معمر بن المثنى

طباعة
بحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج5 ، ص 476 ـ  480
________________________________________
(476)
6 ـ معمر بن المثنى (110 ـ 213):
أبو عبيدة، التيمي(2) البصري، يصفه الخطيب في تاريخه بالنحويّ العلاّمة، يقال: إنّه ولد سنة 110 في الليلة الّتي ولد فيها الحسن البصري، و نقل عن الجاحظ أنّه قال: لم يكن في الأرض خارجي و لاجماعيّ أعلم بجميع العلوم منه(3).
قال ابن قتيية: كان الغريب(4) أغلب عليه و اخبار العرب و أيّامها، وكان
________________________________________
2. كان تيميّاً بالولاء.
3. الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 13 / 252 برقم 7210.
4. المراد غريب اللغة أو غريب القرآن و الحديث.

________________________________________
(477)
مع معرفته ربّما لايقم البيت إذا أنشده، حتى يكسره، و كان يخطأ إذا قرأ القرآن الكريم نظراً، و كان يبغض العرب، و ألّف في مثالبها كتباً، و كان يرى رأي الخوارج(1).
و نقل ابن خلكان عن بعضهم: أنّ هارون الرشيد أقدمه من البصرة إلى بغداد سنة 188، و قرأ عليه بها أشياءً من كتبه، و أسند الحديث إلى هشام بن عروة و غيره و روى عنه علي بن المغيرة الأثرم، و أبو عبيد القاسم بن سلام، و أبو عثمان المازني، و أبو حاتم السجستاني و عمر بن شبة و غيرهم.
و لأجل إلمام القارئ على نموذج من تفسيره نأتي بما يلي:
سأله رجل عن قوله سبحانه: (أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * إِنَّا جَعَلْنَـهَا فِتْنَةً لِّلظَّـلِمِينَ * إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِى  أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَـطِينِ * فَإِنَّهُمْ لاََكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ )(2).
سأله عن قوله: (طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَـطِينِ) و قال: إنّما يقع الوعد و الايعاد بما عرف مثله، وهذا لم يعرف فأجاب: إنّما كلّم الله العرب على قدر كلامهم. أما سمعت قول أمرئ القيس:
أيقتلني و المشرفّي مُضاجعي * و مسنونة زرقٌ كأنياب أغوال
و هم لم يروا الغول قطّ، و لكنّه لمّا كان أمر الغول يهولهم، أو عدوا به.
ثم يقول: و أزمعت منذ ذلك اليوم أن أضع كتاباً في القرآن لمثل هذا و أشباهه و لما يحتاج إليه من علمه، ولمّا رجعت إلى البصرة عملت كتابي الّذي سمّيته المجاز(3).
________________________________________
1. ابن قتيية: المعارف 243.
2. الصافات: 62 ـ 66.
3. ابن خلكان: و فيات الاعيان 5 / 236 تحقيق الدكتور احسان عباس. ولا حظ: مجاز القرآن لأبي عبيدة ج2.

________________________________________
(478)
و قد ذكر ابن خلّكان أنّه لم يزل يصنّف حتّى مات، و تصانيفه تقارب مائتي تصنيف،، فمنها كتاب «مجاز القرآن الكريم» و كتاب «غريب القرآن» و كتاب «معاني القرآن» و كتاب «غريب الحديث»...(1) و يبدو من فهرس تصانيفه أن أكثرها يدور بين اللغة و الشعر و التاريخ و ما يشابهها، و الّذي أثار عواطف الاُمّة العربية ضدّه أنّه ألّف كتاب «لصوص العرب» و كتاب «فضائل الفرس»، و من المعلوم أنّ العصبية العمياء لاتحبّ كلا التأليفين.
يقول ابن خلكان: لمّا جمع كتاب المثالب، و لعلّ مراده هو «لصوص العرب»، قال له رجلٌ مطعون النسب: بلغني أنّك عبت العرب جميعها، فقال: «و ما يضّرك، أنت من ذلك بريء»! يعني أنّه ليس منهم، و يذكر ابن خلكان أيضاً: أنّه لايقبل أحد من الحكّام شهادته لأنه كان يتّهم بالميل إلى الغلمان. قال الأصمعي: دخلت أنا و أبو عبيدة يوماً المسجد فإذا على الاسطوانة الّتي يجلس إليها أبو عبيدة مكتوب على نحو من سبعة أذرع.
صلّى الإله على لوط و شيعته * أبا عبيدة قل بالله آمينا
فقال لي: يا أصمعي! امحُ هذا، فركبت على ظهره ومحوته بعد أن أثقلته إلى أن قال: أثقلتني و قطعت ظهري، فقلت له: قد بقي الطاء. فقال: هي شرّ حروف هذا البيت!(2).
أقول: إنّ الأصمعي كان ممّن ينصب العداء على عليّ، و أبا عبيدة كان من الخوارج، و الجنس إلى الجنس يميل «والمرء على دين خليله و قرينه» و قال سبحانه حاكياً عن المجرمين (يَـوَيْلَتَي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً)(3) و قال
________________________________________
1. ابن خلكان: و فيات الاعيان 5 / 238 تحقيق الدكتور احسان عباس.
2. المصدر نفسه: 242.
3. الفرقان: 28.

