الحرّ بن يزيد الرياحي

طباعة

الحرّ بن يزيد الرياحي

ذكر نسبه أرباب الرجال على النحو التالي : الحرّ بن يزيد بن ناجية بن قعنب بن عتاب بن هرم بن رياح بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد بن مناة بن تميم ، فهو تميميّ يربوعيّ رياحيّ.

وفي كتاب سبائك الذهب في معرفة أنساب العرب ذكر أنّ من أيّام العرب يوم « طفخة » وسببه « الرادفة » فقد كانت تساوي الوزارة ، والرديف من حقّه الجلوس على يمين الملك ، وكانت الرادفة لبني يربوع ، فخذ من أفخاذ بني تميم .. وتنتقل من الآباء إلى الأبناء والأحفاد ، إلى أن تقدّم حاجب بن زرارة الدارمي التميمي إلى النعمان بن المنذر أن يعطي الرادفة إلى الحرث التميمي من بني مجاشع ، فأخبر النعمان بني يربوع بذلك وطلب منهم الرضا به ، فامتنع بنو يربوع من قبول العرض وأبوا أشدّ الإباء ، وكان منزلهم أسفل « طفخة » وهو جبل طويل أحمر اللون وفيه عيون ماء عذبة ، فعمد النعمان إلى قمعهم وأخذ الرضا منهم قهراً ، فسيّر أخويه « قابوس » (1) و « حسّان » ابني المنذر على رأس جيش لجب إلى بني يربوع وكان قابوس القائد وحسّان على مقدّمة الجيش ، وبلغ الجيش ظفخة لمنازلة بني يربوع واحتدم القتال في سفح الجبل فهزم جيش قابوس فأسروه وغنموا فرسه وأرادوا أن يجزّوا ناصيته فقال لهم قابوس : الملوك لا تُجزّ نواصيها ، وأسروا حسّاناً أيضاً وهزمت عساكره وعاد الجيش إلى النعمان بدونهما ، فحزن النعمان على أخويه فأرسل عجلاً شهاب بن قيس اليربوعي إلى بني عمّه وقال له : أسرع لتصل إلى حسّان وقابوس وتخلّصهما من الأسر وأرجع الرادفة إلى بني يربوع وأترك لهم ما غنموه وأهدر من قتلوه ، وأدفع لهم ألفي بعير ، فأقبل شهاب فوجدهما حيّين فخلّصهما من الأسر ووفى لهم بوعد الملك ، وبعد ذلك لم يعترضهم أحد على الرادفة ، وسمّي ذلك اليوم يوم طفخة ». وبعضهم قدّم الخاء على الفاء.

يقول سيّدنا الحرّ العاملي في أعيان الشيعة في ترجمة الحرّ بن يزيد الرياحي : كان من رؤساء بني تميم وكان ابن زياد قد أمّره على ألف فارس يستقبل بهم الحسين عليه السلام (2).

ويقول سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواصّ : وكان الحرّ بن يزيد الرياحي من ساداتهم وأهل الكوفة (3).

وقال العلّامة السماوي في إبصار العين : كان الحرّ الرياحي شريفاً في قومه في الجاهليّة والإسلام فإنّ جدّه عتاب كان رديف النعمان بن المنذر .. والحرّ هو ابن عمّ الأحوص الصحابي الشاعر (4).

ولا يخفى أنّه مع كونه من سادات الكوفة وأشرافها ورؤسائها إلّا أنّه تقلّ الأخبار عنه فلا يعلم إلى أيّ حزب ينتمي في عهد أمير المؤمنين عليه السلام ، ويظهر من أخبار المؤرّخين أنّ عبيدالله بن زياد لعنهما الله بعثه مع الحصين بن نمير من الكوفة إلى القادسيّة وأمر الحرّ أن ينتظر الحسين في القادسيّة ، ويمنعه من دخول الكوفة ، فأقبل الحرّ في ألف فارس حتّى تلاقى مع الحسين عليه‌السلام في « ذو جشم » (5).

أخبار الحسين من لقائه بالحرّ إلى شهادته

عن عبدالله بن سليم والمنذر (6) بن المشمعل الأسديّين قالا : أقبل الحسين عليه السلام حتّى نزل « شراف » فلمّا كان في السحر أمر فتيانه فاستقوا من الماء فأكثروا ثمّ ساروا منها فرسموا صدر يومهم حتّى انتصف النهار ، ثمّ إنّ رجلاً قال : الله أكبر ، فقال الحسين عليه السلام : الله أكبر ، ما كبّرت ؟ قال : رأيت النخل ، فقال له الأسديّان : إنّ هذا المكان ما رأينا به نخلة قطّ. قالا : فقال الحسين عليه السلام : فما تريانه رأى ؟ قلنا : نراه رأى هوادي الخيل ، فقال : وأنا والله أرى ذلك.

فقال الحسين عليه السلام : أما لنا ملجأ نلجأ إليه نجعله في ظهورنا ونستقبل القوم من وجه واحد ؟ فقلنا له : بلى ، هذا ذو حسم إلى جنبك تميل إليه عن يسارك فإن سبقت القوم إليه فهو كما تريد. قال : فأخذ إليه ذات اليسار ، قال : وملنا معه فما كان بأسرع من أن طلعت علينا هوادي الخيل فتبيّنّاها وعدلنا ، فلمّا رأونا وقد عدلنا عن الطريق عدلوا إلينا كأنّ رماحهم اليعاسيب وكأن راياتهم أجنحة الطير.

قال : فاستبقنا إلى ذي حسم فسبقناهم إليه ، فنزل الحسين عليه السلام فأمر بأبنيته فضربت ، وجاء القوم وهم ألف فارس مع الحرّ بن يزيد التميمي اليربوعي حتّى وقف هو وخيله مقابل الحسين عليه السلام في حرّ الظهيرة والحسين وأصحابه عليهم السلام معتمّون متقلّدوا أسيافهم ، فقال الحسين لفتيانه : اسقوا القوم وأرووهم من الماء ورشّفوا الخيل ترشيفاً. فقام فتيانه فرشّفوا الخيل ترشيفاً ، فقام فتية وسقوا القوم من الماء حتّى أرووهم وأقبلوا يملأون القصاع والأتوار والطساس من الماء ثمّ يدنونها من الفرس فإذا عبّ فيه ثلاثاً وأربعاً أو خمساً عزلت عنه وسقوا آخر حتّى سقوا الخيل كلّها (7).

