أشراط الساعة

طباعة

أشراط الساعة

تطلق أشراط الساعة ويراد منها علائم القيامة ، ثمّ إنّ أشراط الساعة على قسمين :

1. الحوادث التي تتحقق قبل القيامة ، وأهمها تقويض أركان النظام السائد في الكون.

2. الحوادث التي ترافق اختلال النظام وانهياره ، ويعبر عنها بمشاهد القيامة.

وإليك البحث في كلا القسمين ضمن فصلين :

إنّ الذكر الحكيم يذكر بعض أشراط الساعة في مجموعة من الآيات لا تتجاوز عن سبع :

1. ( فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّىٰ لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ ). (1) الأشراط جمع الشرط على وزن الصدف بمعنى العلامة.

يقول ابن منظور : أشراط الساعة علائمها. (2)

وأمّا الشرط علىٰ وزن الصبر ، فيطلق ويراد ما يتوقف عليه وجود الشيء بنحو من أنحاء التوقف ، فالأوّل يجمع على الأشراط ، والثاني على الشروط.

فهذه الآية تخبر عن تحقّق بعض أشراط الساعة ، حيث قال : ( فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا ) وأمّا ما هو المراد من هذه الشرط المحقق فقد فسر ببعثة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم اعتماداً علىٰ قول النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم : « بعثت أنا والساعة كهاتين ». (3)

وهناك سؤال وهو انّه كيف يمكن أن تعدّ بعثة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم من علائم القيامة مع أنّ الفاصل الزماني بينهما ليس بقليل ؟

ويجاب عنه : انّا إذا قسّمنا ما بقي من عمر الدنيا بالنسبة إلىٰ ما مضىٰ ، لعلم أنّ ما بقي أقل بكثير ممّا مضىٰ ، فانّ الدنيا تجتاز مرحلة النضوج إلىٰ مرحلة الهرم ، فيصح عند ذلك جعل البعثة من علائم القيامة.

وربما يفسر بشقّ القمر في قوله سبحانه : ( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ ). (4)

وربما يفسر بنزول القرآن الكريم على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم.

وعلىٰ كلّ حال فهذه الآية تحكي عن تحقّق بعض علائم الساعة.

2. ( قَالَ هَـٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا ). (5)

فسياق الآية تحكي عن أنَّ ذا القرنين بنىٰ سداً منيعاً للحيلولة دون هجوم يأجوج ومأجوج ، بناه من زبر الحديد ، قال سبحانه : ( حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا * فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا ). (6)

ثمّ أردف هذه الآيات بقوله : ( هَـٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ ) فاندكاك السدّ من أشراط الساعة غير انّه لم يعلم انّه من القسم الأوّل الذي يتحقق مع وجود الإنسان على الأرض أو من القسم الثاني.

ولعلّ الآية التالية تكشف اللثام عن وجه الحقيقة.

3. ( حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ ). (7)

إنّ قوله سبحانه في هاتين الآيتين : ( حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ ) بمنزلة قوله سبحانه في الآية السابقة : ( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ ) وحيث إنّ الآيتين تحكيان عن استيلاء يأجوج ومأجوج على السدّ ، وانسلالهم من الاتلال والأحداب إلىٰ ذلك الجانب ، فيعلم انّ الدكّ إنّما يتحقق قبل قيام الساعة والإنسان بعدُ في الدنيا ، فيكون من أشراط الساعة والصنف الأوّل منها.

4. ( وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ). (8)

والمراد انّ نزول عيسىٰ من أشراط الساعة يعلم بها قربها ( فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا ) بالساعة فلا تكذّبوا بها ولا تشكّوا فيها. والقراءة المعروفة هي العلم على وزن الحلم ، وقرأ ابن عباس وقتادة والضحاك « علم » علىٰ وزن سلف بمعنى العلامة. (9)

غير انّ هناك بحثاً آخر وهو انّ نزول عيسى عليه السلام من أعلام القيامة وأشراطها ، فهل المراد تولده ثمّ بعثه إلىٰ بني إسرائيل ؟ أو المراد هو نزوله عند ظهور المهدي ؟ يظهر من بعض الروايات انّ المراد هو المعنى الثاني.

قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم ، وإمامكم منكم ».

وروي أيضاً أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : « لا تزال طائفة من أُمّتي يقاتلون على الحقّ ظاهرين إلىٰ يوم القيامة ، فينزل عيسىٰ ، فيقول أميرهم : تعال صلِّ بنا. فيقول : لا ، إنّ بعضكم على بعض أُمراء ، تكرمة الله هذه الأُمّة ». (10)

وهناك احتمال آخر وهو انّ الهدف من سرد قصة المسيح عليه السلام وحياته هو إزاحة الشكّ والغموض عن قيام الساعة ، لأنّ حياة المسيح منذ ولادته إلى عروجه معجزة من معاجز الله تبارك وتعالى ، فالقيامة أيضاً كذلك ، فلا معنى للتبعيض بينهما ، ويؤيد ذلك الاحتمال قوله في الآية : ( فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا ).

