جمع القرآن

طباعة

جمع القرآن

أخرج أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن حيان والحاكم وابن المنذر وابن أبي داود وابن الأنباري معاً في المصاحف والنحاس في ناسخه وأبو نعيم في المعرفة وابن مردويه وغيرهم عن ابن عبّاس قال : « قلت لعثمان بن عفان : ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني (1) وإلى براءة وهي من المئين (2) فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتموهما في السبع الطوال ، ما حملكم على ذلك ؟

فقال عثمان : إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كان ممّا يأتي عليه الزمان تنزل عليه السور ذوات العدد ، وكان إذا نزل عليه الشيء يدعو بعض من يكتب عنده فيقول : ضعوا هذه في السورة الّتي يذكر فيها كذا وكذا ، وكانت الأنفال من أوّل ما أنزل بالمدينة وكانت براءة من آخر القرآن نزولاً ، وكانت قصّتها شبيهة بقصّتها ، فظننت أنّها منها ، وقبض رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ولم يبيّن لنا أنّها منها فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتهما في السبع الطوال » (3).

قال الطبري : « فهذا الخبر ينبيء عن عثمان بن عفان رحمه الله انّه لم يكن تبيّن له أنّ الأنفال وبراءة من السبع الطوال ويصرّح عن ابن عبّاس أنّه لم يكن يرى ذلك منها » (4).

وهذا الخبر من جملة النصوص الّتي استدلّ بها السيوطي في كتابه الأتقان بعد أن نقل عن الحارث المحاسبي انّ القرآن كان مجموعاً على عهد النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وقال : « المشهور عند الناس أنّ جامع القرآن عثمان وليس كذلك ، إنّما حمل عثمان الناس على القراءة بوجه واحد ، على اختيار وقع بينه وبين من شهده من المهاجرين والأنصار لمّا خشي الفتنة عند اختلاف أهل العراق والشام في حروف القراءات ، فأمّا قبل ذلك فقد كانت المصاحف بوجوه من القراءات المطلقات على الحروف السبعة الّتي أنزل بها القرآن ...

ثمّ قال السيوطي : « فصل » : الإجماع والنصوص المترافدة على أن ترتيب الآيات توقيفي لا شبهة في ذلك ... أمّا الإجماع فنقله غير واحد منهم الزركشي في البرهان وأبو جعفر بن الزبير في مناسبه وعبارته : ترتيب الآيات في سورها واقع بتوقيفه صلّى الله عليه وآله وسلّم وأمره من غير خلاف في هذا بين المسلمين ... اهـ.

وسيأتي من نصوص العلماء ما يدلّ عليه. ثمّ قال : وأمّا النصوص فمنها ... ومنها ما أخرجه ... » (5). وذكر الحديث عن ابن عباس كما مرّ.

ويبدو فيما أظنّ أن الخبر لم يسلم من عبث الرواة ، فقد ورد في آخره جواب عثمان ، ولم يذكر فيه لابن عبّاس رأيه في الجواب مقتنعاً أو مفنّداً ، وهذا هو مبعث الريبة والشكّ أوّلاً ، وثانياً إنّ ترتيب السور إنّما ثبت بالتواتر ، وثالثاً فإنّ ابن عبّاس سأل الإمام أمير المؤمنين فقال سألته لِمَ لم تكتب في براءة بسم الله الرحمن الرحيم ؟ قال : لأنّها أمان ، وبراءة نزلت بالسيف (6).

نعم لا شكّ أنّه كان لابن عبّاس مصحفه الخاصّ به ، وفيه بعض القراءات الّتي تخالف قراءة عثمان كما في آية المتعة بالنساء حيث كان يقرأ ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنّ ) (7) وهذه توافق قراءة ابن مسعود أيضاً كما يروى.

وسيأتي مزيد بيان عن ذلك في الحلقة الثالثة إن شاء الله تعالى. ومن تعجّل فعليه مراجعة كتاب المصاحف لابن أبي داود السجستاني (8).

الهوامش

1. سميت بالمثاني : فإنّها ما ثنّى المئين فتلاها ، وكان المئون لها أوائل وكان المثاني لها توالي ، وقد قيل إن المثاني سُمّيت مثاني ، لتثنية الله جل ذكره فيها الأمثال والخبر والعبر ، وهو قول ابن عبّاس « تفسير الطبري 1 / 103 ط محقّقة ».

2. ما كان من سور القرآن عدد آيه مئة آية أو تزيد عليها شيئاً أو تنقص منها شيئاً يسيراً « تفسير الطبري 1 / 103 ط محقّقة ».

3. الاتقان للسيوطي 1 / 62 النوع / 18 ط حجازي بالقاهرة سنة 1368 هـ ، وكنز العمال 2 / 367 ط حيدر آباد الثانية.

4. تفسير الطبري 1 / 102 ط محقّقة.

5. الاتقان للسيوطي 1 / 62 ط حجازي.

6. نفس المصدر 1 / 67.

7. النساء / 24.

 8. المصاحف / ٧٣.

مقتبس من كتاب : [ موسوعة عبدالله بن عبّاس ] / المجلّد : 2 / الصفحة : 325 ـ 328