الصفات السلبيّة : ليس محلاً للحوادث

طباعة

الصفات السلبيّة

ليس محلاً للحوادث

اتّفق الإلهيّون ما عدا الكرّاميّة على أنّ ذاته تعالى لا تكون محلّاً للحوادث ، ويستحيل قيام الحوادث بذاته. والدليل على ذلك أنّه لو قام بذاته شيء من الحوادث للزم تغيّره ، واللازم باطل ، فالملزوم مثله.

بيان الملازمة : إنّ التغيّر عبارة عن الإنتقال من حالة إلى أخرى. فعلى تقدير حدوث ذلك الأمر القائم بذاته ، يحصل في ذاته شيء لم يكن من قبل ، فيحصل الإنتقال من حالة إلى أخرى.

وأمّا بطلان اللازم : فلأنّ التغيّر مستلزم للإنفعال أيّ التأثّر ، وإلّا لما حصل له ، والإستعداد يقتضي أن يكون ذلك الشيء له بالقوّة ، وذلك من صفات الماديات ، والله تعالى منزّه عنها فلا يكون منفعلاً ، ولا يكون متغيّراً ، ولا يكون محلّاً للحوادث.

وبعبارة ثانية : إنّ التغيّر نتيجة وجود استعداد في المادّة الّتي تخرج تحت شرائط خاصّة من القوّة إلى الفعل. فالبَذْر الّذي يُلقى في الأرض ويقع تحت التراب ، حامِلٌ للقوّة والإستعداد ، ويخرج في ظلّ شرائط خاصّة من تلك الحالة ويصير زرعاً أو شجراً. فلو صحّ على الواجب كونه محلاً للحوادث ، لصحّ أن يحمل وجوده استعداداً للخروج من القوّة إلى الفعليّة.

وهذا من شؤون الأمور الماديّة ، وهو سبحانه أجلّ من أن يكون مادّة أو مادّياً.

وبالجملة ، لو وقفت الكرّاميّة على ما يترتّب على قولهم من حلول الحوادث فيه من المفاسد ، لما أصرّوا على ذلك. فإن ظهور الحوادث في الذات ، سواء أكان بمعنى تغيّر الذات وصفاتها وتبدّلها ، أو وجود الحركة فيها ، عبارة أُخرى عن كون وجوده ذا إمكان استعدادي يخرج من القوّة إلى الفعل ومن النقص إلى الكمال ، كخروج عامّة الموجودات الإمكانيّة صوب الفعليّة ، ونحو الكمال. ومَن كانت هذه صفته يعدّ من الممكنات.

وهناك بيان آخر لهذا المطلب ، وهو أنّ وجوب الوجود يقتضي تحقّق كلّ شؤونه وكمالاته فيه طرّاً ، وما لم يزل في طريق التكامل والتغاير ، لا يتّصف بوجوب الوجود إذن ، الوجوب يلازم الفعليّة ويناقض التدرّج.

وعلى ذلك اعتمد المحقّق الطوسي في التجريد (1).

الهوامش

1. لاحظ تجريد الإعتقاد ، ص 180 ، طبعة صيدا ، وإرشاد الطالبين ، ص 232.

مقتبس من كتاب : [ الإلهيّات على هدى الكتاب والسُّنة والعقل ] / المجلّد : 2 / الصفحة : 121 ـ 122