يقول الطباطبائي في تفسيره : إنّ عيسى يعلم به الساعة في خلقه من غير أب وإحيائه الموتى فيعلم به انّ الساعة ممكنة فلا تشكّوا في الساعة ولا ترتابوا فيها البتة. (11)

وهذا التفسير لا ينافي التفسير الأوّل ، إذ لا منافاة بين أن يكون المسيح بوجوده دليلاً على إمكان القيامة وفي الوقت نفسه آية من آياتها.

5. ( فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَـٰذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * رَّبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ * أَنَّىٰ لَهُمُ الذِّكْرَىٰ وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ * ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ * إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ * يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَىٰ إِنَّا مُنتَقِمُونَ ). (12)

هذه الآيات السبع تخبر عن حوادث في مقاطع زمانية خاصة :

1. مجيء السماء بدخان مبين.

2. استيلاء العذاب المبين على الناس.

3. تضرّع الناس إلى الله بغية كشف العذاب عنهم.

4. موافاة الجواب بتكذيبهم رسول الله ورميه بالجنون.

5. كشف العذاب عنهم قليلاً وعودهم إلى ما كانوا عليه.

وقد اختلفت كلمة المفسرين في الزمان الذي تتحقق فيه تلك الحوادث ، وهم علىٰ رأيين :

أ. هذه الحوادث تتحقق قبل القيامة وهي من أشراط الساعة ويدل عليه الآية التالية الواقعة بعد هذه الآيات : ( يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَىٰ ) (13) فانّ توصيف البطشة بالكبرى يناسب يوم القيامة. قال سبحانه : ( فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَىٰ ) (14) ، وقال : ( فَيُعَذِّبُهُ اللَّـهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ ) (15) وعندئذ تنسجم الآيات من حيث المضمون. ويكون المراد انّ هؤلاء مع ما رأوا العذاب بأُمّ أعينهم طلبوا كشف العذاب ، فكشفنا عنهم العذاب قليلاً ، ولكنّهم لم يعتبروا بالحوادث المريرة ، فلما حان يوم القيامة انتقم منهم سبحانه ، كما يقول : ( يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَىٰ إِنَّا مُنتَقِمُونَ ).

وعلى ضوء ذلك التفسير تكون الآيات الست من أشراط الساعة والآية السابعة راجعة إلىٰ نفس القيامة.

ب. وهناك رأي آخر ذكره المفسرون ، وهو : انّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم دعا علىٰ قومه لمّا كذّبوه ، فقال : اللّهمّ سنين كسنيّ يوسف ، فأجدبت الأرض فأصابت قريشاً المجاعة ، وكان الرجل لما به من الجوع يرىٰ بينه وبين السماء كالدخان ، وأكلوا الميتة والعظام ثمّ جاءوا إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وقالوا : يا محمد جئت تأمر بصلة الرحم وقومك قد هلكوا فلتسأل الله تعالىٰ لهم بالخصب والسعة فكشف عنهم ، ثمّ عادوا إلى الكفر.

فعلى ضوء ذلك فالمراد من البطشة الكبرىٰ ، هي غزوة بدر التي انتقم الله منهم في ذلك اليوم.

ويحتمل علىٰ ضوء هذا التفسير أن يراد منه يوم القيامة أيضاً كما في التفسير الأوّل.

أقول : هذا التفسير بعيد عن الصواب لوجهين :

الوجه الأوّل : انّ قوله سبحانه : ( يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ ) هي صيرورة السماء دخاناً لا انّ الناس يرونها دخاناً لأجل الجوع والعطش كما في التفسير الثاني.

الوجه الثاني : انّ أهل السير لم يخبروا عن هذه الحادثة في عصر الرسول عندما كان في موطنه ، على أنّ خلقه العظيم وسعة صدره يأبيان عن الدعاء علىٰ قومه ، كيف وقد كُسرت رباعية رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم السفلىٰ وشقّت شفته وكُلِم في وجنته وجبهته في أُصول شعره من قبل المشركين يوم أُحد ومع ذلك لم ينبس عليهم ببنت شفة وما دعا عليهم ، والكلام الذي كان يتردّد علىٰ شفتيه ، هو قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « اللّهمّ اهدِ قومي فانّهم لا يعلمون ».

وحاصل التفسيرين : انّه طبقاً للتفسير الأوّل يكون المراد من اليوم في قوله : ( يَوْمَ تَأْتِي ) هو قبيل القيامة ، كما يكون المراد من اليوم في قوله : ( يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَىٰ ) هي يوم القيامة.

