الصفات الفعليّة : التكلّم

طباعة

الصفات الفعليّة

التكلّم

أجمع المسلمون تبعاً للكتاب والسنّة على كونه سبحانه متكلّماً ويبدو أنّ البحث في هذا الوصف هو أوّل مسألة طرحت على بساط المناقشات في تاريخ علم الكلام وإن لم يكن أمراً قطعيّاً. وقد شغلت مسألة الكلام الإلهي ، وأنّه ما هو ، وهل هو حادث أو قديم ، بال العلماء والمفكّرين الإسلاميّين في عصر الخلفاء ، وحدثت بسببه مشاجرات بل صدامات دامية ذكرها التاريخ وسجل تفاصيلها وعرفت بـ « محنة خلق القرآن » ويمكننا أن نلاحظ لذلك عاملين رئيسيين :

الأول : الفتوحات الإسلاميّة التي أوجبت اختلاط المسلمين بغيرهم وصارت مبدأ لاحتكاك الثقافتين الإسلاميّة والأجنبيّة. وفي ذلك الخضمّ المشحون بتضارب الأفكار طرحت مسألة تكلمه سبحانه في الأوساط الإسلاميّة.

الثاني : ترويج الخلفاء البحث عن هذه المسألة ونظائرها حتّى ينصرف المفكّرون عن نقد أفعالهم وانحرافاتهم.

ولا بدّ من التنبيه على مصدر بثّ هذه الفكرة بالخصوص فنقول : إنّ البحث في حقيقة كلامه سبحانه أوّلاً ، وكونه مخلوقاً أو غير مخلوق ، حادثاً أو قديماً ثانياً ، ممّا أثاره النصارى الذين كانوا في حاشية البيت الأموي وعلى رأسهم يوحنا الدمشقي الذي كان يشكّك المسلمين في دينهم. فبما أن القرآن نصّ على أنّ عيسى بن مريم كلمة الله ألقاها إلى مريم ، صار ذلك وسيلة لأن يبثّ هذا الرجل بين المسلمين قِدَم كلمة الله عن طريق خاص ، وهو أنّه كان يسألهم : أكلمة الله قديمة أو لا ؟.

فإنْ قالوا : قديمة.

قال : ثبت دعوى النصارى بأنّ عيسى قديم.

وإن قالوا : لا.

قال : زعمتم أنّ كلامه مخلوق.

فلأجل ذلك قامت المعتزلة لحسم مادة النزاع ، فقالوا : إنّ القرآن حادث لا قديم ، مخلوق لله سبحانه.

ولمّا لم تكن هذه المسألة مطروحة في العصور السابقة بين المسلمين تشعبت فيها الآراء وتضاربت الأقوال ، حتّى لقد صدرت بعض النظريات الموهونة جدّاً كما سيأتي. لكن نظريّة المعتزلة لاقت القبول في عصر الخليفة المأمون إلى عصر المتوكل ، إلّا أنّ الأمر انقلب من عصر المتوكّل إلى زمن انقضاء المعتزلة لصالح أهل الحديث والحنابلة.

وفي الفترتين وقعت حوادث مؤسفة وأريقت دماء بريئة ، شغلت بال المسلمين عن التفكّر فيما يهمهم من أمر الدّين والدّنيا ، وكم لهذه المسألة من نظير في تاريخ المسلمين !!.

وقبل الخوض في المقصود نقدم أموراً :

الأول : إنّ وصف الكلام عند الأشاعرة والكلابيّة ـ الذين أثبتوا لله كلاماً قديماً ـ من صفات الذات ، بخلاف المعتزلة والإماميّة فهو عندهم من صفات فعله وسيوافيك الحقّ في ذلك. وقد حدث ذلك الاختلاف من ملاحظة قياسين متعارضين ، فالأشاعرة تبعوا القياس التالي :

كلامه تعالى وصف له ، وكلّ ما هو وصف له فهو قديم ، فكلامه تعالى قديم. وأما غيرهم فقد تبعوا قياساً غيره ، وهو : كلامه تعالى مؤلّف من أجزاء مترتبة متفاوتة متعاقبة في الوجود ، وكلّ ما هو كذلك فهو حادث ، فكلامه تعالى حادث.

والأشاعرة : ـ لأجل تصحيح كونه قديماً ـ فسّروه بأنّه معنى قائم بذاته يسمى الكلام النفسي. والمعتزلة والإماميّة أخذوا بالقياس الثاني وقالوا إنّ معنى كلامه أنّه موجد للحروف والأصوات في الخارج ، فهو حادث.

ولبعض الحنابلة هنا قول آخذ بكلا القياسين المتناقضين حيث قالوا إنّ كلامه حروف وأصوات قائمة بذاته وفي الوقت نفسه هي قديمة ، وهذا من غرائب الأقوال والأفكار.

الثاني : إنّ تفسير كونه سبحانه متكلّماً لا ينحصر في الآراء الثلاثة المنقولة عن الأشاعرة والعدلية ـ المعتزلة والإماميّة ـ والحنابلة ، بل هناك رأي رابع أيّدته البراهين الفلسفيّة وأوضحته النصوص القرآنيّة وورد في أحاديث أئمّة أهل البيت ، وحاصله : إنّ العالم بجواهره وأَعراضه ، فعله وفي الوقت نفسه كلامه ، وسوف يوافيك توضيح هذه النظريّة.

الثالث : إنّ الطريق إلى ثبوت هذه الصفة عند الأشاعرة هو العقل وعند العدليّة هو السمع ، وسوف يوافيك دليل الأشاعرة عند البحث عن نظريّتهم. وأمّا النقل فقد تضافرت الآيات على توصيفه به ، قال تعالى : ( مِنْهُم مَّن كَلَّمَ اللهُ ) (1). وقال تعالى : ( وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا ) (2). وقال سبحانه : ( وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ ) (3). وقال تعالى : ( وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ) (4). وقد بَيَّن تعالى أن تكليمه الأنبياء لا يعدو عن الأقسام التالية :

١ ـ « إلّا وحياً ».

٢ ـ « أو من وراء حجاب ».

٣ ـ « أو يرسل رسولاً ».

فقد أشار بقوله : ( إِلَّا وَحْيًا ) إلى الكلام المُلقى في روع الأنبياء بسرعة وخفاء.

كما أشار بقوله : ( أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ) إلى الكلام المسموع لموسى عليه السلام في البقعة المباركة. قال تعالى : ( فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِ الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ المُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) (5).

وأشار بقوله : ( أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً ) إلى الإلقاء الذي يتوسط فيه ملك الوحي ، قال سبحانه : ( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَىٰ قَلْبِكَ ) (6) ففي الحقيقة الموحي في الأقسام الثلاثة هو الله سبحانه تارة بلا واسطة بالإلقاء في الرّوع ، أو بالتكلّم من وراء حجاب بحيث يُسمع الصوت ولا يُرى المتكلّم ، وأخرى بواسطة الرسول. فهذه الأقسام الثلاثة هي الواردة في الآية المباركة.

الرابع : في حقيقة كلامه سبحانه.

قد عرفت أنّه لا خلاف بين المسلمين في توصيفه سبحانه بالتكلّم وإنّما الخلاف في حقيقته أوّلاً ، ويتفرّع عليه حدوثه وقدمه ثانياً ، فيجب البحث في مقامين.

المقام الأوّل ـ حقيقة كلامه تعالى

إليك فيما يلي الآراء المطروحة في حقيقة كلامه تعالى :

أ ـ نظرية المعتزلة : قالت المعتزلة ، كلامه تعالى أصوات وحروف ليست قائمة بذاته تعالى بل يخلقها في غيره كاللوح المحفوظ أو جبرائيل أو النبي. وقد صرح بذلك القاضي عبد الجبّار فقال : « حقيقة الكلام ، الحروف المنظومة ، والأصوات المقطّعة ، وهذا كما يكون مُنعماً بِنعمة توجد في غيره ، ورازقاً برزق يوجد في غيره ، فهكذا يكون متكلّماً بإيجاد الكلام في غيره وليس من شرط الفاعل أن يحلّ عليه الفعل » (7).

والظاهر أنّ كونه سبحانه متكلّماً بهذا المعنى لا خلاف فيه ، إنّما الكلام في حصر التكلّم بهذا المعنى. قال في شرح المواقف : « هذا الذي قالته المعتزلة لا ننكره بل نحن نقوله ونسميه كلاماً لفظياً ونعترف بحدوثه وعدم قيامه بذاته تعالى ولكن نثبت أمراً وراء ذلك » (8).

