الحكمة من زيارة الإمام الحسين عليه السلام

طباعة

الحكمة من زيارة الإمام الحسين عليه السلام

     

إذا شئت النجاة فزر حسيناً

 

لكي تلقى الإله قرير عين

فإن النار ليس تمس جسماً

 

عليه غبار زوّار الحسين

* * *

وقال بعض الأُدباء :

     

بزوّار الحسين خلطت نفسي

 

لتحسب منهم يوم العداد

فإن عُدَّت فقد سعدتْ وإلّا

 

فقد فازت بتكثير السواد

* * *

لا يخفى على من له إلمام واطلاع بالأحاديث الشريفة المرويّة حول زيارة الإمام الحسين سلام الله عليه انّ هذا الأمر قد نال اهتمام أهل البيت عليهم السلام إلى درجة كبيرة جدّاً ... بحيث أن زيارته عليه السلام حازت الصَّدارة في زيارة مراقد المعصومين أجمعين عليهم الصلاة والسلام.

ولا غرابة في هذا الأمر ... ذلك لأنّ الإمام الحسين عليه السلام هو رمز التشيّع وهو سرُّ بقاء الإسلام إلى هذا اليوم ، وباسمه تقام أُلوف بل ملايين المجالس والمحافل والاجتماعات الدينيّة في شرق الأرض وغربها ، وباسمه تؤسّس المؤسّسات والمراكز الثقافيّة والخيريّة والتوجيهيّة وغيرها.

والناس ـ على اختلاف مذاهبهم وأديانهم واتّجاهاتهم ـ يشعرون في أعماق نفوسهم وقلوبهم باندفاع قويّ نحو الإمام الحسين عليه السلام بالذات وشعائره المقدّسة ، فتراهم يبذلون أموالهم وأملاكهم في سبيل الإمام الحسين عليه السلام وبكلّ جود وسخاء.

وتراهم يشدُّون الرحال ويقطعون أُلوف الأميال ويتحمّلون مشاقّ السفر وعناء الطريق قاصدين مدينة كربلاء المقدّسة ـ بالعراق ـ ليتشرّفوا بزيارة مرقد الإمام الحسين عليه السلام.

لماذا ؟

ما هو الدافع الذي يدفعهم نحو ذلك ؟

وما هو هدفهم من ذلك ؟

الجواب : أولاً : رغبة منهم في الحصول على الثواب الجزيل الذي أعدّه الله تعالى لزائر قبر الإمام الحسين عليه السلام في الآخرة.

ذلك الثواب الذي صرّحت به عشرات الأحاديث الصحيحة المعتبرة التي لا شكّ فيها ولا ريب.

وبإمكانك ـ أيّها القارئ الكريم ـ أن تقوم بمراجعة كتاب كامل الزيارات ـ للمحدّث الجليل الثقة : ابن قولويه ـ لتقف على جانب من تلك الأحاديث الشريفة المرويّة في هذا المجال.

ثانياً : رغبة منهم في نيل البركات والآثار الدنيويّة التي يتفضّل الله تعالى على زائر قبر الإمام الحسين عليه السلام من سعة الرزق وطول العمر ودعاء الملائكة له ، وغيرها من البركات التي نطقت بها الأحاديث والروايات الصحيحة المعتبرة.

ثالثاً : لأنّ زيارة الإمام الحسين عليه السلام شأنها شأن العبادات الأُخرى التي يتقرّب الإنسان بها إلى الله تعالى ، فزيارته « خير موضوع فمن شاء استقلّ ومن شاء استكثر » كما قال الإمام الصادق عليه السلام.

رابعاً : ان العقل يحكم برجحان زيارته عليه السلام.

توضيح ذلك : انّ تقديس العظماء وتمجيد الأبطال بعد موتهم نزعة فطريّة وسُنَّة عقلائيّة سائدة في كافّة أنحاء العالم وبين جميع الأُمم والشعوب العالميّة ، والحضارات الإنسانيّة منذ أقدم العصور وإلى يومنا هذا.

بل إن عصرنا هذا وجيلنا الحاضر هو أكثر تمسُّكاً وأشدّ محافظة على هذا التقليد من السابق ، فترى بعض الدول ـ التي ليس لها زعيم سابق معروف وبطل عالمي شهير تمجّد فيه البطولة والفداء في سبيل الاُمّة ـ يعمدون إلى بناء نصب تذكاري يسمّونه « الجندي المجهول » يرمزون به على التضحية الفذّة والفداء المثالي في سبيل الوطن ، ويمجّدون فيه البطولة والشهامة.