وعلى التفسير الثاني يكون اليومان متقاربين في عصر الرسول ، غير انّ الأوّل يعد من أيام قبل الهجرة ، والثاني من أيام بعد الهجرة أي يوم بدر.

6. ( وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ * وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ ). (16)

وفي هذه الآية مواضع للتساؤل.

الأوّل : ما هو المراد من قوله سبحانه : ( وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ ) ؟

الثاني : ما هو المراد من الدابة الخارجة من الأرض ؟

الثالث : ما هو المراد من قوله : ( تُكَلِّمُهُمْ ) وماذا يقول لهم ؟

الرابع : ما هو المقصود من الآيات الواردة في آياتنا ؟ فهل هي آيات تكوينية أو المراد المعاجز والكرامات ؟

الخامس : ما هو الهدف لإخراج الدابة من الأرض ، وهل الهدف جلب المعاندين إلىٰ حظيرة الإسلام أو إيجاد الحسرة في قلوب الكافرين ؟

السادس : ما هو المراد من قوله : ( أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ ) ؟ فهل هو علّة لنزول العذاب الذي يدلُّ عليه قوله : ( وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ ) ، أو هو مقول قول الدابة ؟ أو غير ذلك ؟

هذه الاستفسارات تحوم حول الآية ، وليس في الذكر الحكيم آية تعد نظيرتها حتى تفسر إحداهما بالأُخرى.

يقول العلّامة الطباطبائي : ولا نجد في كلامه تعالى ما يصلح لتفسير هذه الآية وانّ هذه الدابة التي سيخرجها لهم من الأرض فتكلمهم ما هي ؟ وما صفتها ؟ وكيف تخرج ؟ وماذا تتكلم به ؟ بل سياق الآية نِعْمَ الدليل علىٰ أنّ القصد إلى الإبهام فهو كلام مرموز فيه. (17) وعلى الرغم من ذلك فلنقوم بالإجابة علىٰ تلك الاستفسارات.

أمّا الأوّل : فالظاهر انّ المراد من قوله : ( وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ ) هو حتمية العذاب ، كما يقول سبحانه في نفس تلك السورة : ( حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنطِقُونَ ). (18)

ولكن المراد من القول ليس هو القول اللفظي بل القول التكويني الذي يعبّر عنه بلفظة كن ، ويعود المعنى حتمية العذاب الخارجي ووقوعه عليهم.

وأمّا الثاني : فالدابة في لغة العرب والقرآن مطلق ما يدبّ في الأرض سواء أكان إنساناً أو حيواناً ، قال سبحانه : ( وَاللَّـهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِّن مَّاءٍ فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّـهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (19) ومع كونه يطلق لفظ الدابة على الإنسان يحتمل أن يكون المراد منها غيره حتى يكون خروجها من الأرض وتكلمها مع الناس آية أُخرى ، ومع ذلك فيبقىٰ مجرد احتمال لا تدعمه الروايات.

وأمّا الثالث : فالظاهر أنّ قوله : ( أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ ) مقول قول الدابة فهي تخبر عن عناد المشركين والمنافقين.

وأمّا الرابع : فيحتمل أن يكون المراد من الآيات ، الآيات الكونية الدالة على علمه وقدرته وحكمته سبحانه ، كما يحتمل أن يكون المراد المعاجز التي تدل بنفسها على صحّة بعثة الأنبياء وصدق دعوتهم من جانب الله سبحانه. وهناك احتمال ثالث وهو انّ المراد هو الكتب السماوية التي أنزلها الله سبحانه مع رسله ، ولعلّ الاحتمال الثالث هو الأقوىٰ بالنظر إلىٰ سائر الآيات ، قال سبحانه : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ * وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ) (20) فهذه الآيات التي أذعن بها الأئمة وأنكرها المشركون شيء واحد وهو الكتب النازلة من الله سبحانه ، بقرينة قوله : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ ) في صدر هاتين الآيتين.

وأمّا الخامس : فلم نجد شيئاً يبيّن الغاية من إخراج الدابة ، ولعلّ الهدف تمييز الطيب عن الخبيث ، والمؤمن عن الكافر.

وأمّا السادس : أنّ في قوله سبحانه : ( أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ ) احتمالين :

احتمال انّه مقول قول الدابة ، واحتمال انّه علة لنزول العذاب ، وعلى كلّ حال ، فقوله سبحانه : ( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا ) دليل على أنّ هذا الحشر يقع قبل القيامة ، لأنّ الحشر في ذلك اليوم يعمّ الجميع ، قال سبحانه : ( وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا ). (21)

وحصيلة البحث انّ تلك الطائفة من الآيات ذكرت من أشراط الساعة أمرين.

