عكرمة البربري

طباعة
بحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج5 ، ص 467 ـ  470
________________________________________
(467)
خاتمة المطاف:
رجال الخوارج في العصور الاُولى

قد تعرّفت فيما سبق على الشخصيات البارزة للاباضيّة، ولا بد من التطرّق إلى رجال الخوارج من غيرهم، و نذكر في المقام المعروفين منهم، و إن كان الحكم بكونهم من الخوارج يحتاج الى تتبّع وافر، فإنّ الشهرة في المقام لاتفيد إلاّ الظن. و ربّما يكون رميهم بأنّهم منهم صدر من غير أهله تعنّتاً و حقداً، و على كل تقدير فقد ذكر ابن ابي الحديد لفيفاً ممّن كان يرى رأي الخوارج، و نذكر بعض ما ذكر(1):
1 ـ عكرمة البربري (ت / 105):
و صفه الذهبي بقوله «أحد أوعية العلم، تُكلّم فيه لرأيه لالحفظه، فاتّهم
________________________________________
1. ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 5 / 76.
________________________________________
(468)
برأي الخوارج، وقد وثّقه جماعة و اعتمده البخاري، و أمّا مسلم فتجنّبه و روى له قليلاً مقروناً بغيره، و أعرض عنه مالك، و تحايده إلاّ في حديث أو حديثين. و عن عمرو بن دينار، قال: رُفع إلى جابر بن زيد مسائل أسأل عنها عكرمة، فجعل جابر بن زيد يقول: هذا مولى ابن عباس، هذا البحر فَسَلوه. و قد وصفه شهر بن حوشب و جابر بن زيد بأنّه حبر هذه الاُمة و أعلم الناس، و مع ذلك فقد ضعّفه يحيى بن سعيد الأنصاري و أيّوب و ذكرا عكرمة، فقال يحيى: كذّاب، و قال أيّوب، لم يكن بكذّاب. و عن زيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث قال: دخلت على علي بن عبد الله فإذا عكرمة في وثاق عند باب الحش، فقلت له: ألا تتّق الله، فقال: إنّ هذا الخبيث يَكذِب على أبي. و قال محمّد بن سيرين عن عكرمة، فقال: ما يسوءني أن يكون من أهل الجنّة و لكنّه كذّاب. و قال ابن أبي ذئب: رأيت عكرمة، و كان غير ثقة. و قال محمّد بن سعد: كان عكرمة كثير العلم و الحديث، بحراً من البحور، و ليس يُحتَجّ بحديثه، و يتكلّم الناس فيه.
هذه أقوال الناس في حقّه، وإليك قول نفسه في حقّه:
قال: كان ابن عباس يضع في رجلي الكَبْلَ على تعليم القرآن و الفقه، و قال: طلبت العلم أربعين سنة، وكنت اُفتي بالباب و ابن عباس في الدار.
و هذا قوله في حقّ نفسه، و لا يحتجّ بقول الإنسان في حقّه إذا كان مدحاً، و يؤيّد كون الرجل خارجيّاً ما رواه خالد ابن أبي عمران قال: كنّا بالمغرب و عندنا عكرمة في وقت الموسم فقال: وددت أنّ بيدي حربة فأعترض بها من شهد الموسم يميناً وشمالاً، و عن يقعوب الحضرمي عن جدّه قال: وقف عكرمة على باب المسجد فقال: ما فيه إلاّ كافر، قال: وكان يرى رأي الاباضيّة. و عن يحيى بن بكير قال: قدم عكرمة مصر و هو يريد المغرب، قال: فالخوارج
________________________________________
(469)
الذين هم بالمغرب عنه أخذوا.
قال ابن المديني: كان يرى رأي نجدة الحروري. و قال مصعب الزبيري: كان عكرمة يرى رأي الخوارج. قال: وادّعى على بن عباس أنّه كان يرى رأي الخوارج.
