الإمام الحقّ بعد النبي

طباعة

الإمام الحقّ بعد النبي

قوله [ ٣٥٤ ] :

« وهو عندنا أبوبكر وعند الشيعة علي

لنا وجهان :

الأوّل : إنّ طريقه إمّا النصّ أو الإجماع بالبيعة ، أمّا النصّ فلم يوجد لما سيأتي. وأمّا الاجماع فلم يوجد على غير أبي بكر إتّفاقاً من الأمّة.

الثاني : الإجماع منعقد على حقّية إمامة أحد الثلاثة : أبي بكر وعلي والعبّاس ، ثمّ إنّهما لم ينازعا أبا بكر ... ».

أقول :

أمّا الوجه الأوّل ففيه :

أوّلاً : إنّ الطريق منحصر في النصّ أو ما يقوم مقامه كما عرفت.

وثانياً : إنّ النصّ موجود كما سيأتي.

وثالثاً : الإجماع غير منعقد على أبي بكر ، ودعوى إتفاق الأمّة على تحقّقة باطلة ... وكيف يدّعى إنعقاد الإجماع عليه ولم يبايعه زعيم الخزرج سعد بن عبادة وولده وذووه إلى أن مات أبو بكر ، ولم تبايعه بضعة الرسول وسيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء حتّى فارقت الحياة ، ولم يبايعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب مدّة حياتها ، والزبير ، لم يبايعه إلّا بعد أن كسروا سيفه وأخذوه قهراً ، والمقداد لم يبايعه إلّا بعد ما ضربوه ، وكذلك سلمان وأبوذر وعمّار وحذيفة وبريدة وأتباعهم ، وكثير من سائر المسلمين ؟!

وأمّا الوجه الثاني ففيه :

إنّه إن أريد ثبوت الإجماع على حقيّة أحد الثلاثة بعد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وقبل بيعة أبي بكر فهو ممنوع ، لأنّ المسلمين أو أهل الحلّ والعقد منهم لم يجتمعوا حتّى تعرف آراؤهم ، ومن اجتمع منهم في السقيفة كان بعضهم يرى أنّ سعد بن عبادة حقيق بها ، فكيف يدعي وقوع الإجماع حينئذ على حقيّة أحد الثلاثة المذكورين ؟ على أنّا لم نسمع أن أحداً ذكر العبّاس حينئذ.

وإن أريد ثبوت الإجماع المذكور بعد بيعة أبي بكر فهو ينافي ما زعموه من الإجماع على بيعة أبي بكر خاصّة إن اتّفق زمن الإجماعين ، وإلّا بطل الاجماع على حقيّة أحد الثّلاثة سواء تقدّم أم تأخّر ، لأن الإجماع على تعيين واحد هو الذي يجب اتّباعه ، فيكون الحق مختصاً بأبي بكر ولم يصحّ جعل الإجماع على حقيّة أحد الثلاثة دليلاً ثانياً. ويحتمل بطلان الإجماع المتقدّم وصحّة المتأخّر مطلقاً ، وهو الأقرب.

قوله : « إنّهما لم ينازعا أبابكر ولو لم يكن على الحقّ لنازعاه كما نازع علي معاوية ، لأنّ العادة تقضي بالمنازعة في مثل ذلك ».

فيه : إن أريد من المنازعة خصوص المحاربة فإنّه لم يكن له ناصر إلّا أقلّ القليل ، وقد صرّح بقلّة ناصريه في غير واحد من خطبه وكلماته ، ومن أشهرها الخطبة الشقشقيّة حيث قال : « فطفقت أرتأي بين أن أصول بيد جذاء أو أصبر على طخية عمياء ».