خروج الدابة وتكلّمها مع الناس ، حشر فئة من الناس قبل القيامة وقبل نفخ الصور.

7. ( هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ ). (22)

إنّ هذه الآيات تحكي عن عناد المشركين وعمىٰ قلوبهم ، لأنّهم جعلوا إيمانهم رهن أُمور إمّا غير متحققة أو غير نافعة لحالهم ، وهي عبارة عن :

1. إتيان الملائكة إليهم ، وقد أخبر القرآن الكريم انّ نزول الملائكة إليهم يكون مقروناً بالعذاب والهلاك قال سبحانه : ( مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُّنظَرِينَ ). (23)

2. إتيانه سبحانه ورؤيتهم له بأُم أعينهم ، وهذا أمر محال ، ويحتمل أن يكون مرادهم من إتيانه سبحانه هو مجيء يوم القيامة الذي تزاح فيه الأغشية فيتجلّىٰ فيه توحيده وسائر أسمائه ، ولو أُريد ذلك لكان الإيمان في ذلك اليوم غير مفيد.

3. انّهم كانوا منتظرين بعض آيات الله سبحانه كما يحكي عنه قوله : ( أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ) ، ويحتمل أن يكون المراد أشراط الساعة أو نفس القيامة.

وعلى كلّ حال فلا ينفع الإيمان في ذلك اليوم.

أشراط الساعة في الروايات والأحاديث

وقد ورد في الروايات أشراط الساعة وهي علىٰ طائفتين :

أ. ما يطرأ على أفكار الإنسان وسلوكه من التغير والتبدل.

ب. الحوادث الخارقة للعادة.

غير انّ دراسة هذه الروايات خارجة عن إطار التفسير الموضوعي فلنكتف برواية واحدة ، وهي ما رواه حذيفة بن أسيد ، قال :

كان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في غرفة ونحن أسفل منه فاطلع إلينا ، فقال : « ما تذكرون ؟ » قلنا : الساعة ، قال : « إنّ الساعة لا تكون حتى تكون عشر آيات : خسف بالمشرق ، وخسف بالمغرب ، وخسف في جزيرة العرب ، والدخان ، والدّجال ، ودابة الأرض ، ويأجوج ومأجوج ، وطلوع الشمس من مغربها ، ونار تخرج من قعرة عدن ترحل الناس ... ، ونزول عيسى بن مريم ، وريح تلقي الناس في البحر ». (24)

ورواه الصدوق في خصاله بشكل آخر قال : كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في غرفة فاطّلع علينا ، فقال : « فيم أنتم ؟ » فقلنا : نتحدّث ، قال : « عمّ ذا ؟ » قلنا : عن الساعة.

فقال : « إنّكم لا ترون الساعة حتى تروا قبلها عشر آيات : طلوع الشمس من مغربها ، والدجال ، ودابة الأرض ، وثلاثة خسوف تكون في الأرض : خسف بالمشرق ، وخسف بالمغرب ، وخسف بجزيرة العرب ، وخروج عيسى بن مريم عليه السلام ، وخروج يأجوج ومأجوج ، وتكون في آخر الزمان نار تخرج من اليمن من قعر الأرض لا تدع خلفها أحداً تسوق الناس إلى المحشر كلّما قاموا قامت لهم تسوقهم إلى المحشر ». (25)

وأمّا الروايات الحاكية عن طروء التّغيّر والتبدّل على حياة الناس وسلوكهم شياع الفساد والعصيان فكثيرة جمعها العلامة المجلسي في البحار. (26)

الهوامش

1. محمد : 18.

2. لسان العرب : 7 / 329 ، مادة شرط.

3. مجمع البيان : 5 / 102.

4. القمر : 1.

5. الكهف : 98.

6. الكهف : 96 ـ 97.

7. الأنبياء : 96 ـ 97.

8. الزخرف : 61.

9. مجمع البيان : 9 ـ 10 / 82.

10. جامع الأُصول لابن الأثير : 11 / 47 ـ 48.

11. الميزان : 18 / 118.

12. الدخان : 10 ـ 16.

13. الدخان : 16.

14. النازعات : 34.

15. الغاشية : 24.

16. النمل : 82 ـ 83.

17. الميزان : 15 / 396.

18. النمل : 84 ـ 85.

19. النور : 45.

20. السجدة : 23 ـ 24.

21. الكهف : 47.

22. الأنعام : 158.

23. الحجر : 8.

24. صحيح مسلم : 8 / 179 ، باب في الآيات التي تكون قبل الساعة من كتاب الفتن.

25. البحار : 6 / 304 ، باب اشراط الساعة ، حديث 3.

26. بحار الأنوار : 6 / 505 ، باب أشراط الساعة ، حديث 6.

مقتبس من كتاب : [ مفاهيم القرآن ] / المجلّد : 8 / الصفحة : 187 ـ 198