خلافة النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله كانت مطروحة في حياته

البريد الإلكتروني طباعة

خلافة النبي صلّى الله عليه وآله كانت مطروحة في حياته

مضافاً الى منطق الأمور ، توجد أدلّةٌ ملموسةٌ تدلّ على أن الخلافة وولاية الأمر بعد النبي صلّى الله عليه وآله كانت مطروحةً من أوّل بعثته والى آخر حياته الشريفة ، وأن الكلام كان يجري في من يخلفه بشكل طبيعي .. لا كما تقول مصادر السنيين من أنّ النبي صلّى الله عليه وآله لم يوص الى أحد ، وأن المسلمين لم يطرحوا هذا الموضوع معه أبداً ، ولا سألوه عنه حتّى مجرّد سؤال !!

وهذه الأدلّة غير ما ثبت من نصوص النبي صلّى الله عليه وآله على إمامة العترة من بعده عليهم السلام.

الدليل الأوّل : ماورد في سيرة النبي صلّى الله عليه وآله من أنّه كان يعرض نفسه على القبائل في أوّل بعثته ، ويطلب منها أن تحميه لكي يبلغ رسالة ربّه ... وأن بعض القبائل قبلت عرضه بشرط أن يكون الأمر لها من بعده ، فأجابها النبي صلّى الله عليه وآله بأنّه مجرّد رسول والأمر ليس له ، بل هو لله تعالى يجعله لمن يريد !

وأبرز ما وجدنا من ذلك : حديث بني عامر بن صعصعة ، وحديث كندة ، وكلاهما في أوّل البعثة ، وحديث عامر بن الطفيل ، وهو في أواخر حياة النبي صلّى الله عليه وآله !

ـ ففي سيرة ابن هشام : ٢ / ٢٨٩ :

أتى بني عامر بن صعصعة فدعاهم الى الله عزّ وجلّ ، وعرض عليهم نفسه ، فقال له رجل منهم يقال له بيحرة بن فراس : والله لو أنّي أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب ، ثمّ قال له : أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك ، ثمّ أظهرك الله على من خالفك ، أيكون لنا الأمر من بعدك ؟

قال : الأمر الى الله ، يضعه حيث يشاء.

قال فقال له : أفنهدف نحورنا للعرب دونك ، فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا ! لا حاجة لنا بأمرك ! فأبوا عليه.

فلمّا صدر الناس ، رجعت بنو عامر الى شيخ لهم ، قد كانت أدركته السن حتّى لا يقدر أن يوافى معهم المواسم ، فكانوا إذا رجعوا إليه حدثوه بما يكون في ذلك الموسم ، فلمّا قدموا عليه ذلك العام سألهم عمّا كان في موسمهم ، فقالوا : جاءنا فتىً من قريش ثمّ أحد بني عبد المطلب ، يزعم أنّه نبي يدعونا الى أن نمنعه ونقوم معه ونخرج به الى بلادنا ، قال : فوضع الشيخ يديه على رأسه ، ثمّ قال : يا بني عامر هل لها من تلافٍ ؟! هل لذناباها من مُطَّلب ؟! والذي نفس فلانٍ بيده ما تقوَّلها إسماعيليٌّ قط ، وإنها لحق ، فأين رأيكم كان عنكم ! انتهى.

ورواه الطبري في تاريخه : ٢ / ٨٤ ، وابن كثير في سيرته : ٢ / ١٥٨ ، وحكاه في الغدير : ٧ / ١٣٤ ، عن سيرة ابن هشام : ٢ / ٣٢ ، والروض الأنف : ١ / ٢٦٤ ، وبهجة المحافل لعماد الدين العامري ١ / ١٢٨ ، والسيرة الحلبية : ٢ / ٣ ، وسيرة زيني دحلان : ١ / ٣٠٢ ، بهامش الحلبية ، وحياة محمّد لهيكل / ١٥٢.

وأمّا حديث قبيلة كندة ، فرواه ابن كثير في سيرته : ٢ / ١٥٩ قال :

قال عبد الله بن الأجلح : وحدّثني أبي عن أشياخ قومه ، أن كندة قالت له : إن ظفرت تجعل لنا الملك من بعدك ؟

فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : إن الملك لله ، يجعله حيث يشاء.

فقالوا : لا حاجة لنا فيما جئتنا به !. انتهى.