در آن وادى که بودى آب ناياب

 

سوار واسب را کردند سيراب

في ذلك القفر الجديب العاري

 

لا يخلد الساري إلى قرار

قد سقوا الفرسان والخيولا

 

وأجروا الماء لهم سيولا

قال هشام : حدّثني لقيط عن عليّ بن الطعان المحاربي : كنت مع الحرّ بن يزيد فجئت في آخر من جاء من أصحابه ، فلمّا رأى الحسين ما بي وبفرسي من العطش ، قال : أنخ الراوية ـ والراوية عندي السقاء ـ ثمّ قال : ابن أخي ، أنخ الجمل ، فأنخته ، فقال : اشرب ، فجعلت كلّما شربت سال الماء من السقاء ، فقال الحسين : اخنث السقاء أي اعطفه ، قال : فجعلت لا أدري كيف أفعل ، قال : فقام الحسين فخنثه فشربت وسقيت فرسي.
قال : فلم يزل (الحر) موافقاً حسيناً حتّى حضرت الصلاة صلاة الظهر ، فأمر الحسين الحجّاج بن مسروق الجعفي أن يؤذّن فاذّن ، فلمّا حضرت الإقامة خرج الحسين في إزار ورداء ونعلين فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : أيّها الناس ، إنّها معذرة إلى الله عزّ وجلّ وإليكم ، إنّي لم آتكم حتّى أتتني كتبكم وقدمت عليَّ رسلكم أن أقدم علينا فإنّه ليس لنا إمام لعلّ الله يجمعنا بك على الهدى ، فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم ، فإن تعطوني ما أطمئنّ إليه من عهودكم ومواثيقكم أقدم مصركم ، وإن لم تفعلوا وكنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي أقبلت منه إليكم.

قال : فسكتوا عنه وقالوا للمؤذّن : أقم الصلاة (8) ، فقال الحسين عليه السلام للحر : أتريد أن تصلّي بأصحابك ؟ قال : لا بل تصلّي أنت ونصلّي بصلاتك. قال : فصلّى بهم الحسين ثمّ إنّه دخل واجتمع إليه أصحابه وانصرف الحرّ إلى مكانه الذي كان به فدخل خيمة قد ضربت له ، فاجتمع إليه جماعة من أصحابه وعاد أصحابه إلى صفّهم الذي كانوا فيه فأعادوه ثمّ أخذ كلّ رجل منهم بعنان دابّته وجلس في ظلّها ، فلمّا كان وقت العصر أمر الحسين أن يتهيّؤوا للرحيل ثمّ إنّه خرج فأمر مناديه فنادى بالعصر وقام فاستقدم الحسين فصلّى بالقوم ثمّ سلّم وانصرف إلى القوم بوجهه فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال عليه السلام :

أمّا بعد ، أيّها الناس ، فإنّكم إن تتّقوا وتعرفوا الحقّ لأهله يكن أرضى لله ، ونحن أهل البيت أولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم والسائرين فيكم بالجور والعدوان ، وإن أنتم كرهتمونا وجهلتم حقّنا وكان رأيكم غير ما أتتني كتبكم وقدمت به عليَّ رسلكم انصرفت عنكم (9).

فقال له الحرّ بن يزيد : إنّا والله ما ندري ما هذه الكتب التي تذكر.

فقال الحسين عليه السلام : يا عقبة بن سمعان ، أخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم إليّ ، فأخرج خرجين مملوئين صحفاً فنشرها بين أيديهم.

فقال الحرّ : إنّا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك وقد أُمرنا إذا نحن لقيناك أن لا نفارقك حتّى نقدمك على عبيدالله بن زياد.

فقال الحسين عليه السلام : الموت أدنى إليك من ذلك ، ثمّ قال لأصحابه : قوموا فاركبوا ، وانتظروا حتّى ركبت نسائهم وصبيانهم (10) فقال لأصحابه : انصرفوا بنا ، فلمّا ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم وبين الانصراف ، فقال الحسين عليه السلام للحرّ : ثكلتك أُمّك ، ما تريد ؟! قال : أما والله لو غيرك من العرب يقولها لي وهو على مثل الحال التي أنت عليها ما تركت ذكر أُمّه بالثكل أن أقوله كائناً من كان ولكن والله ما لي إلى ذكر أُمّك من سبيل إلّا بأحسن ما يقدر عليه.

فقال الحسين عليه السلام : فما تريد ؟ قال الحر : أُريد والله أن انطلق بك إلى عبيدالله بن زياد. فقال الحسين عليه السلام : إذن والله لا أتّبعك. فقال له الحر : إذن والله لا أدعك ، فترادّا القول ثلاث مرّات ، ولمّا كثر الكلام بينهما قال له الحر : إنّي لم أُؤمر بقتالك وإنّما أُمرت أن لا أُفارقك حتّى أقدمك الكوفة ، فإذا أبيت فخذ طريقاً لا تدخلك الكوفة ولا تردّك إلى المدينة لتكون بيني وبينك نصفاً حتّى أكتب إلى ابن زياد (وتكتب أنت إلى يزيد بن معاوية إن أردت أن تكتب إليه أو إلى عبيدالله بن زياد إن شئت) (11) فلعلّ الله إلى ذلك أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن أُبتلى بشيء من أمرك.

قال : فخذ هاهنا ، فتياسر عن طريق العذيب والقادسيّة ، وبينه وبين العذيب ثمانية وثلاثون ميلاً .. (12) ولم يكن على يسار الطريق سوى القفر والهضاب الجرداء ، فقال الحسين عليه السلام : من منكم يعرف الطريق ؟ فقال رجل يُدعى الطرمّاح : يابن رسول الله ، أنا أعرف الناس بطرق هذه الأرض وسالك فجاجها ، فقال : تقدّم أمامنا ودُلّنا على الطريق ، فسار الإمام بأصحابه وتقدّم الطرمّاح بين يديه وأخذ ينشد : « يا ناقتي لا تجزعي من زجري » الخ ، وستأتي في ترجمته.

فلمّا سمع الحرّ الأُرجوزة وفيها سبّ ابن زياد ويزيد تنحّى عن الحسين وابتعد قليلاً عن طريقة حتّى بلغوا « البيضة » (13) عند صلاة الصبح وفيها خطب الناس بعد الصلاة بناءاً على ما رواه في نفس المهموم (14) نقلاً عن الطبري وأبي مخنف ، فقال :

أيّها الناس ، إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال : من رأى سلطاناً جائراً مستحلّاً لحرم الله ، ناكثاً لعهد الله ، مخالفاً لسنّة رسول الله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يعيّر (يغيّر) عليه بفعل ولا قول كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله ، ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطّلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله ، وأنا أحقّ من عيّر (غيّر) وقد أتتني كتبكم وقدمت عليَّ رسلكم ببيعتكم أنّكم لا تسلموني ولا تخذلوني ، فإن تمّمتم عليَّ بيعتكم تصيبوا رشدكم ، فأنا الحسين بن عليّ وابن فاطمة بنت رسول الله ، نفسي مع أنفسكم ، وأهلي مع أهليكم ، فلكم فيّ أُسوة ، وإن لم تفعلوا ونقضتم عهدكم ، وخلعتم بيعتي من أعناقكم فلعمري ما هي لكم بنكر لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمّي مسلم ، والمغرور من اغترّ بكم ، فحظّكم أخطأتم ، ونصيبكم ضيّعتم ، ومن نكث فإنّما ينكث على نفسه ، وسيغني الله عنكم ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ولكن صاحب ناسخ التواريخ قال : أنّ هذه الخطبة هي كتاب كتبه الإمام عليه السلام من كربلاء وبعثه إلى أهل الكوفة حين نزوله في أرضها (15).