________________________________________
(479)
سبحانه: (الاَْخِلاَّ ءُ يَوْمَئِذِ بَعْضُهُمْ لِبَعْض عَدُوٌّ إِلاَّ الْمـُتَّقِينَ)(1)، و مع ذلك كلّه فيحتمل أن تكون القصّة مختلقة من جانب الأعداء لأنّهم كانوا يرون أمثال أبي عبيدة من المبتدعة الذين تجوز مباهتتهم إبعاداً للناس عن ضلالهم.
مجاز القرآن لأبي عبيدة:
لم يصل إلينا من كتب أبي عبيدة مع كثرتها غير كتاب مجاز القرآن، و قد عرفت أنّ ابن خلّكان ذكر له أسماء كتب ثلاثة حول القرآن و زاد ابن النديم كتاب «اعراب القرآن» و هل ألّف أبو عبيدة كتباً بهذه الأسماء أو هي أسماء متعدّدة و المسمّى واحدٌ؟ فقد رجّح محقّق كتاب مجاز القرآن الثاني و قال: «و الّذي نظنّه أن ليس هناك لأبي عبيدة غير كتاب المجاز»، و أنّ هذه الأسماء اُخذت من الموضوعات الّتي تناولها «المجاز» فهو يتكلّم في معاني القرآن، و يفسّر غريبه، و في أثناء هذا يعرض لاعرابه، و يشرح أوجه تعبيره، و ذلك ما عبّر عنه أبو عبيدة بمجاز القرآن، فكلّ سمّى الكتاب بحسب أوضح الجوانب الّتي تولّى الكتاب تناولها، و لفتت نظره أكثر من غيرها، ولعلّ ابن النديم لم ير الكتاب، و سمع هذه الأسماء من أشخاص متعدّدين فذكر لأبي عبيدة في موضوع القرآن هذه الكتب المختلفة الأسماء.
ثمّ إنّ التأليف في غريب القرآن كثير، و ربّما يعبّر عن بعضه بمعاني القرآن، كما هو الحال في كتاب الفرّاء، و ربما يعبّر عنه بمجازات القرآن كما هو الحال في تأليف الشريف الرضي، و أمّا الفرق بين كتاب أبي عبيدة و كتاب الرضيّ و قد اشتهر الأوّل بمجاز القرآن، و الثاني بمجازات القرآن، هو أنّ الأوّل يستعمل لفظ المجاز بمعنى مفهوم الكلمة و الآية، بخلاف الثاني فإنّه يستعمله في الجامع بين
________________________________________
1. الزخرف: 67.
________________________________________
(480)
المجاز اللغويّ و الكناية و الاستعارة، و لكل مزية، و على كلّ تقدير فأثر أبي عبيدة أثر متقن مفيد جدّاً، و قد قام بتحقيقه الدكتور محمّد فؤاد سزگين في جزئين، و قد طبع للمرّة الثانية في سنة 1401 هـ .
و قد اختلفت الأقوال في تاريخ و فاته، فنقل الخطيب عن بعضهم أنّه مات سنة 209 هـ ، و عن آخر سنة 211 هـ ، و عن ثالث 210 هـ و قيل سنة 213، و الله العالم.
و لنكتف بما ذكر من رجال الخوارج في العصور الأولى و قد تعرّفت على عدّة من رجالهم في ثنايا الكتاب لاسيّما القادة العسكريين.
بقيت هنا كلمة و هي أن نعطف نظر القارئ إلى ما روي عن النبي الأكرم في حقّ المحكّمة الاُولى و أثر في حقّهم عن الصحابة و التابعين لهم باحسان، و قد جميعها إمام الحنابلة أحمد بن حنبل و رواه عنه ابنه عبد الله في كتاب «السنّة»(1) واليك متونها مع أسانيدها:
بما أنّ الاباضية لايرون أنفسهم خوارج و نحن أيضاً نربئ بهم عن كونهم منهم على الشروط الّتي قدّمناها في الكتاب، فلا أراهم متضايقين من هذه الآثار الّتي لو تدّبر فيها القارئ يراها من قسم المتواتر المعنوي و لا يحقّ لأحد أن يشكّ في ما يهدف إليه جمعها:
________________________________________
1. عبد الله بن أحمد بن حنبل: السنّة 267 ـ 286.