وأمّا حديث عامر بن الطفيل شيخ مشايخ قبائل غطفان ، فرواه ابن كثير أيضاً في سيرته : ٤ / ١١٤ ، قال :

عن ابن عبّاس أن أربد بن قيس بن جزء بن خالد بن جعفر بن كلاب ، وعامر بن الطفيل بن مالك ، قدما المدينة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فانتهيا إليه وهو جالس ، فجلسا بين يديه : فقال عامر بن الطفيل :

ـ يا محمّد ، ما تجعل لي إن أسلمت ؟

ـ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم.

ـ قال عامر : أتجعل لي الأمر إن أسلمت ، من بعدك ؟

ـ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : ليس ذلك لك ، ولا لقومك ، ولكن لك أعنة الخيل.

ـ قال : أنا الآن في أعنة خيل نجد ، إجعل لي الوَبَر ، ولك المَدَر.

ـ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : لا.

ـ فلمّا قفل من عنده ، قال عامر : أما والله لأملأنّها عليك خيلاً ورجالاً !

ـ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : يمنعك الله.

ـ وفي ص ١١٢ ، قال : وكان عامر بن الطفيل قد أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فقال : أخيّرك بين ثلاث خصال : يكون لك أهل السهل ويكون لي أهل الوبر ، وأكون خليفتك من بعدك ، أو أغزوك بغطفان بألف أشقر وألف شقراء !

قال فطَعَن ـ أصيب بالطاعون ـ في بيت امرأة فقال : أغُدَّةٌ كغدّة البعير ، وموتٌ في بيت امرأة من بني فلان ! ـ وفي رواية في بيت سلولية ـ ائتوني بفرسي ، فركب ، فمات على ظهر فرسه !. انتهى.

الدليل الثاني : أن بيعة النبي صلّى الله عليه وآله للأنصار تضمّنت ثلاثة شروط :

الأوّل : أن يحموه ممّا يحمون منه أنفسهم.

الثاني : أن يحموا أهل بيته وذريّته ممّا يحمون منه أهل بيوتهم وذراريهم.

الثالث : أن لا ينازعوا الأمر أهله.

وهذا يعني أن يطيعوا من يختاره الله تعالى للقيادة بعد نبيّه صلّى الله عليه وآله ، وأن مبدأ الإختيار الالهي للأئمّة بعد النبي صلّى الله عليه وآله كان مفروغاً عنه من أوّل الرسالة.

وقد وفت الأنصار بالشرط الأوّل خير وفاء ، ولكنّها حنثت بالشرطين الأخيرين حنثاً سيّئاً مع الأسف !

ـ ففي صحيح البخاري : ٨ / ١٢٢

عن عبادة بن الصامت قال : بايعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على السمع والطاعة في المنشط والمكره ، وأن لا ننازع الأمر أهله ، وأن نقوم أو نقول بالحقّ حيثما كنّا ، لا نخاف في الله لومة لائم.

ـ ورواه مسلم : ٦ / ١٦ والنسائي : ٧ / ١٣٧ ، بعدّة روايات ، وعقد باباً بعنوان « باب البيعة على أن لا ننازع الأمر أهله »

ـ ورواه ابن ماجة : ٢ / ٩٥٧ ، وأحمد : ٥ / ٣١٦ ، وفي ص ٤١٥ وقال « قال سفيان : زاد بعض الناس : ما لم تروا كفراً بواحاً ». ورواه البيهقي في سننه : ٨ / ١٤٥.

ورووا روايات فيها الزيادة التي ذكرها سفيان ، وزيادة أخرى .. كما في صحيح البخاري : ٨ / ٨٨ قال : دعانا النبي صلّى الله عليه وسلّم فبايعنا ، فقال فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا ، وعسرنا ويسرنا ، وأثرة علينا ، وأن لا ننازع الأمر أهله ، إلّا أن تروا كفراً بواحاً ، عندكم من الله فيه برهان. انتهى.

ورواه البيهقي في سننه : ٨ / ١٤٥

ـ وروى أحمد في مسنده : ٥ / ٣٢١ : عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : عليك السمع والطاعة ، في عسرك ويسرك ، ومنشطك ومكرهك ، وأثرة عليك ، ولا تنازع الأمر أهله ، وإن رأيت أنه لك. انتهى.

وهاتان الزيادتان محلّ شكٍ ، لأن البيعة كانت قبل الهجرة ، ولم يكن فيها استثناء من الطاعة ، ولم تكن مسألة إثرة القرشيين على الأنصار مطروحة أبداً إلّا بعد بيعة أبي بكر ، واعتراض رئيس الأنصار صاحب السقيفة سعد بن عبادة ، وما جرى له ... وهذا يوجب الاطمئنان بأن زيادتي الإستثناء والأثرة نشأتا من جوّ علاقة الأنصار مع الخلافة القرشيّة بعد وفاة النبي صلّى الله عليه وآله.

