أسباب إستدعاء الإمام الكاظم عليه السلام وسجنه

طباعة

أسباب استدعاء الامام الكاظم عليه السلام وسجنه

السلام عليك يا موسى بن جعفر الكاظم

القصيدة : للشيخ اليعقوبي ديون الذخائر

     

ما أنصفتك بنو الأعمام إذ قطعت

 

أواصراً برسول الله تتحد

أبكيكَ رهن السجون المظلمات وقد

 

ضاق الفضا وتوالى حولك الرصدُ

لبثت فيهن أعواماً ثمانيةً

 

ما بارحتك القيود الدهم والصفد

تُمسي وتغدو بنو العباس في مرحٍ

 

وأنت في محبس السندي مضطهدُ

دسوا إليك نقيع السم في رطب

 

فاخضرَّ لونك مذ ذابت به الكبدُ

حتى قضيت غريب الدار منفرداً

 

لله ناءٍ غريب الدار منفردُ

أبكي لنعشِكَ والأبصار ترمقه

 

ملقىً على الجسر لا يدنو له أحدُ

أبكيكَ ما بين حمالين أربعة

 

تشال جهراً وكل الناس قد شهدوا

* * *

     

يگلبي على الكاظم تولم

 

يعيني اعليه سحّي الدمع من دم

غريب وبالحبس ويولج بالسم

 

يتگلب يسار ونوبه ايمين

* * *

     

عالج ولاج وگضى نحبه غريب

 

لا حضر موته صحابه اولا قريب

ويل گلبي يوم جس نبضة الطبيب

 

گال مسموم او مَضْ بيه الصواب

* * *

     

أيُحملُ موسى والحديدُ برجلهِ

 

كما حُمِلَ السجّاد عان مُقيّدا

المقدمة

الامام موسى بن جعفر عليه السلام مجمع الفضائل ومكارم الأخلاق الحسنة والتُقى والكرم. فالقلوب تهوي إليه وتتوجه نحو ومن هنا قال الامام الكاظم عليه السلام لهارون : « أنا إمام القلوب ، وأنت إمام الجسوم » (1).

والعباسيون تعاملوا مع أهل البيت عليهم السلام وفق معايير ثابتة تقوم على أساس التصدّي لمدرسة أهل البيت ومطاردة شيعتهم وقمع الطالبين والنكاية بهم بسبب هاجس الخوف من نشاط الامام عليه السلام والغيرة من دوره الفاعل والمحرّك في الحياة الاسلامية.

لذلك هناك مجموعة من الأسباب التي أدَّت إلى استدعاء الامام عليه السلام وسجنه وهي :

١ ـ الخوف من عمل الإمام عليه السلام : ولعلَّ من أبرز الشواهد على ذلك ماروي أن هارون العباسي (لعنه الله) لمّا صار إلى المدينة وَصَلَ كل هاشمي أو قرشي أو مهاجري أو أنصاري ممن دَخَلَ عليه بخمسة آلاف درهم وما دونها إلى مائتي دينار ، على قدر شرفه وهجرة آبائه ، وحين دخل الامام الكاظم عليه السلام رحّب به ، وعند منصرفه من الحج أمر بصرّة سوداء فيها مائتا دينار أرسلها إليه ، فسأله المأمون وكان جريئا عليه : يا أمير المؤمنين ، تعطي أبناء المهاجرين والأنصار وسائر قريش وبني هاشم ومن لا يعرف حسبه ونسبه خمسة آلاف دينار إلى مادونها ، وتعطي موسى بن جعفر وقد أعظمته وأجللته مائتي دينار ؟! أخسّ عطيّة أعطيتها أحداً من الناس ، فقال : اسكت لا أمّ لك ، فاني لو أعطيت هذا ما ضمنته له ، ما كنت آمنه أن يضرب وجهي غداً بمائة ألف سيف من شيعته ومواليه ، وفقر هذا وأهل بيته أسلم لي ولكم من بسط أيديهم وأعينهم (2).

٢ ـ الحقد والغيرة : إنَّ دأبَ الطغاة في كل عصر هو احتكار أسباب العظمة والتعالي لذواتهم ، فتستعر نفوسهم غيرةً وحقداً على كل شخصية مرموقةٍ في المجتمع تتميّز برجاحة العلم والحلم والزهد والكرم الشجاعة وغيرها.

ومن أوضح الأمثلة على غيرة هارون اللئيم من الإمام الكاظم عليه السلام في موقف افتخر فيه الامام عليه السلام على هارون حين جاء مكة حاجاً ، فأتى قبر النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم زائراً له وحوله قريش وأفياء القبائل ومعه موسى بن جعفر عليه السلام ، فلما انتهى إلى القبر قال : « السلام عليك يا رسول الله يا بن عمي ، افتخاراً على مَنْ حوله ، لأنه كان في مقام استعراض لذلك يريد التضليل على الناس بالايحاء بأنه أقربهم إلى الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم وبذلك فهو أحق بالخلافة.

فدنا موسى بن جعفر عليه السلام فقال : السلام عليك يا أبة ، أسألكُ الله الذي اصطفاك واجتباك وهداك وهدى أن يصلّي عليك فتغيّر وجه هارون وتبيَّن فيه الغضب ، وقال : هذا الفخر يا أبا الحسن حقاً ، ولم يحتملها هارون ، فلم يزل ذلك في نفسه حتى استدعاه وسجنه فأطال سجنه ، فلم يخرج إلّا ميتاً مقيداً مسموماً » (3).

٣ ـ الوشاية : ومن الذين وشوا بالإمام هو محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق عليه السلام وفي هذه الرواية أن محمد بن إسماعيل بن جعفر استأذن الإمام الكاظم عليه السلام في الخروج إلى العراق فأذن له ، وقال له : « أوصيك أن تتقي الله في دمي ، فقال : لعن الله من يعسى في دمك ، ثم ناوله أبو الحسن عليه السلام (٤٥٠) ديناراً فقبضها محمد ، ثم أمر لف بألف وخمسمائة درهم كانت عنده ، فقلت له في ذلك واستكثرته ، فقال هذا ليكون أوكد لحجتي إذا قطعني ووصلته. قال : فخرج إلى العراق واستأذن على هارون فأمر بدخوله ، وقال يا أمير المؤمنين ، خليفتان في الأرض موسى بن جعفر بالمدينة يُجبى له الخراج ، وأنت بالعراق يُجبى لك الخراج ، فقال والله : فقال : والله ، قال فأمر له بمائة ألف درهم ، فلمّا قبضها وحملت إلى منزله أخذته الذبحة في جوف ليلته فمات ، وحُوِّل من الغد المال الذي حمل إليه إلى الرشيد » (4).

وقال ابن شهرآشوب : « كان محمد بن إسماعيل بن الصادق عليه السلام عند عمه موسى الكاظم عليه السلام يكتب له الكتب إلى شيعته في الآفاق ، فلما ورد هارون الحجاز سعى بعمه إلى هارون ، فقال الرشيد : ويلك أنا ومن ؟ قال : موسى بن جعفر ، وأظهر أسراره ، فقبض عليه ، وحظي محمد عند هارون ، ودعا عليه موسى الكاظم عليه السلام بدعاء استجابه الله فيه وفي أولاده (5).

٤ ـ مناظرة الرشيد في مسألة فدك :

فدك هو رَمْز لحق مغتصب وخلافة مسلوبة ، روى المؤرخون أن هارون الرشيد قال لموسى بن جعفر عليه السلام : « حدّ فدكاً حتى أردها إليك ، فيأبى الإمام حتى ألحَّ عليه هارون ، فقال عليه السلام لا آخذها إلّا بحدودها ، قال : وما حدودها ؟ قال : إن حددتها لم تردها ؟ قال : بحق جدك إلا فعلت ، قال أما الحد الأول فعدن ، فتغير وجه الرشيد وقال : إيهاً ، قال والحد الثاني سمرقند ، فاربدّ وجهه ، والحد الثالث افريقية ، فاسودّ وجهه وقال : هيه ، قال : والرابع سيف البحر مما يلي الجزر وأرمينية قال الرشيد ، فلم يبقَ لنا شيء ، فتحول إلى مجلسي ، قال موسى عليه السلام : قد أعلمتك أنني إن حددتها لم تردها ، فعند ذلك عزم على قتله ».

إنَّ موقف الامام الكاظم عليه السلام كان مع هارون موقفاً صريحاً لا لين فيه ، فانه يراه غاصباً لمنصب الخلافة ومختلساً للسلطة والحكم مما دعا هارون ان يودع الامام السجن عليه السلام وذلك بعد أن أصدر أوامره بإلقاء القبض على الامام ، فألقت الشرطة عليه القبض وهو قائم يصلّي لربّه عند رأس جده النبي صلّى‌ الله عليه وآله وسلّم فقطعوا عليه صلاته ولم يمهلوه من اتمامها فحمل من ذلك المكان الشريف ، وقيد وهو يذرف الدموع ويوجه شكواه إلى جده الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم قائلاً : « إليك أشكوا يا رسول الله » (6).

ولم يحترم هارون قداسة القبر الشريف ، فهتك حرمته ، وحرمة أبناءه التي هي أولى بالرعاية والمودة من كل شيء ، كما لم يحترم الصلاة التي هي أقدس عبادة في الإسلام فقطع عليه صلاته وأمر بتقييده وحمل إليه الامام وهو يرسف في ذل القيود فلما مثل عنده جفاه وأغلظ له في القول ، وكان اعتقاله في سنة (١٧٩ هـ) في شهر شوال لعشرٍ بقين منه (7).

     

قطع الرشيد عليه فرض صلاته

 

قسراً وأظهر كامن الأحقاد

حتى إليه دسَّ سمّاً قاتلاً

 

فأصاب أقصى منيةٍ ومراد

* * *

     

عجيب امصيبته والله عجيبه

 

من سجن السجن ظالم يجيبه

او چبده امن الولم زايد لهيبه

ولم يزل عليه السلام يُنقل من سجن إلى سجن حتى قضى إمامنا نحبه صابراً محتسباً مسموماً في سجن السندي بن شاهك.

     

هلن دمه ابدال الدمع يعيون

 

على الگظه غريب ابسجن هارون

امگيد بالحديد أو زرگ المتون

 

أجل چا وين هاشم ما يحضرون

الجثة الكاظم خل يشيعون

     

چف الدهر ريته اليوم ينشال

 

جرح گلبي ولا أظن بعد ينشال

نعش موسى على احماميل ينشال

 

أو يظل فوگ الجسر ثاوي رميه

* * *

     

ونادوا على جسر الرصافة حوله

 

نداءً له السبع الطباق تزلزلُ

* * *

الهوامش

1. ينابيع المودة القندوزي : ٣ / ١٢٠.

2. عيون أخبار الرضا عليه السلام : ١ / ٨٨.

3. تاريخ بغداد : ١٣ / ٣١.

4. رجال الكشي : ٢٦٣ / ٤٧٨.

5. مناقب اكابي طالب : ٣ / ٤٤٠.

6. حياة الامام موسى بن جعفر عليه السلام لمحقق الشيخ باقر شريف القرشي ج ٢ ص ٢٦٤ ـ ٢٦٥ نقلاً عن المناقب ٢ / ٣٨٥.

7. حياة الامام موسى بن جعفر للشيخ باقر شريف القرشي ج ٢ ص ٤٦٥ نقلاً عن البحار ١١ / ٢٩٦ ط. القديمة.

مقتبس من كتاب : [ مجالس في رحاب الإمام المعذّب في قعر السجون ] / الصفحة : 107 ـ 112