حكم الدار

طباعة
بحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج5 ، ص 544 ـ  447
________________________________________
(445)
6 ـ حكم الدار
وصف الدار بكونها دار اسلام أو إيمان، أو داركفر، هو من جهة لحوق بعض الأحكام الشرعية بالمقيمين فيها، مثل جواز المناكحة و التوارث إذ لم يعرف حاله، و الصلاة خلفه أو عليه إذا مات، و الدفن في مقابر المسلمين، و موالاته و معاداته، إلى غير ذلك من الأحكام، و قد اختلفت الآراء في الأمر الّذي يصير سبباً لوصف الدار بكونها دار إسلام أو كفر.
منهم من اعتبر الكثرة، فإذا كان الأكثر من أهل الدار على دين الإسلام فهي دار إسلام و إلاّ فدار كفر.
و منهم من اعتبر مع الكثرة، الغلبة أيضاً، بأن يكون غالبين قاهرين على الاُمور.
و منهم من اعتبر زوال التقية، فمتى لم يكن أهل الدار في تقيّة من السلطان في اظهار شعائر الدين فهي دار إسلام.
و منهم (كثير من الزيدية و المعتزلة) ذهب إلى أنّ المناط في ذلك، بما
________________________________________
(446)
يظهر في الدار و يوجد المقيم بها من الحال، فإذا كانت الدار بحيث يظهر فيها الشهادتان ظهوراً، لايمكن المقام فيها إلاّ بإظهارهما أو الكون في ذمّة و جوار من مظهرهما، ولا يتمكّن المقيم من اظهار خصلة من خصال الكفر فهي دار إسلام، و إن لم تكن الدار بهذا الوصف الّذي ذكرناه فهي دار كفر. ولا اعتبار عندهم مع ذلك بما يكون عليه أهلها من المذاهب المختلفة بعد تحقّق ما ذكرناه(1).
و قال شيخنا المفيد: إنّ الحكم في الدار على الأغلب فيها، و كلّ موضع غلب فيه الكفر فهو دار كفر، وكلّ موضع غلب فيه الإيمان فهو دار إيمان، وكلّ موضع غلب فيه الإسلام فهو دار إسلام، قال الله تعالى في وصف الجنّة: (وَ لَنِعْمَ دَارُ المُتَّقِين)(2) وإن كان فيها أطفال و مجانين(3).
وقال في وصف النار: (سَاُريكُمْ دَارَ الفَاسِقِين)(4) و إن كان فيها ملائكة الله مطيعون. فحكم على كلتا الدارين حكم الأغلب فيها(5).
هذه هي الأقوال الدارجة في حكم الدار، و المعروف عن الخوارج رأيان:
1 ـ كلّ بلد ظهر فيه الحكم بغير ما أنزل الله فهو دار كفر.
2 ـ إذا كفر الإمام فقد كفرت الرعيّة، الغائب منهم و الشاهد(6).
و في الرأي الثاني تطرّف واضح، إذ كيف يكون كفر الإمام سبباً لكفر الرعيّة، أما سمعوا قول الله سبحانه: (ألاّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ اُخْرَى)(7). وكان يقول
________________________________________
1. العلاّمة الزنجاني: التعليقة على أوائل المقالات 70.
2. النحل: 30.
3. فيه و ما بعده تأمّل واضح.
4. الأعراف: 145.
5. المفيد: أوائل المقالات 70 ـ 71.
6. لاحظ ماذكرناه في حقّ البيهسيّة.
7. النجم: 38.

________________________________________
(447)
علي ـ عليه السَّلام ـ في هذا الشأن مخاطباً الخوارج: فإن أبيتم إلاّ أن تزعموا أنّي أخطأت، وضللت، فلم تُضلِّلون عامّة اُمّة محمّد ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ بضلالي و تأخذونهم بخطئي، و تكفّرونهم بذنوبي (1).
* * *
________________________________________
1. الرضي: نهج البلاغة، الخطبة 127.