الإمام الصادق عليه السلام عند الموت

طباعة

الإمام الصادق عليه السلام عند الموت

ولمّا كاد أن يلفظ النفس الأخير من حياته أمر أن يجمعوا له كلّ من بينه وبينهم قرابة ، وبعد أن اجتمعوا عنده فتح عينيه في وجوههم فقال مخاطباً لهم :

إنّ شفاعتنا لا تنال مستخفّا بالصلاة (١).

وهذا يدلّنا على عظم اهتمام الشارع الأقدس بالصلاة ، فلم تشغل إمامنا عليه السلام ساعة الموت عن هذه الوصيّة ، وما ذاك إلّا لأنّه الإمام الذي يهمّه أمر الاُمّة وإرشادها إلى الصلاح حتّى آخر نفس من حياته ، وكانت الصلاة أهمّ ما يوصي به ويلفت إليه.

وأحسب إنما خصّ أقرباءه بهذه الوصيّة ، لأن الناس ترتقب منهم الإصلاح والإرشاد فيكون تبليغ هذه الوصيّة على ألسنتهم أنفذ ، ولأنّهم عترة الرسول فعسى أن يتوهّموا أن قربهم من النبي وسيلة للشفاعة بهم وإن تسامحوا في بعض أحكام الشريعة ، فأراد الصادق أن يلفتهم إلى أن القرب لا ينفعهم ما لم يكونوا قائمين بفرائض الله.

وكانت زوجته أمّ حميدة (2) تعجب من تلك الحال وأنّ الموت كيف لم يشغله عن الاهتمام بشأن هذه الوصيّة ، فكانت تبكي إذا تذكّرت حالته تلك (3).

وأمر أيضاً وهو بتلك الحال لكلّ واحد من ذوي رحمه بصلة ، وللحسن الأفطس (4) بسبعين ديناراً ، فقالت له مولاته سالمة : أتعطي رجلاً حمل عليك بالشفرة يريد أن يقتلك ؟ قال : تريدين ألّا أكون من الذين قال الله عزّ وجلّ فيهم : ( وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّـهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ ) (5) نعم يا سالمة إن الله خلق الجنّة فطيّب ريحها ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة ألفي عام ، ولا يجد ريحها عاقّ ولا قاطع رحم (6).

وهذا أيضاً يرشدنا إلى أهميّة صلة الأرحام بعد الصلاة وقد كشف في بيانه عن أثر القطيعة.

وما اكتفى عليه السلام بصلة رحمه فقط بل وصل من قطعه منهم بل من همّ بقتله ، تلك الأخلاق النبويّة العالية.

الهوامش

1. بحار الأنوار : ٤٧ / ٢ / ٥ ، محاسن البرقي : ١ / ٨٠.

2. هي أمّ الكاظم عليه السلام.

3. محاسن البرقي : ١ / ٨٠ / ٦.

4. أشرنا إلى شيء من حاله في تعليقة ج ١ ٢٢٩.

5. الرعد : ٢١.

6. المناقب : ٤ / ٢٧٣ ، والغيبة للشيخ الطوسي : ١٢٨.

مقتبس من كتاب : [ الإمام الصادق عليه السلام ] / المجلّد : 2 / الصفحة : 102 ـ 103