عقائد الإماميّة

طباعة

عقائد الإماميّة

وهكذا كانت التطوّرات السابقة هي الأساس الذي بنت عليه الشيعة الإماميّة عقائدها ، وأهمّها مسألة الإمامة فقد تكوّنت نظريّة الإمامة عند الشيعة الإماميّة كما اتّصلت بها أمور اُخرى كالعصمة والتقيّة والرجعة.

(أ) الإمامة :

فالإمامة عند الشيعة الإماميّة « رياسة عامة في أمور الدين والدنيا لشخص من الأشخاص نيابة عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم (1).

كما تؤكّد الشيعة الإماميّة أن الإمامة واجبة وأن الأرض لا تخلو من حجّة (2).

كما تقول الإماميّة أن الإمامة لطف واللطف واجب في الحكمة (3).

والذي يدلّ على أن الإمامة لطف « أن الناس متى كان لهم رئيس منبسط اليد ، قاهر عادل ، يردع المعاندين ، ويقمع المتغلّبين ، وينتصف للمظلومين الظالمين. اتسقت الأمور ، وسكنت الفتن وردت المعائش ، وكان الناس ـ مع وجوده ـ إلى الصلاح أقرب ، ومن الفساد أبعد. ومتى خلوا من رئيس ـ صفته ما ذكرناه ـ تكدرت معائشهم وتغلب القوي على الضعيف وانهمكوا في المعاصي ووقع الهرج والمرج وكانوا إلى الفساد أقرب ومن الصلاح أبعد. وهذا أمر لازم لكمال العقل » (4).

وترى الشيعة الإماميّة أن النبوّة لطفاً (5) ، ولما كانت الإمامة لطف ، فلذلك كل ما دلّ على وجوب النبوّة فهو دال على وجوب الإمامة خلافة عن النبوّة قائمة مقامها إلّا في تلقي الوحي الإلهي بلا واسطة (6).

كما ترى الشيعة الإماميّة أن الإمامة عهد من الله إلى الأئمّة وتستدلّ على ذلك بقول الصادق قال « أترون أنّ الوصي منّا يوصي إلى من يريد ؟ لا ولكنّه عهد من الله إلى الأئمّة ». وتستدلّ على ذلك بقول الصادق قال « أترون أن الوصي منّا يوصي إلى من يريد ؟ لا ولكنّه عهد من الله ورسوله لرجل فرجل حتّى ينتهي الأمر إلى صاحبه » (7).

كما أنّ الإمامة بالنصّ من الله ورسوله وأنّ الأئمّة منصوص عليهم وقد بينا ذلك سابقاً.

ثمّ إن الإمامة محصورة في أولاد الحسين بن علي ، وأنّها ثابتة في الأعقاب وأعقاب الأعقاب وأنّها لا تعود في أخ ولا عمّ ولا غيرها من القرابات ، بعد الحسنين (8).

فهذه هي أهمّ الخطوط الرئيسيّة لنظريّة الإمامة عند الشيعة الإماميّة ولما كانت الإمامة ذات منزلة كمنزلة النبوّة فلذلك يجب أن يتولاها من يكون أهلاً لذلك فكان ذلك للإمام الذي له « الرياسة العامّة في أمور الدين والدنيا نيابة عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم » (9).

وتجعل الشيعة الإماميّة صفات وشروطاً للإمام ، فالإمام يجب أن يكون معصوماً لأنّه لو جاز عليه الخطأ لافتقر إلى إمام آخر يسدده ، كما أنّه لو جاز عليه فعل الخطيئة « فإن » وجب الإنكار عليه سقط محلّه من القلوب (10).

ولما كان الإمام حافظاً للشرع ، لو لم يكن معصوماً لم تؤمن منه الزيادة والنقصان (11).

ويقول الطوسي وممّا يدلّ على أن الإمام يجب أن يكون معصوماً : « ما ثبت من كونه مقتدى به. ألا ترى أنّه إنّما سمّي إماماً لذلك ، لأن الإمام هو المقتدى به » (12).

ويقول ابن المطهر بوجوب عصمة الإمام لأنّ الأئمّة كالأنبياء في وجوب عصمتهم عن جميع القبائح والفواحش من الصغر إلى الموت عمداً وسهواً لأنّهم حفظة الشرع والقوّامون به حالهم في ذلك كحال النبي (13).