وصفوة القول أنّ الحرّ لان قلبه من هذه الخطبة وشعر بالحقّ ودنا من الحسين عليه السلام وقال له : يابن رسول الله ، إنّي أُذكّرك الله في نفسك فإنّي أشهد لئن قاتلت لتقتلنّ ، فقال الإمام عليه السلام : أفبالموت تخوّفني ؟ وهل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني ، وسوف يبتليكم الله بمختلف المحن والرزايا جزاءاً لكم بما فعلتم ، وإنّي سأقول كما قال أخو الأوس لابن عمّه وهو يريد نصرة رسول الله صلّى الله عليه وآله فخوّفه ابن عمّه وقال : أين تذهب فإنّك مقتول ، ثمّ تمثّل الإمام بشعر قاله ومضمونه :

اگر کشته خواهد تو را روزگار

 

چه نيکوتر از مرگ در کارزار (16)

إن كانت الموت مقضيّاً على رجل

 

فخيره أن يرى في الحرب منجدلا

قال :

سأمضي وما بالموت عارٌ على الفتى

 

إذا ما نوى حقّاً وجاهد مسلما

وواسى الرجال الصالحين بنفسه

 

وفارق مثبوراً وودّع مجرما

فإن عشئت لم أندم وإن متُّ لم ألم

 

كفى بك ذُلّاً أن تعيش وترغما

أُقدّم نفسي لا أُريد بقائها

 

لنلقى خميساً في الوغى وعرمرما (17)

وصفوة القول : إنّ الإمام عليه السلام أخذ يسير بأصحابه فإذا جميعاً راكب على نجيب له وعليه السلاح متنكّب قوساً مقبل من الكوفة (18) فوقفوا جميعاً فلمّا انتهى إليهم سلّم على الحرّ بن يزيد ولم يسلّم على الحسين عليه السلام وأصحابه ، فدفع إلى الحرّ كتاباً من عبيدالله بن زياد فإذا فيه : أمّا بعد ، فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابي ويقدم عليك رسولي فلا تنزله إلّا بالعراء غير حصن وعلى غير ماء ، وقد أمرت رسولي أن يلزمك ولا يفارقك حتّى يأتيني بإنفاذك أمري والسلام.

قال : فلمّا قرأ الكتاب ، قال لهم الحر : هذا كتاب الأمير عبيدالله بن زياد يأمرني فيه أن أُجعجع بكم في المكان الذي يأتيني فيه كتابه وهذا رسوله ، وقد أمره أن لا يفارقني حتّى أُنفّذ رأيه وأمره.

فأمر الحسين عليه السلام بالنزول وكلّما أرادوا المسير حال أصحاب الحرّ بينهم وبينه ، فقال الإمام عليه السلام : دعونا ننزل الغاضريّة أو نينوى أو شفاثة (19) ، فقال الحرّ : لا أستطيع ذلك لأنّ رسول ابن زياد معي ناظر بم يرجع في أمري ، وأخيراً سار يمنة ويسرة حتّى بلغ أرض كربلاء ونزلها بأُسرته وأصحابه ، ونزل الحرّ بجيشه بأزاء الحسين عليه السلام.

توبة الحرّ وشهادته

إلى أن ورد عمر بن سعد أرض كربلاء وأقبلت ورائه العساكر تترى ، فعبّأ ابن سعد جيشه وجعل الحرّ على ربع تميم وهمدان أميراً عليهم ، وبقي الحرّ على هذه الحال حتّى رأى من ابن سعد قسوة القلب لأنّه لم يعط الحسين عليه السلام شرطاً واحداً من الشروط التي طلبها منهم ، فعجب من فظاظته وغلظته فأقبل عليه وقال : يابن سعد ، أمقاتل أنت هذا الرجل ؟! قال : أي والله قتالاً أيسره أن تطير فيه الرؤوس وتطيح الأيدي. فقال : فما لكم في الشروط التي عرضها عليكم ألّا تقبلوها لينتهي الأمر بالسلم ؟ فقال ابن سعد : لو كان الأمر لي لرضيت ولكنّ أميرك أبي.

فعاد الحرّ غاضباً إلى مركزه وكان إلى جانبه قرّة بن قيس وهو من عشيرته ، فقال له الحر : يا قرّة ، أسقيت فرسك ؟ فقال قرّة : كلّا ، فقال الحر : ألا تريد أن تسقيه ؟ فقال قرّة : فظننت أنّه يريد اعتزال الحرب ، ولا يريد أن أعرف ذلك منه فأشي به ، ولو علمت بما يريد لفعلت فعله ولحقت بالحسين عليه السلام (20).

وصفوة القول : إنّ الحرّ عليه السلام تنحّى عن مكانه وأقبل نحو معسكر الحسين وصار يتقدّم شيئاً فشيئاً ، فقال له المهاجر بن أوس : أتريد أن تحمل ؟ فلم يجبه وأخذه مثل الأفكل ، فقال المهاجر لذلك السعيد الطالع الحرّ : إنّ أمرك لمريب ، والله ما رأيت هذا منك أبداً ولو سُئلت من أشجع أهل الكوفة لما عدوتك ، فما هذه الرعدة منك ؟ فقال الحرّ : والله إنّي أُخيّر نفسي بين الجنّة والنار ولا أختار على الجنّة شيئاً ولو قطّعت إرباً إرباً وأحرقت بالنار ثمّ ساق جواده ولحق بالحسين وحلّ في الجنّة.

جانب من الأشعار المناسبة للمعنى :

اى در تو قاصد ومقصود ما

 

وى رخ تو شاهد ومشهود ما

نقد غمت مايه هر شادى است

 

بندگيت به ز هر آزادى است

يار شوى اى مونس غمخوارگان

 

چاره کن اى چارهٔ بيچارگان

درگذر از حرم که خواهنده‌ايم

 

چارهٔ ما کن که پناهنده‌ايم

چارهٔ ما ساز که بى ياوريم

 

گر تو برانى بکه رو آوريم

مباراة القطعة بالعربيّة :

يا ذا الذي نأوي إلى بابه

 

ووجهه شاهد أحبابه

من غمّك الحاضر أفراحنا

 

فلم نذق أعذب من صابه

عبدك إذ أثقله قيده

 

لم يرد التحرير ممّا به

فكن أنيسي حين لا مؤنس

 

قد خان لبي كلّ أترابه

جئت إلى بابك مسترحماً

 

أُمرّغ الخدّ بأعتابه

لا منقذ إلّاك لا مؤنس

 

إلّاك يا أنيس أصحابه

فتب علينا واعف عن جرمنا

 