يلاحظ على هذه النظريّة أنّ ما ذكره من تفسير كلامه سبحانه بإيجاد الحروف والأصوات في الأشياء ، إنّما يصحّ في الكلام الذي يخاطب به سبحانه شخصاً أو أمّة. فطريقه هو ما ذكره المعتزلة ، وإليه ينظر ما ذكرنا من الآيات حول تكليمه سبحانه موسى أو غيره (9). وامّا إذا لم يكن هناك مخاطب خاص لجهة الخطاب فلا بدّ أن يكون كلامه سبحانه على وجه الإطلاق هو فعله المُنبئ عن جماله ، المظهر لكماله. فاكتفاء المعتزلة بما ذكروا من التفسير إنّما يناسب القسم الأوّل ، وأمّا القسم الثاني فلا ينطبق عليه. إذ فعله على وجه الإطلاق ليس من قبيل الأصوات والألفاظ ، بل عبارة عن الأعيان الخارجيّة والجواهر والأعراض. وقد سمّى سبحانه فعله كلاماً في غير واحد من الآيات وهذه هي النظريّة التي نذكرها فيما يلي :

ب ـ نظريّة الحكماء : لا شك أنّ الكلام في أنظار عامّة الناس هو الحروف والأصوات الصادرة من المتكلّم ، القائمة به. وهو يحصل من تموّج الهواء واهتزازه بحيث إذا زالت الأمواج زال الكلام معه. ولكن الإنسان الاجتماعي يتوسّع في إطلاقه فيطلق الكلام على الخطبة المنقولة أو الشعر المروي عن شخص ، ويقول هذا كلام النبي أو إلقاء امرئ القيس ، مع أنّ كلامهما قد زال بزوال الموجات والاهتزازات. وما هذا إلّا من باب التوسّع في الإطلاق ومشاهدة ترتّب الأثر على المروي والمنقول.

وعلى هذا فكلّ فعل من المتكلّم أفاد نفس الأثر الذي يفيده كلامه من إبراز ما يكتنفه الفاعل في سريرته من المعاني والحقائق ، يصح تسميته كلاماً من باب التوسّع والتّطوير. وقد عرفت أنّ المصباح وضع حينما وضع على مصداق بسيط لا يعدو الغصن المشتعل. ولكن لما كان أثره ـ وهو الإنارة ـ موجوداً في الجهاز الزيتي والغازي والكهربائي أطلق على الجميع ، ومثل ذلك الحياة على النحو الذي أوضحناه. فإذا صحّت تلك التسمية وجاز ذلك التوسع في ذينك اللفظين ، يجوز في لفظ « الكلام » فهو وإن وُضع يوم وضع للأصوات والحروف المتتابعة الكاشفة عمّا يقوم في ضمير المتكلّم من المعاني ، ، إلّا أنّه لو وجد هناك شيء يفيد ما تفيده الأصوات والحروف المتتابعة بنحو أعلى وأتمّ لصحت تسميته كلاماً أو كلمة. وهذا الشيء الذي يمكن أن يقوم مقام الكلام اللفظي هو فعل الفاعل الذي يليق أن يسمّى بالكلام الفعلي ، ففعل كلّ فاعل يكشف عن مدى ما يكتنفه الفاعل من العلم والقدرة والعظمة والكمال. غير أنّ دلالة الألفاظ على السرائر والضمائر اعتباريّة ودلالة الأفعال والآثار على ما عليه الفاعل والمؤثّر من العظمة تكوينيّة.

ولأجل ذلك نرى أنّه سبحانه يصف عيسى بن مريم بأنّه كلمة الله التي ألقاها إلى مريم العذراء ويقول :

( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الحَقَّ إِنَّمَا المَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ ) (10).

وكيف لا يكون سيّدنا المسيح كلمة الله مع أنّه يكشف عن قدرة الله سبحانه على خلق الإنسان في الرحم من دون لقاء بين أنثى وذكر ، ولأجل ذلك عدّ وجوده آية ومعجزة.

وفي ضوء هذا الأصل يعدّ سبحانه كل ما في الكون من كلماته ويقول : ( قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا ) (11).

ويقول سبحانه : ( وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللهِ ) (12).

يقول علي عليه السلام : « يَقُول لِما أَرادَ كَوْنَهُ : كُنْ ، فَيَكُونْ. لا بِصَوْتٍ يَقْرَع ، ولا بِنداءٍ يُسمع ، وإِنَّما كلامُه سبحانَهُ فِعْلٌ منه ، أَنشأه ومثّلهُ ، لم يكن من قبل ذلك كائناً ، ولو كان قديماً لكان إِلهاً ثانياً » (13).

وقد نقل عنه عليه السلام أنّه قال مبيّناً عظمة خلقة الإنسان :

     

أتزعم أنّكَ جرمٌ صغيرٌ

 

وفيكَ انطوى العالمُ الأكبرُ

وأنتَ الكتابُ المبينُ الذي

 

بأحْرُفِهِ يَظْهَرُ المُضْمَرُ

فكلّ ما في صحيفة الكون من الموجودات الإمكانيّة كلماته ، وتخبر عمّا في المبدأ من كمال وجمال وعلم وقدرة.

وهناك كلام للعلّامة الطباطبائي قدّس سرّه نأتي بخلاصته :

ما يُسمّى عند الناس قولاً وكلاماً عبارةٌ عن إبراز الإنسان المتكلّم ما في ذهنه من المعنى بواسطة أصوات مؤلّفة موضوعة لمعنى ، فإذا قرع سمع المخاطب أو السامع انتقل المعنى الموجود في ذهن المتكلّم إلى ذهنهما فحصل بذلك الغرض من الكلام وهو التفهيم والتفهّم. وهناك نكتة نبه عليها الحكماء فقالوا : حقيقة الكلام متقوّمة بما يدلّ على معنى خفي مضمر ، وأمّا بقيّة الخصوصيّات ككونه بالصوت الحادث في صدر الإنسان ، ومروره من طريق الحنجرة واعتماده على مقاطع الفم وكونه بحيث يقبل أن يقع مسموعاً ، فهذه خصوصيّات تابعة للمصاديق وليست دخيلة في حقيقة المعنى الذي يتقوّم به الكلام.

فالكلام اللفظي الموضوع ، الدالّ على ما في الضمير ، كلام. وكذا الإشارة الوافية لإراءة المعنى ، كلام ، كما أنّ إشاراتك بيدك إلى القعود والقيام ، أمر وقول. وكذا الوجودات الخارجيّة فإنّها لمّا كانت حاكية بوجودها عن وجود علّتها ، وبخصوصيّاتها عن الخصوصيّات الكامنة فيها ، صارت الوجودات الخارجيّة ـ بما أنّ وجودها مثال لكمال علّتها ـ كلاماً. وعليه فمجموع العالم الإمكاني كلام الله سبحانه ، يتكلّم به بإيجاده وإنشائه ، فيظهر المكنون من كمال أسمائه وصفاته. وكما أنّه تعالى خالق العالَم والعالَم مخلوقه ، كذلك هو تعالى متكلّم بالعالم ، مظهر به خبايا الأسماء والصفات ، والعالم كلامه (14).

قال أمير المؤمنين وسيّد الموحّدين عليه السلام في نهج البلاغة : « يُخْبِر لا بلسان ولَهَواتٍ ، ويَسْمَعُ لا بخرُوق وأدواتٍ ، يقُول ولا يَلفِظُ ، ويَحْفَظُ ولا يَتَحَفَّظُ ، ويُريد ولا يُضْمِر ، يُحِبّ ويرضى من غير رِقَّة ، ويُبْغِضُ ويغضب من غير مشقّة ، يقول لمن أراد كونه : كن. فيكون ، لا بصوت يَقْرَع ، ولا بِنداءٍ يُسْمَع ، وإِنّما كلامه سبحانه فِعْلٌ منه أنشأه وَمَثَّلَهُ ، لم يكن من قبل ذلك كائناً ، ولو كان قديماً لكان إلهاً ثانياً » (15).

وإلى ذلك يشير المحقّق السبزواري في منظومته بقوله :

     

لسالك نهج البلاغة انتَهَج

 

كلامه سبحانه الفعل خَرَج

إِنْ تَدْرِ هذا ، حمدَ الأشيا تعرِف

 

إِنْ كلماتُه إِليها تُضف (16)

إلى هنا وقفت على نظريّة الحكماء في كلامه سبحانه وقد حان وقت البحث عن نظريّة الأشاعرة في هذا المقام.

ج ـ نظرية الأشاعرة : جعلت الأشاعرة التكلّم من الصفات الذاتيّة ، ووصفوا كلامه سبحانه بالكلام النفسي ، وقالوا : إنّ الكلام النفسي غير العلم وغير الإرادة والكراهة. وقد تفنّنوا في تقريب ما ادّعوه بفنون مختلفة ، وقبل أن نقوم بنقل نصوصهم نرسم مقدّمة مفيدة في المقام فنقول : لا شك أنّ المتكلّم عندما يخبر عن شيء ففيه عدّة تصوّرات وتصديق ، كلّها من مقولة العلم ، أمّا التصوّر فهو عبارة عن إحضار الموضوع والمحمول والنسبة بينهما في الذهن. وأمّا التصديق فهو الإذعان بنفس النسبة على المشهور.

ولا شكّ أنّ التصوّر والتصديق شعبتا العلم. والعلم ينقسم إليهما. وقد قالوا : العلم إن كان إذعاناً بالنسبة فتصديق وإلّا فتصوّر. هذا في الإخبار عن الشيء.

وأمّا الإنشاء ، ففي مورد الأمر ، إرادة في الذهن ، وفي مورد النهي ، كراهة فيه. وفي الاستفهام والتمني والترجّي ما يناسبها.