ولما كانت الحاجة إلى الإمام « للإنتصاف للمظلوم من الظالم ورفع الفساد وحسم مادة الفتن وأنّ الامام لطف يمنع القاهر من التعدّي ويحمل الناس على فعل الطاعات واجتناب المحرّمات ويقيم الحدود والفرئض ويؤاخذ الفساق ويعذر من يستحق التعذير فلو جازت عليه المعصية وصدرت عنه انتفت هذه الفوائد وافتقر إلى إمام آخر ... » (14).

ويذكر ابن المطهر دلائل العصمة ويكثر في الكلام في هذا الباب ، فيذكر في عصمة الإمام « وهي ما يمتنع المكلّف معه من المعصية متمكّناً منها ولا يمتنع منها مع عدمها » (15).

ويروي ابن المطهر في هذا الباب عدّة أدلّة فيذكر أن الإمامة لما كانت عهد من الله فكلّ إمام ينصبه الله فهو معصوم (16).

ثمّ إن الإمام لو كان غير معصوم « لزوم تخلّف المعلول عن علّته التامّة لكن التالي باطل فالمقدّم مثله بيان الملازمة أن تجيز على المكلّف موجب لإيجاب كونه مرؤوساً لإمام والإمام لا يكون مرؤوساً لإمام وإلّا لكان هو الإمام من غير احتياج إليه » (17).

ثمّ إنّ الله هو الناصب للإمام ... وأنّ الله تعالى لا يفعل القبيح فلا بد أن يكون الإمام معصوماً (18).

وان قول الله تعالى ( أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ ... ) وكلّ من أمر الله بطاعته فهو معصوم لاستحالة إيجاب طاعة غير المعصوم (19).

كما أن في قوله تعالى : ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ) فغير المعصوم ضالّ فلا يسأل إتباع طريقة قطعاً (20).

وهكذا تستدلّ الشيعة على عصمة الأئمّة وتجعل العصمة شرطاً من شروط الإمامة وصفة أساسيّة للإمام.

وكما أن الإمام عند الشيعة الإماميّة يجب أن يكون أفضل من كلّ واحد من رعيّته لأنّه مقدم على الكل (21).

ويقول الطوسي والكلام في كون الإمام أفضل من رعيّته ينقسم إلى قسمين ، أحدهما يجب أن يكون أفضل منهم بمعنى أنّه أكثر ثواباً عند الله.

والقسم الآخر أنّه يجب أن يكون أفضل منهم في الظاهر في جميع ما هو إمام فيه (22).

فأمّا ما يدلّ على القسم الأول : ما قد ثبت من أنّه يستحق التعظيم والتبجيل ما لا يستحقّه أحد من رعيّته.

وتقصد الإماميّة بالتبجيل والتعظيم ما يجب عليهم من الطاعة له « الإمام » والإنقياد لجميع أوامره ونواهيه ، والإتّباع لجميع أقواله وأفعاله ، والانطواء له على منزلة عظيمة (23).

وأمّا ما يدلّ على القسم الآخر ، ما تقرّر في عقول العقلاء من قبح جعل المفضول رئيساً وإماماً في شيء بعينه على الفاضل فلا يجوز أن يكون إماماً إلّا من كملت فيه صفات العلم والكمال (24).

وهكذا كما تعتقد الإماميّة بأن الإمام يجب أن يكون أفضل رعيّته في جميع صفات الكمال من العلم والكرم والشجاعة والعفة والرأفة والرحمة وحسن الخلق والسياسة ، ولا بد من تمييزه بالكمالات النفسانيّة والكرامات الروحانيّة بحيث لا يشاركه في ذلك أحد من الرعيّة (25).

كما ترى الشيعة الإماميّة أن الإمام يجب أن يكون عالماً بما إليه الحكم فيه والذي يدلّ : إنّ الإمام إمام في سائر أمور الدين ومتولي الحكم فيه جميعة جليلة ودقيقة ظاهره وغامضه كما يجب أن يكون عالماً بجميع أحكام السياسة والشريعة (26).

كما أنّ الإمام يجب أن يكون أشجع من رعيّته ، ويدلّ على ذلك : انّه قد ثبت أنّه رئيس عليهم فيما يتعلّق بجهاد الأعداء وحرب أهل البغي وذلك متعلّق بالشجاعة ، فيجب أن يكون أقواهم حالاً (27).

وأمّا كونه أعقلهم ، المرجع فيه إلى جودة الرأي وقوّة العلم بالسياسة والتدبير (28).

