الصراط

طباعة

المصدر : الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل : للشيخ جعفر السبحاني ، ج4 ، ص 267 ـ 262


(267)


6 ـ الصراط


الصراط في اللغة : هوالطريق ، ويغلب استعماله على الطريق الذي يوصل
________________________________________


(268)



الإنسان إلى الخير  ، بخلاف السبيل ؛ فإنّه يطلق على كل سبيل يتوسل به خيراً كان
أم شرّاً (1).
وإذا كان الصراط بمعنى الطريق ، فلكل موجود من الموجودات الإمكانية
طريق ، لو سلكه ، يصل إلى كماله الممكن من غير فرق بين الجماد والنبات ،
والحيوان والإنسان  .
وهذا ما يسمّى بالصراط التكويني ، وهو مجموعة القوانين السائدة على
الموجود الإمكاني ، بأمر منه سبحانه ، الّتي لو تخلّف عنها لهلك .
وهناك صراط آخر يختص بالإنسان وهو الصراط التشريعي ، أعني القوانين
والأحكام الشرعية التي قد فرضها سبحانه على عباده ، وهداهم إليها ، فهم بين
شاكر وكفور ، وقد نبّه القرآن إلى الصرا ط التشريعي في عدّة آيات ، منها:
1 ـ قوله تعالى : { إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} (2).
2 ـ قوله تعالى : { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ
فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ } (3).
3 ـ قوله تعالى : { وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنْ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ
الْحَمِيدِ} (4).
وفي مقابل هذا الصراط التشريعي ، طريق آخر يباينه في المقصد والمآل ،
وقائده هوالشيطان ومَن تبعه ، يقول سبحانه : { كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ
يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} (5).
وفي ضوء هذا يتبين أنّ لله سبحانه في هذه النشأة الدنيوية ، صراطين  :
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ـ مفردات الراغب : مادة سبل.
(2)  -سورة الدهر : الآية 3.
(3) - سورة الأنعام  :الآية153.
(4)  -سورة الحج : الآية 24.
(5) - سورة الحج : الآية 4.
________________________________________


(269)

أحدهما تكويني ، في سلوكه كمال الموجود وبقاؤه ، والآخر تشريعي يختصّ
بالإنسان ، فيه فوزهوسعادته .
نعم ، يستظهر من الذكر الحكيم ، ويدلّ عليه صريح الروايات ، وجود
صراط آخر ، في النشأة الأخروية يسلكه كل مؤمن وكافر.
يقول سبحانه : { فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ
جَهَنَّمَ جِثِيًّا *... * وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} (1).
وقد اختلف المفسّرون في معنى الورود بين قائل بأنّ المراد منه هو الوصول
إليها ، والإشراف عليها لا الدخول ، وقائل بأنّ المراد دخولها ، وعلى كل تقدير ،
فلا مناص للمسلم من الإعتقاد بوجود صراط في النشأة الأخروية ، وهوطريق
المؤمن إلى الجنة ، والكافر إلى النار(2).
وقد وصف الصراط في الروايات بأنّه أدقّ من الشعر ، وأحدّ من السيف .
غير أنّ البحث يتركز على التعرّف على حقيقة هذا الصراط بالمقدار الممكن ، وإن
كان الوقوف على حقيقته كما هي ، غير ممكنة إلاّ بعد رفع الحجب .
فنقول : لا شكّ أنّ هناك صلة بين الصراطين الدنيوي والأُخروي من
وجوه  :
1 ـ إنّ سالك الصراط الد نيوي بهداية قيادة من النبي ، يسلك الصراط
الاخروي بنفس تلك الهداية ، ويجتازه بأمان إلى الجنة ، وسالكه بهداية الشيطان
وولايته ، يسلك الصراط الأُخروي ، بنفس تلك الهداية ، فتزل قدمه ويهوي في
عذاب السعير (3).
2 ـ إنّ قيام الإنسان بالوظائف الإلهية ، في مجالي العقيدة والعمل ، أمر
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)  -سورة مريم : الآيات 68 ـ 71.
(2) - تفسير القمي : ج1، ص 29 ، وفي أُخرى بزيادة : « وأظلم من الليل » .
(3) - قال سبحانه: { كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} ) الحج :
الآية 4) . 
________________________________________


(270)

