الإعتقاد في النفوس والأرواح

طباعة

باب الإعتقاد في النفوس والأرواح

قال الشيخ أبو جعفر رحمه‌ الله : اعتقادنا في النفوس أنّها هي الأرواح التي بها الحياة ، وأنّها الخلق الأوّل ، لقول النبي صلّى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم : « إنّ أوّل ما أبدع الله سبحانه وتعالى هي النفوس المقدّسة المطهّرة (1) ، فأنطقها بتوحيده ، ثم خلق بعد ذلك سائر خلقه ».

واعتقادنا فيها أنّها خلقت للبقاء ولم تخلق للفناء ، لقول النبي صلّى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم : « ما خلقتم للفناء بل خلقتم للبقاء ، وإنّما تنقلون من دار إلى دار ».

وأنّها في الأرض غريبة ، وفي الأبدان مسجونة.

واعتقدنا فيها أنّها إذا فارقت الأبدان فهي باقية ، منها منعمّة ، ومنها معذّبة ، إلى أن يردها الله تعالى بقدرته إلى أبدانها.

وقال عيسى بن مريم للحواريين : « بحق أقول لكم ، أنّه لا يصعد إلى السماء إلّا ما نزل منها ».

وقال تعالى : ( وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ) (2) فما لم يرفع منها إلى الملكوت بقي يهوى في الهاوية ، وذلك لأنّ الجنّة درجات والنار دركات.

وقال تعالى : ( تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ ) (3).

وقال تعالى : ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ ) (4).

وقال تعالى : ( وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ الله مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) (5).

وقال تعالى : ( وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ ) (6).

وقال النبي صلّى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم : « الأرواح جنود مجنّدة ، فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف » (7).

وقال الصادق عليه‌ السلام : « إنّ الله تعالى آخى بين الأرواح في الأظلة قبل أن يخلق الأبدان بألفي عام ، فلو قد قام قائمنا أهل البيت لورث الأخ الذي آخى بينهما في الأظلة ، ولم يرث (8) الأخ من الولادة ».

وقال عليه‌ السلام : « إنّ الأرواح لتلتقي في الهواء فتعارف فتساءل ، فإذا أقبل روح من الأرض قالت الأرواح : دعوه (9) فقد أفلت من هول عظيم ، ثم سألوه ما فعل فلان وما فعل فلان ، فكلّما قال قد بقي رجوه أن يلحق بهم ، وكلّما قال قد مات قالوا هوى هوى » (10).

وقال تعالى : ( وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىٰ ) (11).

وقال تعالى : ( وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ ) (12).

ومثل الدنيا وصاحبها (13) كمثل البحر والملاح والسفينة.

وقال لقمان عليه‌ السلام لابنه : « يا بني ، إن الدنيا بحر عميق وقد هلك فيها عالم كثير ، فاجعل سفينتك فيها الإيمان بالله ، واجعل زادك فيها تقوى الله ، واجعل شراعها التوكّل على الله. فإن نجوت فبرحمة الله ، وإن هلكت فبذنوبك » (14).

وأشد ساعات ابن آدم ثلاث ساعات (15) : يوم يولد ، ويوم يموت ، يوم يبعث حيّاً.

ولقد سلّم الله تعالى على يحيى في هذه الساعات ، فقال الله تعالى : ( وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ) (16).
وقد سلّم فيها (17) عيسى على نفسه فقال ( وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ) (18) والاعتقاد في الروح أنه ليس من جنس البدن ، وأنه خلق آخر ، لقوله تعالى : ( ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ) (19).

واعتقادنا في الأنبياء والرسل والأئمة عليهم السلام إنّ فيهم خمسة أرواح : روح القدس ، وروح الإيمان ، وروح القوّة ، وروح الشهوة ، وروح المدرج.

وفي المؤمنين أربعة أرواح : روح الايمان ، وروح القوّة ، وروح الشهوة ، وروح المدرج.

وفي الكافرين والبهائم ثلاثة أرواح : روح القوّة ، روح الشهوة ، وروح المدرج.

وأمّا قوله تعالى : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) (20) فإنّه خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل ، كان مع رسول الله والأئمة عليهم السلام (21) ومع الملائكة ، وهو من الملكوت.

وأنا أُصنّف في هذا المعنى كتاباً أشرح فيه معاني هذه الجمل إن شاء الله تعالى.

الهوامش

1. ف س : مقدسة مطهرة.

2. الأعراف ٧ : ١٧٦.

3. المعارج ٧٠ : ٤.

4. القمر ٥٤ : ٥٤ و ٥٥.

5. آل عمران ٣ : ١٦٩ ، ١٧٠.

6. البقرة ٢ : ١٥٤.

7. رواه مسنداً المصنّف في علل الشرائع ١ : ٨٤ عن الصادق عليه‌ السلام.

8. كذا في النسخ وموضع من البحار ٦١ : ٧٨ ، وفي موضع آخر ٦ : ٢٤٩ يورّث.

9. العبارة في النسخ : « فإذا أقبل روح من الأرض فدعوه » وما أثبتناه من ج وهامش ر.

10. نحوه رواه مرسلاً المصنّف في الفقيه ١ : ١٢٣ ح ٥٩٣ ، ورواه مسنداً الكليني في الكافي ٣ : ٢٤٤ باب في أرواح المؤمنين.

11. طه ٢٠ : ٨١.

12. القارعة ١٠١ : ٨ ـ ١١.

13. ليست في ق ، س.

14. رواه مرسلاً المصنّف في كتابه الفقيه ٢ : ١٨٥ باب الزاد في السفر ح ٨٣٣. وفي ر ، وهامش م : « واجعل شراعك فيها التوكّل ». وفي ق ، ر : « وإن هلكت فبذنوبك لا من الله ».

15. العبارة في ق ، س : وأشد ساعاته.

16. مريم ١٩ : ١٥.

17. أثبتناها م ، ج.

18. مريم ١٩ : ٣٣.

19. المؤمنون ٢٣ : ١٤.

20. الاسراء ١٧ : ٨٥.

21. والأئمة عليهم‌ السلام ، ليست في ق ، س ، وقد أثبتت في هامش م ، ر مذيّلة بإشارة غير واضحة إن كانت تعني بدلاً عن الملائكة أو إضافة إليها. مع ملاحظة أنّ أحاديث الباب في الكافي ١ : ٢١٥ ، والمنقول عن كتابنا في بحار الأنوار ٦١ : ٧٩ ، أثبتا الأئمّة فقط.

مقتبس من كتاب : [ الإعتقادات ] ، الصفحة : 47 إلى 50