وأمّا كونه أصبح الناس وجهاً ، « فلا يجب بعد أن يكون منشأ الصورة ، فاحش الخلقة ، لأنّه ينفر عنه » (29).

ومن شروط الإمام أيضاً أن يكون منصوصاً عليه وقد بينا النصّ على كلّ إمام ودلائل إمامته في الفصل الثالث والخامس.

ولما كانت هذه هي شروط الإمامة عند الشيعة الإماميّة ، فلا تعقد الإمامة إلّا لمن توفرت فيه هذه الشروط ، ولما كانت هذه الشروط غير متوفّرة إلّا في آل بيت النبي فلذلك كانت الإمامة لهم.

(ب) العصمة :

ومن الأمور التي اتّصلت بنظريّة الإمامة عند الشيعة العصمة .. وقد بينا رأي الإماميّة في العصمة وإيجابها للإمام وقد أصبحت العصمة من أهم عقائد الإماميّة.

قال المفيد : « العصمة من الله لحججه هي التوفيق واللطف والإعتصام من الحجج بهما عن الذنوب والغلط في دين الله تعالى » (30).

كما أنّ العصمة « فضل من الله تعالى على من علم أنه يتمسك بعصمة ... وليست العصمة مانعة من القدرة على القبيح ولا مضطرة للمعصوم إلى الحسن ولا ملجئة له إليه ، بل هي الشيء الذي يعلم الله تعالى أنّه إذا فعله بعبد من عبيده لم يؤثر معه معصية له (31) وأن العصمة انحصرت بالصفوة والأخيار ، قال الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَىٰ ) وقوله تعالى : ( وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ ) فالأنبياء والأئمّة من بعدهم معصومون في حال نبوّتهم وإمامتهم من الكبائر كلّها والصغائر (32).

(ج) التقيّة :

ومن الأمور الاُخرى التي اتّصلت بالإمامة عند الشيعة التقيّة ، وهي « كتمان الحقّ وستر الأعتقاد فيه ومكاتمه المخالفين وترك مظاهرتهم بما يعقب ضرراً في الدين أو الدنيا » (33).

وتجب التقيّة عند الشيعة الإماميّة وتكون فرضاً وتجوز أحياناً من غير وجوب ، كما تكون في وقت أفضل من تركها ويكون تركها أفضل وإن كان فاعلها معذوراً أو معفواً عنه متفضلاً عليه بترك اللوم عليها (34).

ويرى الشيخ المفيد « أنّها جائزة في الدين عند الخوف على النفس ، وقد تجوز في حال دون حال للخوف على المال ولضروب من الإستصلاح » (35).

كما أنّها جائزة في الأقوال كلّها عند الضرورة وربّما وجبت فيها « لضرب من اللطف والاستصلاح وليس يجوز من الأفعال في قتل المؤمنين ولا فيما يعلم أو يغلب أنه استفساد في الدين » (36).

وهكذا كانت التقيّة من أهمّ عقائد الشيعة الإماميّة فرضتها الظروف السياسيّة وما صاحبها من اضطهاد الشيعة فاتّقوا السلطان حفظاً للأرواح وقد أصبحت التقيّة صفة خاصّة للشيعة الإماميّة وقد دانوا بذلك امتثالاً لأمر أئمّتهم فقد ورد عن الصادق قوله : « من لا تقيّة له لا دين له » (37).

(د) الرجعة :

ومن الأمور التي اتّصلت بالإمامة أيضاً « الرجعة » فتعتقد الشيعة الإماميّة أن الله يرد قسماً من الأموات إلى الدنيا في صورهم التي كانوا عليها « فيعزّ منهم فريقاً ويذلّ فريقاً ويديل المحقّين من المبطلين والمظلومين منهم من الظالمين » (38).

أمّا زمان الرجعة فهي عند قيام المهدي من آل محمّد ، ويقسم المفيد الراجعين إلى الدنيا إلى فريقين أحدهما من علت درجته في الإيمان وكثرت أعماله الصالحات ، فيعزّه الله ويعطيه من الدنيا ما كان يتمنّاه.

أمّا الفريق الآخر فقد بلغ الغاية في الفساد واقتراف السيّئات ، فسينتصر الله تعالى لمن تعدى عليه قبل الممات ، ثم يصير الفريقان من بعد ذلك إلى الموت والنشور (39).