ومُر لنا برفق كتّابه

قد يرحم الليث بلا رحمة

 

إن أقبل الصيد إلى غابه

وأنت رحمان رحيم وإن

 

هدّ عبيداً بعض أوصابه

ليس لنا مأوًى سوى رحمة

 

تخرج فيها العبد من عابه

إن ملت عنّا فلمن نلتجي

 

يا باسط العفو لطلّابه

* * *

دارم از لطف ازل منظر فردوس طمع

 

گرچه دربانى ميخانهٔ دونان کردم

سايه‌اى بر دل ريشم فکن اى گنج مراد

 

که من اينخانه بسوداى تو ويران کردم

طمعت بالجنّة منذو الأزل

 

وإن أكن شخصاً قليل العمل

ألق على قلبي برد الرضا

 

كي يوهب الوصال فيمن وصل

أخرجت من أجلك كلّ الذي

 

سواك في بيت فؤادي نزل

بنيت بيتاً فيه سكناكم

 

وصحت من داخله حيّهل

* * *

شاها اگر بعرش رسانم سرير فضل

 

مملوک اين چنانم ومشتاق اين درم

گر برکنم دل از تو بردارم از تو مهر

 

اين مهر بر کى افکنم اين دل کجا برم

مولاي لو أوصلتني للسُّهى

 

فلست إلّا العبد مملوكا

مثوى فؤادي بابك المرتجى

 

وكلّ شوقي أن أُلاقيكا

لو أنّ قلبي حال عن حبّكم

 

ولم يجد مأويً بناديكا

قل لي فمن يهواه من بعدكم

 

وأين يهفو إذ يخلّيكا

* * *

گشت از لشکر چه قدرى راه دور

 

شد چو موسد جانب خرگاه طور

ليک بودش پاى در رفتن بکل

 

سخت بود از روى شاه دين خجل

در تفکر آنکه چون عذر آورد

 

با کدامين ديده شه را بنگرد

باز کرد از شرم دستار سرش

 

هم بدان پوشيده چهر انورش

با چنين هيئت سر آزادگان

 

بوسه زد بر پاى شاه انس وجان

گوهر از مژگان به خاک پاى شاه

 

ريخت واينسان کشد از وى عذر خواه

گفت من حرّم که ره بربسته‌ام

 

بر تو قلب نازکت بشکسته‌ام

رنجه کردم حال اطفال تو را

 

اوّل آشفتم ز کين قلب تو را

زينت زار تو را ترسانده‌ام

 

کودکانت را بدن لرزانده‌ام

حال از کرده پشيمان گشته‌ام

 

تخم امّيدى بخاطر گشته‌ام

کن شفاعت از من اى سبط رسول

 

توبه‌ام را تا که حق سازد قبول

مباراة القصيدة بالعربيّة :

وخلّف جيش الكفر حرّ ورائه

 

وجاء كموسى إذ أتى جانب الطور

وأوقف بين الفيلقين جواده

 

وما كان أن يدنو إليهم بمقدور

كان من السبط الشهيد حيائه

 

وأطرق كالعين السقيمة في النور

فما عذره والله يعلم ذنبه

 

فما هو ربّ العباد بمستور

وأقبل منقاداً بحبل ولائه

 

وقد كان قبلاً آمراً غير مأمور

تغشيه أبراد الذنوب بمسحة

 

من الذلّ يحكي عن قصور وتقصير

ولمّا تلقّى والإمام هو به

 

إلى الأرض قلب مذنب غير معذور

وقبّل أقدام الإمام ودمعه

 

يسيل كدرّ فارق النظم منثور

وقال أيا مولاي هل لي أوبة

 

فقد عاد عبد آبق غير منصور

فقال له المولى فمن أنت يا تُرى ؟

 

لقد أبت في ذنب من الله مغفور

فقال له كلّا فعبدك مذنب

 

ولولاه ما كانت مصيبة عاشور

أنا الحرّ قد أنزلتك الوعر هاهنا

 

بأمر أمير ساقط القدر مغرور

ولم أترك المولى يعود كما أتى

 

وما كان فعلي عند ربّي بمهدور

وروّعت أفلاذ النبوّة ضلّةً

 

لأُرضي بفعلي حاكم الجور والزور

لي الله إذ أبكي عقيلة حيدر

 

وأرهب بالأتباع سيّدة الحور

أنا اليائس المطرود من باب ربّه

 

فهل شافع مولاي يوماً لمقهور

فقال نعم إن تبت فابشر برحمة

 

من الله في يوم من العفو محشور

* * *

گواه عشق تو اين اشک سرخ وچهرهٴ زردم

 

درون پر شرر و قلبِ زار و پر غم و دردم

قسم بجان تو کز درگه تو باز نگردم

 

اميد خواجگيم بود بندگى تو کردم

هواى سلطنتم بود خدمت تو گزيدم

نبود باور وهرگز نيامدى بخيالم

 

که بينمت بچنين روز اين خيال محالم

کنون شرم تو آبم بکن زلطف حلالم

 

اگر چه در طلبد هم عنان باد شمالم

بکرد سرو خرامان قامتت نرسيدم

دل عيال تو را از نخست چونکه نجستم

 

بسنگ جور و جفا شيشهٔ وفا بشکستم

زپا فتاده‌ام اکنون ز مهر گير تو دستم

 

که حبل خويش بحبل محبّت تو ببستم

مباراة القطعة بالعربيّة :

شهد الدمع بحبّي لكمُ

 

وامتقاعي في بعادي عنكمُ

وفؤادي هدّه بعدُكمُ

 

ويميناً كلّما جئتكم

أتمنّى القرب من حبّكم

 

لأنال المجد والفضل المبين

* * *

إن غدى المملوك عبداً لكمُ

 

نال سلطاناً وفضلاً بكمُ

كان حلماً أن أرى حيّكمُ

 

وخيالي تاه في شخصكمُ

وفؤادي قد هفى نحوكم

 

مثلما يهفو قرين لقرين

* * *

غير أنّي والحيا يغمرني

 

كلّما يمّمتكم يفجأني

جئت مطروداً عسى تمنحني

 

توبة تمحو خطايا درني

وتريني الحقّ وضّاح الجبين

ها أنا ولّيت دنياي القفا

 

قادماً أعلن صدقي والصفا

أما والله لقد خنت الوفا

 

حين روّعت عيال المصطفى

أترى مولاي يوليني الجفا

 

راجعاً منه بلا دنيا ودين

* * *

حُر بگفتا اى شها با غم وآه آمده‌ايم

 

سويت اى خسرو بى خيل و سپاه آمده‌ايم

رسته ز ابليس بدرگاه اله آمده‌ايم

 

ما بدين در نه پى حشمت وجاه آمده‌ايم

از بد حادثه اينجا به پناه آمده‌ايم

من و فرزند ايا سبط نبى فخر اُمم

 

بطفيل تو نهاديم در ايجاد قدم

گر بغلطيم بخون در ره عشق تو چه غم

 

