الكراميّة الحركات الرجعيّة

طباعة
بحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 3 ، ص 149 ـ  151
________________________________________
(149)
5
الكراميّة
الحركات الرجعيّة
وهذه الفرقة منسوبة إلى محمّد بن كرّام السجستاني شيخ الكرامية (م 255).
قال الذهبي: «ساقط الحديث على بدعته، أكثر عن أحمد الجويباري ومحمّد بن تميم السعدي وكانا كذّابين».
قال ابن حبّان: «خذل، حتّى التقط من المذاهب أردأها، ومن الأحاديث أوهاها...وجعل الإيمان قولاً بلا معرفة».
و قال ابن حزم: «قال ابن كرّام: الإيمان قول باللسان، و إن اعتقد الكفر بقلبه فهو مؤمن. ومن بدع الكرّاميّة قولهم في المعبود تعالى إنّه جسم لا كالأجسام و قد سُقت أخبار ابن كرّام في تأريخي الكبير. وله أتباع و مريدون وقد سجن في نيسابور لأجل بدعته ثمانية أعوام، ثم أخرج وسار إلى بيت المقدس، ومات بالشام سنة 255 هـ.»(1).
يلاحظ عليه: أنّ ما أسماه مؤمناً سمّاه القرآن منافقاً. قال سبحانه ( إِذَا جَاءَكَ المُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللّهِ وَاللّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّ المُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ)(المنافقون/1).
________________________________________
1. ميزان الاعتدال: ج 4 ص 21.
________________________________________
(150)
وقاعدة مذهبه التجسيم، وتوصيف الواجب باُمور حادثة، وكلّ ما يذكره أصحاب الملل والنحل يرجع إلى هذا الأصل، وأمّا أصنافهم فقد ذكر البغدادي أنّ للكرّامية بخراسان ثلاثة أصناف:حقائقية، والطزائقية و اسحاقية(1) وذكر الشهرستاني لها اثنتي عشرة فرقة و أنّ اُصولها ستّة.
وكانت الحركة الكرّامية، حركة رجعية بحتة حيث دعا أتباعه إلى تجسيم معبوده، وأنّه جسم له حدّ ونهاية من تحت والجهة الّتي منها يلاقي عرشه. وقال البغدادي: وهذا شبيه بقول الثنوية: إنّ معبودهم الّذي سمّوه نوراً، يتناهى من الجهة التي تُلاقي الظلام وإن لم يتناه من خمس جهات.
ومن عقائده: أنّ معبودهم محلّ للحوادث و زعموا أنّ أقواله و إراداته، و إدراكاته للمرئيات، وإدراكاته للمسموعات، وملاقاته للصفحة العليا من العالم، أعراض حادثة فيه، وهو محلّ لتلك الحوادث الحادثة فيه(2).
ومن غرائب آرائه أنّه وصف معبوده بالثِّقل و ذلك أنّه قال في كتاب «عذاب القبر» في تفسير قول الله عزّ وجلّ: ( إذا السماء انفطرت ) : أنّها انفطرت من ثقل الرحمان عليها.
إلى غير ذلك من المضحكات والمبكيات في الاُصول والفقه. وقد ذكر البغدادي آراءه الفقهيّة أيضاً و ذكر فيه قصّة عجيبة من أرادها فليرجع إليه(3).
إنّ للكرّامية نظريات في موضوعات اُخر، ذكرها البغدادي، وقد بلغت جرأتهم في باب النبوّة حتّى قال بعضهم: إنّ النّبيّ أخطأ في تبليغ قوله «ومناة الثالثة الاُخرى» حتّى قال بعده: «تلك الغرانيق العلى، وإنّ شفاعتها ترتجى»(4).
________________________________________
1. الفرق بين الفرق: ص 215. 2. الملل والنحل: ج 1 ص 108. 3. الفرق بين الفرق: ص 218 ـ 225. 4. الفرق بين الفرق: ص 222.
________________________________________
(151)
مع أنّ قصّة الغرانيق اقصوصة ابتدعها قوم من أهل الضلالة وقد أوضحنا حالها في محاضراتنا باسم سيّد المرسلين صلَّى الله عليه و آله و سلَّم» فلاحظ.
ونكتفي بهذا النزر في بيان عقائدهم وكلّها وليد إقصاء العقل والمنطق عن ساحة العقائد والاكتفاء بالروايات، مع ما فيها من أباطيل و ترّهات وضعها الأعداء، واختلقتها الأهواء فهي من أسوأ الحركات الرجعية، الظاهرة في أواسط القرن الثالث.
تم الكلام في الكرّامية