التحقيق في نفي التحريف (1)

طباعة

التحقيق في نفي التحريف

(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيّبين الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين ، من الأولين والآخرين.

أمّا بعد ،

فإنّ الله عزّ وجلّ أرسل نبيّه العظيم صلّی الله عليه وآله وسلّم « بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ » (1) وأنزل عليه القرآن « حجّة الله على خلقه ، أخذ عليه ميثاقهم ، وارتهن عليهم أنفسهم ، أتمّ نوره ، وأكمل به دينه » (2).

وكما كتب سبحانه لدينه الخلود ، لكونه خير الأديان وأتمّها وقال : « وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ » (3) كذلك تعهّد بحفظ القرآن الذي وصفه أمير المؤمنين عليه السلام بأنّه « أثافي الإسلام وبنيانه » (4) حيث قال « إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ » (5).

وكان النبي صلّی الله عليه وآله يعلّم الناس القرآن ، وينظّم اُمور المجتمع على ضوء تعاليمه ، فكان كلّما نزل عليه الوحي حفظ الآية الكريمة أو السورة المباركة ، وأمر الكتبه بكتابتها ثمّ أبلغها الناس ، وأقرأها القرّاء واستحفظهم إيّاها ، وهم يقومون بدورهم بنشر ماحفظوه ووعوه ، وتعليمه لسائر المسلمين حتى النساء والصبيان.

وهكذا كانت الآيات تحفظ بألفاظها ومعانيها ، وكانت أحكام الإسلام وتعاليمه تنشر وتطبّق في المجتمع الإسلامي.

غير أنّه صلّی الله عليه وآله كان يُلقي إلى سيّدنا أمير المؤمنين عليه السلام ـ إبتداءً أو كلّما سأله ـ تفسير الآيات وحقائقها ، والنسب الموجودة فيما بينها ، من المحكم والمتشابه ، والناسخ والمنسوخ ، والمطلق والمقيّد ، والمجمل والمبيّن ، إلى غير ذلك ... يقول عليه السلام :

« وقد علمتم موضعي من رسول الله صلّی الله عليه وآله بالقرابة القريبة ، والمنزلة الخصيصة ، وضعني في حجره وأنا ولد ، يضمّني إلى صدره ويكنفني في فراشه ، ويمسّني جسده ، ويشمّني عرفه ، وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه ، وما وجد لي كذبة في قول ، ولا خطلة في فعل ، ولقد قرن الله به صلّی الله عليه وآله من لدن أن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته ، يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم ، ليله ونهاره ، ولقد كنت أتبعه اتّباع الفصيل أثر اُمّه ، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً ويأمرني بالإقتداء به.

ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء ، فأراه ولا يراه غيري ، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله صلّی الله عليه وآله وخديجة وأنا ثالثهما ، أرى نور الوحي والرسالة ، وأشم ريح النبوة ، ولقد سمعت رنّة الشيطان حين نزل الوحي عليه صلّی الله عليه وآله ، فقلت : يا رسول الله ما هذه الرنّة ؟ فقال : هذا الشيطان قد أيس من عبادته ، إنّك تسمع ما أسمع وترى ما أرى ، إلّا أنّك لست بنبيّ ، ولكنّك لوزير ، وإنّك لعلى خير ... » (6).

وبذلك توفّرت في شخصه ـ دون غيره ـ الأعلمية بالكتاب والسنّة ، التي هي من اُولى الصفات المؤهّلة للإمامة وقيادة الاُمّة بعد النبي صلّی الله عليه وآله.

* * *

وتوفّي النبي صلّی الله عليه وآله ، وتقمّص الّذين كان يلهيهم الصفق بالأسواق عن تعلّم القرآن وأحكام الدين ـ حتى أبسط مسائله اليومية ـ الخلافة ، وآل أمرها إلى ما آل إليه ... فقام سيّدنا أمير المؤمنين عليه السلام مقام النبي صلّى الله عليه وآله في حفظ الكتاب والسنّة وتعليمهما الناس ، والترغيب فيهما ، والحثّ عليهما ... فهو من جهة يبادر إلى جمع القرآن مضيفاً إليه ما سمعه من النبي صلّی الله عليه وآله حول آياته من التفسير والتأويل وغير ذلك ، ويدرّس جماعة من أهل بيته وأصحابه ومشاهير الصحابة ممّا وعاه عن النبي صلّی الله عليه وآله من علوم الكتاب والسنّة ، حتى كان من أعلامهم الحسن والحسين عليهما السلام ، وعبدالله بن العبّاس ، وعبدالله بن مسعود ، وأمثالهم.

ومن جهة اُخرى يراقب ما يصدر عن الحكّام وغيرهم عن كثب ، كي ينفي عن الدين تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين.

فكان عليه السلام المرجع الأعلى لعموم المسلمين في جميع اُمورهم الدينية حتى اضطرّ بعض أعلام الحفّاظ إلى الإعتراف بذلك وقال : « وسؤال كبار الصحابة له ، ورجوعهم إلى فتاواه وأقواله ، في المواطن الكثيرة ، والمسائل المعضلات ، مشهور » (7).

وهكذا ... كان سعي أمير المؤمنين عليه السلام في حفظ القرآن بجميع معاني الكلمة ، وهكذا كان غيره من أئمّة أهل البيت عليهم السلام.

وكان الإهتمام بالقرآن العظيم من أهمّ أسباب تقدّم الإسلام ورقيّ المسلمين ، كما كان التلاعب بالعهدين من أهم الاُمور التي أدّت إلى انحطاط اليهود والنصارى ، فأصبح الهجوم على القرآن نقطة التلاقي بين اليهود والنصارى والمناوئين للإسلام والمسلمين ، لأنّهم إن نجحوا في ذلك فقد طعنوا الإسلام في الصميم.

لكن الله سبحانه قد تعهّد بحفظ القرآن وأن « لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ » (8) فاندحروا في جميع الميادين صاغرين ، والحمدلله ربّ العالمين.

لكنّ « اُسطورة تحريف القرآن » مازالوا يردّدونها بين حين وآخر ، وعلى لسان بعض الكتّاب المتظاهرين باسم الإسلام وياللأسف ، يستأجرونهم لتوجيه الضربة إلى القرآن والإسلام من الداخل ، ولإلقاء الفتنة فيما بينهم ، ولذا تراهم ـ في الأغلب ـ اُناساً حاقدين على آل البيت ومذهبهم وأتباعهم.

ونحن في هذا البحث تعرضنا لهذه « الاُسطورة » وكأنّها « مسألة » جديرة بالبحث والتعقيب والتحقيق ، ودرسنا كل ما قيل أو يمكن أن يقال في هذا الباب دراسة موضوعية ، فوجدنا الأدلة على نفي التحريف من الكتاب والسنة ـ وغيرهما ـ كثيرة وقويمة ، وليس في المقابل إلّا روايات غير صالحة لمعارضة تلك الأدلة ، إن لم تكن ضعيفة أو قابلة للحمل على بعض الوجوهإنّ القول بعدم تحريف القرآن هو مذهب المسلمين عامة ، لكن المشكلة هي أنّ أكثر هذه الروايات مخرّجة في الكتب الموصوفة بـ « الصحة » عن أهل السنّة ، مسندة إلى جماعة من الصحابة ، وعلى رأسهم من اعترف منهم بأنّ « كل الناس أفقه منه حتى ربّات الحِجال » ... لكن الحقّ عدم صحّة تلك الأحاديث أيضاً ، وأنّ تلك الكتب ـ كغيرها ـ تشتمل على أباطيل وأكاذيب ، وسندلّل على ذلك في موضعه إن شاء الله.

فإلى القرّاء الكرام الحلقة الاُولى من هذا البحث الذي كتبته قبل خمسة عشر عاماً تقريباً ، ووضعته في بابين ، عنوان أحدهما : الشيعة والتحريف ، وعنوان الآخر : أهل السنّة والتحريف ، وفي كل باب فصول ...

وأسأل الله أن يوفّقنا جميعاً لما فيه رضاه ، إنّه سميع مجيب.

الباب الأول

الشيعة والتحريف

الفصل الأول

كلمات أعلام الشيعة في نفي التحريف

من الواضح أنّه لايجوز إسناد عقيدة أو قول إلى طائفة من الطوائف إلّا على ضوء كلمات أكابر علماء تلك الطائفة ، وبالإعتماد على مصادرها المعتبرة.

ولقد تعرّض علماء الشيعة منذ القرن الثالث إلى يومنا الحاضر لهذا الموضوع في كتبهم في عدّة من العلوم ، ففي كتب الإعتقادات يتطرّقون إليه حيثما يذكرون الإعتقاد في القرآن الكريم ، وفي كتب الحديث حيث يعالجون الأحاديث الموهمة للتحريف بالنظر في أسانيدها ومداليلها ، وفي بحوث الصلاة من كتب الفقه باعتبار وجوب قراءة سورة كاملة من القرآن في الصلاة بعد قراءة سورة الحمد ، وفي كتب اُصول الفقه حيث يبحثون عن حجّيّة ظواهر ألفاظ الكتاب.

