنّه صار من أعظم أيّام الزيارات لقبر الحسين عليه‌ السلام وشهداء الطف في كربلاء ، إذ تحتشد فيه مئات الألوف من المسلمين في مدينة كربلاء ، ويقيمون فيه المناحات الحزينة عند قبر الإمام ، ويسيرون المواكب العظيمة التي تمثل ركب الإمام الشهيد عليه‌ السلام وتعيد ذكراه المقرحة.

هذا ويحدثنا التاريخ بأن ركب السبايا والأسرى ترك أرض كربلاء بعد بقائه فيها مدّة ثلاثة أيّام أو أربعة ميمّمين شطر مدينة الرسول صلّى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم في الحجاز.

الهوامش

1. اللهوف في قتلى الطفوف : ٨٦.

2. ينابيع المودّة ٢ : ٣٥٣.

مقتبس من كتاب : [ تاريخ النّياحة على الإمام الشهيد الحسين بن علي عليهما السلام ] / المجلّد : 1 / الصفحة : 77 ـ 80

 

أضف تعليق

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية