الإمام جعفر الصادق

طباعة

الإمام جعفر الصادق

ـ هو الإمام السادس من الأئمّة الأطهار ، ولد بالمدينة سنة 80 من الهجرة ، وتوفّي سنة 148 ، وأمّه أمّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر ، وأمّها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر ، وهذا معنى قول الصادق ولدني أبو بكر مرّتين ـ

أولاده : كان له عشرة أولاد ، سبعة ذكور ، وثالث إناث ، إسماعيل ، وعبد الله ، وأسماء ، وتكنّى بأمّ فروة ، وأمّهم فاطمة بنت الحسين بن على بن الحسين ، والإمام موسى الكاظم ، ومحمّد المعروف بالديباج ، وإسحاق ، وفاطمة الكبرى ، وأمّهم حميدة البربريّة ، والعبّاس ، وعلي ، وفاطمة الصغرى ، لاُمّهات شتّى.

أقوال العلماء :

أشرت فيما تقدّم من هذا الكتاب إلى علوم الصادق ومدرسته ، وكثرة الرواية عنه في شتى العلوم ، وأذكر هنا طرفا من أقوال العلماء فيه ، قال الشيخ أبو زهرة في كتاب الإمام الصادق :

« نشأ جعفر في مهد العلم ومعدنه ، نشأ ببيت النبوّة الذي توارث علمها كابراً عن كابر ، وعاش في مدينة جدّه رسول الله (ص) فتغذي من ذلك الغرس الطاهر واشرق في قلبه نور الحكمة بما درس ، وما تلقى ، وبما فحص ومحص.

وكان قوّة فكريّة في عصره ، فلم يكتف بالدراسات الإسلاميّة وعلوم القرآن والسنّة والعقيدة ، بل اتّجه إلى دراسة الكون وأسراره ، ثمّ حلق بعقله الجبّار في سماء الأفلاك ، ومدار الشمس والقمر والنجوم ، كما عنى عناية كبرى بدراسة النفس الإنسانيّة ، وإذا كان التاريخ يقرّر أن سقراط قد أنزل الفلسفة من السماء إلى الإنسان فان الإمام الصادق قد درس السماء والأرض والإنسان وشرائع الأديان.

وكان في علم الإسلام كلّه الإمام الذي يرجع إليه. فهو أعلم الناس باختلاف الفقهاء ، وقوله الفصل والعدل ، وقد اعتبره أبو حنيفة اُستاذه في الفقه أمّا صفاته النفسية والعقليّة فقد علا بها على أهل الأرض ، وأنى لأهل الأرض أن يسامتوا أهل السماء ؟!. سمو في الغاية ، وتجرّد في الحقّ ، ورياضة في النفس ، وانصراف إلى العلم والعبادة ، وابتعاد عن الدنيا ومآربها ، وبصيرة تبدّد الظلمات ، وإخلاص لا يفوقه إخلاص ، لانّه من معدنه ، من شجرة النبوّة ، وإذا لم يكن الإخلاص في عترة النبي ، وأحفاد علي سيف الله المسلول ، وفارس الإسلام ففيمن يكون ؟!. فلقد توارث أحفاد على الإخلاص خلفاً عن سلف ، وفرعاً عن أصل ، فكانوا يحبّون لله ، ويبغضون لله ، ويعتبرون ذلك من أصول الإيمان وظواهر اليقين ».

وهذا قليل من كثير ممّا ذكره أبو زهرة في كتاب « الإمام الصادق ». وقبل الشيخ أبي زهرة قال الشهرستاني في الملل والنحل :

« هو ذو علم غزير في الدين والأدب ، كامل في الحكمة ، وزهد بالغ ، وورع تامّ في الشهوات ».

وقال صاحب كتاب « مطالب السؤل » فيما قال :

« أمّا مناقبه وصفاته فتكاد تفوت عدد الحاصر ، ويحار في أنواعها فهم اليقظ الباصر ، حتّى أنّه من كثرة علومه المفاضة على قلبه صارت الأحكام التي لا تدرك عللها ، والعلوم التي تقصر الأفهام عن الإحاطة بحكمها تضاف إليه ، وتروى عنه ».

ولو أردنا ان نجمع الأقوال في الإمام الصادق لجاء‌ت في مجلد ضخم.

من مناقبه :

قال أبو زهرة : « قال كثير من المفسّرين في قوله تعالى : ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ) انّها نزلت في علي بن أبي طالب ، ومن المؤكّد أنّ عليّاً كان من أسخى الصحابة ، بل كان أسخى العرب ، وقد كان أحفاده كذلك من بعده ».

