الصفات الفعليّة : الصدق

طباعة

الصفات الفعليّة

الصدق

إتّفق المسلمون والإلهيّون على أنّ « الصادق » من أسمائه ، وأن « الصّدق » من صفاته ، وإن اختلفوا في طريق البرهنة عليه. والمراد من صدقه كون كلامه منزهاً عن شوب الكذب. ولما كان المختار عندنا في « الكلام » أنّه من الصفات الفعليّة ، يكون الصدق في الكلام مثله. لأنّه إذا كان الموصوف بالصّدق من الصفات الفعليّة وفعلاً قائماً بالله سبحانه ، فوصفه أولى بأن يكون من تلك المقولة.

ويمكن الإستدلال على صدقه بأنّ الكذب قبيح عقلاً ، وهو سبحانه منزّه عمّا يعدّه العقل من القبائح. والبرهان مبني على كون الحُسن والقبح من الأمور التي يدركها العقل ، وأنّه مع قطع النظر عن الطوارئ والعوارض ، يحكم بكون شيء حسناً بالذات أو قبيحاً مثله. وهذا الأصل هو الأمر المهمّ الذي فرّق المتكلّمين إلى فرقتين.

فإذا أخذنا بالجانب الإيجابي في ناحية ذلك الأصل ، كما هو الحقّ ، يثبت كونه سبحانه صادقاً. ولكن الأشاعرة المنكرين للتحسين والتقبيح العقليين يصفونه سبحانه بالصدق ، مستدلين تارة بأنّ الكذب نقص ، والنقص على الله تعالى محال. وأخرى بأنّ الشرع قد أخبر عن كونه صادقاً وكلا الدليلين مخدوش جدّاً.

أمّا الأوّل ، فلأنّه لو قلنا بالتحسين والتقبيح العقليين ، يكون النقص محالاً على الله سبحانه في ناحية الذات والفعل ، فذاته منزهة عن النقص ، وفعله ـ كالتكلّم ـ وأمّا إذا أنكرنا ذلك الأصل فلا دليل على استحالة النقص على الله سبحانه في خصوص فعله وإن كان طروء النقص على الذات محالاً مطلقاً. ولأجل ذلك جوّز الأشاعرة الظلم عليه سبحانه ، وهكذا سائر القبائح ، وإن كانت لا تصدر عنه سبحانه لأجل إخباره بذلك.

وأمّا الثاني ، فلأن ثبوت صدقه شرعاً يتوقّف على صدق قول النبي ولا يثبت صدقه إلّا بتصديق الله سبحانه ، فلو توقف تصديقه سبحانه على تصديق النبي صلّى الله عليه وآله ، لزم الدور.

ولأجل ذلك يجب أن يكون هناك دليل قاطع وراء الشرع والوحي على كونه سبحانه صادقاً لا يكذب.

وهناك دليل آخر ، أشار اليه بعض المعتزلة وحاصله أنّ كذبه ينافي مصلحة العالم ، لأنّه إذا جاز وقوع الكذب في كلامه تعالى ارتفع الوثوق بإخباره عن أحوال الآخرة ، وفي ذلك فوات مصالح لا تحصى. والأصلح واجب عليه تعالى لا يصحّ الإخلال به. والمراد من كونه واجباً هو إدراك العقل أنّ موقفه سبحانه في ذلك المجال يقتضي اختيار الأصلح وترك غيره (1).

ولكن الدليل مبني على الأصل المقرر عند العدليّة من إدراك العقل الحُسنَ والقُبْحَ ، مع قطع النظر عن جميع الطوارئ والعوارض. فعند ذلك يدرك الأصلح والصالح ، أو الصالح وغير الصالح ، كما يدرك لزوم اختيار الأصلح والصالح على غيرهما. ولأجل ذلك لا يكون دليلاً آخر.

هذا إذا قلنا بأنّ كلامه من الصفات الفعليّة. وأمّا لو فسّرناه بالكلام النفسي ـ كما قالت الأشاعرة ـ فقد عرفت أنّه لا يخرج عن إطار العلم والإرادة والكراهة ، فعندئذ يكون صدق كلامه بمعنى صدق علمه ، ولا يمكن تفسير صدق العلم إلّا بكونه مطابقاً للواقع. وأمّا صدق الإرادة والكراهة فليس له فيهما معنى معقول. وعلى كلّ تقدير يكون الصدق عندهم ـ حينئذ ـ من الصفات الذّاتيّة لا الفعليّة.

الهوامش

1. شرح القوشجي ، ص ٣٢٠.

مقتبس من كتاب : [ الإلهيّات على هدى الكتاب والسنّة والعقل ] / المجلّد : 1 / الصفحة : 221 ـ 223