ويلاحظ أن الصحاح القرشيّة أكثرت من رواية شرط النبي صلّى الله عليه وآله على الأنصار أن لا ينازعوا الأمر أهله ، لأجل أن تحتج عليهم بأنّهم لا سهم لهم في الخلافة القرشيّة ... ولكنّها لم تروِ شرط النبي صلّى الله عليه وآله على الأنصار أن يمنعوا أهل بيته وذريّته ممّا يمنعون منه أهليهم ، لأن ذلك في غير مصلحة الخلافة القرشيّة ، التي هاجمت بيت فاطمة وعلي عليهما السلام ، وأشعلت فيه النار لتحرقه بمن فيه ، إن لم يخرجوا ويبايعوا !

ـ قال في مجمع الزوائد : ٦ / ٤٩

عن عبادة بن الصامت أن أسعد بن زرارة قال : يا أيّها الناس ، هل تدرون على ما تبايعون محمّداً صلّى الله عليه وسلّم ؟ إنّكم تبايعونه أن تحاربوا العرب والعجم ، والجنّ والإنس ! فقالوا : نحن حرب لمن حارب ، وسلم لمن سالم.

قالوا : يا رسول الله إشترط.

قال : تبايعوني على أن : تشهدوا أن لا إله إلّا الله ، وأنّي رسول الله ، وتقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة ، والسمع والطاعة ، وأن لا تنازعوا الأمر أهله ، وأن تمنعوني ممّا تمنعون منه أنفسكم وأهليكم.

وعن حسين بن علي قال : جاءت الأنصار تبايع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على العقبة فقال : يا علي قم فبايعهم ، فقال علي : ما أبايعهم يا رسول الله ؟

قال : على أن يطاع الله ولا يعصى ، وعلى أن تمنعوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأهل بيته وذريّته ، ممّا تمنعون منه أنفسكم وذراريكم. انتهى.

وستأتي روايته من مصادر أخرى في « مهمّة نبّينا صلّى الله عليه وآله في التبليغ ».

الدليل الثالث : حديث الدار المعروف ، الذي ورد في تفسير قوله تعالى ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ).

ولا بدّ هنا من التنبيه على أمرٍ مهمّ ، وهو أن مدوني السيرة النبويّة الشريفة طمسوا مرحلة دعوة بني هاشم من السيرة ، مع أنّها منصوصة في القرآن ، واخترعوا بدلها مرحلة ما قبل بيت الأرقم ، وما بعد بيت الأرقم ... ورووا فيها الصحيح وغير الصحيح ، والمعقول وغير المعقول !

وتدلّ الآية الكريمة على أن الله تعالى أمر رسوله صلّى الله عليه وآله في المرحلة الأولى أن يدعو بني هاشم فقط ... فماذا فعل النبي صلّى الله عليه وآله في هذه المرحلة ؟

وهل استمرّت مدّتها شهوراً ، أو سنوات ، حتّى نزل الأمر بتوسيع نطاق الدعوة ؟

وما معنى الأمر الالهي : أن تكون نبوّة الرسول صلّى الله عليه وآله أولاً لبني هاشم خاصّة ، وبعدها لقريش والعرب والناس عامّة ؟

وما معنى أنّ قريشاً اتّخذت قراراً بمحاصرة بني هاشم ، فالتفوا جميعاً حول النبي صلّى الله عليه وآله ، مؤمنهم وكافرهم ، وتحملوا الحصار الشامل الذي استمرّ من السنة السادسة أو السابعة ، الى السنة الحادية عشرة للبعثة .. ولم يقل أحد منهم آخ !

وما معنى أنّه عندما كانت تقع شدائد على المسلمين ، لا ينهض بحملها إلّا بنو هاشم ؟! فقد انهزم المسلمون جميعاً في أحد ، ولم يثبت غير بني هاشم !

ثمّ انهزموا في حنين وهم عشرة آلاف ... فلم يثبت غير بني هاشم !!

إنّ هذه الحقائق والظواهر تفسّر الحديث الذي روته مصادرنا « بعثت الى أهل بيتي خاصة ، والى الناس عامّة ».

كما تدلّ آية ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) على أن إنذار بني هاشم كان مبرمجاً من الله تعالى ... ويدلّ حديث الدار على أن تعيين وصي النبي صلّى الله عليه وآله وخليفته من بينهم ، كان عملاً مبكراً ، من ضمن ذلك البرنامج ...

