الجانب الأخلاقي عند الامام الرضا عليه السلام

طباعة

الجانب الأخلاقي عند الامام الرضا عليه السلام

تجاوبن بالإرنان والزّفرات

 

نوائح عجمُ اللفظ والنطقات

يخبّرن بالأنفاس عن سرِّ أنفس

 

أُسارىٰ هوىٰ ماضٍ وآخرَ آت

بكيت لرسم الدار من عرفات

 

وأذريتُ دمع العين بالعبرات

وفكّ عرىٰ صبري وهاجت صبابتي

 

رسوم ديارٍ أقفرت وعرات

مدارسُ آيات خلت من تلاوةٍ

 

ومنزلُ وحي مقفرُ العرصات

لآل رسوم الله بالخيف من مِنىٰ

 

وبالركن والتعريف والجمرات

ديارُ عليّ والحسين وجعفر

 

وحمزة والسّجاد ذي الثّفنات

ديارٌ عفاها جور كلّ منابذ

 

ولم تعف للأيام والسّنوات

قفا نسأل الدار التي شطّ أهلها

 

متىٰ عهدها بالصوم والصلوات

وأين الأُلىٰ شطّت بهم غربة النوىٰ

 

أفانين في الأقطار مفترقات

أرى فيئهم في غيرهم متقسّماً

 

وأيديهم من فيئهم صفرات

أفاطم قومي يا ابنة الخير واندبي

 

نجوم سماوات بأض فلاةِ

قبورٌ بكوفان وأُخرى بطيبة

 

وأُخرى بفخ نالها صلوات

وقبر بأرض الجوزجان محلّه

 

وقبر ببا خمر لدى الغربات

وقبر ببغداد لنفس زكية

 

تضمنها الرحمٰن بالغرفات

وقبر بطوس يا لها من مصيبة

 

ألحّت على الأحشاء بالزفرات

إلى الحشر حتى يبعث الله قائماً

 

ينفس عنها الهم والكربات (1)

* * *

الجانب الأخلاقي عند الامام علي بن موسى الرضا عليه السلام :

قال أبو الصلت الهروي : سألت الرضا عن الإيمان فقال عليه السلام : الإيمان عقد بالقلب ولفظ باللسان ، وعمل بالجوارح لا يكون الإيمان إلّا هكذا (2) .

المقدمة :

أما أخلاق الإمام الرضا عليه السلام فانّها نفحة من أخلاق جدّه الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله ، والتي استطاع بها صلّى الله عليه وآله أن يغيّر حياة الإنسان ، وينقذه من أوحال الجاهلية الرعناء ، إنّ الواصف ليعجز عن إدراك كنه الامام الذي انتجبه المولى سبحانه حجة ودليلاً للعباد ، وكيف يستطيع الواصف ان يأتي على ما حوته تلك الذات الطاهرة المعصومة عن كل خطل من مكارم الأخلاق ، بعد أن كان رشحة الفيض الاقدس ونبعة من روح النبوة يفوح من أعراقه الكرم النبوي وتعلوه أبهة الخلافة الإلهية ، قال الشاعر :

يمثل النبي في أخلاقه

 

فانه النابت من أعراقه

له كرامات ومكرمات

 

في صفحات الدهر بيّنات

شهود صدق لسمو ذاته

 

كأنه النبي في صفاته

ترى الملوك سجداً ببابه

 

فالعز كل العز في اعتابه

* * *

انظروا ما يقوله ابراهيم بن العباس عن مكارم أخلاقه ، يقول : « ما رأيت ولا سمعت بأحد أفضل من أبي الحسن الرضا عليه السلام ، ما جفا أحداً قط ، ولا قطع على أحد كلامه ، ولا ردّ أحداً عن حاجة ، وما مدّ رجليه بين جليسه ، ولا اتكأ قبله ، ولا شتم مواليه ومماليكه ، ولا قهقه في ضحكه ، وكان يُجلس على مائدته مماليكه ومواليه ، قليل النوم بالليل ، يحيي أكثر لياليه من أولها إلى آخرها كثير المعروف والصدقة ، وأكثر ذلك في الليالي المظلمة » (3).

1 ـ تواضعه : وقد دلّت الرواية الآنفة الذكر على تواضع الإمام الرفيع في فقرة منها ، ومن معالي أخلاقه وتواضعه ، بعد أن فرض عليه المأمون ولاية العهد ، يقول الرواة ، إنّه احتاج إلى الحمام فكره أن يأمر أحداً بتهيئته له ، ومضىٰ إلى حمام في البلد لم يكن صاحبه يظن أن ولي العهد يأتي إلى الحمام في السوق فيشغل فيه ، وإنما حمامات الملوك في قصورهم ، ولما دخل الإمام الحمام كان فيه جندي ، فأزال الامام عن موضعه وأمره أن يصبّ الماء على رأسه ، ففعل الامام ذلك ودخل الحمام رجل كان يعرف الامام فصاح بالجندي هلكت ، أتستخدم ابن بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله فذعر الجندي ، ووقع على الامام يقبل أقدامه ويقول له متضرعاً : « يابن رسول الله ! هلا عصيتني إذ أمرتك ؟ » فتبسم الامام في وجهه وقال له برفق ولطف : « إنها لمثوبة ، وما أردت أن أعصيك فيما أثاب عليه » (4).

2 ـ زهده : ومن أخلاق الامام الرضا عليه السلام الزهد في الدنيا والاعراض عن مباهجها وزينتها ، وقد تحدث عن زهده محمد بن عباد ، قال : « كان جلوس الرضا على حصيرة في الصيف ، وعلى مسح في الشتاء ولباسه الغليظ من الثياب حتى إذا برز إلى الناس تزيا بما يرغبون » (5).

3 ـ سخاؤه : لم يكن شيء في الدنيا أحبّ إلى الإمام الرضا عليه السلام من الإحسان إلى الناس والبر بالفقراء ومن مظاهر جوده وإحسانه ما يلي :

أ ـ أنفق جميع ما عنده يوم عرفة فانكر عليه الفضل بن سهل وقال له إنّ هذا لمغرم فأجابه الامام بل هو المغنم لا تعدنّ مغرماً ما ابتغيت ( ما اتبعت ) به أجراً وكرماً.

ب ـ إطعامه الطعام للمساكين : وكان عليه السلام إذا جلس على المائدة يستدعي بصحفة فيعمد بيده الشريفة إلى أجود شيء وضع على المائدة فيأخذه ويضعه في تلك الصحفة ثم يأمر بها إلى الفقراء والمساكين ويتلو هذه الآية : ( فَلَا اقْتَحَمَ
الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ) ثم يقول علم الله إن ليس كل إنسان يستطيع ان يعتق رقبة فجعل الله لهم السبيل إلى الجنة بإطعام الطعام (6).

ج ـ قضاء حوائج الناس : قال اليسع بن حمزة : إنّ رجلاً قال للرضا عليه السلام السلام عليك يا ابن رسول الله ، أنا رجل من محبيك ومحبيّ آباءك ، مصدري من الحج وقد نفدت نفقتي ، وما معي ما أبلغ مرحلة ، فان رأيت ان تهيئني إلى بلدي ولله عليّ نعمة ، فإذا بلغت بلدي تصدّقت بالذي توليني عنك ، فلست موضع صدقة ، فقام عليه السلام فدخل الحجرة ثم خرج وردّ الباب وأخرج يده من أعلى الباب فقال :

خذ هذه الدنانير فاستعن بها في أُمورك ونفقتك ولا تتصدق بها عني ، اخرج لا اراك ولا تراني.

فلما مضى الرجل الخراساني وسألوا الامام الرضا عليه السلام عن سبب احتجابه عنه فقال : مخافة ان أرىٰ ذلّ السؤال في وجهه لقضائي حاجته ، أما سمعت حديث رسول الله صلّى الله عليه وآله المتستر بالحسنة تعدل سبعين حجة ، والمذيع بالسيئة مخذول ، والمتستر بها مغفور أما سمعت قول الأمال :

متى آته يوماً اطالب حاجة

 

رجعت إلى اهلي ووجهي بمائهِ (7)

* * *

4 ـ عبادته : وكان عليه السلام منقطعاً إلى الله عزّ وجل بعبادته من صلاة وذكر وقراءة قرآن وغيرها وقد وصفه الرجاء بن أبي الضحاك وذلك لمّا بعثه المأمون لأشخاص الرضا عليه السلام قال : « فو الله ما رأيتُ رجلاً كان أتقى للهِ منه ، ولا أكثر ذكراً لله في جميع أوقاته منه ولا أشد خوفاً لله عزّ وجل منه ، كان إذا أصبح صلّى الغداة فإذا سلّم جلس في مصلاه يسبح الله ويحمده ويكبّره ويهلله ، ويصلّي على النبي صلّى الله عليه وآله حتى تطلع الشمس ، ثم يسجد سجدة يبقى فيها حتى يتعالى النهار ، ثم أقبل على الناس يحدثهم ويعظهم إلى قرب الزوال ثم جدّد وضوءه وعاد إلى مصلاه ... » (8).

ويقول دعبل الخزاعي دفع الرضا عليه السلام لي قميصاً من خز وقال له : احتفظ بهذا القميص ، فقد صليت فيه ألف ليلة ، كل ليلة ألف ركعة وختمت القرآن فيه ألف ختمة (9). وحدّث عبد السلام بن صالح الهروي : قال : لما خرج علي بن موسى الرضا عليه السلام إلى المأمون ... دخل دار حميد بن قحطبة الطائي ... ثم استقبل القبلة فصلّى ركعات ودعا بدعوات ، فلما فرغ ، سجد سجدة طال مكثه فيها فاحصيت له فيها خمسمائة تسبيحة ثم انصرف (10). وكان عليه السلام يختم القرآن في كل ثلاث أيام مرّة وكان يقول لو أردت أن أختمه في أقل من ثلاث لختمته ولكنّي أُحبّ أن أتدبّر في الآية.

أقول : هذه العبادة فرع معرفتهم لله سبحانه وحبّهم له وخشيتهم منه ... إذن حكى إمامنا الرضا عليه السلام في عبادته عبادة أجداده الطاهرين.

الأسباب التي أوجبت اقدام المأمون على الفتك بالإمام الرضا عليه السلام :

ذكر الشيخ المفيد قدّس سرّه من الأسباب التي أوجبت اقدام المأمون على الفتك بأبي الحسن عليه السلام ان الامام عليه السلام لم يزل يكثر وعظ المأمون إذا خلا به ، ويعرفه جرأته على انتهاك المحرمات وإقترافه الآثام وتعديه الحدود الشرعية ، ولقد رآه يتوضأ للصلاة والغلام يصبّ الماء على يديه فقال لهم الامام عليه السلام لا تشرك بعبادة ربّك ، فصرف المأمون الغلام وتولّى الوضوء بنفسه وهو مغضب.

ومن جانب آخر كان الامام عليه السلام يبين انحراف الحسن بن سهل والفضل بن سهل ، وذكر مساويهما ونهى المأمون عن الإصغاء إلى قولهما ، إضافة إلى عدم تدبيرهما الأُمور ، وقد ظهر ذلك لهما ، فأخذا يختلقان على الامام اشياء توجب نفرة المأمون منه ، وخوفاه عاقبة احترامه وذكر فضله والثناء عليه أمام العامة وما زالا على ذلك حتى أوغرا عليه قلبه فعزم على الفتك به.

شهادة الإمام عليه السلام :

قال هرثمة بن أعين دعاني سيدي علي بن موسى الرضا عليه السلام فلما حضرت عنده قال لي هذا أوان رحيلي إلى الله تعالى ولحوقي بجدي وآبائي عليهم السلام وقد بلغ الكتاب أجله وإن هذا الطاغي قد عزم على سمّي في عنب ورمان مفروك ، أما العنب فانه يغمس السلك في السم ويجذب الخيط في العنب ، وأما الرمان فانه يصنع السم في كف بعض غلمانه فيفرك الرمان بيده وسيدعوني إليه ويسئلني اكلهما فإذا اكلتهما نفذ القضاء وجرى المحتوم ... (11).

وفي حديث عن أبي الصلت الهروي قال اخبرني الامام الرضا عليه السلام بأنّ في يوم غد يستدعيه الطاغية المأمون فإذا خرجت من المأمون وأنا مغطّى الرأس فلا تكلّمني ، اعرف أنا مسموم وإلّا فلا . يقول ابو الصلت ولمّا صار اليوم الثاني استدعاه المأمون وقام إليه قيام الحيلة والمكر وأخذ يحدّثه ثم قدّم إليه العنب المسموم والرمان ، فقال له الامام اعفنا فقال أتتهمنا.