ره رو منزل عشقيم ز سر حدّ عدم

تا به اقليم وجود اين همه راه آمده‌ايم

به خداوند که بيزارم ازين فرقهٔ زشت

 

ز انکه از حبّ ولاى تو مرا بود سرشت

تخم مهرت ز ازل بر دل من خالق کشت

 

سبزه خطّ ديديم زبستان بهشت

بطلب کارى آن مهر گياه آمده‌ايم

منم آنکس که نمودم بتو ظلم اوّل بار

 

ره گرفتم بتو اى پادشه بيکس و بار

شرمسارم من از آن کردهٔ خود با دل زار

 

آبرو مى رود اى ابر خطاپوش به بار

که بديوان عمل نامه سياه آمده‌ايم

گر چه سر با قدمم بتقصير خطاست

 

ليک چشمم سويت اى خسرو اقليم صفاست

گر ببخشى تو گناه من دلخسته رواست

 

لنگر حلم تو اى کشتى توفيق کجاست

که در اين بحر کرم غرق گناه آمده‌ايم

مباراة القطعة شعريّة باللغة العربيّة :

وقال الحر يا مولاي إنّي

 

أتيتك حين ضقت بثقل همّي

تركت إمارة تهفو إليها

 

قلوب الناس من عرب وعجم

خلصت من اللعين وجئت أسعى

 

إلى ربّي لكي أنجو بعظمي

ولم أنل الإمارة من عدوّ

 

شقيّ خاسر إلّا برغمي

تركت بهارج الدنيا لأنّي

 

شغفت بحبّ مولاي الأتمّ

وذا ولدي أُقدّمه أمامي

 

ولو عمنا من القاني بيمّ

فليس يضيرنا قتل شهيّ

 

غداة يكون سهم ابني وسهمي

ألا بُعداً لدنياهم وسحقاً

 

ولو وضعوا بهارجها بكمّي

على رغمي تشطّ الدار فينا

 

ونلقاكم بحرب لا بسلم

إذا مرّ الفراق على فؤادي

 

أراه يظلّ منفلقاً بسهم

لقد أحببتكم يا آل طه

 

فتيّاً مّا بلغت أوان حلمي

ومازج نطفتي حبّ طهور

 

لكم وأنا الجنين ببطن أُمّي

فكيف أزول عن حبّ مكين

 

مغارسه نمت في القلب جمّ

وجئت الآن يقدمني حيائي

 

وحيداً من بني قومي وعمّي

وأعلم أنّ ذنبي ليس يُرجى

 

له عفو وعلمك فوق علمي

فهل ترجو له عفو أكيدٌ

 

وجدّك كان قبل اليوم خصمي

فهل تسع الشفاعة مستجيراً

 

بحلمكم ويمحو الله جرمي

فقد يعفو المهيمن عن ذنوبي

 

غداة أُرى على البوغاء مرمي

وما عذري لسيّدتي وإنّي

 

تركت بناتها تحيا بغمّ

ظلمتكم وأتباعي ولكن

 

سأغسل في دم الأوداج ظلمي

أنا ظام وبحر نداك طامٍ

 

فأبرد لوعتي وانعم بحلم

ومجمل القول أنّ الحرّ همز جواده فطار به إلى معسكر الحسين عليه السلام ، فلمّا رآه أهل العسكر وقد قلب ترسه ، فقالوا : إنّ هذا الفارس يطلب الأمان.

يقول السيّد ابن طاووس : ثمّ ضرب فرسه قاصداً إلى الحسين عليه السلام ويده على رأسه وهو يقول : اللهمّ إليك أنبت فتُب عليَّ فقد (فإنّي) قد أرعبت قلوب أوليائك وأولاد نبيّك ، فلمّا دنا من الحسين قلب ترسه وسلّم عليه (22).

وفي رواية مهيّج الأحزان وروضة الشهداء والناسخ : إنّه تمرّغ في التراب وقبّل الأرض ووضع غرّته على الأرض ، فقال الحسين عليه السلام : من تكون ، ارفع رأسك ، ويظهر من هذه العبارة أنّه لحيائه ستر وجهه وإلّا فكيف لا يعرفه الإمام عليه السلام ؟ فقال : فداك أبي وأُمّي ، أنا الذي حبستك عن الرجوع إلى مدينة جدّك ومنعتك من السير واقبلت أُسايرك لئلّا تحتمي بحمّى وجعجعت بك حتّى أنزلتك في هذا العراء وقسوت عليك ، والله الذي لا إله إلّا هو ما كنت أعلم أنّهم يردون عروضك ويصلون بك إلى هذا المقام (23) ، فقلت في نفسي : لا مانع من أن أكون معهم أُماشيهم فيما يفعلون وأُسالمهم لئلّا يتّهموني بالخلاف عليهم وأنا موقن أنّهم لا يردّون لك طلباً ، وبالله أُقسم لو كنت عالماً بما يرتكبون لما أطعتم طرفة عين والآن جئتك تائباً توبة نصوحاً أفديك بنفسي فهل ترى لي من توبة ؟ فقال الحسين عليه السلام : نعم ، إن تبت تاب الله عليك ، والله يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن كثير.

گر دو صد جرم عظيم آورده‌اى

 

غم مخور رو بر کريم آورده‌اى

هيچ فردى نه از احرار و عبيد

 

روى نوميدى در اين درگه نديد

باش خوشدل هان در توبه است باز

 

هان بگير از عفو ما خطّ جواز

سبط احمد عقده قلبش گسست

 

بر سرش از لطف شفقت سود دست

گفت زاندم که تو را مادر بزاد

 

حرّ آزادى که حر نامت نهاد

هان مبار از ديدگان اشک چه در

 

باش خوشدل کنت في الدارين حر

مباراة بالعربيّة :

فقال يا ذا الذنب والجرائم

 

إنّك قد أتيت بالعظائم

لكن قصدت اليوم باب الكرم

 

فلا تخف نحن أمان المجرم

تأتي هنا الأحرار والعبيد

 

فيزدهيها الأمل الوطيد

فتثني مغفور الذنوب

 

عن بابنا مستورة العيوب

فقرّ عيناً هاهنا بالتوبة

 

قد قبلت وسوف تمحو الحوبه

خذ من يدي تذكرة العبور

 

إلى النجاة يوم نفخ الصور

وارتاح من قول الإمام قلبه

 

مستبشراً أن سوف يمحى ذنبه

ووضع الإمام فوق رأسه

 

يداً تريح الجمر من أنفاسه

وقال من سمّتك حرّاً أفلحت

 

وبابنها على النساء رجحت

فلا تخف والله أنت الحرّ

 

حالفك الخير وغاب الشرّ

فأنت أنت الحرّ في الدارين

 

قد نالك الفوز مع الحسين

فامسح دموعاً وأسل دماكا

 

إن كنت ترجو الفوز من مولاكا (24)

فلمّا سمع الحرّ هذه البشارة قفز كالطائر الذي ينطلق من القفص من على الأرض واستوى على ظهر جواده وقال له الحسين عليه السلام : فانزل إلينا (بالطبع لقد قال الإمام هذه الكلمة في مقام الترحيب به وهو نوع من أدب الضيافة) فقال الحرّ : أنا لك فارس خير لك منّي راجل وإلى النزول يصير آخر أمري. فقال الإمام عليه السلام : رحمك الله فافعل ما تشاء.

فقال الحرّ : يابن رسول الله ، لمّا خرجت من الكوفة سمعت هاتفاً يهتف بي : يا حرّ أبشر بالجنّة ، فقلت في نفسي : ويح الحرّ أنّى يكون هذا وأنا خارج لحرب ابن فقد قاطعني وقاطعته وقد رأيت في غمار ترجمتي للكتب الفارسيّة أن لا أُترجم الشعر إلى نثر لأنّ ذلك مفسد للترجمة كما أرى إلّا أنّ مطابقة المعنى حذو القذّة بالقذّة غير متيسّر لكلّ أحد مِن ثَمّ رأيت أن ألمّ بالمعنى الإجمالي للقطعة ثمّ أصوغ قطعة شعريّة على غرارها فيها عبق من أريجها ولم تحمل العطر كلّه وأنا شديد الإعجاب بالشعر الفارسي ، يهزّ أعماقي إذا قرأته ، وأراه معبّأً بالمعاني السامية السامقة فنيل بعض معناه مربح للأدب والأديب ناهيك بمعناه كلّه ولذلك سمّيت القطعة العربيّة « مباراة » قصداً ولم أُسمّها ترجمة إشارة إلى خطّتي في ترجمة الشعر الفارسي إلى اللفظ العربي. (المترجم)

رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فما هذه البشارة ، والآن فهمت معناها وأنّها بشارة واقعة ، فقال الإمام عليه السلام : هذا أخي الخضر فقد بشّرك بتحقيق الأجر ونيل الخير.

وجاء في روضة الشهداء ورياض الشهادة ومهيّج الأحزان ووقايع الأيّام للخياباني المجلّد الخاصّ في محرّم أنّ الحرّ قال للإمام عليه السلام : يا مولاي ، لقد عنّ لي أبي البارحة في عالم الرؤيا فقال لي : أين كنت هذه الأيّأم يا ولدي ؟ فقلت له : ذهبت أعترض الحسين ، فصاح أبي : وا ويلتاه ، ما لك ولابن رسول الله ، يا بنيّ إذا أردت أن تخلد في نار جهنّم فقاتله ، وإذا أردت أن يكون رسول الله شفيعك يوم المحشر وتجاوره في الجنّة فجاهد معه عدوّه وأعنه عليهم ، قال هذا ثمّ ضرب جواده لكي يكون سابقاً الأصحاب في لقاء الأعداء أصحاب عمر بن سعد لعنه الله ، فاستقبلهم بوجهه وقال : يا قوم ، ألا تقبلون ما عرضه الحسين عليكم لئلّا تبتلوا بتبعات الحرب ويعافيكم الله منها ؟ قالوا : شاور عمر بن سعد ، فأخذ الحرّ يشاور ابن سعد بما سمعه ابن سعد من قبل ، فقال ابن سعد : إنّي أبديت رأيي ولو كان بمقدوري عمل شيء لفعلت ، فحمي الحرّ غضباً واستقبل العسكر ، وقال :

يا أهل الكوفة ، لأُمّكم الهبل والعبر إذ دعوتم هذا العبد الصالح ابن رسول الله صلّى الله عليه وآله أسلمتموه وزعمتم أنّكم قاتلوا أنفسكم دونه ثمّ عدوتم عليه لتقتلوه ، أمسكتم بنفسه وأخذتم بكظمه وأحطتم به من كلّ جانب فمنعتموه التوجّه إلى بلاد الله العريضة حتّى يأمن ويأمن أهل بيته ، فأصبح في أيديكم كالأسير لا يملك لنفسه نفعاً ولا يدفع ضرّاً ، وحلأتموه ونسائه وصبيته وأصحابه عن ماء الفرات الجاري الذي يشربه اليهود والنصارى ، وتمرغ فيه خنازير السواد وكلابها والمجوس ، فها هم قد صرعهم العطش بئسما خلّفتم محمّداً صلّى الله عليه وآله في ذرّيّته ، لا سقاكم الله يوم الظمأ إن لم تتوبوا وتنزعوا عمّا أنتم عليه من يومكم هذا في ساعتكم هذه.

فلمّا بلغ الحرّ هذا المقام من خطابه رشقوه بالسهام فتقهقر الحرّ وأقبل حتّى وقف بين يدي الحسين عليه السلام وهنا صاح ابن سعد : يا دريد ، قدّم رايتك ، ورمى بسهم نحو معسكر الحسين ، وقال : اشهدوا لي عند الأمير بأنّي أوّل من رمى بين يديه.

مبارزة الحرّ عليه‌السلام وشهادته :

عند ذلك حمي غضب الحرّ واشتعلت نار حميّته فأجرى فرسه وهو يقول : يابن رسول الله ، كنت أوّل خارج عليك فأحببت أن أكون أوّل قتيل بين يديك ، ويوم القيامة أكون أوّل من يصافح جدّك ، وكان الحرّ يريد أن يعجّل بالقتال ويقدّم
المجاهدين والمبارزين في الميدان ، لأنّ جماعة قد جرحوا واستشهدوا بأيدي الرماة.

وصفوة القول أنّ الإمام عليه‌السلام اذن له فأقبل إلى الميدان كالأسد الهصور أو المرئ المستميت ، وهو يرتجز وفرسه تدور به :

آليت لا أُقتل حتّى أُقتلا

 

ولن أُصاب اليوم إلّا مقبلا

أضربهم بالسيف ضرباً معضلا

 

لا ناكلاً فيهم لا معلّلا

أحمي الحسين الماجد المؤمّلا

 

لا حاجزاً عنهم ولا مبدّلا (25)

ثمّ حمل عليهم كأنّه الصرصر العاصف وهو يرتجز ويقول :

إنّي أنا الحرّ ومأوى الضيف

 

أضرب في أعناقكم بالسيف

عن خير من حلّ بأرض الخيف

 

أضربكم ولا أرى من حيف (26)

قال أبو مخنف : فبينا الناس يتجاولون ويقتلون والحرّ بن يزيد يحمل على القوم مقدّماً ويتمثّل بقول عنترة :

ما زلت أرميهم بثغرة نحره

 

ولبانه حتّى تسربل بالدم (27)

وقال في منتهى الآمال : قال الراوي : رأيت فرس الحرّ مضروباً على أُذنيه وحاجبيه والدماء تسيل منه فأقبل الحصين بن نمير لعنه الله على يزيد بن سفيان وقال : يا يزيد ، هذا هو الحرّ الذي كنت تتمنّى قتله فهلمّ إلى مبارزته ، فقال : سأفعل ، وكان يزيد يقول لمّا علم بخروج الحرّ إلى الحسين عليه السلام : لو أنّي كنت أعلم بما يريد لأصميته بسهم حتّى أرديه ، لذلك قال له الحصين ذلك.