ـ فقد قال السيوطي في الدر المنثور : ٥ / ٩٧

وأخرج ابن إسحق ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، وأبو نعيم ، والبيهقي في الدلائل ، من طرقٍ ، عن علي رضي الله عنه قال : لما نزلت هذه الآية على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : وأنذر عشيرتك الأقربين ، دعاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال : يا علي إنّ الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين فضقت بذلك ذرعاً ، وعرفت أنّي مهما أبادؤهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره ، فصمتُّ عليها حتّى جاء جبريل فقال : يا محمّد إنّك إن لم تفعل ماتؤمر به يعذّبك ربك ، فاصنع لي صاعاً من طعام ، واجعل عليه رجل شاة ، واجعل لنا عساً من لبن ، ثمّ اجمع لي بني عبد المطلب ، حتّى أكلّمهم وأبلغ ما أمرت به.

ففعلت ما أمرني به ثمّ دعوتهم له ، وهم يومئذ أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصونه ، فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعبّاس وأبو لهب ، فلمّا اجتمعوا اليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم فجئت به ، فلمّا وضعته تناول النبي صلّى الله عليه وسلّم بضعة من اللحم فشقّها بأسنانه ، ثمّ ألقاها في نواحي الصحفة ، ثمّ قال : كلوا بسم الله ، فأكل القوم حتّى نهلوا عنه ، ما ترى إلّا آثار أصابعهم !

والله إنْ كان الرجل الواحد ليأكل ما قدمت لجميعهم.

ثمّ قال : إسق القوم يا علي ، فجئتهم بذلك العس فشربوا منه حتّى رووا جميعاً !

وأيم الله إن كان الرجل منهم ليشرب مثله !

فلمّا أراد النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يكلّمهم بدره أبو لهب الى الكلام ، فقال : لقد سحركم صاحبكم ! فتفرّق القوم ولم يكلّمهم النبي صلّى الله عليه وسلّم.

فلمّا كان الغد قال : يا علي إنّ هذا الرجل قد سبقني الى ما سمعت من القول ، فتفرق القوم قبل أن أكلّمهم ، فعدْ لنا بمثل الذي صنعت بالأمس من الطعام والشراب ، ثمّ اجمعهم لي ، ففعلت ثمّ جمعتهم ، ثمّ دعاني بالطعام فقربته ، ففعل كما فعل بالأمس ، فأكلوا وشربوا حتّى نهلوا ، ثمّ تكلّم النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال :

يا بني عبد المطلب إنّي والله ما أعلم أحداً في العرب جاء قومه بأفضل ممّا جئتكم به ، إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه ، فأيّكم يُوَازِرُنِي على أمري هذا ؟

فقلت وأنا أحدثهم سنّاً : إنّه أنا ، فقام القوم يضحكون.

ثم رواها السيوطي بسند آخر عن ابن مردويه عن البراء بن عازب ، قال : لما نزلت هذه الآية : وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ، جمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بني عبدالمطلب ، وهم يومئذ أربعون رجلاً ... الخ. انتهى.

ولكن السيوطي بتر الحديث هنا ، ولم يذكر بقيّة كلام النبي صلّى الله عليه وآله ... وهو أسلوبٌ دأب رواة خلافة قريشٍ على ارتكابه في حديث الدار ، لأن بقيّة الحديث تقول إن الله أمر رسوله من ذلك اليوم أن يختار وزيره وخليفته من عشيرته الأقربين !

ـ قال الأميني في الغدير : ١ / ٢٠٧

وها نحن نذكر لفظ الطبري بنصّه حتّى يتبيّن الرشد من الغيّ قال في تاريخه : ٢ / ٢١٧ من الطبعة الأولى : إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه ، فأيّكم يوازرني على هذا الأمر ، على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم ؟

قال : فأحجم القوم عنها جميعاً ، وقلت وإنّي لأحدثهم سنّاً وأرمصهم عيناً وأعظمهم بطناً وأحمشهم ساقاً : أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه.

فأخذ برقبتي ثمّ قال : إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا. قال : فقام القوم يضحكون ، ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع.

ـ وقال الأميني : ٢ / ٢٧٩

وبهذا اللفظ أخرجه أبو جعفر الإسكافي المتكلّم المعتزلي البغدادي ، المتوفّى ٢٤٠ ، في كتابه نقض العثمانيّة ، وقال : إنّه روي في الخبر الصحيح.