فالأشاعرة قائلون بأنَّ في الجمل الإخباريّة ـ وراء العلم ـ وفي الإنشائية ، كالأمر والنهي مثلاً ، وراء الإرادة والكراهة ، شيء في ذهن المتكلّم يسمّى بالكلام النفسي وهو الكلام حقيقة ، وأمّا الكلام اللفظي فهو تعبير عنه ، وهذا الكلام ـ النفسي ـ في الإنسان حادث يتبع حدوث ذاته ، وفيه سبحانه قديم لقدم ذاته ، ولأجل إيضاح الحال نأتي بنصوص أقطاب الأشاعرة في المقام.

١ ـ قال الفاضل القوشجي في شرح التجريد : « إنّ من يورد صيغة أمر أو نهي أو نداء أو إخبار أو إستخبار أو غير ذلك يجد في نفسه معاني يعبّر عنها ، نسمّيها بالكلام الحسّي. والمعنى الذي يجده في نفسه ويدور في خِلْده ، لا يختلف باختلاف العبارات بحسب الأوضاع والاصطلاحات ، ويقصد المتكلّم حصوله في نفس السامع على موجبه ، هو الذي نسمّيه الكلام » (17).

ولا يخفى أن ما ذكره مجمل لا يعرب عن شيء واضح ، ولكن الفضل بن روزبهان ذكر كلاماً أوضح من كلامه.

٢ ـ قال الفضل في نهج الحقّ : « إنّ الكلام عندهم لفظ مشترك يطلقونه على المؤلّف من الحروف المسموعة ، وتارة يطلقونه على المعنى القائم بالنفس الذي يعبر عنه بالألفاظ ويقولون هو الكلام حقيقة ، وهو قديم قائم بذاته. ولا بدّ من إِثبات هذا الكلام ، فإنّ العرف لا يفهمون من الكلام إلّا المؤلّف من الحروف والأصوات فنقول :

ليرجع الشخص إلى نفسه أنّه إذا أراد التكلّم بالكلام فهل يفهم من ذاته أنّه يزوّر ويرتب معاني فيعزم على التكلّم بها ، كما أنّ من أراد الدخول على السلطان أو العالم فإنّه يرتب في نفسه معاني وأشياء ويقول في نفسه سأتكلّم بهذا. فالمنصف يجد من نفسه هذا البتّة. فها هو الكلام النفسي.

ثمّ نقول على طريقة الدليل إنّ الألفاظ التي نتكلّم بها لها مدلولات قائمة بالنفس فنقول هذه المدلولات هي الكلام النفسي » (18).

يلاحظ عليه : إنّ ما ذكره صحيح ولكن المهمّ إثبات أنّ هذه المعاني في الإخبار غير العلم ، وهو غير ثابت بل الثابت خلافه ، وأنّ المعاني التي تدور في خِلْد المتكلّم ليست إلّا تصور المعاني المفردة ، أو المركّبة ، أو الإذعان بالنسبة ، فيرجع الكلام النفسي إلى التصوّرات والتصديقات ، فأيّ شيء هنا وراء العلم حتّى نسمّيه بالكلام النفسي. كما أنّه عندما يرتب المتكلّم المعاني الإنشائيّة ، فلا يرتب إلّا إرادته وكراهته أو ما يكون مقدّمة لهما ، كتصوّر الشيء والتصديق بالفائدة. فيرجع الكلام النفسي في الإنشاء إلى الإرادة والكراهة ، فأيّ شيء هنا غيرهما وغير التصوّر حتّى نسمّيه بالكلام النفسي. وعند ذلك لا يكون التكلّم وصفاً وراء العلم في الإخبار ووراءه مع الإرادة في الإنشاء. مع أنّ الأشاعرة يصرّون على إثبات وصف للمتكلّم وراء العلم والإرادة ، ولأجل ذلك يقولون : كونه متكلّماً بالذات ، غير كونه عالماً ومريداً بالذات. والأولى أن نستعرض ما استدلّوا به على أنّ الكلام النفسي شيء وراء العلم. وهذا بيانه :

الأوّل : إنّ الكلام النفسي غير العلم لأنّ الرجل قد يخبر عمّا لا يعلمه بل يعلم خلافه أو يشكّ فيه ، فالإخبار عن الشيء غير العلم به. قال السيّد الشريف في شرح المواقف : « والكلام النفسي في الإخبار معنى قائم بالنفس لا يتغيّر بتغيّر العبارات وهو غير العلم إذ قد يخبر الرجل عمّا لا يعلمه ، بل يعلم خلافه ، أو يشكّ فيه » (19).

يلاحظ عليه : إنّ المراد من رجوع كلّ ما في الذهن في ظرف الإخبار إلى العلم ، هو الرجوع إلى العلم الجامع بين التصوّر والتصديق. فالمخبر الشاكّ أو العالم بالخلاف يتصوّر الموضوع والمحمول والنسبة الحُكميّة ثمّ يخبر. فما في ذهنه من هذه التصوّرات الثلاثة لا يخرج عن إطار العلم ، وهو التصوّر. نعم ليس في ذهنه الشقّ الآخر من العلم وهو التصديق. ومنشأ الإشتباه تفسير العلم بالتصديق فزعموا أنّه غير موجود عند الإخبار في ذهن المخبر الشاكّ أو العالِم بالخلاف ، والغفلة عن أنّ عدم وجود العلم بمعنى التصديق لا يدلّ على عدم وجود القسم الآخر من العلم وهو التصوّر.

الثاني : ما استدلّوا به في مجال الإنشاء قائلين بأنّه يوجد في ظرف الإنشاء شيء غير الإرادة والكراهة ، وهو الكلام النفسي ، لأنّه قد يأمر الرجل بما لا يريده ، كالمختبر لعبده هل يطيعه أو لا ، فالمقصود هو الإختبار دون الإتيان (20).

يلاحظ عليه : أوّلاً : إنّ الأوامر الإختباريّة على قسمين :

قسم تتعلّق الإرادة فيه بنفس المقدّمة ولا تتعلّق بنفس الفعل ، كما في أمره سبحانه « الخليل » عليه السلام بذبح إسماعيل. ولأجل ذلك لما أتى « الخليل » بالمقدّمات نودي ( أَن يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ... ) (21).

وقسم تتعلّق الإرادة فيه بالمقدّمة وذيها غاية الأمر أنّ الداعي إلى الأمر مصلحة مترتّبة على نفس القيام بالفعل ، لا على ذات الفعل ، كما إذا أمر الأمير أحد وزرائه في الملأ العام بإحضار الماء لتفهيم الحاضرين بأنّه مطيع غير متمرّد. وفي هذه الحالة ـ كالحالة السابقة ـ لا يخلو المقام من إرادة ، غاية الأمر أنّ القسم الأوّل تتعلّق الإرادة فيه بالمقدّمة فقط ، وهنا بالمقدّمة مع ذيها. فما صحّ قولهم إنّه لا توجد الإرادة في الأوامر الإختباريّة.

وثانياً : إنّ الظاهر من المستدل هو تصوّر أنّ إرادة الآمر تتعلّق بفعل الغير ، أيّ المأمور ، فلأجل ذلك يحكم بأنّه لا إرادة متعلّقة بفعل الغير في الأوامر الإمتحانية ، ويستنتج أنّ فيها شيئاً غير الإرادة ربّما يسمّى بالطلب عندهم أو بالكلام النفسي. ولكن الحقّ غير ذلك فإنّ إرادة الآمر لا تتعلّق بفعل الغير لأنّ فعله خارج عن إطار اختيار الآمر ، وما هو كذلك لا يقع متعلّقاً للإرادة. فلأجل ذلك ، إنّ ما اشتهر من القاعدة من تعلّق إرادة الآمر والناهي بفعل المأمور به ، كلام صوري ، إذ هي لا تتعلق إلّا بالفعل الإختياري وليس فعل الغير من أفعال الآمر الإختياريّة ، فلا محيص من القول بأن إرادة الآمر متعلّقة بفعل نفسه وهو الأمر والنهي ، وإن شئت قلت إنشاء البعث إلى الفعل أو الزجر عنه ، وكلاهما واقع في إطار اختيار الآمر ويعدان من أفعاله الإختياريّة.

نعم ، الغاية من البعث والزجر هو انبعاث المأمور إلى ما بُعث إليه ، أو انتهاؤه عمّا زُجر عنه لعلم المكلّف بأنّ في التخلّف مضاعفات دنيويّة أو أخرويّة.

وعلى ذلك يكون تعلق إرادة الآمر في الأوامر الجدّية والإختباريّة على وزان وهو تعلّق إرادته ببعث المأمور وزجره ، لا فعل المأمور ولا انزجاره فإنّه غاية للآمر لا مراد له. فالقائل خلط بين متعلّق الإرادة ، وما هو غاية الأمر والنهي.

وربّما يبدو في الذهن أن يُعترض على ما ذكرنا بأنّ الآمر إذا كان إنساناً لا تتعلّق إرادته بفعل الغير لخروجه عن اختياره وأمّا الواجب سبحانه فهو آمر قاهر ، إرادته نافذة في كلّ شيء ، ( إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَٰنِ عَبْدًا ) (22).

ولكنَّ الإجابة عن هذا الإعتراض واضحة ، فإنّ المقصود من الإرادة هنا هو الإرادة التشريعيّة لا الإرادة التكوينيّة القاهرة على العباد المخرجة لهم عن وصف الإختيار الجاعلة لهم كآلة بلا إرادة ، فهي خارجة عن مورد البحث.

قال سبحانه : ( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ) (23).

فهذه الآية تعرب عن عدم تعلّق مشيئته سبحانه بإيمان من في الأرض ، ولكن من جانب آخر تعلّقت مشيئته بإيمان كلّ مكلّف واع. قال سبحانه : ( وَاللهُ يَقُولُ الحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ) (24). فقوله : « الحقّ » عام ، كما أنّ هدايته السبيل عامة مثله لكلّ الناس.

وقال سبحانه : ( يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ ) (25) ، إلى غير ذلك من الآيات الناصّة على عموم هدايته التشريعيّة (26).

الثالث : إنّ العصاة والكفار مكلّفون بما كُلّف به أهل الطاعة والإيمان بنصّ القرآن الكريم ، والتكليف عليهم لا يكون ناشئاً من إرادة الله سبحانه وإلّا لزم تفكيك إرادته عن مراده ، ولا بدّ أن يكون هناك منشأ آخر للتكليف وهو الذي نسميه بالكلام النفسي تارة ، والطلب أخرى ، فيستنتج من ذلك أنّه يوجد في الإنشاء شيء غير الإرادة.

وقد أجابت عنه المعتزلة بأن إرادته سبحانه لو تعلقت بفعل نفسه فلا تنفك عن المراد ، وأمّا إذا تعلّقت بفعل الغير ، فبما أنّها تعلّقت بالفعل الصادر من العبد عن حرية واختيار فلا محالة يكون الفعل مسبوقاً باختيار العبد ، فإن أراد واِختار العبد يتحقّق الفعل ، وإن لم يرد فلا يتحقّق.

وبعبارة أخرى لم تتعلّق مشيئته سبحانه على صدوره الفعل من العبد على كل تقدير ، أيّ سواء أراده أم لم يرده ، وإنّما تعلّقت على صدور منه بشرط سبق الإرادة ، فإن سبقت يتحقّق الفعل وإلّا فلا.

والأولى أن يقال : إنّ إرادته سبحانه لا تتخلّف عن مراده مطلقاً من غير فرق بين الإرادة التكوينيّة والإرادة التشريعيّة. أمّا الأولى ، فلأنّه لو تعلّقت إرادته التكوينيّة على إيجاد الشيء مباشرة أو عن طريق الأسباب فيتحقّق لا محالة ، قال سبحانه : ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) (27).

وأمّا الثّانية ، فلأن متعلّقها هو نفس الإنشاء والبعث ، أو نفس الزجر والتنفير ، وهو متحقّق بلا شكّ في جميع أوامره ونواهيه ، سواء امتثل العبد أم خالف.

وأمّا فعل العبد وانتهاؤه فليسا متعلقين للإرادة التشريعيّة في أوامره ونواهيه ، فتخلّفهما لا يعدّ نقضاً للقاعدة ، لأنّ فعل الغير لا يكون متعلّقاً لإرادة أحد ، لعدم كون فعل الغير في اختيار المريد (28) ، ولأجل ذلك قلنا في محلّه إنّ الإرادة التشريعيّة إنّما تتعلّق بفعل النفس ، أيّ إنشاء البعث والزجر ، لا فعل الغير.

فخرجنا بهذه النتيجة وهي أنّ الإرادة التشريعيّة موجودة في مورد العصاة والكفّار ، والمتعلّق متحقّق ، وإن لم يمتثل العبد.

الرابع : ما ذكره الفضل بن روزبهان من أنّ كلّ عاقل يعلم أنّ المتكلّم من قامت به صفة التكلّم ، ولو كان معنى كونه سبحانه متكلّماً هو خلقه الكلام ، فلا يكون ذلك الوصف قائماً به ، فلا يقال لخالق الكلام متكلّم ، كما لا يقال لخالق الذوق أنّه ذائق (29).

يلاحظ عليه : إنّ قيام المبدأ بالفاعل ليس قسماً واحداً وهو القسم الحلولي ، بل له أقسام ، فإنّ القيام منه ما هو صدوري ، كالقتل والضرب في القاتل والضّارب ، ومنه حلولي كالعلم والقدرة في العالم والقادر. والتكلّم كالضرب ليس من المبادئ الحلوليّة في الفاعل بل من المبادئ الصدوريّة ، فلأجل أنّه سبحانه موجد الكلام يطلق عليه أنّه متكلّم وزان إطلاق القاتل عليه سبحانه. بل ربّما يصح الإطلاق وإن لم يكن المبدأ قائماً بالفاعل أبداً لا صدوريّاً ولا حلوليّاً بل يكفي نوع ملابسة بالمبدأ ، كالتمّار واللبّان لبائع التمر واللبن. وأمّا عدم إطلاق الذائق على خالق الذوق فلأجل أنّ صدق المشتقات بإحدى أنواع القيام ليست قياسيّة حتّى يطلق عليه سبحانه الذائق والشامّ بسبب إيجاده الذوق والشم. وربما احترز الإلهيون عن توصيفه بهما لأجل الإبتعاد عمّا يوهم التجسيم ولوازمه.

الخامس : إنّ لفظ الكلام كما يطلق على الكلام اللفظي ، يطلق على الموجود في النفس. قال سبحانه : ( وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) (30).

يلاحظ عليه : إنّ إطلاق « القول » على الموجود في الضمير من باب العناية والمشاكلة. فإنّ « القول » من التقوّل باللسان فلا يطلق على الموجود في الذهن الذي لا واقعية له إلّا الصورة العلميّة إلّا من باب العناية.

حصيلة البحث

إنّ الأشاعرة زعموا أنّ في ذهن المتكلّم في الجملة الخبريّة والإنشائيّة وراء التصوّرات والتصديقات في الأُولى ، ووراء الإرادة في الثانية شيئاً يسمّونه « الكلام النفسي » ، وربّما خصّوا لفظ « الطلب » بالكلام النفسي في القسم الإنشائي. وبذلك صحّحوا كونه سبحانه متكلّماً ، ككونه عالماً وقادراً وأنّ الكلّ من الصفات الذاتيّة.

ولكن البحث والتحليل ـ كما مرّ عليك ـ أوقفنا على خلاف ما ذهبوا إليه ، لما عرفت من أنّه ليس وراء العلم في الجمل الخبريّة ، ولا وراء الإرادة والكراهة في الجمل الإنشائيّة شيء نسمّيه كلاماً نفسيّاً. كما عرفت أنّ الطلب أيضاً هو نفس الإرادة. ولو أرادوا بالكلام النفسي معنى الكلام اللفظي أو صورته العلميّة التي تنطبق على لفظه ، يرجع لبه إلى العلم ولا يزيد عليه ، وإن أرادوا به معنى وراء ذلك فلسنا نعرفه في نفوسنا إذا راجعناه.

وأمّا التجاء الأشعري فيما ذهب إليه إلى انشاد قول الشاعر :

     

إنَّ الكلام لفي الفؤاد وإنما

 

جعل اللسان على الفؤاد دليلاً

فالأبحاث العقليّة أرفع مكانة من أَنْ يستدلّ عليها بأشعار الشعراء (31).

وبذلك تقف على أن ما يقوله المحقّق الطوسي من أنّ « الكلام النفسي غير معقول » ، أمر متين لا غبار عليه.

إلى هنا تمّ بيان النظريات الثّلاث : المعتزلة والحكماء والأشاعرة (32). وبه تمّ الكلام في المقام الأوّل ، وحان أوان البحث في المقام الثاني وهو حدوث كلامه تعالى أو قدمه.

المقام الثاني ـ في حدوثه وقدمه

لما ظهرت الفلسفة وأثيرت مسائل صفات الله تعالى بين المتكلّمين ، كانت أهمّ مسألة طُرحت على بساط البحث مسألة كلام الله تعالى وخلق القرآن. وقد تبنى المعتزلة القول بخلق القرآن وانبروا يدافعون عنه بشتى الوسائل. ولما كانت الخلافة العباسيّة في عصر المأمون ومن بعده إلى زمن الواثق بالله ، تؤيّد حركة الاعتزال وآراءها ، استفاد المعتزلة من هذا الغطاء ، وقاموا باختبار علماء الأمصار الإسلاميّة في هذه المسألة. وكانت نتيجة هذا الإمتحان أن أجاب جميع الفقهاء في ذلك العصر بنظريّة الخلق ولم يمتنع إلّا نفر قليل على رأسهم الإمام أحمد بن حنبل.

ويمكن إرجاع مسألة أنّ كلام الله تعالى غير مخلوق إلى القرن الثاني.

وبقيت في طي الكتمان إلى زمن المأمون. ومع أنّ أهل الحديث يلتزمون بعدم التفوه بشيء لم يرد فيه نص عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أو عهد من الصحابة ، إلّا أنّهم خالفوا مبدأهم في هذه المسألة ، إلى أن انجرّ بهم الأمر إلى إعلانها على رؤوس الأشهاد وصهوات المنابر. والسبق في ذلك بينهم يرجع إلى أحمد بن حنبل ومواقفه. فقد أخذ يروج لفكرة عدم خلق القرآن أو قِدَمه ، ويدافع عنها بحماس ، متحملاً في سبيلها من المشاق ما هو مسطور في زبر التاريخ. وقد عرفت امتناعه عن الإقرار بخلق القرآن عند استجواب الفقهاء فسُجن وعُذّب وجُلد بالسياط ، ورغم كل ذلك لم يُر منه إلّا الثبات والصمود ، وكان هذا هو أبرز العوامل التي أدّت إلى اشتهاره وطيران صيته في البلاد الإسلاميّة فيما بعد. وقد سجل التاريخ جملة من المناظرات التي جرت بينه وبين المفكّرين من المتكلّمين.

ولأجل إيضاح الحال في المقام نأتي بما جاء به أحمد بن حنبل وأبو الحسن الأشعري في هذا المجال.

قال أحمد بن حنبل : « والقرآن كلام الله ليس بمخلوق ، فمن زعم أنّ القرآن مخلوق فهو جهميّ كافر ، ومن زعم أنّ القرآن كلام الله عزّ وجلّ ووقف ولم يقل مخلوق ولا غير مخلوق ، فهو أخبث من الأوّل. ومن زعم أنّ ألفاظنا بالقرآن وتلاوتنا له مخلوقة ، والقرآن كلام الله ، فهو جهميّ. ومن لم يُكفِّر هؤلاء القوم كلّهم فهو مثلهم.

وكلّم الله موسى تكليماً ، من الله سمع موسى يقيناً ، وناوله التوراة من يده ، ولم يزل الله متكلّماً عالماً ، تبارك الله أحسن الخالقين » (33).

وقال أبو الحسن الأشعري : « نقول إنّ القرآن كلام الله غير مخلوق وإنّ من قال بخلق القرآن فهو كافر » (34).

وقد نقل عن إمام الحنابلة أنّه قيل له : ها هنا قوم يقولون القرآن لا مخلوق ولا غير مخلوق. فقال : هؤلاء أَضرّ من الجهميّة على الناس ، ويلكم فإن لم تقولوا : ليس بمخلوق فقولوا مخلوق. فقال أحمد هؤلاء قوم سوء. فقيل له : ما تقول ؟ قال : الذي أعتقد وأذهب إليه ولا شكّ فيه أنّ القرآن غير مخلوق. ثمّ قال : سبحان الله ، ومن شك في هذا ؟ (35).

هذا ما لدى المحدّثين والحنابلة والأشاعرة. وأمّا المعتزلة فيقول القاضي عبد الجبّار : « أما مذهبنا في ذلك إنّ القرآن كلام الله تعالى ووحيه وهو مخلوق مُحدَث أنزله الله على نبيّه ليكون عَلَماً ودالّاً على نبوّته ، وجعله دلالة لنا على الأحكام لنرجع إليه في الحلال والحرام ، واستوجب منّا بذلك الحمد والشكر ، وإذاً هو الذي نسمعه اليوم ونتلوه وإن لم يكن ـ ما نقرؤه ـ مُحدَثاً من جهة الله تعالى فهو مضاف إليه على الحقيقة كما يضاف ما ننشده اليوم من قصيدة امرئ القيس على الحقيقة ، وإن لم يكن ـ امروء القيس ـ محدثاً لها الآن » (36).

وقبل الخوض في تحليل المسألة نقدّم أموراً :

١ ـ إذا كانت مسألة خلق القرآن أو قدمه بمثابة أوجدت طائفتين يكفّر كلّ منهما عقيدة الآخر ، فإمام الحنابلة يقول : إنّ من زعم أنّ القرآن مخلوق فهو جهميّ كافر ، والمعتزلة تقول : إنّ القول بكون القرآن غير مخلوق أو قديم شرك بالله سبحانه ، فيجب تحليلها على ضوء العقل والكتاب والسنّة باجتناب كلّ هياج ولغط. وممّا لا شكّ فيه أن المسألة كانت قد طرحت في أجواء خاصّة عزّ فيها التفاهم وساد عليها التناكر. وإلّا فلا معنى للإفتراق في أمر تزعم إحدى الطائفتين أنّه ملاك الكفر وأنّ التوحيد في خلافه ، وتزعم الطائفة الأخرى عكس ذلك.

ولو كانت مسألة خلق القرآن بهذه المثابة لكان على الوحي التصريح بأحد القولين ورفع الستار عن وجه الحقيقة ، مع أنّا نرى أنّه ليس في الشريعة الإسلاميّة نصّ في المسألة ، وإنّما ظهرت في أوائل القرن الثاني. نعم ، استدلّت الطائفتان ببعض الآيات ، غير أنّ دلالتها خفيّة ، لا يقف عليها ـ على فرض الدلالة ـ إلّا الأوحدي. وما يعدّ ملاك التوحيد والشّرك يجب أن يرد فيه نصّ لا يقبل التأويل ويقف عليه كلّ حاضر وباد.

وقد نقل الأشعري في كتابه « الإبانة » أخباراً في شرك أبي حنيفة والبراءة منه واستتابة ابن أبي ليلى إيّاه لقوله بخلق القرآن ، فتاب تقيّة ، مخافة أن يقدم عليه ، كما صرّح هو نفسه بذلك (37). مع أنّ الطحاوي ذكر في عقائده ما يناقض ذلك وقال بعدم خلق القرآن رغم أنّه حنفيّ ، المشرب والمسلك.

٢ ـ كان بعض السلف يتحرّجون من وصف القرآن بأنّه قديم وقالوا فقط إنّه غير مخلوق. لكنّهم تدرّجوا في هذا القول حتّى وصفوا كلام الله بأنّه قديم. ومن المعلوم أنّ توصيف شيء بأنّه غير مخلوق أو قديم ممّا لا يتجرّأ عليه العارف ، لأن هذين الوصفين من خصائص ذاته فلو كان كلامه سبحانه غير ذاته فكيف يمكن أن يتّصف بكونه غير مخلوق أو كونه قديماً. ولو فرضنا صحّة تلك العقيدة التي لا ينالها إلّا الأوحدي في علم الكلام فكيف يمكن أن تكون هذه المسألة الغامضة ممّا يجب الاعتقاد به على كلّ مسلم مع أنّ الإنسان البسيط بل الفاضل لا يقدر أن يحلل ويدرك كون شيء غير الله سبحانه وفي الوقت نفسه غير مخلوق.

إنّ سهولة العقيدة ويسر التكليف من سمات الشريعة الإسلاميّة وبها تفارق سائر المذاهب السائدة على العالم ، مع أنّ تصديق كون كلامه تعالى ـ وهو غير ذاته ـ غير مخلوق أو قديم ، شيء يعسر على الخاصّة فكيف على العامة.

٣ ـ إنّ الظاهر من أهل الحديث هو قدم القرآن « المقروء » وهو أمر تنكره البداهة والعقل ونفس القرآن. وقد صارت تلك العقيدة بمنزلة من البطلان حتّى تحامل عليها الشيخ محمّد عبده إذ قال : « والقائل بقدم القرآن المقروء أشنع حالاً وأضلّ اعتقاداً من كلّ ملّة جاء القرآن نفسه بتضليلها والدعوة إلى مخالفتها » (38).

ولما رأى ابن تيميّة ، الذي نصب نفسه مروّجاً لعقيدة أهل الحديث ، أنّها عقيدة تافهة صرح بحدوث القرآن المقروء وحدوث قوله ( يَا أَيُّهَا المُزَّمِّلُ ) (39). و ( يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ ) (40). وقوله ( قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا ) (41) ... إلى غير ذلك من الآيات الدالّة على حدوث النداء والسمع من حينه لا من الأزل (42).

والعجب أنّه يستدلّ بدليل المعتزلة على حدوث القرآن المقروء ، ويقول إنّ ترتيب حروف الكلمات والجمل يستلزم الحدوث ، لأنّ تحقق كلمة « بسم الله » يتوقّف على حدوث الباء وانعدامها ثمّ حدوث السين كذلك إلى آخر الكلمة. فالحدوث والإنعدام ذاتي لمفردات الحروف لا ينفكّ عنها ، وإلّا لما أمكن أن توجد كلمة ، فإذن كيف يمكن أن يكون مثل هذا قديماً أزليّاً مع الله تعالى ؟.

٤ ـ لما كانت فكرة عدم خلق القرآن أو القول بقدمه شعار أهل الحديث وسِمَتهم ومن جانب آخر كان القول بقدم القرآن المقروء والملفوظ شيئاً لا يقبله العقل السليم ، جاء الأشاعرة بنظريّة جديدة أصلحوا بها القول بعدم خلق القرآن وقدمه والتجأوا إلى أنّ المراد من كلام الله تعالى ليس هو القرآن المقروء بل الكلام النفسي ، وقد عرفت مدى صحّة القول بالكلام النفسي (43).

وعلى كلّ تقدير فالقول بقِدَم الكلام النفسي ليس بمنزلة القول بقِدَم القرآن المقروء.