و عن خالد بن نزار: حدثنا عمر بن قيس، عن عطاء بن أبي رباح: انّ عكرمة كان اباضياً، و عن أبي طالب: سمعت أحمد بن حنبل يقول: كان عكرمة من أعلم الناس، ولكنّه كان يرى رأي الصفريّة، ولم يدع موضعاً إلا خرج إليه: خراسان و الشام و اليمن و مصر و إفريقيا، كان يأتي الاُمراء فيطلب جوائزهم، وأتى الجَنَدَ إلى طاوس، فأعطاه ناقةً.
و قال مصعب الزبيري: كان عكرمة يرى رأي الخوارج فطلبه متولّي المدينة فتغيّب عند داود بن الحصين حتى مات عنده. و روى سليمان بن معبد السّنجي قال: مات عكرمة وكُثير عَزَّة في يوم، فشهد الناس جنازة كُثير، و تركوا جنازة عكرمة. و قال عبد العزيز الدراوردي: مات عكرمة و كثير عَزَّة في يوم، فما شهدهما إلاّ سُودان المدينة. و عن إسماعيل بن أبي اُويس، عن مالك، عن أبيه، قال: اُتي بجنازة عكرمة مولى ابن عباس و كثير عزّة بعد العصر، فما علمت أنّ أحداً من أهل المسجد حلّ حبوته إليهما. و قال جماعة: مات سنة خمس و مائة، و قال الهيثم و غيره: سنة ست، و قال جماعة: سنة سبع و مائة. و عن ابن المسيب أنّه قال لمولاه بُرْد: لا تكذب عليَّ كما كذب عكرمة على ابن عباس. و يروى ذلك عن ابن عمر قاله لنافع(1).
وقد روي شيء كثير منه في التفاسير و هي مليئة بأقواله، و يظهر ممّا نقل عنه أنّه يرى الحلف بالطلاق باطلاً، روى الذهبي عن عاصم الأحول، عن عكرمة
________________________________________
1. الذهبي: ميزان الاعتدال 3 / 93 ـ 97 برقم 5714.
________________________________________
(470)
في رجل قال لغلامه: إن لم اجلدك مائة سوط فامرأتي طالق. قال: لايجلد غلامه و لاتطّلق امرأته، هذه من خطوات الشيطان(1).
و ترجمه أبو حاتم الرازي في الجرح و التعديل بذكر نقول مختلفة عنه(2).
و قد ترجمه ابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب مفصّلاً، و ذكر أيضاً الأقوال المتضاربة في حقّه (3). و ممّا قال فيه، قال علي بن المديني: كان عكرمة يرى رأي نجدة، و قال يحيى بن معين: إنّما لم يذكر مالك بن أنس عكرمة لأنّ عكرمة كان ينتحل رأي الصفريّة، و قال عطاء: كان اباضياً، و قال الجوزجاني: قلت لأحمد: عكرمة كان اباضياً؟ فقال: يقال إنّه كان صفريّاً. و قال خلاد بن سليمان، عن خالد بن أبي عمران: دخل علينا عكرمة أفريقيا وقت الموسم فقال: وددت أنّي اليوم بالموسم بيدي حربة أضرب بها يميناً و شمالاً. قال: فمن يومئذ رفضه أهل أفريقيا، و قال مصعب الزبيري: كان عكرمة يرى رأي الخوارج وزعم أنّ مولاه كان كذلك، و قال أبو خلف الخزاز عن يحيى البكّاء: سمعت ابن عمر يقول لنافع: اتّق الله ويحك يا نافع، و لا تكذب عليّ كما كذب عكرمة على ابن عباس(4).
________________________________________
1. الذهبي: ميزان الاعتدال 3 / 97 برقم 5714، اشارة إلى قوله تعالى (وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الْشَّيْطَانِ) ـ البقرة: 208 ـ .
2. أبو حاتم الرازي: الجرح و التعديل 7 / 6 ـ 11 .
3. ابن حجر العسقلاني: تهذيب التهذيب 7 / 234 ـ 242 برقم 476، و لكنّه لم يترجمه في لسان الميزان مع وروده في الميزان للذهبي كما عرفت.
4. المصدر نفسه: 7 / 237.