ورواه الفقيه برهان الدين في « أنباء نجباء الأبناء » / ٤٦ ـ ٤٨

وابن الأثير في الكامل ٢ / ٢٤

وأبو الفداء عماد الدين الدمشقي في تاريخه ١ / ١١٦

وشهاب الدين الخفاجي في شرح الشفا للقاضي عياض ٣ / ٣٧ « وبتر آخره »

وقال : ذكر في دلايل البيهقي وغيره بسند صحيح.

والخازن علاء الدين البغدادي في تفسيره / ٣٩٠

والحافظ السيوطي في جمع الجوامع ، كما في ترتيبه ٦ / ٣٩٢

وفي/ ٣٩٧ ، عن الحفاظ الستة : ابن إسحاق ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، وأبي نعيم ، والبيهقي.

وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ٣ / ٢٥٤. انتهى.

ثمّ شكا صاحب الغدير من الذين حرّفوا الحديث لإرضاء قريش ، ومنهم الطبري الذي رواه في تفسيره بنفس سنده المتقدّم في تاريخه ، ولكنّه أبهم كلام النبي صلّى الله عليه وآله في حقّ علي عليه السلام فقال : ثمّ قال : إن هذا أخي ، وكذا وكذا !!.

وتبعه على ذلك ابن كثير في البداية والنهاية : ٣ / ٤٠ ، وفي تفسيره : ٣ / ٣٥١. انتهى.

ـ وقال في هامش بحار الأنوار : ٣٢ / ٢٧٢ : وناهيك من ذلك مؤاخاته مع رسول الله صلّى الله عليه وآله بأمر من الله عزّ وجلّ في بدء الإسلام حين نزل قوله تعالى : وأنذر عشيرتك الأقربين ... راجع تاريخ الطبرى : ٢ / ٣٢١ ، كامل ابن الأثير : ٢ / ٢٤ ، تاريخ أبي الفداء : ١ / ١١٦ ، والنهج الحديدي : ٣ / ٢٥٤ ، ومسند الإمام ابن حنبل : ١ / ١٥٩ ، وجمع الجوامع ترتيبه : ٦ / ٤٠٨ ، وكنز العمال : ٦ / ٤٠١.

وهذه المؤاخاة مع أنّها كانت بأمر الله عزّ وجلّ ، إنّما تحقّقت بصورة البيعة والمعاهدة « الحلف » ولم يكن للنبي صلّى الله عليه وآله أن يأخذ أخاً ووزيراً وصاحباً وخليفةً غيره ، ولا لعلي أن يقصر في مؤازرته ونصرته والنصح له ولدينه ، كمؤازرة هارون لموسى على ما حكاه الله عزّ وجلّ في القرآن الكريم.

ولذلك ترى رسول الله صلّى الله عليه وآله حين يؤاخي بعد ذلك المجلس بين المهاجرين بمكّة ، فيؤاخي بين كل رجل وشقيقه وشكله : يؤاخي بين عمر وأبي بكر ، وبين عثمان وعبد الرحمن بن عوف ، وبين الزبير وعبد الله بن مسعود ، وبين عبيدة بن الحارث وبلال ، وبين مصعب بن عمير وسعد بن أبي وقاص ، وبين أبي عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة ، وبين حمزة بن عبد المطلب وزيد بن حارثة الكلبي « راجع سيرة ابن هشام : ١ / ٥٠٤ المحبر / ٧١ ـ ٧٠ البلاذرى : ١ / ٢٧٠ » يقول لعلي عليه السلام : والذي بعثني بالحقّ نبيّاً ما أخّرتك إلّا لنفسي ، فأنت منّي بمنزلة هرون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي ، وأنت أخي ووارثي ، وأنت معي في قصري في الجنّة.

ثمّ قال له : وإذا ذاكرك أحد فقل : أنا عبد الله وأخو رسوله ، ولا يدعيها بعدي إلّا كاذب مفتر « الرياض النضرة : ٢ / ١٦٨ منتخب كنز العمال : ٥ / ٤٥ و ٤٦ ».

ولذلك نفسه تراه صلّى الله عليه وآله حينما عرض نفسه على القبائل فلم يرفعوا اليه رؤوسهم ، ثمّ عرض نفسه على بني عامر بن صعصعة قال رجل منهم يقال له بيحرة بن فراس بن عبد الله بن سلمة الخير بن قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة : والله لو أنّي أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب ، ثمّ قال لرسول الله : أرأيت إن بايعناك على أمرك ثمّ أظهرك الله على من خالفك ، أيكون لنا الأمر من بعدك ؟

قال : الأمر الى الله يضعه حيث يشاء.