وقوله : « وفاطمة مع علوّ منصبها زوجته والحسن والحسين ... » عجيب جدّاً ، فإنّ فاطمة عليها السلام لم يصدّقها أبو بكر في مطابتها بفدك ، وردّ شهادة الحسنين عليهما السلام ، فكيف يقدم على المحاربة إعتماداً على أنّ هذه زوجته وهما ولداه ، فضلاً عن الإعتماد على غيرهم كالذين ذكرهم ؟

وإن أريد من المنازعة مخالفة أبي بكر والمطالبة بحقّه فهذا ما قد فعله ، فقد إمتنع مدّة حياة فاطمة عليها السلام عن البيعة ، كما لم يأمرها بالبيعة حتّى توفيت ، مع علمه بأنّ « من بات وليس في عنقه بيعة إمام فمات مات ميتة جاهليّة » بل إنّه حملها ـ والحسنين ـ مستنصراً وجوه المسلمين فلم ينصروه ، كما رواه غير واحد من المؤرّخين (1) وذكره معاوية في كتاب له إلى أمير المؤمنين.

هذا ، ولا يخفى ما في عبارة الكتاب من التناقض ، فهو في الوقت الذي يدعي الإجماع على خلافة أبي بكر يعترف بكون فاطمة وولديها والعباس والزّبير وأبي سفيان والأنصار ... مع أمير المؤمنين عليه السلام !! اللهم إلّا أن يريد من « الاجماع » عمر بن الخطاب الذي انعقدت ببيعته خلافته !!

وممّا يشهد بوجود المخالفين والكارهين خلافة أبي بكر تفسير بعض المحشّين على الكتاب قول عمر : « كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرّها ... » بأن « معنى وقى الله شرّها : شرّ الخلاف الذي كان يظهر من المهاجرين والأنصار ... » (2).

وممّا يشهد بعدم انعقاد الاجماع على إمامته لجوء بعضهم تارةً الى دعوى النصّ عليه وأخرى إلى دعوى العصمة له.

فتلخص أنْ لا نصّ على أبي بكر كما اعترف والاجماع كما عرفت ، وليس غيرهما طريق كما قال !

قوله [ ٣٥٤ ] :

« وكلام الشيعة في إثبات إمامة علي يدور على أمور ، أحدها : أنّ الإمام يجب أن يكون معصوماً لما مرّ ، وأبو بكر لم يكن معصوماً إتّفاقاً ... والواجب منع وجوب العصمة ، وقد تقدّم ».

أقول :

قد تقدّم اجمالاً وجوب عصمة الإمام بدلالة الكتاب والسنّة والعقل.

ودعوى ابن تيميّة في مقام نفي عصمة أمير المؤمنين عليه السلام : « إنّه لم يكن بأولى في العصمة من أبي بكر وعمر وعثمان » (3).

مردودة بالإجماع المصرّح به في الكتاب وغيره ، وبإعتراف أبي بكر نفسه ، وبدلالة كتب السّير والتواريخ ، لكن هذه الدعوى من شواهد صحّة ما ذهب إليه أصحابنا من اعتبار العصمة ، ولعلّ الوجه في دعواه ذلك هو التنبّه الى عدم تحقّق الاجماع على خلافته مع عدم وجود النصّ عليه.

قوله [ ٣٥٥ ] :

« ثانيها : البيعة لا تصلح طريقاً إلى إثبات الإمامة ، وإمامة أبي بكر إنّما تستند إليها إتّفاقاً ، الجواب مر ».

أقول :

إنّ الطريق الصحيح إلى إثبات الإمامة وتعيين الإمام هو النصّ لما عرفت ، على أنّ الإجماع لم ينعقد على إمامة أبي بكر ، ودعوى الاتّفاق على ذلك إن أراد منها ـ كما هو الظاهر ـ الاتّفاق بين الاماميّة ومخالفيهم كاذبة ، الّا أنْ يريد الإتفاق على إستنادها إليها على فرض ثبوتها لعدم النصّ عليه بالاتّفاق ، لكن الثابت عدمها.

الهوامش

1. الامامة والسياسة : ١٣ ، شرح نهج البلاغة عن الجوهري.

2. لاحظ هامش : ٣٥٨.

مقتبس من كتاب : [ الإمامة في أهمّ الكتب الكلاميّة وعقيدة الشيعة الإماميّة ] / الصفحة : 55 ـ 58