صعب أشبه بسلوك طريق أدقّ من الشعر ، وأحدّ من السيف ، فالفائز من الناس ،
مَن كانت له قدم راسخة في مجال الإيمان والعقيدة ، وتثبّتٌ في مقام العمل
والطاعة ، ومن المعلوم أنّ الفوز بهذه السعادة ليس أمراً سهلاً ، فكم من إنسان
ضلّ في طريق العقيدة ، وعبد النفس والشيطان والهوى ، مكان عبادة الله
سبحانه ، وكم من إنسان فشل في مقام الطاعة والعمل بالوظائف الإلهية.
فإذا كان هذا حال الصراط الدنيوي من حيث الصعوبة ، والدقة ، فهكذا
حال الصراط الأُخروي ، وإلى ذلك يشير الإمام الحسن بن علي العسكرى ،
في ـ عليهما السَّلام ـ حديثه عن علي بن أبي طالب ، ـ عليه السَّلام ـ قال  :
« والصّراط المستقيم ، صراطان : صراط في الدنيا ، وصراط في الآخرة ، أمّا
الصراط المستقيم في الدنيا ، فهو ما قصر عن الغلو ، وارتفع عن التقصير ، واستقام
فلم يعدل إلى شيء من الباطل ، وأمّا الطريق الآخر ، فهو طريق المؤمنين إلى
الجنة » (1).
فلو قال قائل بأنّ الصراط الأُخروي تمثّلٌ لذلك الصراط الدنيوي وتجسّد
له ، فلم يجازف .
3 ـ إنّ لصدر المتألهين كلاماً في تبيين المراد من كون الصراط أدقّ من الشعر ،
وأحدّ من السيف .
قال : « إنّ كمال الإنسان منوط باستعمال قوتيه ، أمّا القوة النظرية فلإصابة
الحق ونور اليقين في سلوك الأنظار الدقيقة التي هي في الدقة واللطافة أدقّ من
الشعر - إذا تمثلت -  بكثير . وأمّا القوة العملية ، فبتعديل القوتين الشهوية
والغضبية ، لتحصل للنفس حالة اعتدالية متوسطة بين الأطراف غاية التوسط ؛
لأنّ الأطراف كلّها مذمومة ، والتوسط الحقيقي بين الأطراف المتضادة منشأ
الخلاص عن الجحيم ، وهوأحدّ من السيف ، فإذاً الصراط له وجهان:
أحدهما أدقّ من الشعر ، والآخر أ حدّ من السيف » (2).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)  -معاني الأخبار : ص33.
(2)  -الأسفار :ج9، ص 285.
________________________________________


(271)


وعلى هذا البيان فالدقة راجعة إلى سلوك طريق إصلاح العقل النظري ،
والحِدّة راجعة إلى سلوك طريق إصلاح العقل العملي ، وما في الآخرة تجسد
للصراط الدنيوي في الدقة والحدة ، و لا حقيقة له إلاّ ما كان للإنسان في هذه
الدنيا.
4 ـ إنّ للإيمان واليقين درجات كما أنّ للقيام بالوظائف العملية مراتب ،
فللناس في سلوك الصرا ط منازل ودرجات ، فهم بين مخلص لله سبحانه في دينه ،
لا يرى شيئاً إلاّ ويرى الله قبله ، وبين مقصّر في إعمال القوى النظرية والعملية ،
كما أنّ بينهما مراتب متوسطة ، فالكل يسلك الصراط في النشأة الأُخرى ، في
السرعة والبطء ، حسب شدّة سلوكه للصراط الدنيوي ؛ ولأجل ذلك تضافرت
روايات عن الفريقين باختلاف مرور الناس ، حسب اختلافهم في سلوك صراط
الدنيا ، قال الإمام الصادق ـ عليه السَّلام ـ : « النّاس يمرّون على الصراط طبقات ،
والصراط أدقّ من الشعر ومن حدّ السيف ، فمنهم من يمرّ مثل البرق ، ومنهم مثل
عدو الفرس ، ومنهم من يمرّ حبواً ، ومنهم من يمرّ مشياً ، ومنهم من يمرّ متعلّقاً قد
تأخذ النار منه شيئاً ، وتترك شيئاً » (1).
فبقدر الكمال الذي يكتسبه الإنسان في هذه النشأة، يتثبت في سلوك
الصراط الأُخروي ، ولاتزل قدمه ، يقول سبحانه : { وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى
صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخِرَةِ عَنْ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ} (2).
هذا ما يقتضيه التدبّر في الآيات والروايات الواردة حول الصراط ، ومع
ذلك كلّه ليس معنى كون الصراط الأُخروي تجسماً للصراط الدنيوي ، أو سلوكه
تمثّلاً لسلوكه ، إنكار وجود صراط فوق الجحيم ، لا محيص لكل إنسان عن
سلوكه ، بل مقتضي التعبد بظواهر القرآن والحديث وجود ذلك الصراط بمعناه
الحقيقى ، وإن لم نفهم حقيقته ، ولا بأس بإتمام الكلام بحديث جابر ، وهو ينقل
عن النبي أنّه قال :
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - أمالى الصدوق : المجلس 33، ص 107.  لاحظ الدر المنثور : ج4، ص 291.
(2) - سورة المؤمنون : الآيتان 73 ـ 74.
________________________________________


(272)


« لايبقى برّ ولا فاجر إلاّ دخلها ، فتكون على المؤمن برداً وسلاماً ، كما
كانت على إبراهيم ، حتى أنّ للنار ضجيجاً من بردهم ، ثمّ ينجّي الله الذين اتّقوا ،
ويذر الظالمين فيها جثيّا » (1).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - الدر المنثور : ج 4، ص 280 .