قال فقال له : أفنهدف نحورنا للعرب دونك ، فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا ، لا حاجة لنا بأمرك ، فأبوا عليه « راجع سيرة ابن هشام : ١ / ٤٢٤ الروض الأنف : ١ / ٢٦٤ بهجة المحافل : ١ / ١٢٨ ، سيرة زيني دحلان : ١ / ٣٠٢ السيرة الحلبية : ٢ / ٣ ». فلولا أنّه صلّى الله عليه وآله كان تعاهد مع علي عليه السلام بالخلافة والوصاية بأمر من الله عزّ وجلّ قبل ذلك ، لما ردّهم بهذا الكلام المؤيس ، وهو بحاجة ماسة من نصرة أمثالهم. انتهى.

ـ وفي دعائم الإسلام للقاضي النعمان المغربي : ١ / ١٥

وروينا أيضاً عن علي بن أبي طالب صلّى الله عليه أنّه قال : لما أنزل الله عزّ وجلّ : وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ، جمع رسول الله صلّى الله عليه وآله بني عبد المطلب على فخذ شاة وقدح من لبن ، وإن فيهم يومئذ عشرة ليس منهم رجل إلّا أن يأكل الجذعة ويشرب الفرق ، وهم بضع وأربعون رجلاً ، فأكلوا حتّى صدروا وشربوا حتّى ارتووا ، وفيهم يومئذ أبو لهب ، فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وآله :

يا بني عبد المطلب أطيعوني تكونوا ملوك الأرض وحكّامها ، إنّ الله لم يبعث نبيّاً إلّا جعل له وصيّاً ووزيراً ووارثاً وأخاً ووليّاً ، فأيّكم يكون وصيّي ووارثي ووليي وأخي ووزيري ؟

فسكتوا ، فجعل يعرض ذلك عليهم رجلاً رجلاً ، ليس منهم أحد يقبله ، حتّى لم يبق منهم أحد غيري ، وأنا يومئذ من أحدثهم سنّاً ، فعرض عليَّ فقلت : أنا يا رسول الله. فقال : نعم ، أنت يا علي.

فلمّا انصرفوا قال لهم أبو لهب : لو لم تستدلوا على سحر صاحبكم إلّا بما رأيتم ، أتاكم بفخذ شاة وقدح من لبن فشبعتم ورويتم ! وجعلوا يهزؤون ويقولون لأبي طالب : قد قدم ابنك اليوم عليك. انتهى.

ولا بد أن تكون حادثة دعوة النبي صلّى الله عليه وآله لبني هاشم قد شاعت في قريش ، ثمّ في العرب ، فقالوا إن النبي الجديد جمع عشيرته وأنذرهم ودعاهم الى دينه ، وإنّه طلب منهم شخصاً يكون له وزيراً وخليفةً من بعده ، فأجابه ابن عمّه الشاب الغلام ... فاتّخذه وزيراً وخليفة !

فهذه النصوص تدلّ على أن ولاية الأمر بعد النبي صلّى الله عليه وآله كانت مطروحةً ومنظورةً للناس ، من أوّل بعثته الى آخر حياته صلّى الله عليه وآله ... وأن كلّ الناس كانوا يعرفون أن مشروع النبوّة ودعوة الناس اليها ، هو مشروع تكوين دولة يرأسها النبي صلّى الله عليه وآله ، وتحتاج الى خليفة له بعده. ولذلك كان ممثّلو القبائل يحاولون أن يأخذوا منه وعداً بأن يكون لهم الأمر من بعده ، ومنهم ممثّلون لقبائل يمانيّة وعدنانيّة ، وزعيم قبائل نجد المتنقلة ... فكيف يصدق عاقلٌ ما زعمه زعماء قريش ، من أنّهم لم يطرحوا مسألة الخلافة مع النبي صلّى الله عليه وآله ، حتّى بصيغة سؤال عن الحكم الشرعي وواجب المسلمين من بعده !!

وكيف يقبل عاقل أنّهم يروون عنه صلّى الله عليه وآله أحاديث عن مستقبل الأمّة في كلّ الأمور ، إلّا في أمر الخلافة والإمام الشرعي من بعده ؟!

مقتبس من كتاب : [ آيات الغدير ] / الصفحة : 13 ـ 23

 

أضف تعليق

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية