الإنابة عند الموت

طباعة

المصدر : الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل : للشيخ جعفر السبحاني ، ج4 ، ص229 ـ 230

 

(229)

الأمر السابع : الإنابة عند الموت


قد عرفتَ أنّ قسماً من النّاس يخافون من الموت لما علموا من أنّ كواهلهم
مثقلة بعظائم الذنوب ، أو لاعتقادهم بأنّه خاتمة المطاف في الحياة البشرية ،
والصنف الأوّل ، إذا فوجئوا بالموت ، يلجأون إلى التوبة والإنابة ، ويندمون ،
ولكن لات حين مندم ، فإنّهم قد ضيّعوا الفرص ، والتوبة إنّما تقبل إذا كان
الإنسان ذا مقدرة على الفعل والترك ، والطاعة والعصيان ، فيرجّح باختياره
الانقياد على المخالفة ، وهذا مَن تقبل توبته ؛ لأنّ الإنابة في هذا المقام ، تكشف
عن تحول روحي ، وثورة نفسانية على المعصية والتمرد والتجرّي ، وأمّا إذا وصل
الأنسان في مدارج حياته إلى نقطة ليس أمامه إلاّ طريق واحد ، وهو ترك التمرّد ،
________________________________________


(230)

لفقدان القوة والطاقة ، فلا تقبل التوبة عند ذاك ؛ لأنّها لا تكشف عن انقلاب
روحي نحو الكمال ، وإلى ذلك يشير قوله سبحانه: 
{ وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ
قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ } (1) .
وقد ندم طاغية مصر ، فرعون ، عندما وافاه الغرق ، وأحس بالعجز عن
استمراره بالعصيان ، فأسلم ، وقال : { آمَنْتُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو
إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ * أَالآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ} (2) .
وقد كان الطغاة من الأُمم السالفة على هذا النمط ، فلا يلجأون إلى الإنابة
إلاّ بعد ما يروا بأس الله تعالى ، يقول سبحانه :
{ فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ
يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا } (3) .
يقول الإمام علي ـ عليه السَّلام ـ : « فهو يعضّ يده ندامةً على ما أصحر له عند
الموت من أمره » (4) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) -سورة النساء : الآية 18.
(2) -سورة يونس : الآيتان : 90 ـ 91.
(3) -سورة غافر : الآيتان : 84 ـ 85.
(4) -نهج البلاغة : الخطبة : 109.