وقال يزيد بن سفيان : سأطلب مبارزته ، ثمّ تبارزا فقال الحصين بن تميم : والله كأنّ روح يزيد كانت بيد الحرّ فلم يمهله حتّى قتله.

وفي الناسخ والظاهر أنّه يروي عن روضة الأحباب أنّ الشجاعة الحرّ ثقلت على ابن سعد فطلب صفوان بن حنظلة وكان مشهوراً بالبسالة والشجاعة بين أهل العسكر ، وقال له : لا بدّ من خروجك لمبارزة الحرّ ولكن ابدأ أوّلاً بنصحه وذكّره موقفه ومقامه في الجيش فإن أطاع وإلّا فاحمل عليه واضرب عنقه.

فخرج صفوان بين الصفّين شاكي السلاح وأقبل حتّى حاذى موقف الحرّ وقال له : يا حرّ ، لقد أتيت أمراً قبيحاً حيث حوّلت وجهك عن يزيد وهو الخليفة بحقّ ! فقال له الحرّ : أي صفوان ، كنت عندي رجلاً عاقلاً مدر قومك ولقد عجبت اليوم من قولك الغثّ هذا ، أتأمرني بترك الحسين عليه السلام والتحوّل إلى يزيد الخمور والفجور ؟! فغضب صفوان وحمل على الحرّ حملة منكرة ، فاستقبله الحرّ بشجاعة وثبات وتحاشى طعنته ثمّ سدّد الرمح نحوه وطعنه طعنة نجلاء نفذت إلى الجانب الآخر منه ، وكان لصفوان ثلاثة إخوة نظائر له في الشجاعة والفروسيّة فخرجوا يطلبون بثأره وحملوا على الحرّ ، فتناول الحرّ أحدهم من مراق بطنه واقتلعه من صهوة فرسه وجلده به الأرض وقضى عليه ، وضرب الثاني بالسيف فقتله ، وهرب الثالث وولّى الحرّ ظهره فما كان الحرّ إلّا أن حمل عليه وغرس الرمح في قفاه وألحقه بأخويه ، ثمّ شهر سيفاً أمضى من أنياب الأسد وحمل على العسكر وكأنّ سيفه شعلة نار ، فحمل على الكفّار فطارت من حملته الرؤوس والأيدي وأردى الفارس وفرسه وأورده حمام الردى وهو يقول :

هو الموت فاصنع ويك ما أنت صانع

 

فأنت بكاس الموت لا شكّ كارع

وحام عن ابن المصطفى وحريمه

 

لعلّك تلقى حصد ما أنت زارع

لقد خاب قوم خالفوا الله ربّهم

 

يريدون هدم الدين والدين شارع

يريدون عمداً قتل آل محمّد

 

وجدّهم يوم القيامة شافع

وأخرج أبو جعفر الطبري بسنده عن أيّوب بن مشرح الخيواني كان يقول : أنا والله عقرت بالحرّ بن يزيد فرسه حشأته سهماً فما لبث أن أرعد الفرس واضطرب وكبا فوثب عنه الحرّ كأنّه ليث والسيف في يده وهو يقول :

إن تعقروا في فأنا ابن الحرّ

 

أشجع من ذي لبدة هزبر (26)

يقول السيّد بن طاووس : وجعل يقاتل أحسن قتال حتّى قتل جماعة من شجعان وأبطال (27) ولم يزل يقاتل حتّى قتل ثمانين رجلاً من القوم الأخسرين أعمالاً وأوصلهم إلى دار البوار ، فنادى ابن سعد : ويحكم ! اثبتوا له وارموه بالسهام ، فأقبل الرماة يرشون السهام عليه حتّى صار درعه كالقنفذ ، عند ذلك يأس الحرّ من نفسه ومن نصرة ابن بنت نبيّه فتنفّس الصعداء وقال :

أضرب في أعراضكم بالسيف

 

ضرب غلام لم يخف من حيف

أنصر من حلّ بأرض الخيف

 

نسل عليّ الطهر مقري الضيف

وما زال يقاتل حتّى أثخنوه بالجراح فخرّ على الأرض صريعاً فحمل أصحاب الحسين عليه السلام واستنقذوا جسده الشريف من بين سنابك الخيل ، وأقبلوا به حتّى وضعوه بين يدي الحسين ، فمسح الإمام عليه السلام الدم والتراب عن وجهه وهو يقول : بخ بخ ما أخطأت أُمّك حين سمّتك حرّاً ، والله أنت حرّ في الدنيا والآخرة ، ثمّ استغفر له رضي‌ الله‌ عنه ، وبكى عليه ، ويقال رثاه الإمام بهذه الأبيات ومن قائل أنّها لعليّ بن الحسين :

لنعم الحرّ حرّ بني رياح

 

صبور عند مشتبك الرماح

ونعم الحرّ إذ نادى حسيناً

 

فجاد بنفسه عند الصياح

ونعم الحرّ في رهج المنايا

 

إذا الأبطال تخطر بالصفاح

ونعم الحرّ إذ واسى حسيناً

 

وفازوا بالهداية والفلاح

فيا ربّ أضفه في جنان

 

وزوّجه مع الحور الملاح

ويقول العالم العامل عماد الدين الحسن بن عليّ الطبري المعاصر للعلّامة الحلّي والخواجة نصير الدين الطوسي في كتابه « كامل البهائي » (28) : إنّ الحرّ بن يزيد دفنه قومه في المكان الذي استشهد فيه ، وأقول : قرأت آنفاً أنّ جثّته حملها الأصحاب ووضعوها بين يدي الإمام عليه السلام وقبره الآن يبعد عن كربلاء بمقدار فرسخ واحد ، إلّا أنّ نقول إنّ قومه حملوا جثّته ودفنوه بأزاء خيامهم حيث قبره الآن ، والشاهد على ما نقول عن دفن الحرّ في المكان المذكور الحكاية التي نقلها المحدّث الخبير السيّد نعمة الله الجزائري في الأنوار النعمانيّة والعلّامة المامقاني في رجاله عند ترجمة الحرّ بن يزيد وملّا علي الخياباني في وقايع الأيّام في المجلّد الخاصّ بمحرّم الحرام ، فقد روى هؤلاء عن الثقاة :

أنّ الشاه إسماعيل الصفوي لمّا فتح بغداد ذهب إلى زيارة العتبات ، وبعد أن تشرّف بتقبيل عتبة الروضة الحسينيّة ذهب إلى زيارة الحرّ عليه السلام وكان بعض المرجفين يلقون الشبهة في أذهان العامّة بقولهم : من أين نعلم بقبول توبة الحرّ ؟ فقال الشاه إسماعيل : من المعلوم أنّ الأرض لا تأكل جسد الشهيد والآن أتثبّت من بطلان هذه الشبهة ، ثمّ أمر بكشف قبر الحرّ فرأوا الحرّ راقداً على حاله كأنّه قتل الساعة وما زال مضمّخاً بدمه وقد عصّبت جبهته بخرقة ، فقال الشاه إسماعيل : لا بدّ من كون الإمام قد وضع هذه العصابة على رأسه فأمر بأخذها للبركة ، فلمّا أُزيلت من رأسه انبعث الدم جارياً من جديد فعصّبوا رأسه بخرقة أُخرى فلم يزل الدم منبعثاً فلمّا أعادوا العصابة الأُولى توقّف الدم عن الجريان فثبت عندهم حسن حاله وأمر شاه إسماعيل ببناء مرقد ووظّف فيه سادناً لأداء الخدمات لقبره رضوان الله عليه (29).

الهوامش

1. المعروف تاريخياً أنّ قابوس بن النعمان وليس أخاه ، يقول النابغة الذبياني :

نبّئت أنّ أبا قابوس أوعدني

 

ولا قرار على زأر من الأسد

2. أعيان الشيعة ، ج 1 ص 596.

3. تذكرة خواصّ الأُمّة ، ص 226.

4. إبصار العين ، ص 115.

5. بالمهملتين كصرد ، ويروي « حسم » بضمّتين ، ويروي بكسر الحاء وسكون السين مقصوراً ، ويروي بالجيم المعجمة والشين المعجمة على وزن عنب ، ويروي بالخاء المعجمة والشين المعجمة بعدها باء. (منه)

6. في تاريخ الطبري : المذري.

7. تاريخ الطبري ، ج 4 ص 302.

8. جعل المؤلّف الأصل العربي في الهامش والترجمة في المتن وكان عليَّ أن المترجم أن أعكس المسألة.

9. رجعت إلى كتاب تاريخ الطبري في هذا الفصل وأنا أعترف أنّ المؤلّف أضاف إلى الرواية جملاً من عنده حين الترجمة كما يقتضي ذلك النقل من لغة أُخرى. والمؤلّف فصيح اللسانين فهو بالفارسيّة والعربيّة لا يشقّ لها غبار في الفصاحة والبلاغة وكان يلقي على النصّ المترجم ديباجة مشرقة بما أُوتي من إشراقة البيان ، ورأيت لا سبيل إلى متابعته ولا بدّ من الاقتصار على النصّ العربي من مصدره واعتاد المؤلّف على جعله في الهامش وكان عليَّ أن أردّه إلى متن الكتاب وأكتفي به عن ترجمة النصّ الفارسي الذي أخذه المؤلّف من النصّ العربي وإن كان ذلك يحرم القارئ من حلاوة كلام المؤلّف. (المترجم)

10. زيادة من المؤلّف.

11. هذه الجملة ليست عند المؤلّف وإنّما أعرض عنها فلسخافتها. (المترجم)

12. تاريخ الطبري ، ج 4 ص 304.

13. واحدة البيض ، ماء لبني دارم وهي بالكسر ما بين واقصة إلى العذيب والقادسيّة أربعة أميال ، وبين القادسيّة والكوفة خمسة عشر فرسخاً ، وواقصة بكسر القاف والصاد بينه وبين زبالة مرحلتان.

14. نفس المهموم ، ص 172 والمؤلّف كما جرت عادته جعل النصّ العربي في الهامش وترجمته في متن الكتاب ، وهذه طريقة خاصّة بالمؤلّف لأنّ إخوانه العلماء جروا على دمج المتن بالترجمة في أصل الكتاب.

16. كتب عليه السلام : بسم الله الرحمن الرحيم ، من الحسين بن عليّ إلى ابن صرد والمسيّب ورفاعة بن شدّاد وعبدالله بن وائل وجماعة المؤمنين ، أما بعد فقد .. الخ ، والله أعلم.

17. وهنا ذكر المؤلّف ترجمة الأبيات وذكرها في الهامش.

18. نفس المهموم ، ص 173 ولم يذكر البيت الرابع. (المترجم)

19. ذكر المؤلّف أنّه مالك بن يسر ولم أعثر عليه في الطبري.

20. شفيّه ـ الطبري. شفيّة : قال الياقوت : اسم بئر قديمة في مكّة ، وشفيه ركية معروفة في الإحساء عذبة معروفة ولم يذكر موضعاً بهذا الاسم في كربلاء. راجع : معجم البلدان ، ج 3 ص 252.

21. لقد كذب هذا الخبيث لعنه الله ، أليس هو رسول عمر بن سعد إلى الحسين ودعاه حبيب عليهم السلام إلى ترك الطاغية فأبى ، ثمّ ألم يشاهد الحرّ وقد لحق بالحسين وأقبل عليهم يعظهم فما باله لم يفعل فعله ؟ (المترجم)

22. اللهوف ، ص 62.

23 أقول : صلّى الله على سيّدي الحر ، أليس هو القائل للحسين : والله لئن قاتلت لتُقتلنّ ، ولكن التوفيق حوّله من ذلك الكائن الهالك إلى كائن مقدّس وصيّره سيّد التائبين ، سلام الله عليه وبركاته.

24. أنا أعترف بعد هجري الشعر وإقبالي على النثر لم يصبح الأوّل في متناول يدي وأنا القائل :

وبعض الهجر أوّله دلال

 

وآخره القطيعة والعداء

25. وذكر المؤلّف بعد هذا الشعر ترجمته بالفارسيّة فتركناه بدون ترجمة لأنّها تكون حينئذ فضولاً من القول.

26. وذكر المؤلّف قطعة أدبيّة هي ترجمة للرجز وليس من الفنّ ترجمتها وإن احتوت على جمل ليست في الرجز.

27. مقتل الحسين عليه السلام ، ص 133.

28. منّ الله عليَّ فترجمته إلى العربيّة مع التحقيق ترجمة جيّدة وسوف ينشر قريباً إن شاء الله.

29. أقول : لا ينبغي أن تجعل هذه الحكاية إن صحّت أو لم تصحّ دليلاً حسن حال الحرّ بعد قول الإمام الحسين فيه : إن تبت تاب الله عليك وقد تاب واستشهد كما قال الله تعالى : ( فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ) ومن يكون إسماعيل الصفوي هذا بعد قول الحسين عليه السلام للحر : أنت حرّ في الدنيا وسعيد في الآخرة ، وأنت حرّ كما سمّتك أُمّك ، وإنّي على يقين من أنّ الشاكّ في قبول توبة الحرّ كالشاكّ في قبول توبة آدم ، فأرجو أن لا توضع هذه القضيّة موضع البحث لأنّها مفروغ منها. (المترجم)

مقتبس من كتاب : [ فرسان الهيجاء ] / المجلّد : 1 / الصفحة : 147 ـ 172