وهم في جميع هذه المواضع ينصّون على عدم نقصان القرآن الكريم ، وفيهم من يصرح بأنّ من نسب إلى الشيعة أنّهم يقولون بأنّ القرآن أكثر من هذا الموجود بين الدفّتين فهو كاذب ، وفيهم من يقول بأنّ عليه إجماع علماء الشيعة بل المسلمين ، وفيهم من يستدلّ على النفي بوجوه من الكتاب والسنّة وغيرهما ، بل لقد أفرد بعضهم هذا الموضوع بتأليف خاص.

وعلى الجملة ، فإنّ الشيعة الإمامية تعتقد بعدم تحريف القرآن ، وأنّ الكتاب الموجود بين أيدينا هو جميع ما أنزله الله عزّ وجلّ على نبيّنا محمد صلّی الله عليه وآله وسلّم من دون أيّ زيادة أو نقصان.

هذه عقيدة الشيعة في ماضيهم وحاضرهم ، كما جاء التصريح به في كلمات كبار علمائها ومشاهير مؤلفيها ، منذ أكثر من ألف عام حتى العصر الأخير.

يقول الشيخ محمد بن علي بن بابويه القمي ، الملقّب بالصدوق ـ المتوفّى سنة 381 ـ : « إعتقادنا أنّ القرآن الذي أنزله الله على نبيّه صلّی الله عليه وآله هو ما بين الدفّتين ، وهو ما في أيدي الناس ، ليس بأكثر من ذلك ... ومن نسب إلينا أنّا نقول إنّه أكثر من ذلك فهو كاذب » (9).

ويقول الشيخ محمد بن محمد بن النعمان ، الملقّب بالمفيد ، البغدادي ـ المتوفّى سنة 413 ـ : « وقد قال جماعة من أهل الإمامة : إنّه لم ينقص من كلمة ، ولا من آية ، ولا من سورة ، ولكن حذف ماكان مثبتاً في مصحف أمير المؤمنين عليه السلام من تأويله ، وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله ، وذلك كان ثابتاً منزلاً وإن لم يكن من جملة كلام الله تعالى الذي هو القرآن المعجز.

وعندي أنّ هذا القول أشبه من مقال من ادّعى نقصان كلم من نفس القرآن على الحقيقة دون التأويل ، وإليه أميل والله أسأل توفيقه للصواب » (10).

ويقول الشريف المرتضى علي بن الحسين الموسوي ، الملقّب بعلم الهدى ـ المتوفّى سنة 436 ـ : « إنّ العلم بصحّة نقل القرآن كالعلم بالبلدان ، والحوادث الكبار والوقائع العظام ، والكتب المشهورة ، وأشعار العرب المسطورة ، فإنّ العناية اشتدّت والدواعي توفّرت على نقله وحراسته ، وبلغت إلى حدٍّ لم يبلغه في ماذكرناه ، لأنّ القرآن معجزة النبوّة ، ومأخذ العلوم الشرعية والأحكام الدينية ، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية ، حتى عرفوا كل شيء اختلف فيه من إعرابه وقراءته وحروفه وآياته ، فكيف يجوز أن يكون مغيَّراً أو منقوصاً مع العناية الصادقة والضبط الشديد ؟! ».

وقال : « إنّ العلم بتفصيل القرآن وأبعاضه في صحّة نقله كالعلم بجملته ، وجرى ذلك مجرى ماعلم ضرورةً من الكتب المصنّفة ككتابي سيبويه والمزني ، فإنّ أهل العناية بهذا الشأن يعلمون من تفصيلها ما يعلمونه من جملتها ، حتى لو أنّ مُدخلاً أدخل في كتاب سيبويه باباً في النحو ليس من الكتاب لعُرِف ومُيّز ، وعلم أنّه ملحق وليس في أصل الكتاب ، وكذلك القول في كتاب المزني ، ومعلوم أنّ العناية بنقل القرآن وضبطه أصدق من العناية بضبط كتاب سيبويه ودواوين الشعراء ».

وقال : « إنّ القرآن كان على عهد رسول الله صلّی الله عليه وآله مجموعاً مؤلّفاً على ما هو عليه الآن ... ».

« واستدلّ على ذلك بأن القرآن كان يُدرّس ويُحفظ جميعه في ذلك الزمان ، حتى عيّن على جماعة من الصحابة في حفظهم له ، وأنّه كان يعرض على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ويتلى عليه ، وأنّ جماعة من الصحابة مثل عبدالله بن مسعود واُبيّ بن كعب وغيرهما حتموا القرآن على النبي صلّی الله عليه وآله وسلّم عدّة ختمات.كل ذلك يدلّ بأدنى تأمّل على أنّه كان مجموعاً مرتّباً غير مبتورٍ ولا مبثوث ».

« وذكر أنّ من خالف في ذلك من الإمامية والحشوية لايعتدّ بخلافهم ، فإنّ الخلاف في ذلك مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث ، نقلوا أخباراً ضعيفة ظنّوا بصحّتها ، لايرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحّته » (11).

ولقد عرف واشتهر هذا الرأي عن الشريف المرتضى حتى ذكر ذلك عنه كبار علماء أهل السُنّة ، وأضافوا أنّه كان يُكَفِّر من قال بتحريف القرآن ، فقد نقل ابن حجر العسقلاني عن ابن حزم قوله فيه : « كان من كبار المعتزلة الدعاة ، وكان إمامياً ، لكنّه يكفّر من زعم أنّ القرآن بُدّل أو زيد فيه ، أو نقص منه ، وكذا كان صاحباه أبوالقاسم الرازي وأبويعلى الطوسي » (12).

ويقول الشيخ محمد بن الحسن أبو جعفر الطوسي ، الملقّب بشيخ الطائفة ـ المتوفّى سنة 460 ـ في مقدّمة تفسيره : « والمقصود من هذا الكتاب علم معانيه وفنون أغراضه ، وأمّا الكلام في زيادته ونقصانه فممّا لايليق به أيضاً ، لأنّ الزيادة فيه مجمع على بطلانها ، والنقصان منه فالظاهر أيضاً من مذهب المسلمين خلافه ، وهو الأليق بالصحيح عن مذهبنا ، وهو الذي نصره المرتضى ـ رحمه الله تعالى ـ وهو الظاهر من الروايات.

غير أنّه رويت روايات كثيرة من جهة الخاصة والعامة بنقصان كثير من آي القرآن ، ونقل شيء منه من موضع إلى موضع ، طريقها الآحاد التي لا توجب علماً ولا عملاً ، والأوْلى الإعراض عنها وترك التشاغل بها لأنّه يمكن تأويلها ، ولو صحّت لما كان ذلك طعناً على ما هو موجود بين الدفّتين ، فإنّ ذلك معلوم صحّته لايعترضه أحد من الاُمّة ولا يدفعه » (13).

ويقول الشيخ الفضل بن الحسن أبو علي الطبرسي ، الملقّب بأمين الإسلام ـ المتوفّى سنة 548 ـ مانصّه : « ... ومن ذلك الكلام في زيادة القرآن ونقصانه ، فإنّه لايليق بالتفسير ، فأمّا الزيادة فمجمع على بطلانها ، وأمّا النقصان منه فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية العامة : إنّ في القرآن تغييراً ونقصاناً ...

والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه ، وهو الذي نصره المرتضى ـ قدّس الله روحه ـ واستوفى الكلام فيه غاية الإستيفاء في جواب المسائل الطرابلسيات » (14).

والقول بعدم التحريف لازم كلام الشيخ الحسن بن يوسف ، الشهير بالعلّامة الحلّي ـ المتوفّى سنة 726 ـ في كتابه « نهاية الاُصول » كما سيأتي الإشارة إليه.

ويقول الشيخ زين الدين البياضي العاملي ـ المتوفّى سنة 877 ـ في قوله تعالى « وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ » : « أي إنّا لحافظون له من التحريف والتبديل والزيادة والنقصان » (15).

وألّف الشيخ علي بن عبد العالي الكركي العاملي ، الملّقب بالمحقّق الثاني ـ المتوفّى سنة 940 ـ رسالة في نفي النقيصة في القرآن الكريم ، حكاها عنه السيد محسن الأعرجي البغدادي في كتابه « شرح الوافية في علم الاُصول ».

واعترض في الرسالة على نفسه بما يدلّ على النقيصة من الأخبار ، فأجاب : « بأنّ الحديث إذا جاء على خلاف الدليل والسُنّة المتواترة أو الإجماع ، ولم يمكن تأويله ولا حمله على بعض الوجوه. وجب طرحه » (16).

وبه صرّح الشيخ فتح الله الكاشاني ـ المتوفّى سنة 988 ـ في مقدمة تفسيره « منهج الصادقين » ، وبتفسير الآية « وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ».

وهو صريح السيد نورالله التستري ، المعروف بالقاضي الشهيد ـ المستشهَد سنة 1019 ـ في كتابه « إحقاق الحقّ » في الإمامة والكلام.

ويقول الشيخ محمد بن الحسين ، الشهير ببهاء الدين العاملي ـ المتوفّى سنة 1030 ـ : « الصحيح أنّ القرآن العظيم محفوظ عن ذلك ، زيادة كان أو نقصاناً ، ويدلّ عليه قوله تعالى : « وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ». وما اشتهر بين الناس من إسقاط إسم أمير المؤمنين عليه السلام منه في بعض المواضع مثل قوله تعالى : يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ـ في علي ـ ، وغير ذلك فهو غير معتبر عند العلماء » (17).

ويقول العلّامة التوني ـ المتوفّي سنة 1071 ـ صاحب كتاب « الوافية في الاُصول » : « والمشهور أنّه محفوظ ومضبوط كما اُنزل ، لم يتبدّل ولم يتغيّر ، حفظه الحكيم الخبير ، قال الله تعالى : إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ».

ويقول الشيخ محمد محسن الشهير بالفيض الكاشاني ـ المتوفّى سنة 1019 ـ بعد الحديث عن البزنطي ، قال : دفع إليّ أبوالحسن عليه السلام مصحفاً وقال : لا تنظر فيه ، ففتحته وقرأت فيه : لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا ... فوجدت فيها اسم سبعين رجلاً ...

قال : « لعلّ المراد أنّه وجد تلك الأسماء مكتوبة في ذلك المصحف تفسيراً للّذين كفروا والمشركين مأخوذة من الوحي ، لا أنّها كانت من أجزاء القرآن وعليه يحمل ما في الخبرين السابقين ...

وكذلك كلّ ما ورد من هذا القبيل عنهم عليهم السلام ، فإنّه كلّه محمول على ما قلناه ، لأنّه لو كان تطرّق التحريف والتغيير في ألفاظ القرآن لم يبق لنا اعتماد على شيء منه ، إذ على هذا يحتمل كل آية منه أن تكون محرّفة ومغيّرة ، وتكون على خلاف ما أنزله الله ، فلا يكون القرآن حجّة لنا ، وتنتفي فائدته وفائدة الأمر باتّباعه والوصية به ، وعرض الأخبار المتعارضة عليه ».

ثم استشهد ـ رحمه الله تعالى ـ بكلام الشيخ الصدوق المتقدّم ، وبعض الأخبار (18).

وقال في « الأصفى » بتفسير قوله تعالى « وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ » : « من التحريف والتغيير والزيادة والنقصان » (19).

ويقول الشيخ محمد بن الحسن الحرّ العاملي ـ المتوفّى سنة 1104 ـ ما تعريبه : « إنّ من تتبّع الأخبار وتفحّص التواريخ والآثار علم ـ علماً قطعياً ـ بأنّ القرآن قد بلغ أعلى درجات التواتر ، وأنّ آلاف الصحابة كانوا يحفظونه ويتلونه ، وأنّه كان على عهد رسول الله صلّی الله عليه وآله وسلّم مجموعاً مؤلّفاً » (20).

وقال الشيخ محمد باقر المجلسي ـ المتوفّى سنة 1111 ـ بعد أن أخرج الأحاديث الدالّة على نقصان القرآن ـ ما نصّه : « فإنْ قال قائل : كيف يصحّ القول بأنّ الذي بين الدفّتين هو كلام الله تعالى على الحقيقة من غير زيادة ولا نقصان وأنتم تروون عن الأئمة عليهم السلام أنّهم قرأوا : كنتم خير أئمّة اُخرجت للناس ، وكذلك : جعلناكم أئمّة وسطاً ، وقرأوا : ويسئلونك الأنفال ، وهذا بخلاف ما في المصحف الذي في أيدي الناس ؟.

قيل له : قد مضى الجواب عن هذا ، وهو : إنّ الأخبار التي جاءت بذلك أخبار آحاد لا يقطع على الله تعالى بصحّتها ، فلذلك وقفنا فيها ولم نعدل عما في المصحف الظاهر على ما اُمرنا به حسب ما بيّناه.

مع أنّه لاينكر أن تأتي القراءة على وجهين منزلتين ، أحدهما ، ما تضمّنه المصحف ، والثاني : ما جاء به الخبر ، كما يعترف مخالفونا به من نزول القرآن على وجوه شتى ... » (21).

وهو ظاهر كلام السيد علي بن معصوم المدني الشيرازي ـ المتوفّى سنة 1118 ـ في « شرح الصحيفة السجادية » فليراجع (22).

وإليه ذهب السيد أبوالقاسم جعفر الموسوي الخونساري ـ المتوفّى سنة 1157 ـ في كتابه « مناهج المعارف » فليراجع.

وقال السيد محمد مهدي الطباطبائي ، الملقّب ببحر العلوم ـ المتوفّى سنة 1212 ـ مانصّه : « الكتاب هو القرآن الكريم والفرقان العظيم والضياء والنور والمعجز الباقي على مرّ الدهور ، وهو الحقّ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من لدن حكيم حميد ، أنزله بلسان عربيّ مبين هدى للمتقين وبياناً للعالمين ... ـ ثم ذكر روايتي : القرآن أربعة أرباع ، و : القرآن ثلاثة أثلاث ، الآتيتين ، وقال ـ والوجه حمل الأثلاث والأرباع على مطلق الأقسام والأنواع وإن اختلف في المقدار ... » (23).

وقال الشيخ الأكبر الشيخ جعفر ، المعروف بكاشف الغطاء ـ المتوفّى سنة 1228 ـ ما نصّه : « لا ريب في أنّ القرآن محفوظ من النقصان بحفظ الملك الدّيان ، كما دلّ عليه صريح الفرقان وإجماع العلماء في جميع الأزمان ، ولا عبرة بالنادر وما ورد من أخبار النقيصة تمنع البديهة من العمل بظاهرها » (24).

وقال السيد محسن الأعرجي الكاظمي ـ المتوفّى سنة 1228 ـ ما ملخّصه :

« وإنّما الكلام في النقيصة ، وبالجملة فالخلاف إنّما يعرف صريحاً من علي بن إبراهيم في تفسيره ، وتبعه على ذلك بعض المتأخرين تمسّكاً بأخبار آحاد رواها المحدّثون على غرّها ، كما رووا أخبار الجبر والتفويض والسهو والبقاء على الجنابة ونحو ذلك ».

ثمّ ذكر أنّ القوم إنّما ردّوا مصحف علي عليه السلام « لما اشتمل عليه من التأويل والتفسير ، وقد كان عادة منهم أن يكتبوا التأويل مع التنزيل ، والذي يدلّ على ذلك قوله عليه السلام في جواب الثاني : ولقد جئت بالكتاب كملاً مشتملاً على التأويل والتنزيل ، والمحكم والمتشابه ، والناسخ والمنسوخ. فإنّه صريح في أنّ الذي جاءهم به ليس تنزيلاً كلّه » (25).

وقال السيد محمد الطباطبائي ـ المتوفّى سنة 1242 ـ ما ملخصه : « لا خلاف أنّ كل ما هو من القرآن يجب أن يكون متواتراً في أصله وأجزائه ، وأمّا في محلّه ووضعه وترتيبه ، فكذلك عند محقّقي أهل السنّة للقطع بأنّ العادة تقضي بالتواتر في تفاصيل مثله ، لأنّ هذا المعجز العظيم الذي هو أصل الدين القويم والصراط المستقيم ممّا توفِّر الدواعي على نقل جمله وتفاصيله ، فما نقل آحاداً ولم يتواتر يُقطع بأنّه ليس من القرآن قطعاً » (26).

وقال الشيخ إبراهيم الكلباسي الأصبهاني ـ المتوفّى سنة 1262 ـ : « ... إنّ النقصان في الكتاب ممّا لا أصل له » (27).

وصرّح السيد محمد الشهشهاني ـ المتوفّى سنة 1289 ـ بعدم تحريف القرآن الكريم في بحث القرآن من كتابه « العروة الوثقى » ، ونسب ذلك إلى جمهور المجتهدين (28).

وصرّح السيد حسين الكوه كمري ـ المتوفّى سنة 1299 ـ بعدم تحريف القرآن ، واستدلّ على ذلك باُمور نلخّصها فيما يلي :

1 ـ الأصل ، لكون التحريف حادثاً مشكوكاً فيه.

2 ـ الإجماع.

3 ـ منافاة التحريف لكون القرآن معجزة.

4 ـ قوله تعالى : « لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ».

5 ـ أخبار الثقلين.

6 ـ الأخبار الناطقة بالأمر بالأخذ بهذا القرآن (29).

وإليه ذهب الشيخ موسى التبريزي ـ المتوفّى سنة 1307 ـ في « شرح الرسائل في علم الاُصول ».

وأثبت عدم التحريف بالأدلّة الوافية السيد محمد حسين الشهرستاني الحائري ـ المتوفّى سنة 1315 ـ في رسالة له اسمها « رسالة في حفظ الكتاب الشريف عن شبهة القول بالتحريف » (30).

وقال الشيخ محمد حسن الآشتياني ـ المتوفّى سنة 1319 ـ : « المشهور بين المجتهدين والاُصوليّين ، بل أكثر المحدّثين عدم وقوع التغيير مطلقاً ، بل ادّعى غير واحد الإجماع على ذلك » (31).

وإليه ذهب الشيخ محمد حسن بن عبدالله المامقاني النجفي ـ المتوفّى سنة 1323 ـ في كتابه « بشرى الوصول إلى أسرار علم الاُصول ».

وبه صرّح السيد محمد باقر ، الشهير بالحُجّة الطباطبائي ـ المتوفّى سنة 1331 ـ في منظومته الشهيرة في علم الكلام ، المسمّاة بـ « مصباح الظلام في علم الكلام ».

وقال الشيخ عبدالله ابن الشيخ محمد حسن المامقاني ـ المتوفّى سنة 1351 ـ بترجمة ( الربيع بن خثيم ) بعد كلام له : « فتحصّل من ذلك كلّه أنّ ما صدر من المحدّث النوري ـ رحمه الله ـ من رمي الرجل بضعف الإيمان ونقص العقل جرأة عظيمة كجرأته على الإصرار على تحريف كتاب الله المجيد ... » (32).

وقال الشيخ محمد جواد البلاغي ـ المتوفّى سنة 1352 ـ ما نصّه : « ولئن سمعت من الروايات الشاذّة شيئاً في تحريف القرآن وضياع بعضه ، فلا تقم لتلك الروايات وزناً ، وقل ما يشاء العلم في اضطرابها ووهنها وضعف رواتها ومخالفتها للمسلمين ، وفيما جاءت به في رواياتها الواهية من الوهن وما ألصقته بكرامة القرآن مما ليس له شبه به ... » (33).

فهذه طائفة من كلمات أعلام الإمامية في القرون المختلفة الصريحة في نفي التحريف عن القرآن الشريف ... وهذا هو رأي آخرين منهم :

كالشريف الرضي ، المتوفّى سنة 406 هـ.

والشيخ ابن إدريس ـ صاحب « السرائر في الفقه » ـ ، المتوفّى سنة ... .

والفاضل الجواد ، من علماء القرن الحادي عشر ، في « شرح الزبدة في الاُصول ».

والشيخ أبي الحسن الخنيزي ، صاحب الدعوة الإسلامية ، المتوفّى سنة 1363 هـ.

والشيخ محمد النهاوندي ، صاحب التفسير ، المتوفّى سنة 1371 هـ.

والسيد محسن الأمين العاملي ، المتوفى سنة 1371 ، في كتابه « الشيعة والمنار ».

والشيخ عبدالحسين الرشتي النجفي ، المتوفّى سنة ... ، في « كشف الإشتباه في مسائل جار الله ».

والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ، المتوفى سنة 1373 هـ ، في « أصل الشيعة واُصولها ».

والسيد عبد الحسين شرف الدين العاملي ، المتوفّى سنة 1381 هـ ، في « أجوبة مسائل جارالله ».

والشيخ آغا بزرك الطهراني ، المتوفّى سنة 1389 هـ ، في رسالته في « نفي التحريف عن القرآن الشريف ».

والسيد محمد هادي الميلاني ، المتوفّى سنة 1395 ، في فتوى له.

والسيد محمد حسين الطباطبائي ، المتوفّى سنة 1402 هـ ، في تفسيره الشهير « الميزان في تفسير القرآن ».

وقد تعرّض لهذا الموضوع : السيد أبوالقاسم الخوئي دام ظلّه في كتابه « البيان في تفسير القرآن ».

ولو أردنا أن ننقل كلمات هؤلاء الأعاظم من علماء الشيعة في هذا المضمار لطال بنا المقام ، فمثلاً يقول الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء :

« وإنّ الكتاب الموجود في أيدي المسلمين هو الكتاب الذي أنزله الله إليه للإعجاز والتحدّي ولتعليم الأحكام وتمييز الحلال من الحرام ، وإنّه لا نقص فيه ولا تحريف ولا زيادة ، وعلى هذا إجماعهم.

ومن ذهب منهم أو من غيرهم من فرق المسلمين إلى وجود نقص فيه أو تحريف فهو مخطئ يردّه نصّ الكتاب العظيم ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ).

والأخبار الواردة من طرقنا أو طرقهم الظاهرة في نقصه أو تحريفه ضعيفة شاذّة ، وأخبار آحاد لا تفيد علماً ولا عملاً ، فأمّا أن تؤوّل بنحو من الأعتبار أو يضرب بها الجدار » (34).

ويقول السيد شرف الدين : « المسألة الرابعة : نسب إلى الشيعة القول بتحريف القرآن بإسقاط كلمات وآيات ...

فأقول : نعوذ بالله من هذا القول ، ونبرأ إلى الله تعالى من هذا الجهل ، وكل من نسب هذا الرأي إلينا جاهل بمذهبنا أو مفتر علينا ، فإنّ القرآن العظيم والذكر الحكيم متواتر من طرقنا بجميع آياته وكلماته وسائر حروفه وحركاته وسكناته تواتراً قطعياً عن أئمّة الهدى من أهل البيت عليهم السلام لا يرتاب في ذلك إلّا معتوه ، وأئمّة أهل البيت كلّهم أجمعون رفعوه إلى جدّهم رسول الله صلّی الله عليه وآله عن الله تعالى ، وهذا أيضاً ممّا لا ريب فيه.

وظواهر القرآن الحكيم فضلاً عن نصوصه أبلغ حجج الله تعالى ، وأقوى أدلّة أهل الحقّ بحكم الضرورة الأوليّة من مذهب الإماميّة ، وصحاحهم في ذلك متواترة من طريق العترة الطاهرة ، ولذلك تراهم يضربون بظواهر الصحاح المخالفة للقرآن عرض الجدار ولا يأبهون بها ، عملاً بأوامر أئمّتهم عليهم السلام.

وكان القرآن مجموعاً أيام النبي صلّی الله عليه وآله على ما هو عليه الآن من الترتيب والتنسيق في آياته وسوره وسائر كلماته وحروفه ، بلا زيادة ولا نقصان ، ولا تقديم ولا تأخير ، ولا تبديل ولا تغيير.

وصلاة الإمامية بمجرّدها دليل على ذلك ، لأنّهم يوجبون بعد فاتحة الكتاب ـ في كلّ من الركعة الاُولى والركعة الثانية من الفرائض الخمس ـ سورة واحدة تامّة غير الفاتحة من سائر السور ، ولايجوز عندهم التبعيض فيها ولا القِران بين سورتين على الأحوط ، وفقههم صريح بذلك ، فلولا أنّ سور القرآن بأجمعها كانت زمن النبي صلّی الله عليه وآله على ما هي الآن عليه في الكيفية والكميّة ما تسنّى لهم هذا القول ، ولا أمكن أن يقوم لهم عليه دليل.

أجل ، إنّ القرآن عندنا كان مجموعاً على عهد الوحي والنبوّة ، مؤلَّفاً على ما هو عليه الآن ، وقد عرضه الصحابة على النبي صلّی الله عليه وآله وتلوه عليه من أوله إلى آخره ، وكان جبرائيل عليه السلام يعارضه صلّی الله عليه وآله بالقرآن في كل عام مرّة ، وقد عارضه به عام وفاته مرّتين ، وهذا كلّه من الاُمور الضرورية لدى المحقّقين من علماء الإمامية ، ولا عبرة ببعض الجاحدين منهم ، كما لا عبرة بالحشويّة من أهل السُنّة القائلين بتحريف القرآن والعياذ بالله فإنّهم لايفقهون.

نعم ، لاتخلو كتب الشيعة وكتب السُنّة من أحاديث ظاهرة بنقص القرآن غير أنّها ممّا لا وزن لها عند الأعلام من علمائنا أجمع ، لضعف سندها ، ومعارضتها بما هو أقوى منها سنداً ، وأكثر عدداً ، وأوضح دلالة ، على أنّها من أخبار الآحاد ، وخبر الواحد إنّما يكون حجّة إذا اقتضى عملاً ، وهذه لاتقتضي ذلك ، فلا يرجع بها عن المعلوم المقطوع به ، فليضرب بظواهرها عرض الحائط » (35).

وسئل السيد محمد هادي الميلاني عن رأيه في المسألة فأجاب بما معرّبه :

« بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمدلله وسلام على عباده الّذين اصطفى ، إنّ الذي نقطع به هو عدم وقوع أيّ تحريف في القرآن الكريم ، لا زيادةً ولا نقصاناً ولا تغييراً في ألفاظه ، ولو جاء في بعض الأحاديث ما يفيد التحريف فإنّما المقصود من ذلك ما وقع من تغيير معاني القرآن حسب الآراء السقيمة والتأويلات الباطلة ، لا تغيير ألفاظه وعباراته.

وأمّا الروايات الدالّة على سقوط آيات أو سور من هذه المعجزة الخالدة فمجهولة أو ضعيفة للغاية ، بل إنّ تلك الآيات والسور المزعومة ـ كالسورتين اللتين رواهما في « الإتقان » أو تلك السورة التي رويت في « بستان المذاهب » ، وكذا ماجاء في غيرهما من الكتب ـ هي وحدها تكشف عن حقيقتها ، إذ لا يشكّ الخبير بعد عرضها على اُسلوب القرآن البلاغي في كونها مختلقة باطلة.

هذا على أنّ أحداً لم يقل بالزيادة ، والقول بنقصانه ـ كما توهّمه بعضهم ـ لايمكن الركون إليه ، لاسيّما بعد الإلتفات إلى قوله تعالى « إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ » وقوله تعالى « وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ » وقوله تعالى « لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ » إلى غيرها من الآيات.

وبهذا الذي ذكرنا صرّح كبار علماء الإمامية منذ الطبقات الاُولى كالشيخ المفيد والسيد المرتضى والشيخ الطوسي والشيخ الطبرسي ، وهم جميعاً يعتقدون بما صرّح به رئيس المحدّثين الشيخ الصدوق في كتاب « الإعتقادات » الذي ألّفه قبل أكثر من ألف سنة حيث قال : « إعتقادنا أنّ القرآن الذي أنزله الله تعالى على نبيّه محمد صلّی الله عليه وآله هو ما بين الدّفتين ، وهو ما في أيدي الناس ، ليس بأكثر من ذلك » إلى أن قال « ومن نسب إلينا أنّا نقول أنّه أكثر من ذلك فهو كاذب ».

والحاصل : إنّ من تأمّل في الأدلّة وراجع تأريخ اهتمام المسلمين في حياة الرسول صلّی الله عليه وآله وبعده بضبط القرآن وحفظه ودراسته يقطع أنّ سقوط الكلمة الواحدة منه محال.

ولو أنّ أحداً وجد حديثاً يفيد بظاهره التحريف وظنّ صحّته فقد أخطأ ، وانّ الظنّ لا يغني من الحقّ شيئاً » (36).

والسيد أبوالقاسم الخوئي ـ أدام الله ظلّه ـ بعد أن ذكر أسماء بعض النافين للتحريف من أعلام الإمامية قال : « والحقّ بعد هذا كلّه ، إنّ التحريف بالمعنى الذي وقع النزاع فيه غير واقع في القرآن أصلاً بالأدلّة التالية ... » (37) ثمّ بيّن أدلّة النفي من الكتاب والسُنّة وغيرهما.

وللسيد محمد حسين الطباطبائي بحث في « أنّ القرآن مصون عن التحريف » في فصول ، أورده في تفسيره القيّم ، في ذيل تفسير قوله تعالى : « إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ». (38).

الفصل الثاني

أدلة الشيعة على نفي التحريف

ذكرنا في الفصل الأول كلمات لأعلام الإمامية في نفي التحريف عن القرآن الكريم ، وقد جاء في بعض تلك الكلمات ـ التي ذكرناها على سبيل التمثيل لا الإستقراء والحصر ـ الإستدلال بوجوه عديدة على ما ذهبوا إليه.

والواقع انّ الأدلة الدالّة على عدم وجود النقص في القرآن الكريم هي من القوّة والمتانة ، بحيث يسقط معها ما دلّ على التحريف بظاهرها عن الإعتبار لو كان معتبراً ومهما بلغ في الكثرة ، ويبطل القول بذلك حتى لو ذهب إليه أكثر العلماء.

وقد عقدنا هذا الفصل لإيراد تلك الأدلة بإيجاز.

(1)

آيات من القرآن الكريم

والقرآن الكريم فيه تبيان لكل شيء ، وما كان كذلك كان تبياناً لنفسه أيضاً ، فلنرجع إليه لنرى هل فيه دلالة على نقصانه أو بالعكس.

أجل إنّ في القرآن الحكيم آيات تدل بوضوح على صيانته من كلّ تحريف ، وحفظه من كل تلاعب ، فهو ينفي كل اشكال التصرّف فيه ، ويعلن أنّه لايصيبه ما يشينه ويحط من كرامته حتى الأبد.

وتلك الآيات هي :

1 ـ قوله تعالى : « إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَن يُلْقَىٰ فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ » (39).

واذا كان القرآن العظيم لا يأتيه « الباطل » من بين يديه ولا من خلفه فإنّ من أظهر مصاديق « الباطل » هو « وقوع النقصان فيه ».

فهو إذاً مصون من قبل الله تعالى عن ذلك منذ نزوله إلى يوم القيامة.

2 ـ قوله تعالى : « إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ » (40).

والمراد من « الذِّكْرَ » في هذه الآية الكريمة على الأصح هو « القرآن العظيم » فالله سبحانه أنزله على نبيّه الكريم ، وتعهّد بحفظه منذ نزوله الى الأبد من كل ما يتنافى وكونه منهاجاً خالداً في الحياة ودستوراً عاماً للبشرية جمعاء.

ومن الواضح انّ من أهم ما يتنافى وشأن القرآن العظيم وقدسيته الفذة وقوع التحريف فيه وضياع شيء منه على الناس ، ونقصانه عما أنزله عزوجل على نبيّه صلّی الله عليه وآله وسلّم.

3 ـ قوله تعالى : « لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ » (41).

فعن ابن عباس وغيره في قوله تعالى : « إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ » انّ المعنى : إنّ علينا جمعه ، وقرآنه عليك حتى تحفظه ويمكنك تلاوته ، فلاتخف فوت شيء منه (42).

* * * * *

(2)

الأحاديث عن النبي والأئمّة عليهم السلام

والمصدر الثاني من مصادر الأحكام والعقائد الإسلاميّة هو السنّة النبوية الشريفة الواصلة إلينا بالطرق والأسانيد الصحيحة.

ولذا كان على المسلمين أن يبحثوا في السنّة عما لم يكن في الكتاب ، وأن يأخذوا منها تفسير ما أبهمه وبيان ما أجمله ، فيسيروا على منهاجها ، ويعملوا على وفقها ، عملاً بقوله سبحانه « مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا » (43) وقوله تعالى « وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ » (44).

وعلی هذا فإنّا لما راجعنا السنّة وجدنا الأحاديث المتكثرة الدالّة بأقسامها العديدة على إنّ القرآن الكريم الموجود بين أيدينا هو ما اُنزل على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم من غير زيادة ونقصان ، وانه كان محفوظاً مجموعاً على عهده ، صلّى الله عليه وآله وسلّم وبقي كذلك حتى الآن ، وانّه سيبقى على ما هو عليه إلى الأبد.

وهذه الأحاديث على أقسام وهي :

القسم الأول

أحاديث العرض على الكتاب

لقد جاءت الأحاديث الصحيحة تنصّ على وجوب عرض الخبرين المتعارضين بل مطلق الأحاديث على القرآن الكريم ، فما وافق القرآن اُخذ به وما خالفه اُعرض عنه ، فلولا أنّ سور القرآن وآياته مصونة من التحريف ومحفوظة من النقصان ما كانت هذه القاعدة التي قررها الأئمّة من أهل البيت الطاهرين آخذين إياها من جدهم رسول الله صلّی الله عليه وآله وسلّم ولا امكن الركون إليها والوثوق بها.

ومن تلك الأحاديث المذكورة :

قول الإمام الرضا عليه السلام : « ... فما ورد عليكم من خبرين مختلفين فاعرضوهما على كتاب الله ، فما كان في كتاب الله موجوداً حلالاً أو حراماً فاتبعوا ما وافق الكتاب ، وما لم يكن في الكتاب فاعرضوه على سنن النبي صلّى الله عليه وآله ... » (45).

وقول الإمام الصادق عن أبيه عن جده عن علي عليهم السلام : « إنّ على كلّ حق حقيقة وعلى كل صواب نوراً ، فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه » (46).

وقول الإمام الهادي عليه السلام : « ... فاذا وردت حقائق الأخبار والتمست شواهدها من التنزيل ، فوجد لها موافقاً وعليها دليلاً ، كان الإقتداء بها فرضا لا يتعداه إلّا أهل العناد ... » (47).

وقول الإمام الصادق عليه السلام : « إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله فذروه ... » (48).

وقول الإمام الصادق عليه السلام : « ... ينظر ما وافق حكمه حكم الكتاب والسنّة ، وخالف العامّة فيؤخذ به ، ويترك ما خالف الكتاب والسنّة ووافق العامة ... » (49).

فهذه الأحاديث ونحوها تدل على إنّ القرآن الموجود الآن هو نفس ما أنزله الله عزوجل على النبي ، صلّی الله عليه وآله وسلّم. من غير زيادة ولانقصان ، لانّه لو لم يكن كذلك لم يمكن أن يكون القرآن مرجعاً للمسلمين يعرضون عليه الاحاديث التي تصل إليهم عن النبي صلّی الله عليه وآله وسلّم فيُعرف بذلك الصحيح ويؤخذ به ، والسقيم فيُعرض عنه ويُترك.

القسم الثاني

حديث الثقلين

ولم تَمرّ على النبي الكريم والقائد العظيم محمد صلّی الله عليه وآله وسلّم فرصة إلّا وانتهزها للوصيّة بالكتاب والعترة الطاهرة والأمر باتباعهما والإنقياد لهما والتمسك بها.

لذا تواتر عنه صلّی الله عليه وآله وسلّم حديث الثقلين الذي رواه جمهور علماء المسلمين بأسانيد متكثرة متواترة ، وألفاظ مختلفة متنوعة عن أكثر من ثلاثين صحابي وصحابية ، وأحد ألفاظه :

« اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتّم بهما لن تضلوا بعدي أبدا ... » (50).

وهذا يقتضي أن يكون القرآن الكريم مدوّناً في عهده صلّی الله عليه وآله وسلّم بجميع آياته وسوره حتى يصح إطلاق إسم الكتاب عليه ، ولذلك تكرر ذكر الكتاب في غير واحد من سوره الشريفة.

كما انّه يقتضي بقاء القرآن كما كان عليه على عهده صلّی الله عليه وآله وسلّم إلى يوم القيامة ، لتتمّ به ـ وبالعترة ـ الهداية الأبدية للاُمة الإسلامية والبشرية جمعاء ، ما داموا متمسكين بهما ، كما ينصّ عليه الحديث الشريف بألفاظه وطرقه ، وإلّا للزم القول بعدم علمه صلّی الله عليه وآله وسلّم بما سيكون في اُمته ، أو إخلاله بالنصح التام لاُمته ، وهذا لايقول به أحد من المسلمين.

القسم الثالث

الأحاديث الواردة في ثواب قراءة السور في

الصلوات وغيرها

وقد وردت طائفة من الأحاديث في فضيلة قراءة سور القرآن الكريم في الصلوات وغيرها ، وثواب ختم القرآن وتلاوته في شهر رمضان وغير ذلك.

ولو كان تطرق النقصان في ألفاظ القرآن لم يبق مجال للإعتماد على شيء من تلك الأحاديث والعمل بها من أجل الحصول على ما تفيده من الأجر والثواب ، لاحتمال أن تكون كلّ سورة أو كلّ آية محرفة عما كانت نازلة عليه.

ومن تلك الأحاديث :

قول الإمام الباقر عن أبيه عن جده عن رسول الله صلّی الله عليه وآله وسلّم :

« من قرأ عشر آيات في ليلة لم يُكتب من الغافلين ، ومن قرأ خمسين آية كُتب من الذاكرين ، ومن قرأ مائة آية كُتب من القانتين ، ومن قرأ مائتي آية كُتب من الخاشعين ، ومن قرأ ثلاثمائة آية كُتب من الفائزين ، ومن قرأ خمسمائة آية كُتب من المجتهدين ، ومن قرأ ألف آية كُتب له قنطار ... » (51).

وقول الإمام الباقر عليه السلام : « من أوْتَر بالمعوذتين ، وقل هو الله أحد قيل له : يا عبدالله أبشر فقد قبل الله وتِرْك » (52).

وقول الإمام الصادق عليه السلام : « ... وعليكم بتلاوة القرآن ، فان درجات الجنّة على عدد آيات القرآن ، فاذا كان يوم القيامة يقال لقارئ القرآن إقرأ وارق ، فكلما قرأ آية رقى درجة ... » (53).

وقول الإمام الصادق عليه السلام : « الواجب على كل مؤمن إذا كان لنا شيعة أن يقرأ ليلة الجمعة بالجمعة وسبح إسم ربك الأعلى ... فاذا فعل ذلك فانما يعمل بعمل رسول الله صلّی الله عليه وآله وسلّم ، وكان جزاؤه وثوابه على الله الجنة » (54).

وقول الإمام الباقر عليه السلام : « من ختم القرآن بمكة من جمعة إلى جمعة واقل من ذلك واكثر ، وختمه يوم الجمعة ، كتب الله له من الأجر والحسنات من أول جمعة كانت إلى آخر جمعة تكون فيها ، وان ختمه في سائر الايام فكذلك » (55).

إلى غير ذلك من الأحاديث وما أكثرها ، وقد ذكر الفقهاء ـ رضي الله تعالى عنهم ـ تفصيل ما يستحب أن يُقرأ في الصلوات الخمس من سور القرآن (56).

كما روى الشيخ الصدوق ـ رحمه الله تعالى ـ ثواب قراءة كلّ سورة من القرآن بحسب الأحاديث الواردة عن الأئمّة عليهم السلام (57).

وبهذا القسم من الأحاديث استدل الشيخ الصدوق على ما ذهب إليه من عدم تحريف القرآن (58).

القسم الرابع

الأحاديث الآمرة بالرجوع إلى القرآن الكريم واستنطاقه

وهي كثيرة جداً ، نكتفي هنا منها بما جاء في كتب وخطب أميرالمؤمنين عليه الصلاة والسلام.

قال عليه السلام في خطبة له ينبّه فيها على فضل الرسول والقرآن :

« أرسله على حين فترة من الرّسل ، وطول هجعة من الاُمم وانتقاض من المبرم فجاءهم بتصديق الذي بين يديه ، والنور المقتدى به ، ذلك القرآن.

فاستنطقوه ولن ينطق ، ولكن اخبركم عنه ، الّا إنّ فيه علم ما يأتي ، والحديث عن الماضي ، ودواء دائكم ، ونظم ما بينكم » (59).

وقال عليه السلام :

« واعلموا ان هذا القرآن هو الناصح الذي لايغش ، والهادي الذي لايضلّ ، والمحدّث الذي لايكذب ، وما جالس هذا القرآن أحد إلّا قام عنه بزيادة أو نقصان : زيادة في هدى أو نقصان في عمى ، واعلموا انّه ليس على أحد بعد القرآن من فاقة ، ولا لاحد قبل القرآن من غنى ، فاستشفوه من أدوائكم ، واستعينوا به على لأوائكم ، فإنّ فيه شفاء من أكبر الداء وهو الكفر والنفاق والغيّ والضلال ، فاسألوا الله به وتوجهوا إليه بحبه ، ولا تسألوا به خلقه ، إنّه ما توجه العباد إلى الله بمثله.

واعلموا إنّه مشفّع مشفّع ، وقائل مصدّق ، وإنّه من شفع له القرآن يوم القيامة شفّع فيه ، ومن محَلَ به القرآن يوم القيامة صدق عليه ، فإنّه ينادي مناد يوم القيامة : إلّا إنّ كل حارث مبتلى في حرثه وعاقبة عمله ، غير حرثة القرآن ، فكونوا من حرثته واتباعه ، واستدلّوه على ربكم ، واستنصحوه على أنفسكم ، واتهموا عليه أرائكم ، واستغشوا فيه أهواءكم » (60).

وقال عليه السلام في كتاب له إلى الحارث الهمداني ـ رضي الله عنه ـ :

« وتمسّك بحبل القرآن واستنصحه ، واحلّ حلاله ، وحرّم حرامه ... » (61).

وقال عليه السلام « ثم أنزل عليه الكتاب نوراً لاتطفأ مصابيحه ، وسراجاً لايخبو توقّده وبحراً لايدرك قعره ، ومنهاجاً لايضل نهجه ، وشعاعاً لايظلم ضوؤه ، وفرقاناً لايخمد برهانه ، وحقاً لاتخذل أعوانه فهو معدن الإيمان وبحبوحته ، وينابيع العلم وبحوره ، ورياض العدل وغدرانه ، وأثافي الإسلام وبنيانه ، وأودية الحق وغيطانه ، وبحر لاينزفه المستنزفون ، وعيون لاينضبها الماتحون ، ومناهل لايغيضها الواردون ، ومنازل لايضل نهجها القاصدون ، جعله الله ريا لعطش العلماء ، وربيعاً لقلوب الفقهاء ومحاج لطرق الصلحاء ، ودواء ليس بعده داء ، ونوراً ليس معه ظلمة وحبلاً وثيقاً عروته ، ومعقلاً منيعاً ذروته ، وعزاً لمن تولّاه ، وسلماً لمن دخله ، وهدى لمن إئتمّ به ، وعذراً لمن إنتحله وبرهاناً لمن تكلم به ، وشاهداً لمن خاصم به ، وفلجاً لمن حاجّ به ، وحاملاً لمن حمله ، ومطيّة لمن أعمله ، وآية لمن توسّم ، وجُنّة لمن إستلام ، وعلماً لمن وعى ، وحديثاً لمن روى ، وحكماً لمن قضى » (62).

وقال عليه السلام : « فالقرآن آمر زاجر ، وصامت ناطق ، حجّة الله على خلقه ، أخذ عليهم ميثاقه ، وارتهن عليه أنفسهم ، أتم نوره ، واكمل به دينه ، وقبض نبيّه صلّى الله عليه وآله وسلم وقد فرغ إلى الخلق من أحكام الهدى به ، فعظّموا منه سبحانه ما عظّم من نفسه ، فإنه لم يخف عنكم شيئا من دينه ، ولم يترك شيئا رضيه أو كرهه ، إلّا وجعل له علماً بادياً وآية محكمّة تزجر عنه أو تدعو إليه ... » (63).

فهذه الكلمات البليغة وامثالها تنصّ على إنّ الله تعالى جعل القرآن الكريم نوراً يستضاء به ، ومنهاجاً يعمل على وفقه ، وحكماً بين العباد ، ومرجعاً في المشكلات ، ودليلاً عند الحيرة ، ومتبعاً عند الفتنة.

وكل ذلك يقتضي أن يكون ما بأيدينا من القرآن هو نفس القرآن الذي نزل على الرسول الأعظم صلّی الله عليه وآله وسلّم ، وعرفه أميرالمؤمنين وسائر الأئمّة والصحابة والمسلمون أجمعون.

القسم الخامس

الأحاديث التي تتضمن تمسّك الأئمّة من أهل البيت بمختلف

الآيات القرآنية المباركة

وروى المحدّثون من الإماميّة أحاديث متكاثرة جداً عن الأئمّة الطاهرين تتضمن تمسّكهم بمختلف الآيات عند المناظرات وفي كل بحث من البحوث ، سواء في العقائد أو الأحكام أو المواعظ والحكم والأمثال.

فهم عليهم السلام تمسّكوا بالآيات القرآنية « في كل باب على ما يوافق القرآن الموجود عندنا ، حتى في الموارد التي فيها آحاد من الروايات بالتحريف ، وهذا أحسن شاهد على إنّ المراد في كثير من روايات التحريف من قولهم عليهم السلام كذا نزل هو التفسير بحسب التنزيل في مقابل البطن والتأويل » (64).

القسم السادس

الأحاديث الواردة عنهم عليهم السلام في إنّ ما بأيدي الناس

هو القرآن النازل من عند الله

وصريح جملة من الأحاديث الواردة عن أئمّة أهل البيت ، انهم عليهم السلام كانوا يعتقدون في هذا القرآن الموجود بانّه هو النازل من عند الله سبحانه على النبي صلّی الله عليه وآله وسلّم ، وهذه الأحاديث كثيرة ننقل هنا بعضها : قال أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام :

« كتاب ربكم فيكم ، مبيناً حلاله وحرامه ، وفرائضه وفضائله ، وناسخه ومنسوخه ورخصه وعزائمه ، وخاصه وعامه ، وعبره وامثاله ، ومرسله ومحدوده ، ومحكمه ومتشابهه ، مفسراً مجمله ، ومبيناً غوامضه ، بين مأخوذ ميثاق في علمه ، وموسّع على العباد في جهله ، وبين مثبت في الكتاب فرضه ، ومعلوم في السنّة نسخه وواجب في السنّة أخذه ، ومرخّص في الكتاب تركه ، وبين واجب بوقته ، وزائل في مستقبله ومباين بين محارمه من كبير أوعد عليه نيرانه ، أو صغير أرصد له غفرانه ، وبين مقبول في أدناه ، موسع في اقصاه » (65).

وقال عليه السلام : « أم أنزل الله ديناً ناقصاً فاستعان بهم على إتمامه ؟ أم كانوا شركاء له فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضى ؟ أم أنزل الله سبحانه ديناً تاماً فقصر الرسول صلّی الله عليه وآله وسلّم عن تبليغه وادائه ؟ والله سبحانه يقول : « مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ » وقال : « تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ ». وذكر انّ الكتاب يصدّق بعضه بعضا ، وانّه لا اختلاف فيه ، فقال سبحانه : « وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا » وان القرآن ظاهره أنيق وباطنه عميق لاتفنى عجائبه ، ولا تكشف الظلمات إلّا به » (66).

وعن الريان بن الصلت قال : « قلت للرضا عليه السلام يا إبن رسول الله ما تقول في القرآن ؟

فقال : كلام الله ، لا تتجاوزوه ، ولا تطلبوا الهدى في غيره فتضلوا » (67).

وجاء فيما كتبه الإمام الرضا عليه السلام للمأمون في محض الإسلام وشرائع الدين :

« وإنّ جميع ما جاء به محمد بن عبدالله هو الحق المبين ، والتصديق به وبجميع من مضى قبله من رسل الله وانبيائه وحججه.

والتصديق بكتابه الصادق العزيز الذي « لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ » وانه المهيمن على الكتب كلّها ، وانه حق من فاتحته إلى خاتمته ، نؤمن بمحكمه ومتشابهه ، وخاصه وعامه ، ووعده ووعيده ، وناسخه ومنسوخه ، وقصصه واخباره ، لايقدر أحد من المخلوقين أن يأتي بمثله » (68).

وعن علي بن سالم عن أبيه قال : « سألت الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام فقلت له : يا ابن رسول الله ما تقول في القرآن ؟

فقال : هو كلام الله ، وقول الله ، وكتاب الله ، ووحي الله وتنزيله ، وهو الكتاب العزيز الذي « لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ » (69).

القسم السابع

قول عمر بن الخطاب : حسبنا كتاب الله

ومن الرزايا العظيمة والكوارث المؤلمة التي قصمت ظهر المسلمين وأدت إلى ضلال أكثرهم عن الهدى الذي أراده لهم الله ورسوله ، ذلك الخلاف الذي حدث عند رسول الله صلّی الله عليه وآله وفي اللحظات الأخيرة من عمره الشريف بين صحابته الحاضرين عنده في تلك الحال.

ومجمل القضية هو : إنّ النبي صلّی الله عليه وآله وسلّم لما حضرته الوفاة وعنده رجال من صحابته ـ فيهم عمر بن الخطاب ـ قال : هلمّ أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده ، وفي لفظ اخر : أئتوني بالكتف والدواة ـ أو : اللوح والدواة ـ أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبدا.

فقال عمر : إنّ النبي قد غلب عليه الوجع (70) ، وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب الله !

وفي لفظ آخر : فقالوا : إنّ رسول الله يهجر. ـ من دون تصريح باسم المعارض ـ !

فاختلف الحاضرون ، منهم من يقول : قرّبوا يكتب لكم النبي كتاباً لن تضلوا بعده ، ومنهم من يقول ما قال عمر !

فلما اكثروا ذلك عنده صلّی الله عليه وآله وسلّم قال لهم : قوموا عنّي (71).

ولسنا نحن الآن بصدد محاسبة هذا الرجل لكلامه هذا الذي غيّر مجرى التأريخ ، وحال دون ما أراده الله والرسول لهذه الامة من الخير والصلاح والرشاد ، إلى يوم القيامة ، حتى إنّ ابن عباس كان يقول ـ فيما يروى عنه ـ :

« يوم الخميس وما يوم الخميس » ثم يبكي (72).

وكان رضي الله عنه يقول :

« انّ الرزيّة كل الرزيّة ما حال بين رسول الله صلّی الله عليه وآله وسلّم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم » (73).

وانّما نريد الإستشهاد بقوله : « إن عندنا القرآن ، حسبنا كتاب الله » الصريح في وجود القرآن عندهم مدوّناً مجموعاً حينذاك ، ويدّل على ذلك انّه لم يعترض عليه أحدٌ ـ لامن القائلين قرّبوا يكتب لكم النبي كتاباً ، ولا من غيرهم ـ بانَّ سور القرآن وآياته متفرقة مبثوثة ، وبهذا تم لعمر بن الخطاب والقائلين مقالته ما أرادوا من الحيلولة بينه صلّی الله عليه وآله وسلّم وبين كتابة الكتاب.

* * *

3 ـ الإجماع

4 ـ تواتر القرآن

5 ـ صلاة الإمامية

6 ـ كون القرآن مجموعاً على عهد النبي

7 ـ إهتمام النبي صلّی الله عليه وآله وسلّم والمسلمين بالقرآن

(3)

الإجماع

ومن الأدلّة على عدم نقصان القرآن : إجماع العلماء في كل الأزمان (74).

ومن المعلوم أنّ الإجماع حجّة لدى المسلمين ، امّا عند الإمامية فلأنّه كاشف عن رأي المعصوم عليه السلام (75).

(4)

تواتر القرآن

ومن الأدلّة على عدم نقصان القرآن تواتره من طرق الإماميّة بجميع حركاته وسكناته ، وحروفه وكلماته ، وآياته وسوره ، تواتراً قطعياً عن الأئمّة الطاهرين عليهم السلام عن جدهم رسول الله صلّی الله عليه وآله وسلّم (76).

فهم يعتقدون بان هذا القرآن الموجود بأيدينا هو المنزل على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بلا زيادة ولا نقصان.

(5)

صلاة الإمامية

ومن الأدلّة على إعتقاد الإماميّة بعدم سقوط شيء من القرآن الكريم : صلاتهم لانّهم يوجبون قراءة سورة كاملة (77) بعد الحمد في الركعة الاُولى والثانية (78) من الصلوات الخمس اليوميّة من سائر سور القرآن عدا الفاتحة ، ولايجوز عند جماعة كبيرة منهم القِران بين سورتين (79).

وصلاتهم بهذه الكيفيّة والأحكام دليل ظاهر على إعتقادهم بكون سور القرآن بأجمعها زمن الرسول صلّی الله عليه وآله وسلّم على ما هي عليه الآن ، والّا لما تسنى لهم هذا القول (80).

(6)

كون القرآن مجموعاً على عهد النبي صلّی الله عليه وآله وسلّم

ومن الأدلّة على عدم وجود النقص في القرآن ثبوت كونه مجموعاً على عهد الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم على ما هو عليه الآن من الجمع والترتيب والتنسيق ، وإنّ جماعة من الصحابة ختموا القرآن على عهده ، وتلوه ، وحفظوه ، يجد اسماءهم من راجع كتب علوم القرآن وإنّ جبرئيل كان يعارضه صلّی الله عليه وآله وسلّم به كل عام مرة ، وقد عارضه به عام وفاته مرتين (81).

وكل هذا الذي ذكرنا دليل واضح على إنّ القرآن الموجود بين أيدينا هو نفس القرآن الذي كان بين يدي الرسول صلّی الله عليه وآله وسلّم وصحابته على عهده فما بعد ، من غير زيادة ولا نقصان.

(7)

اهتمام النبي صلّی الله عليه وآله والمسلمين بالقرآن

وهل يمكن لأحد من المسلمين إنكار إهتمام النبي صلّی الله عليه وآله وسلّم بالقرآن ؟

لقد كان حريصا على نشر سور القرآن بين المسلمين بمجرد نزولها ، مؤكداً عليهم حفظها ودراستها وتعلّمها ، مبيناً لهم فضل ذلك وثوابه وفوائده في الدنيا والآخرة.

فحثه صلّی الله عليه وآله وسلّم وترغيبه بحفظ القرآن في الصدور والقراطيس ونحوها ، وامره بتعليمه وتعلّمه رجالاً ونساءً واطفالاً مما ثبت بالضرورة بحيث لامجال لإنكار المنكر وجدال المكابر.

وأمّا المسلمون ، فقد كانت الدواعي لديهم لحفظ القرآن والعناية به متوفّرة ، ولذا كانوا يقدّمونه على غيره في ذلك ، لانّه معجزة النبوة الخالدة ومرجعهم في الأحكام الشرعيّة والاُمور الدينية ، فكيف يتصور سقوط شيء منه والحال هذه ؟

نعم ، قد يقال : انّه كما كانت الدواعي متوفّرة لحفظ القرآن وضبطه وحراسته ، كذلك كانت الدواعي متوفّرة على تحريفه وتغييره من قبل المنافقين وأعداء الإسلام والمسلمين ، الذين خابت ظنونهم في أن يأتوا بمثله أو بمثل عشر سور منه أو آية من آياته.

ولكن لامجال لهذا الإحتمال بعد تأييد الله سبحانه المسلمين في العناية والإهتمام بالقرآن ، وتعهّده بحفظه بحيث « لايأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه ، تنزيل من حكيم حميد ».

للبحث صلة ...

الهوامش

1. سورة التوبة 9 : 33.

2. نهج البلاغة ـ فهرسة صبحي الصالح ـ : 265 / 183.

3. سورة آل عمران 3 : 85.

4. نهج البلاغة : 315 / 198.

5. سورة الحجر 9 : 15.

6. نهج البلاغة : 300 / 192.

7. تهذيب الأسماء واللغات ، للحافظ النووي 1 : 346.

8. سورة فصّلت 41 : 42.

9. الإعتقادات للشيخ الصدوق ـ مطبوع مع « النافع يوم الحشر » للمقداد السيوري ـ : 93 ـ مخطوط ـ.

10. أوائل المقالات في المذاهب المختارات : 55 ـ 56.

11. نقل هذا في مجمع البيان 1 : 15 ، عن المسائل الطرابلسيات للسيد المرتضى.

12. لسان الميزان 4 : 224 ، ولا يخفى ما فيه من الخلط والغلط.

13. التبيان في تفسير القرآن 1 : 3.

14. مجمع البيان 1 : 15.

15. مباحث في علوم القرآن للعلّامة الاُردوبادي ـ مخطوط ـ.

16. المصدر نفسه.

17. الاء الرحمن : 26.

18. الوافي 2 : 273 ـ 274.

19. الأصفى في تفسير القرآن : 348.

20. انظر : الفصول المهمة في تأليف الاُمّة : 166.

21. بحار الأنوار 92 : 75.

22. رياض السالكين في شرح صحيفة سيّد العابدين ، الروضة 42.

23. الفوائد في علم الاُصول ـ مخطوط ـ.

24. كشف الغطاء في الفقه ، ونقله عنه شرف الدين في أجوبة المسائل : 33.

25. شرح الوافية في علم الاُصول ، وانظر له : المحصول في علم الاُصول.

26. مفاتيح الاُصول.

27. إشارات الاُصول.

28. اُنظر : البيان في تفسير القرآن : 200.

29. اُنظر : بشرى الوصول إلى أسماء علم الاُصول.

30. المعارف الجلية 1 : 21.

31. بحر الفوائد في حاشية الفرائد في الاُصول.

32. تنقيح المقال.

33. آلاء الرحمن في تفسير القرآن : 18.

34. أصل الشيعة واُصولها 101 ـ 102 ، ط 15.

35. أجوبة مسائل جار الله : 28 ـ 37 ، وانظر له : الفصول المهمة.

36. طبعت هذه الفتوى في مقدمة مصحف طبعه بعض الإمامية في

37. البيان في تفسير القرآن : 207.

38. الميزان في تفسير القرآن ج 12.

39. سورة حم السجدة ( فصلت ) 41 : 40 ـ 41.

40. سورة الحجر 15 : 9.

41. سورة القيامة 75 : 16 ـ 19.

42. مجمع البيان للطبرسي 5 : 397.

43. سورة الحشر 59 : 7.

44. سورة النجم 53 : 3 ـ 4.

45. عيون أخبار الرضا للشيخ الصدوق 2 : 20.

46. الأمالي للشيخ الصدوق : 367.

47. تحف العقول للحراني : 343.

48. الرسائل للشيخ الأنصاري : 446.

49. الرسائل للشيخ الأنصاري : 445.

50. حديث الثقلين من جملة الاحاديث التي لايشك مسلم في صدورها من النبي صلّی الله عليه وآله وسلّم. فقد رواه عنه أكثر من ثلاثين من الصحابة واورده من علماء أهل السنّة ما يقارب الـ 500 شخصية من مختلف طبقاتهم منذ زمن التابعين حتى عصرنا الحاضر من مؤرخين ومفسرين ومحدّثين غيرهم.

وهذا الحديث يدل بوضوح على عصمة الأئمة من العترة ووجوب اطاعتهم وامتثال أوامرهم والاهتداء بهديهم فی الاُمور الدينية والدنيوية ، والأخذ بأقوالهم في الأحكام الشرعية وغيرها.

كما يدل على بقائهم وعدم خلو الأرض منهم إلى يوم القيامة كما هو الحال بالنسبة إلى القرآن.

وقد بحثنا هذا الحديث مسنداً ودلالة في ثلاثة أجزاء من كتابنا « خلاصة عبقات الأنوار في إمامة الأئمة الأطهار » الذي طبع منه حتى الآن تسعة أجزاء.

51. الأمالي للشيخ الصدوق : 59 ـ 60 ، الكافي 2 : 448.

52. الأمالي للشيخ الصدوق : 60 ، ثواب الاعمال للشيخ الصدوق 157.

53. الأمالي 359.

54. ثواب الأعمال : 146.

55. ثواب الأعمال : 125.

56. راجع جواهر الكلام 9 : 400 ـ 416.

57. ثواب الاعمال : 130 ـ 158.

58. الإعتقادات للشيخ الصدوق : 93.

59. نهج البلاغة : 223 / 158.

60. نفس المصدر 202 / 176.

61. نفس المصدر 459 / 69.

62. نفس المصدر 315 / 198.

63. نهج البلاغة 265 / 183.

64. الميزان في تفسير القرآن 12 : 111.

65. نهج البلاغة 44 / 1.

66. نفس المصدر 61 / 18.

67. عيون أخبار الرضا للشيخ الصدوق 2 : 57. الأمالي 546.

68. عيون أخبار الرضا للشيخ الصدوق 2 : 130.

69. الأمالي : 545.

70. قال سيدنا شرف الدين : « وقد تصرّفوا فيه ، فنقلوه بالمعنى ، لانّ لفظه الثابت : انّ النبي يهجر لكنهم ذكروا انّه قال : إنّ النبي قد غلب عليه الوجع ، تهذيباً للعبارة ، واتقاء فظاعتها .. » النصّ والاجتهاد : 143.

71. راجع جميع الصحاح والمسانيد والتواريخ والسير وكتب الكلام تجد القضية باختلاف ألفاظها وأسانيدها.

72. صحيح البخاري 2 : 118.

73. نفس المصدر ج 1 كتاب العلم.

74. كشف الغطاء وغيره.

75. يراجع بهذا الصدد كتب اُصول الفقه.

76. أجوبة مسائل جارالله شرف الدين ، مجمع البيان عن السيد المرتضى.

77. أجوبة مسائل جارالله ، وهذا هو المشهور بين الفقهاء ، بل ادعى جماعة عليه الإجماع.

78. أما في الثالثه والرابعة فهو بالخيار إن شاء قرأ الحمد وان شاء سبح إجماعاً ، وان اختلفوا في أفضليّة أحد الفردين.

79. جواهر الكلام والرياض وغيرهما. وقد ذكر جماعة من الفقهاء والمفسرين إستثناء سورتي ( الضحى وألم نشرح ) وسورتي ( الفيل والإيلاف ) من هذا الحكم ، مصرّحين بوجوبِ قران كل سورة منها بصاحبتها.

80. أجوبة مسائل جارالله لشرف الدين.

81. روى ذلك عن رسول الله صلّی الله عليه واله وذكره ابن ابي الحديد في شرح النهج طبع بيروت 2 : 863.

مقتبس من مجلّة : [ تراثنا ] / العدد : 6 / الصفحة : 127 ـ 158