وها نحن نسمع ونقرأ ونرى إنّه ما من رئيس دولة زار أو يزور دولة أُخرى في الشرق أو في الغرب إلّا وكان في برامج زيارته موعد خاصّ لزيارة ضريح عظيم تلك الدولة أو مؤسِّسها أو محرِّرها ، أو زيارة النصب التذكاري فيها للجندي المجهول. فيضع على ذلك الضريح أو ذلك النصب اكليلاً من الزهور ويؤدّي التحيّة المرسومة.

ولذلك ترى الشعوب غير المسلمة تنحت الصور وتقيم التماثيل لرجالها المصلحين في الساحات العامة والمواقع الحسّاسة من مدنها ... لماذا يصنعون ذلك ؟ لا شكّ أنّك تعرف أنّهم يفعلون ذلك تكريماً لذكراهم وشكراً لتضحياتهم وتلقيناً لسيرتهم وعملهم إلى الشباب الحاضر والأجيال القادمة.

غير أن الإسلام يحرم النحت وصنع التماثيل مطلقاً ولأيّ شخص كان ، فلذا ليس أمامنا نحن المسلمين لأجل تكريم زعمائنا المخلصين وشهدائنا الأحرار لأجل الاعراب عن شكرنا لهم ، ولأجل تلقين أجيالنا الطالعة سيرتهم ومبادءهم إلّا زيارة قبورهم والوقوف أمام مراقدهم خاشعين مستوحين منها ذكريات التضحية والفداء في سبيل المصلحة العامّة.

هذا منطق الشيعة وفلسفتهم لهذه الظاهرة وهو كما تراه منطق العقل في كلّ زمان ومكان.

وعليه فإن زيارة قبور الأبطال ومراقد العظماء وأضرحة الشهداء سيرة عقلائيّة وسُنَّة إنسانيّة لا تخصّ قوماً أو أُمّة أو طائفة ، فلماذا يلام الشيعة على زيارة مرقد الإمام الحسين عليه السلام بكربلاء ، وهو سيّد الشهداء الأحرار ، وقدوة القادة الأبطال ، والمثل الأعلى لرجال الاصلاح والفداء في العالم ، الذي أنقذ أُمّته من خطر المحو والزوال ، ودفع بها نحو الأمام والسير على الطريق المستقيم بعد أن كلّفه ذلك جميع ما ملك في هذه الحياة ؟!

إنّ في زيارة قبر الإمام الحسين عليه السلام من المكاسب الروحيّة والفوائد الفكريّة والأخلاقيّة ما ليس مثلها في زيارة أيّ مرقد وضريح آخر ، وسوف نشير إلى ذلك من خلال الروايات التي وردت عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وعن أئمّة أهل البيت عليهم السلام في خصوص فضل زيارة قبر الحسين عليه السلام.

وفي الختام إليك نبذة من كتاب « أبو الشهداء » للعقاد حول هذا الموضوع قال في ص 129 :

وشاءت المصادفات أن يساق ركب الحسين عليه السلام إلى كربلاء بعد أن حيل بينه وبين كلّ وجهة أُخرى ، فاقترن تاريخها منذ ذلك اليوم بتاريخ الإسلام كلّه ، ومن حقّه أن يقترن بتاريخ بني الإنسان حيثما عرفت لهذا الإنسان فضيلة يستحقّ بها التنويه والتخليد. فهي ـ أيّ كربلاء ـ اليوم حرم يزوره المسلمون للعبرة والذكرى ويزوره غير المسلمين للنظر والمشاهدة ولكنّها ـ أيّ كربلاء ـ لو أعطيت حقّها من التنويه والتخليد لحق لها أن تصبح مزاراً لكلّ آدمي يعرف لبني نوعه نصيباً من القداسة وحظّاً من الفضيلة ، لأنّنا لا نذكر بقعة من بقاع هذه الأرض يقترن اسمها بجملة من الفضائل والمناقب أسمى وألزم لنوع الإنسان من تلك التي اقترنت باسم كربلاء بعد مصرع الحسين عليه السلام فيها.

فكلّ صفة من تلك الصفات العلويّة التي بها الإنسان إنسان وبغيرها لا يحسب إلّا ضرباً من الحيوان السائم فهي مقرونة في الذاكرة بأيّام الحسين عليه السلام في تلك البقعة الجرداء. انتهى محل الشاهد من كلام العقاد.

