الموت وأقسامه

طباعة

المصدر : الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل : للشيخ جعفر السبحاني ، ج4 ، ص225 ـ 228

 

(225)


الأمر الخامس : الموت وأقسامه


ينقسم الموت إلى أقسام نأتي بها فيما يلي :


أ ـ الموت السهل والموت العسير


لا شكّ أنّ الإنتقال من مرحلة إلى مرحلة أُخرى ، لا يخلو من مشقة ، حتى
أنّ الطفل عندما ينتقل من عالم الأجنّة إلى عالم الشهود ، يتحمل جهداً ومشقة
بالغين . وللإ نسان في إطار حياته في النشأتين مراحل حسّاسة تعدّ كلٌّ منها منعطفاً
في مسيرته الوجودية ، وهي : مرحلة التّولّد ، ومرحلة الموت ، ومرحلة البعث ، وإلى
ذلك يشير قوله سبحانه : { وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ
حَيًّا} (1) .
فالموت أحد هذه الحلقات الرئيسية في وجود الإنسان ، فهو لا يخلو بطبعه
من مشقة وعسر ، ولكن لو غُضّ البصر عنه ، فالموت حسب القرآن ينقسم إلى
موت سهل ، وموت عسير :
الأوّل : لصلحاء المؤمنين ، والثاني : للعصاة والكافرين  .
يقول سبحانه : {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ
ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (2) .
ويقول سبحانه:  { يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً
مَرْضِيَّةً } (3) .
ويقول سبحانه في العصاة والظالمين:  { وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ
مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} (4) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) -سورة مريم : الآية15، ولاحظ مريم:  الآية 33.
(2) -سورة النحل : الآية 32.
(3) -سورة الفجر : الآيتان 27 ـ 28.
(4) ـ سورة ق : الآية 19.
________________________________________


(226)

ويقول سبحانه : { فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلاَئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ
وَأَدْبَارَهُمْ} (1) .
وفي الروايات الإسلامية أخبار كثيرة فيما قدمنا (2) .

ب ـ موت البدن وموت القلب


وهناك تقسيم آخر للموت حسب متعلقه ، وهو أنّه تارة ينسب إلى الجسم
والبدن ، وأُخرى إلى القلب ومراكز الإدراك ، والأوّل هو الموت الطبيعي ، والثاني
من شؤون بعض الأحياء ، إذا حلّ الكفر محلّ الإيمان ، والجهل مكان العلم في
قلوبهم ، فهؤلاء أموات بهذا النظر ، وإن كانوا أحياء ماديين يأكلون ويشربون
ويتحركون ، يقول سبحانه : { إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلاَ تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا
وَلَّوْا مُدْبِرِينَ} (3) . ويقول : { أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي
النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا } (4) .
ولا يختص الموت بهذه الطغمة الظالمة ، بل يعمّ المتخاذلين المستبطئين في
الدفاع عن عزّهم وكيانهم ، ليعيشوا أياماً أو أعواماً صاغرين ، فهؤلاء أموات في
منطق الإمام علي ـ عليه السَّلام ـ ، كما أنّ المتفانين في حفظ عزّتهم وكرامتهم أحياء ،
وإن تضرّجوا بدمائهم في سوح الجهاد ، يقول ـ عليه السَّلام ـ: « فالموت ، في
حياتكم مقهورين ، والحياة ، في موتكم قاهرين » (5) .
كما أنّ من لا يحسّ بالمسؤولية أمام المجتمع ، ويترك الأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر بعامة مراتبهما ، ميّت الأحياء ، يقول علي ـ عليه السَّلام ـ : « ومنهم تارك
لإنكار المنكر بلسانه ، وقلبه ويده ، فذلك ميّت الأحياء » (6) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) -سورة محمّد : الآية 27.
(2) -لاحظ بحارالأنوار : ج6 ص 122ـ154.
(3) -سورة النمل : الآية 80.
(4) -سورة الأنعام : الآية 122. ولاحظ الروم : الآية 51 ـ52.
(5) -نهج البلاغة : الخطبة51.
(6) -نهج البلاغة : قسم الحكم ، الرقم : 374.
________________________________________


(227)


ج ـ موت الفرد والمجتمع


إنّ للفرد شؤوناً من أوج وحضيض ، ورقىّ وهبوط ، وموت وحياة ، كما
أنّ للمجتمع نفس تلك الشؤون ، حرفاً بحرف .
مثلاً : إنّ الثورة نواة تنبت وتشتد وتستوي وتأخذ لنفسها حالة الهجوم
والاندفاع ، ولا تبرح على تلك السّمة حتى تنتقل إلى حالة أُخرى ، تأخذ لنفسها
حالة الدفاع ، وردّ السّهام الموجهة إليها . ولن تبرح على تلك الحالة حتى ينجرّ
أمرها إلى الانكسار والإنقراض .
ونظير ذلك جميع الحضارات البشرية ، والمناهج الاقتصادية والسياسية
والإنسانية ، فلكلٍّ منها حالات ثلاث : هجوم ، دفاع ، خمود.
فكما أنّ لكل فرد حياةً وموتاً وأجلاً حسب القرآن ، كذلك إنّ للمجتمع
حياةً وموتاً وأجلاً.
يقول سبحانه : { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً
وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ}(1) .
ويعود القرآن ليبين ، عامل تدمير الحضارات والمجتمعات والأنظمة
البشرية ، ويركز منها على الظلم بالأخص ، وعلى الإتراف ثانياً ، فالظلم خروج
عن الحدّ الوسط ، والإتراف هو الانهماك في المعاصي ، وكلاهما يعجل في هلاك
المجتمع واندثاره  .
يقول سبحانه : { وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا
مُصْلِحُونَ} (2) . ويقول أيضاً : { وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا
( بالطاعة ) فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} (3) .
ويقول سبحانه : { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) -سورة الأعراف : الآية 34 . ولاحظ سورة يونس : الآية 49.
(2) -سورة هود : الآية 117.
(3) -سورة الإسراء : الآية 16.
________________________________________


(228)


بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} (1) . والإمعان في هذه الآية يفيد أنّ الظلم والفسق
والذنوب ، مدمرات للمجتمع (2) .
د ـ موت العزّ وموت الهوان
ينقسم الموت إلى موت عزٍّ وموت هوان ، فالفادون أنفسهم في طريق نشر
القسط والعدل ، والعلم وسائر المبادئ الإلهية يموتون موت عزّ وشرف ، والذين
يقاتلون في سبيل الطاغوت ، ونشر الشّر والجهل والفساد ، لغاية نيل أجور ضئيلة ،
ومناصب مؤقتة ، يموتون موت الهوان والذلّ والعار .
يقول سبحانه : { وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ
وَلَكِنْ لاَ تَشْعُرُونَ} (3) .
ويقول سبحانه فيمن خرج طالباً للعلم والإيمان : { وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ
مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ } (4) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) -سورة الإسراء : الآية 17.
(2) -وأمّا ما هي الصلة بين هذه العوامل وتدمير المجتمع وانحلاله ، فهو يحتاج إلى بيان خارج عن موضوع
الكتاب ، غير أنّا نقول إجمالاً : إنّ بين هذه العوامل وإهلاك المجتمع ، رابطة مادية وطبيعية ، وفي
الوقت نفسه رابطة إلهية ، فالوقوف على العلل المادية لا يغني عن الإذعان بأنّ هناك رابطة غيبية بين
هذه العلل ومعلولها.
(3) -سورة البقرة : الآية 154. ولاحظ سورة آل عمران : الآية169.
(4) -سورة النساء : الآية 100، ولاحظ سورة الحج : الآية 58.