٥ ـ كيف يكون القول بخلق القرآن وحدوثه ملاكاً للكفر مع أنّه سبحانه يصفه بأنّه محدث أيّ أمر جديد ؟

قال سبحانه : ( اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ) (44). والمراد من الذكر هو القرآن الكريم لقوله سبحانه : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (45) ، وقوله سبحانه : ( وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ) (46).

والمراد من « مُحْدَث » هو الجديد ، وهو وصف للذكر. ومعنى كونه جديداً أنّه أتاهم بعد الإنجيل. كما أنّ الإنجيل جديد لأنّه أتاهم بعد التوراة. وكذلك بعض سور القرآن وآياته ذكر جديد أتاهم بعد بعض. وليس المراد كونه محدثاً من حيث نزوله ، بل المراد كونه مُحدثاً بذاته بشهادة أنّه وصف لـ « ذكر ». فالذكر بذاته مُحْدَث ، لا بنزوله فلا معنى لتوصيف المحدث بالذات بكونه من حيث النزول (47).

وكيف يمكن القول بقدم القرآن مع أنّه سبحانه يقول في حقه : ( وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً ) (48) ، فهل يصحّ توصيف القديم بالإذهاب والإعدام ؟!.

٦ ـ العجب أنّ محطّ النزاع لم يحدّد بشكل واضح يقدر الإنسان على القضاء فيه ، فها هنا احتمالات ، يمكن أن تكون محط النّظر لأهل الحديث والأشاعرة عند توصيف كلامه سبحانه بالقِدَم نطرحها على بساط البحث ونطلب حكمها من العقل والقرآن.

أ ـ الألفاظ والجمل الفصيحة البليغة التي عجز الإنسان في جميع القرون عن الإتيان بمثلها ، وقد جاء بها أمين الوحي إلى النبي الأكرم ، وقرأها الرسول فتلقتها الأسماع وحرّرتها الأقلام على الصحف المطهّرة. فهي ليست بمخلوقة على الإطلاق لا لله سبحانه ولا لغيره.

ب ـ المعاني السامية والمفاهيم الرفيعة في مجالات التكوين والتشريع والحوادث والأخلاق والآداب وغيرها.

ج ـ ذاته سبحانه وصفاته من العلم والقدرة والحياة التي بحث عنها القرآن وأشار إليها بألفاظه وجمله.

د ـ علمه سبحانه بكلّ ما ورد في القرآن الكريم.

ه‍ ـ الكلام النفسي القائم بذاته.

و ـ القرآن ليس مخلوقاً للبشر وإن كان مخلوقاً لله.

وهذه المحتملات لا تختصّ بالقرآن الكريم بل تطّرد في جميع الصحف السماويّة النازلة إلى أنبيائه ورسله.

وإليك بيان حكمها من حيث الحدوث والقدم.

أمّا الأوّل ـ فلا أظن أنّ إنساناً يملك شيئاً من الدّرْك والعقل يعتقد بكونها غير مخلوقة أو كونها قديمة ، كيف وهي شيء من الأشياء ، وموجود من الموجودات ، ممكن غير واجب. فإذا كانت غير مخلوقة وجب أن تكون واجبة بالذات وهو نفس الشّرك بالله سبحانه وحتّى لو فُرض أنّه سبحانه يتكلّم بهذه الألفاظ والجمل ، فلا يخرج تكلّمه عن كونه فعله ، فهل يمكن أن يقال إنّ فعله غير مخلوق أو قديم ؟!

وأما الثّاني ـ فهو قريب من الأوّل في البداهة ، فإنّ القرآن يشتمل ، وكذا سائر الصحف على الحوادث المحقّقة في زمن النبي من محاجّة أهل الكتاب والمشركين وما جرى في غزواته وحروبه من الحوادث المؤلمة أو المُسرّة ، فهل يمكن أن نقول بأنّ الحادثة التي يحكيها قوله سبحانه : ( قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ) (49) ، قديمة.

وقد أخبر الله تبارك وتعالى في القرآن والصحف السماويّة عمّا جرى على أنبيائه من الحوادث وما جرى على سائر الأمم من ألوان العذاب ، كما أخبر عمّا جرى في التكوين من الخلق والتدبير ، فهذه الحقائق الواردة في القرآن الكريم ، حادثة بلا شكّ ، لا قديمة.

وأمّا الثّالث ـ فلا شكّ أنّ ذاته وصفاته من العلم والقدرة والحياة وكلّ ما يرجع اليها كشهادته أنّه لا إله إلّا هو ، قديم بلا إشكال وليس بمخلوق بالبداهة ، ولكنّه لا يختصّ بالقرآن بل كلّ ما يتكلّم به البشر ويشير به إِلى هذه الحقائق ، فمعانيه المشار إليها بالألفاظ والأصوات قديمة ، وفي الوقت نفسه ما يشار به من الكلام والجمل حادث.

وأمّا الرّابع ـ أي علمه سبحانه بما جاء في هذه الكتب وما ليس فيها ، فلا شكّ أنّه قديم نفس ذاته. ولم يقل أحد من المتكلّمين الإلهيّين إلّا من شذّ من الكراميّة ـ بحدوث علمه.

وأمّا الخامس ـ أعني كونه سبحانه متكلّماً بكلام قديم أزلي نفساني ليس بحروف الأصوات ، مغاير للعلم والإرادة ، فقد عرفت أن ما سمّاه الأشاعرة كلاماً نفسيّاً لا يخرج عن إطار العلم والإرادة ولا شكّ أنّ علمه وإرادته البسيطة قديمان.

وأمّا السّادس ـ وهو أنّ الهدف من نفي كونه غير مخلوق ، كون القرآن غير مخلوق للبشر ، وفي الوقت نفسه هو مخلوق لله سبحانه ، فهذا أمر لا ينكره مسلم. فإنّ القرآن مخلوق لله سبحانه والناس بأجمعهم لا يقدرون على مثله. قال سبحانه : ( قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ) (50).

وهذا التحليل يُعْرِبُ عن أنّ المسألة كانت مطروحة في أجواء مشوّشة وقد اختلط الحابل فيها بالنابل ولم يكن محطّ البحث محرّراً على وجه الوضوح حتى يعرف المثبت عن المنفي ، ويمخض الحقّ من الباطل. ومع هذا التشويش في تحرير محل النزاع نرى أنّ أهل الحديث والأشاعرة يستدلّون بآيات من الكتاب على قدم كلامه وكونه غير مخلوق. وإليك هذه الأدلّة واحداً بعد واحد.

أَدلّة الأشاعرة على كون القرآن غير مخلوق

إستدلّ الأشعري بوجوه.

الدليل الأوّل : قوله سبحانه ( إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) (51). قال الأشعري : وممّا يدلّ من كتاب الله على أنّ كلامه غير مخلوق قوله عزّ وجلّ : ( إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) (52).

فلو كان القرآن مخلوقاً لوجب أن يكون مقولاً له « كن فيكون ». ولو كان الله عزّ وجلّ قائلاً للقول « كن » لكان للقول قول. وهذا يوجب أحد أمرين : إمّا أن يؤول الأمر إلى أنّ قول الله غير مخلوق ، أو يكون كلّ قول واقعاً بقول لا إلى غاية وذلك محال. وإذا استحال ذلك صحّ وثبت أنّ لله عزّ وجلّ قولاً غير مخلوق (53).

يلاحظ عليه : أوّلاً ـ إنّ الإستدلال مبني على كون الأمر بالكون في الآية ونظائرها أمراً لفظيّاً مؤلّفاً من الحروف والأصوات. وأنّه سبحانه كالسلطان الآمر ، فكما أنّه يتوسّل عند أمره وزراءه وأَعوانه باللفظ ، فهكذا سبحانه يتوسّل عند خلق السّمٰوات والأرض باللفظ والقول ، فيخاطب المعدوم المطلق بلفظة « كن ».

ولا شكّ أنّ هذا الإحتمال باطل جداً ، إذ لا معنى لخطاب المعدوم.

وما يقال في تصحيحه بأنّ المعدوم معلوم لله تعالى فهو يعلم الشيء قبل وجوده وأنّه سيوجد في وقت كذا ، غير مفيد ، لأَن العلم بالشيء لا يصحّح الخطاب ، وإن كنت في شكّ من ذلك فلاحظ النجّار الذي يريد صناعة الكرسي بالمعدات والآلات ، فهل يصحّ أن يخاطبها بهذا اللفظ ، هذا وإن كان بين المثال والمُمثّل له فرق أو فروق.

وإنّما المراد من الأمر في الآية ، كما فهمه جمهور المسلمين ، هو الأمر التكويني المعبّر عن تعلّق الإرادة القطعية بإيجاد الشيء ، والمقصود من الآية أنّ تعلّق إرادته سبحانه يعقبه وجوده ، ولا يأبى عنه الشيء ، وأنّ ما قضاه من الأمور وأراد كونه فإنّه يتكوّن ويدخل في حيز الوجود من غير امتناع ولا توقّف ، كالمأمور المطيع الذي يؤمر فيمتثل ، لا يتوقّف ولا يمتنع ولا يكون منه الإباء.