أقول : في تلك الساعة الإمام يخيّر بين البقاء في الدنيا أو لقاء ربّه فيختار لقاء ربه لمعرفته ان دوره انتهى ويأتي دور الامام من بعده ، قال ابو الصلت وخرج إمامنا الرضا عليه السلام وهو مغطّى الرأس فلم أكلّمه إلى أن أمر بسد الأبواب ونام على فراشه يتقلّب من حرارة السم ، وبينا انا واقف وإذا بشاب حسن الوجه اشبه الناس بالرضا فعجبت من دخوله والباب مغلق ، فقال لي يا أبا الصلت ان الذي جاء بي من المدينة إلى هنا في هذه الساعة هو الذي أدخلني والأبواب مغلقة ، أنا حجة الله عليك أنا محمد الجواد. ودخل على أبيه فلما نظر إليه الرضا عليه السلام ضمه إلى صدره وقبل ما بين عينيه وانكب الجواد عليه السلام عليه يقبله ويساره.

يبويه انروح كل احنه فداياك

 

اخذنه يا عزيز الروح وياك

اهي غيبة يبويه واگعد اتناك

 

واگولن سافر او يومين يسدر

* * *

يعيني اعلى الرضا سحّي الدمع دم

 

يگلبي اعلى ابو محمد تلچم

لا اخو عنده ولا ابن عم

 

وحيد ابدار غربة بين اليدين

* * *

يعين المجد يلچفك تياره

 

يبو محمد ازيارتك احسن تياره

عسن سم الذي بچبدك تياره

 

جرى ابچبدي او رحت دونك فديه

* * *

على امصابك يبن موسى ذاب الگلب واتفطّر

 

گضيت العمر بالغربة امشرّد يا شبل حيدر

عليك انوّح ليل انهار وانهل الدمع غدران

 

بسما نذكر امصابك يا ريّس بني عدنان

شاذنبك والعدو سمّك نوب ابعنب وابرمّان

 

نوب او لا اختشىٰ امن الله او عليك الطاغي اتجسّر

لاچن هوّن امصابك علينه امن اجذفت چبدك

 

ابنك حضر يم راسك واعيالك طبگ عندك

هذا يصيح يا ذخري او ذاك الگاعد ايسندك

 

او بعد غير الچبد ما صاب جسمك سيف لو خنجر

او چان السم يبو امحمّد مرّد چبدك او خلّه

 

جدّك بالسهم صابوه او بيده امن الظّهر سلّه

او طلع ثلثين چبده اوياه او گام الجيش ينظر له

 

ابنفسه انشغل گال النّوب خلوا للنبل مكور

يبو امحمّد او يوم اللّي گضيت انگلبت اخريسان

 

اعلام السّود شالتها الزّلم واتصرّخ النسوان

نعشك للگبر حفّوه والتشييع مرهب چان

 

او جدّك ظل طريح او راح راسه اعلى الرمح يفتر

* * *

لهفي لجسمك في الصعيد مجرّداً

 

عريان تكسوه الدماء ثيابا

لهفي لرأسك فوق مسلوب القنا

 

يكسوه من أنواره جلبابا

* * *

الهوامش

1. دعبل الخزاعي.

2. عيون أخبار الرضا 1 / 132 ـ 227.

3. حياة الامام الجواد ( للقرشي ) : 37 وكذلك في كشف الغمة : 274.

4. حياة الامام الرضا عليه السلام ( للقرشي ) : 32.

5. وفاة الإمام الرضا ( للمقرم ) : 20 ، نقلاً عن كشف الغمة.

6. الأنوار البهية ( للشيخ عباس القمي ).

7. ائمتنا ، علي محمد علي دخيل نقلاً عن المناقب 2 / 412.

8. أعيان الشيعة 4 ق 3 / 87.

9. وسائل الشيعة ، كتاب الصلاة.

10. عيون اخبار الرضا 2 / 13.

11. وفاة الإمام الرضا ( للمقرم ) : 45.

مقتبس من كتاب : [ المحاضرات المنبرية في المجالس الصفرية ] / الصفحة : 208 ـ 216