نعم أيّها القارئ الكريم : لقد التزم أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم بالحفاظ على زيارة الحسين عليه السلام في ظروف صعبة وشاقة ، وقد كلّفتهم تضحيات غالية. ففي عصر المتوكّل العبّاسي مثلاً فرضت ضريبة مالية قدرها ألف دينار من ذهب على كلّ شخص يرد كربلاء لزيارة قبر الحسين عليه السلام ، ولمّا رأت السلطات العباسيّة أنّ هذه الضريبة الباهظة لم تمنع الناس من زيارة الحسين عليه السلام أضافوا إليها ضريبة دمويّة ، فكانوا يقطّعون الأيدي ويسملون الأعين وغير ذلك من الأذى.

وكان أئمّة أهل البيت عليهم السلام يعلمون ذلك كلّه ولم يمنعوا الناس من زيارة الحسين عليه السلام لما فيها من مكاسب روحيّة واجتماعيّة وسياسيّة للمؤمنين. بل يحثّونهم على الاستمرار في زيارة قبر الإمام الحسين عليه السلام رغم كلّ الصعاب والعقبات. ويقولون لهم : إنّ لزائر قبر الحسين عليه السلام بكلّ خطوة يخطوها حسنة عند الله سبحانه.

مواسم زيارة الإمام الحسين عليه السلام :

سُبق وأن ذكرنا أن عشرات الأحاديث الصحيحة المعتبرة تصرّح باستحباب زيارة مرقد الإمام الحسين عليه السلام.

وهذه الأحاديث تنقسم إلى قسمين :

الأول : التي تذكر استحباب زيارة الإمام الحسين عليه السلام بصورة مطلقة ، من دون ذكر وقت معيّن أو يوم معيّن ... فهي عامّة لأيّام السّنة كلّها.

الثاني : التي تؤكّد على استحباب زيارته عليه السلام في أيّام شريفة وأوقات خاصّة لها مزيّة عند الله سبحانه.

وفيما يلي نشير إلى بعض تلك المناسبات الخاصّة ـ في استعراض خاطف ، ومن أراد التفصيل فليراجع الكتب المفصّلة في هذا المجال كالمجلّد الخاص بزيارته عليه السلام في موسوعة بحار الأنوار للشيخ العلّامة المجلسي طاب ثراه وغيره ـ :

1 ـ كلّ ليلة جمعة.

2 ـ يوم عاشوراء.

3 ـ يوم الأربعين.

4 ـ الليلة الأُولى من شهر رجب واليوم الأوّل منه.

5 ـ النصف من شهر رجب.

6 ـ ليلة النصف من شهر شعبان.

7 ـ ليالي القدر من شهر رمضان المبارك.

8 ـ ليلة عيد الفطر ويوم العيد.

9 ـ ليلة عرفة ويوم عرفة.

10 ـ يوم عيد الأضحى.

11 ـ وفي كلّ يوم.

وغيرها من المواسم المستحبّة.

ولذلك تجد الشيعة الإماميّة أتباع أهل البيت عليهم السلام يتوافدون من مختلف بلاد العالم إلى كربلاء المقدّسة ـ وخاصّة في هذه المناسبات المذكورة ـ وتمتلأ بهم مدينة كربلاء بشوارعها وفنادقها وأسواقها وطرقاتها ...

وقد قدِّر عدد الزوّار في إحدى المناسبات الخاصّة ـ بعد سقوط نظام الطاغية صدام ـ بثمان ملايين ... وهو عدد كبير جداً.

والجدير بالذكر أنّ قدوم هذا العدد الهائل من الزوّار إلى مدينة كربلاء لا يؤدّي إلى حدوث أزمة في المأكل والمشرب والموادّ الغذائيّة وغيرها ... أبداً بالرغم من عدم تعاون الحكومة على توفير وسائل الراحة للزوّار.

وفي الحقيقة ... نحن لا نعرف تفسيراً لهذه الظاهرة سوى أنّها من بركات الإمام الحسين عليه السلام الذي شاء الله تعالى الرفعة والسموّ والعظمة والتحدّي ... على مرور الأعوام والقرون.

وظاهرة توافد الشيعة على كربلاء المقدّسة لزيارة مرقد الإمام الحسين عليه السلام ليست جديدة ... بل إنّها بدأت من تاريخ استشهاد الإمام الحسين عليه السلام ـ ومنذ سنة إحدى وستّين هجريّة ـ وحتّى الآن.

وقد حافظ الشيعة على هذا الأمر العظيم وبذلوا مختلف امكانيّاتهم وجهودهم في سبيل ذلك ، وواجهوا مختلف التحدّيات المناوئة بكلّ صمود ومقاومة ، وقدّموا التضحيات الجسيمة من أموالهم وأنفسهم ، وخاصّة في العهدين المشؤمين : الأموي والعباسي.

مقتبس من كتاب : [ النور المبين في شرح زيارة الأربعين ] / الصفحة : 12 ـ 17