وبذلك تقف على الفرق بين الأمر التكليفي التشريعي الوارد في الكتاب والسنّة ، والأمر التكويني. فالأوّل يخاطب به الإنسان العاقل للتكليف ولا يخاطب به غيره فضلاً عن المعدوم. وهذا بخلاف الأمر التكويني فإنّه رمز لتعلّق الإرادة القطعيّة بإيجاد المعدوم.

وهذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يفسّر الأمر التكويني بقوله « يقول لِمَا أراد كونَه كُنْ ، فَيكونُ. لا بصوتٍ يَقْرَعْ ولا بِنداء يُسمَع ، وإنَّما كلامُهُ سُبْحانَه فعلٌ منه ، أنْشَأهُ ومَثَّله ، لَمْ يَكُنْ مِنْ قَبلِ ذلِكَ كائناً ، ولَو كانَ قديماً لَكانَ إِلهاً ثانياً » (54).

وثانياً ـ نحن نختار الشقّ الثاني ، ولا يلزم التسلسل. ونلتزم بأنّ هنا قولاً سابقاً على القرآن هو غير مخلوق أوجد به سبحانه مجموع القرآن وأَحدثه حتّى كلمة « كن » الواردة في تلك الآية ونظائرها. فتكون النتيجة حدوث القرآن وجميع الكتب السماويّة وجميع كلمه وكلامه إلَّا قولاً واحداً سابقاً على الجميع. فينقطع التسلسل بالإلتزام بعدم مخلوقيّة لفظ واحد.

ثالثاً ـ كيف يمكن أن تكون كلمة « كن » الواردة في الآية وأمثالها قديمةً. مع أنّها إخبار عن المستقبل فتكون حادثة. يقول سبحانه مخبراً عن المستقبل ( إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ). ولأجل ذلك التجأ المتأخّرون من الأشاعرة إلى أنّ لفظ « كن » حادث والقديم هو المعنى الأزلي النفساني (55).

الدّليل الثاني ـ قوله سبحانه : ( إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) (56).

قال الأشعري : فـ « الخلق » جميع ما خلق داخل فيه ، ولما قال « والأمر » ذكر أمراً غير جميع الخلق. فدل ما وصفناه على أنّ أمر الله غير مخلوق. وأمّا أمر الله فهو كلامه. وباختصار : إنّه سبحانه أبان الأمر من الخلق ، وأمر الله كلامه ، وهذا يوجب أن يكون كلام الله غير مخلوق (57).

يلاحظ عليه : إنّ الإستدلال مبني على أنّ « الأمر » في الآية بمعنى كلام الله وهو غير ثابت بل القرينة تدلّ على أنّ المراد منه غيره ، كيف وقد قال سبحانه في نفس الآية : ( وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ ) والمراد من اللفظين واحد ، والأوّل قرينة على الثاني. وهدف الآية هو أنّ الخلق ـ بمعنى الإيجاد ـ وتدبيره كلاهما من الله سبحانه وليس شأنه سبحانه خلق العالم والأشياء ثمّ الإنصراف عنها وتفويض تدبيرها إلى غيره حتّى يكون الخلق منه والتدبير على وجه الإستقلال من غيره ، بل الكلّ من جانبه سبحانه.

فالمراد من الخلق إيجاد ذوات الأشياء ، والمراد من الأمر النظام السّائد عليها ، فكأنّ الخلق يتعلّق بذواتها والأمر بالأوضاع الحاصلة فيها والنظام الجاري بينها. ويدلّ على ذلك بعض الآيات التي تذكر « تدبير الأمر » بعد الخلق.

يقول سبحانه : ( إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلَّا مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ) (58).

وقال تعالى : ( اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ ) (59).

فليس المراد من الأمر ما يقابل النهي ، بل المراد الشؤون الراجعة إلى التكوين ، فيكون المقصود أنّ الإيجاد أوّلاً ، والتصرّف والتدبير ثانياً منه سبحانه فهو الخالق المالك لا شريك له في الخلق والإيجاد ولا في الإرادة والتدبير.

الدليل الثّالث ـ قوله سبحانه : ( إِنْ هَٰذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ ) (60).

قال الأشعري : « فمن زعم أنّ القرآن مخلوق فقد جعله قولاً للبشر ، وهذا ما أنكره الله على المشركين » (61).

يلاحظ عليه : إنّ من يقول بأنّ القرآن مخلوق لا يريد إلّا كونه مخلوقاً لله سبحانه. فالله سبحانه خلقه وأوحى به إلى النبي ونزّله عليه منجّماً على مدى ثلاث وعشرين سنة وجعله فوق قدرة البشر فلن يأتوا بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً.

نعم ، كون القرآن مخلوقاً لله سبحانه لا ينافي أن يكون ما يقرؤه الإنسان مخلوقاً له لبداهة أنّ الحروف والأصوات التي ينطق بها الناس مخلوقة لهم وهذا كمعلقة امرئ القيس وغيرها ، فأصلها مخلوق لنفس الشاعر ، ولكن المقروء مثال له ، ومخلوق للقارئ.

والعجب أنّ الأشعري ومن قبله ومن بعده لم ينقّحوا موضع النزاع فزعموا أنّه إذ قيل « القرآن مخلوق » فإنّما يراد منه كون القرآن مصنوعاً للبشر ، مع أنّ الضرورة قاضية بخلافه ، فكيف يمكن لمسلم يعتنق القرآن ويقرأ قول البارئ سبحانه فيه : ( وَهَٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ ) (62) ، أن يتفوّه بأنّ القرآن مخلوق للبشر. بل المسلمون جميعاً يقولون في القرآن نفس ما قاله سبحانه في حقّه. غير أنّ المقروء على ألسنتهم مخلوق لأنفسهم ، فيكون مثال ما نزله سبحانه مخلوقاً للإنسان ، وكون المثال مخلوقاً لهم ليس دليلاً على أنّ الممثّل مخلوقاً لهم. والناس بأجمعهم عاجزون عن إيجاد مثل القرآن ولكنّهم قادرون على إيجاد مثاله. فلاحظ وتدبّر.

وبذلك تقف على أنّ أكثر ما استدلّ به الأشعري في كتاب « الإبانة » غير تامّ من جهة الدلالة ، ولا نطيل المقام بإيراده ونقده. وفيما ذكرنا كفاية.

بقي هنا نكتة ننبه عليها وهي : إنّ المعروف من إمام الحنابلة أنّه ما كان يرى الخوض في المسائل التي لم يخض فيها السلف الصالح لأنّه ما كان يرى علماً إلّا علْمَ السلف ، فما يخوضون فيه يخوض فيه ، وما لا يخوضون فيه من أمور الدّين يراه ابتداعاً يجب الإعراض عنه. وهذه المسألة لم يتكلّم فيها السلف فلم يكن له أن يتكلّم فيها. والمبتدعون هم الذين يتكلّمون ، فما كان له أن يسير وراءهم وكان من واجبه حسب أصوله أن يتوقّف ولا ينبس ببنت شفة. نعم نقل عنه ما يوافق التوقف ـ رغم ما نقلنا عنه من خلافه وأنّه قال : من زعم أنّ القرآن مخلوق فهو جهمي ، ومن زعم أنّه غير مخلوق فهو مبتدع.

ويرى المحقّقون أنّ إمام الحنابلة كان في أوليات حياته يرى البحث حول القرآن ، بأنّه مخلوق أو غير مخلوق ، بدعة. ولكنّه بعد ما زالت المحنة وطلب منه الخليفة العبّاسي المتوكّل ، المؤيّد له ، الإدلاء برأيه ، إختار كون القرآن ليس بمخلوق. ومع ذلك لم يؤثر عنه أنّه قال : إنّه قديم (63).

موقف أهل البيت عليهم السلام

إنّ تاريخ البحث وما جرى على الفريقين من المحن ، يشهد بأنّ التشدّد فيه لم يكن لإحقاق الحقّ وإزاحة الشكوك ، بل استغلّت كلّ طائفة تلك المسألة للتنكيل بخصومها. فلأجل ذلك نرى أنّ أئمّة أهل البيت عليهم السلام منعوا أصحابهم من الخوض في تلك المسألة ، فقد سأل الرّيّان بن الصّلت الإمام الرضا عليه السلام وقال له : ما تقول في القرآن ؟

فقال عليه السلام : « كَلامُ الله لا تَتَجاوَزُهُ ولا تَطْلُبوا الهُدى في غَيرِه ، فَتَضِلّوا » (64).

وروى علي بن سالم عن أبيه قال : سألت الصادق جعفر بن محمّد فقلت له : يابن رسول الله ما تقول في القرآن ؟

فقال : « هو كلامُ اللهِ وقَوْلُ اللهِ ، وكتابُ اللهِ ووحْيُ اللهِ ، وتنزيلُه ، وهو الكتاب العزيز لا يأتيه الباطل من بين يَدَيْهِ ولا مِن خلفه ، تنزيلٌ من حكيم حميد » (65).

وحدّث سليمان بن جعفر الجعفري قال ، قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام : يا ابن رسول الله ، ما تقول في القرآن ؟ فقد اختلف فيه مَنْ قبلنا ، فقال قوم إنّه مخلوق ، وقال قوم إنّه غير مخلوق.

فقال عليه السلام : أما إنّي لا أقول في ذلك ما يقولون ، ولكنّي أقولُ : إنّه كلامُ الله (66).

فإنّا نرى أنّ الإمام عليه السلام يبتعد عن الخوض في هذه المسألة لما رأى من أنّ الخوض فيها ليس لصالح الإسلام ، وأنّ الإكتفاء بأنّه كلام الله أحسم لمادة الخلاف. ولكنّهم عليهم السلام عندما أحسّوا بسلامة الموقف ، أدلوا برأيهم في الموضوع ، وصرّحوا بأنّ الخالق هو الله وغيره مخلوق والقرآن ليس نفسه سبحانه ، وإلّا يلزم اتحاد المُنْزَل والمُنْزِل ، فهو غيره ، فيكون لا محالة مخلوقاً.

فقد روى محمّد بن عيسى بن عبيد اليقطيني أنّه كتب علي بن محمّد بن علي بن موسى الرضا عليه السلام إلى بعض شيعته ببغداد : « بسم الله الرحمن الرحيم ، عَصَمَنا اللهُ وإِيّاكَ مِنَ الفِتْنَةِ ، فإنْ يَفْعَل فقد أعْظَمَ بها نِعمة ، وإِنْ لا يَفْعَل فهي الهَلَكَة. نحن نرى أنَّ الجِدالَ في القرآن بِدْعَةٌ ، اشترك فيها السائل والمُجيب ، فيتعاطى السائل ما ليس له ، ويتكلَّفُ المُجيب ما ليس عليه ، وليس الخالقُ إِلّا اللهَ عزّ وجل ، وما سواهُ مخلوقٌ ، والقرآنُ كلامُ الله ، لا تَجْعَل لَه إِسماً مِنْ عندِك فتكونَ من الضّالّين ، جَعَلَنا الله ، وإيّاك من الذين يَخْشَوْنَ ربّهم بالغيب وهم من الساعة مُشفقون » (67).

وفي الروايات المرويّة إشارة إلى المحنة التي نقلها المؤرّخون ، حيث كان أحمد بن أبي دؤاد في عصر المأمون كتب إلى الولاة في العواصم الإسلاميّة أن يختبروا الفقهاء والمحدّثين في مسألة خلق القرآن ، وفرض عليهم أن يعاقبوا كل من لا يرى رأي المعتزلة في هذه المسألة. وجاء المعتصم والواثق فطبقا سيرته وسياسته مع خصوم المعتزلة وبلغت المحنة أشدّها على المحدّثين ، وبقى أحمد بن حنبل ثمانية وعشرين شهراً تحت العذاب فلم يتراجع عن رأيه (68). ولما جاء المتوكّل العبّاسي ، نصر مذهب الحنابلة وأقصى خصومهم ، فعند ذلك أحسّ المحدّثون بالفرج وإحاطت المحنة بأولئك الذين كانوا بالأمس القريب يفرضون آراءهم بقوّة السلطان.

فهل يمكن عدّ مثل هذا الجدال جدالاً إسلاميّاً ، وقرآنيّاً ، لمعرفة الحقيقة وتبيّنها ، أو أنّه كان وراءه شيء آخر ؟ الله العالم بالحقائق وضمائر القلوب.

الهوامش

1. سورة البقرة : الآية ٢٥٣.

2. سورة النساء : الآية ١٦٤.

3. سورة الأعراف : الآية ١٤٣.

4. سورة الشورى : الآية ٥١.

5. سورة القصص : الآية ٣٠.

6. سورة الشعراء : الآيتان ١٩٣ و ١٩٤.

7. شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبّار ، المتوفّي عام ٤١٥ ، ص ٥٢٨. وشرح المواقف للسيّد الشريف ص ٤٩٥.

8. شرح المواقف ، ج ١ ، ص ٧٧. وسيوافيك الأمر الآخر الذي يثبته الأشاعرة.

9. قال سبحانه : ( وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا ) سورة النساء : الآية ١٦٤. وقال سبحانه : ( وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْيًا ... ) سورة الشورى : الآية ٥١.

10. سورة النساء : الآية ١٧١.

11. سورة الكهف : الآية ١٠٩.

12. سورة لقمان : الآية ٢٧.

13. نهج البلاغة ، الخطبة ١٧٩ ، ج ٢ ، ص ١٢٢ ، ط عبده.

14. الميزان ، ج ٢ ، ص ٣٢٥ ، ط بيروت ، بتلخيص.

15. نهج البلاغة ، الخطبة ١٧٩ ، ج ٢ ، ص ١٢٢ ، ط عبده.

16. شرح منظومة السبزواري ، لناظمها ، ص ١٩٠.

17. شرح التجريد للقوشجي ، ص ٤٢٠.

18. نهج الحقّ المطبوع في ضمن دلائل الصدق ، ج ١ ، ص ١٤٦ ، ط النجف.

19. شرح المواقف ، ج ٢ ، ص ٩٤.

20. نفس المصدر.

21. سورة الصافات : الآيتان ١٠٤ ـ ١٠٥.

22. سورة مريم : الآية ٩٣.

23. سورة يونس : الآية ٩٩.

24. سورة الأحزاب : الآية ٤.

25. سورة النساء : الآية ٢٦.

26. سيوافيك البحث مفصلاً في عموم هدايته سبحانه في ختام الفصل السّادس من الكتاب.

27. سورة يس : الآية ٨٢.

28. حتّى لو كان المريد هو الله تعالى ـ وإن أمكن ـ وإلّا كان على وجه الإلجاء والجبر المنفيين عنه سبحانه كما سيأتي في الفصل السادس.

29. دلائل الصّدق ، ج ١ ، ص ١٤٧ ، ط النّجف الأشرف.

30. سورة الملك : الآية ١٣.

31. لاحظ الميزان ، ج ١٤ ، ص ٢٥٠.

32. وأمّا نظريّة الحنابلة فنبحث عنها في المقام الثاني لئلّا يلزم التكرار.

33. كتاب السنّة ، لأحمد بن حنبل ، ص ٤٩.

34. الإِبانة ، ص ٢١ ، ولاحظ مقالات الإِسلاميين ، ص ٣٢١.

35. الإبانة ، ص ٦٩ ، وقد ذكر في ص ٧٦ ، أسماء المحدثين القائلين بأنّ القرآن غير مخلوق.

36. شرح الأصول الخمسة ، ص ٥٢٨.

37. الإبانة ، ص ٧١ ـ ٧٢.

38. رسالة التوحيد ، الطبعة الأولى. وقد حُذف نحو صفحة من الرسالة في الطبعات اللاحقة ، لاحظ ص ٤٩ من طبعة مكتبة الثقافة العربية.

39. سورة المزمل : الآية ١.

40. سورة المدثر : الآية ١.

41. سورة المجادلة : الآية ١.

42. مجموعة الرسائل الكبرى ، ج ٣ ، ص ٩٧.

43. ليس هذا أوّل مورد تقوم فيه الأشاعرة لإصلاح عقيدة أهل الحديث ، بل قامت بذلك في عدة موارد بهدف إخراجها في قالب يقبله العقل.

44. سورة الأنبياء : الآية ١ ـ ٢.

45. سورة الحجر : الآية ٩.

46. سورة الزخرف : الآية ٤٤.

47. لِتَقَدُّمِ ما بالذَّات على ما بِالعَرَض.

48. سورة الإسراء : الآية ٨٦.

49. سورة المجادلة : الآية ١.

50. سورة الإِسراء : الآية ٨٨.

51. سورة النحل : الآية ٤٠.

52. سورة النحل : الآية ٤٠.

53. الإبانة ، ص ٥٢ ـ ٥٣.

54. نهج البلاغة ، الخطبة ١٨٦.

55. دلائل الصدق حاكياً عن الفضل بن روزبهان الأشعري ، ج ١ ، ص ١٥٣.

56. سورة الأعراف : الآية ٥٤.

57. الإبانة ، ص ٥١ ـ ٥٢.

58. سورة يونس : الآية ٣.

59. سورة الرعد : الآية ٢.

60. سورة المدثر : الآية ٢٥.

61. الإبانة ـ ص ٥٦.

62. سورة الأنعام : الآية ١٥٥. ومثله قوله : ( تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الحَكِيمِ ) [ الجاثية : الآية ٢ ] وآيات كثيرة أخرى.

63. تاريخ المذاهب الإسلاميّة ، ص ٣٠٠.

64. التوحيد للصّدوق ، باب القرآن ما هو ، الحديث ٢ ، ص ٢٢٣.

65. التّوحيد ، للصّدوق ، باب القرآن ، الحديث ٣ ، ص ٢٢٤.

66. المصدر السابق ، الحديث ٥ ، ص ٢٢٤.

67. المصدر السابق ، الحديث ٤.

68. لاحظ سير أعلام النبلاء للذهبي ، ج ١١ ، ص ٢٥٢. وقد عُقد في الكتاب باب مفصل في احوال الإمام أحمد.

مقتبس من كتاب : [ الإلهيّات على هدى الكتاب والسنّة والعقل ] / المجلّد : 1 / الصفحة : 189 ـ 220