جاء الإمام جعفر فقير ، فأعطاه أربعمائة درهم ، فأخذها وذهب شاكراً ، فردّه الإمام وقال : إنّ خير الصدقة ما اغنت ، ونحن لم نغنك ، فخذ هذا الخاتم ، فإنّي أعطيت به عشرة آلاف درهم. وكان إذا جاء الليل أخذ جراباً فيه الخبز واللحم وصرر الدراهم ، فيحمله على عاتقه ، ويقسمه على أهل الحاجات وهم لا يعرفونه ، تماماً كما كان يفعل أجداده وآباؤه. قال صاحب « حلية الأولياء » :

كان جعفر بن محمّد يعطي ، حتّى لا يبقي لعياله شيئاً.

وكان إذا تخاصم اثنان على مال يصلح بينهما من ماله الخاصّ ، وبعث غلاماً له في حاجة ، فأبطأ ، فخرج يبحث عنه ، فوجده نائماً ، فجلس عند رأسه ، وأخذ يروح له ، حتّى انتبه ، فقال الإمام : لك الليل ، ولنا النهار.

وهم المنصور بقتل الإمام أكثر من مرّة ، ولكنّه كان حين ينظر إليه يهابه ، ويتركه ويبالغ في إكرامه ، غير أنّه منعه من الناس ، ومنع الناس أن تستفيد منه في أيّامه الأخيرة.

تنبيه مهمّ :

وهذا التنبيه ذكره السيّد الأمين في سيرة الإمام الصادق ج 4 من الأعيان ، وهو من عقيدة التشيّع في الصميم ، قال :

إن ما ذكرناه من مناقب كلّ إمام قد يختلف عمّا ذكرناه من مناقب الاخر ، وليس معنى هذا أنّ المنقبة التي يتّصف بها أحد الأئمّة لا يتّصف بها الآخر ، فكلّهم مشتركون في جميع المناقب والفضائل ، وهم نور واحد ، وطينة واحدة ، وهم أكمل أهل زمانهم في كلّ صفة فاضلة ولكن لما كانت مقتضيات الزمان متفاوتة كان ظهور تلك الصفات متفاوتة أيضاً (1) ـ مثلاً ـ ظهور الشجاعة من أمير المؤمنين وولده الحسين ليس كظهورها من بقية الأئمّة. ذلك أن شجاعة علي ظهرت بجهاده بين يدي الرسول الأعظم ، وبمحاربته الناكثين والمارقين والقاسطين أيّام خلافته ، والحسين ظهرت شجاعته في وقعة كربلاء ، حيث أمر بمقاومة الظالمين.

ولم تظهر آثار الشجاعة من الأئمّة الباقين ، لأنّهم أمروا بالصبر والمداراة ، والكلّ مشتركون في أنّهم أشجع أهل زمانهم ، والباقر والصادق ظهرت منهما آثار العلم أكثر من بقيّة الأئمّة الأطهار ، لعدم الخوف ، حيث وحدا في آخر دولة ضعيفة وأوّل دولة جديدة ، والكلّ مشتركون في أنّهم أعلم أهل زمانهم.

وقد تكون آثار الكرم والسخاء ، وكثرة الصدقات والعتق أظهر منها في الباقي ، لسعة ذات يده ، أو لكثرة الفقراء في بلدة دون الباقي ، والكلّ مشتركون في أنّهم أكرم أهل زمانهم.

وقد تكون العبادة أظهر منها في غيره ، لبعض الموجبات والمقتضيات ، لقلّة إطّلاع الناس على حاله ، أو قصر مدّته في هذه الحياة ، أو غير ذلك ، وكلّهم أعبد أهل زمانه.

وقد تكون آثار الحلم في بعضهم أظهر منها في غيره ، لكثرة ما ابتلي به من أنواع الأذى التي تظهر حلم الحليم ، وكلّهم أحلم أهل زمانهم ، إلى غير ذلك من مقتضيات الأحوال.

الهوامش

1. يريد السيّد بهذه القاعدة المتسالم اليوم عليها من أن لكلّ إنسان ظروفه وبيئته الخاصّة ، وإن حياته ترتبط بها ، بحيث يستحيل إن ينزع نفسه منها بحال.

مقتبس من كتاب : [ الشيعة في الميزان ] / الصفحة : 232 ـ 235