ويقول المظفّر في هذا الصدد « وعلى كلّ حال فالرجعة ليست من الأصول التي يجب الإعتقاد بها والنظر إليها ، وإنما اعتقادنا بها كان تبعاً للآثار الصحيحة الواردة عن آل البيت عليهم السلام الذين ندين بعصمتهم من الكذب ، وهي من الأمور الغيبيّة التي أخبروا عنها ، ولا يمتنع وقوعها » (40) وهكذا فهذه أهمّ المبادئ التي اعتقدت بها الإماميّة والتي كان لها صلة بنظريّة الإمامة عندهم.

الهوامش

1. السيوري : النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر ص ٦١ وانظر البرسي مشارق أنوار اليقين ص ١٦٢ ، الجزائري : المبسوط ص ٩.

2. الكليني : الكافي ج ١ ص ١٧٨.

3. المفيد : النكت الإعتقاديّة ص ٤٧ ، المرتضى : الشافي ص ٢ جمل العلم والعمل ص ٤٥ ، نصير الدين الطوسي فصول العقائد ص ٣٦.

4. الطوسي : تلخيص الشافي ج ١ ص ٧٠.

5. المفيد : النكت الإعتقاديّة ص ٣٩.

6. السيوري : النافع يوم الحشر ص ٦٢.

7. الكليني : الكافي ج ١ ص ٢٧٧.

8. ن. م ج ١ ص ٢٨٥.

9. المفيد : النكت الإعتقاديّة ص ٤٧.

10. المفيد : النكت الإعتقاديّة ص ٤٨.

11. ن. م ص ٤٩.

12. الطوسي : تلخيص الشافي ج ١ ص ٢٠١.

13. ابن المطهر : احقاق الحق ج ١ ص ١٩٧.

14. ن. م ج ١ ص ١٩٧.

15. ابن المطهر : الألفين ص ٥٠.

16. ن. م ص ٥٢.

17. ابن المطهر : الألفين ص ٥٧.

18. ن. م ص ٦٠.

19. ن. م ص ٦٠.

20. ن. م ص ٦٠ وما بعدها كثير من الأدلّة التي لا مجال لذكرها هنا فقد ذكر ابن المطهر ٢٠٠٠ دليل ولكن الموجود فقط أقلّ من هذا العدد.

21. السيوري : النافع يوم الحشر ص ٦٧.

22. الطوسي : تلخيص الشافي ج ١ ص ٢٠٩.

23. الطوسي : تلخيص الشافي ج ١ ص ٢١٠ ـ ٢١١.

24. ن. م ج ١ ص ٢١٥ ـ ٢١٧.

25. الجزائري : المبسوط ص ٢٦ وانظر عن علوم الأئمّة ما ذكره الكليني في الكافي ج ١ ص ٣١٢ ، ٣١٣ ، ٣١٤ ، ٢٢١ ، ٢٢٣ ... الخ. وانظر كذلك البرسي : مشارق أنوار اليقين ص ١٦٥.

26. الطوسي : تلخيص الشافي ج ١ ص ٢٤٥.

27. ن. م ج ١ ص ٢٧٤.

28. الطوسي : تلخيص الشافي ج ١ ص ٢٧٤.

29. ن. م ج ١ ص ٢٧٤ وقد اقتصرت في ذكر الإمامة على الخطوط الرئيسيّة لنظرية الإمامة عند الشيعة الإماميّة.

30. المفيد : شرح عقائد الصدوق ص ٦٠ « طبع مع كتاب أوائل المقالات للمفيد ».

31. ن. م ص ١٦.

32. المفيد : شرح عقائد الصدوق ص ٦١ وانظر عن العصمة أيضاً معاني الأخبار للصدوق ص ١٣٢ حيث ذكر أحاديث عن العصمة ودلائلها.

33. المفيد : شرح عقائد الصدوق ص ٦٦.

34. المفيد : أوائل المقالات ص ٩٦.

35. المفيد : أوائل المقالات ص ٩٦.

36. ن. م ص ٩٧.

37. الطبرسي : مشكاة الأنوار في غرر الأخبار ص ٣٩ وما بعدها.

38. المفيد : أوائل المقالات ص ٥٠.

39. المفيد : أوائل المقالات ص ٥٠ وانظر رسالة للصدوق في الإعتقادات طبعت مع كتاب النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر.

40. المظفر : عقائد الإماميّة ص ٨٤.

مقتبس من كتاب : [ نشأة الشيعة الامامية ] ، الصفحة : 292 ـ 299