وجود المنافقين قبل موت النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم

طباعة

وجود المنافقين قبل موت النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم

ما ذكرنا من النصوص كانت متعرضة لحال الصحابة بعد وفاة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم. وأمّا حالهم في حياته ، فلا شبهة في وجود منافقين كثيرين فيما بين أصحابه ، ولا عِلْمَ لجميع الصحابة بهؤلاء المنافقين ، بل قال الله تبارك وتعالى : ( وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ) (1).

قال فخر الدين الرازي : والمعنى أنهم تمردوا في حرفة النفاق فصاروا فيها أستاذين ، وبلغوا إلى حيث لا تعلم أنت نفاقهم مع قوة خاطرك وصفاء حدسك ونفسك.

ونقل أبو حيان الأندلسي في البحر قريباً من كلامه عن الزمخشري (2).

ولا يخفى أنّه إذا كان حال المنافقين مجهولاً بهذا الشكل في زمن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فسيكون مجهولاً ومخفياً على التابعين بطريق أولى ، وهم يحسبونهم من الصحابة وأهل السبق والفضل عليهم ، ويروون عنهم الأخبار عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم معتمدين عليهم من دون أن يعلموا بأحوالهم ، إلّا القليل من الذين أنعم الله عليهم بالتمسّك بميزان الفصل بين الحق والباطل ومعيار الفرق بين الإيمان والنفاق ، وهو حبّ عليٍّ عليه السلام كما تقدم عن أبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله وأبي ذر الغفاري وأبي الدرداء أنهم قالوا : ما كنا نعرف المنافقين إلّا ببغضهم عليّاً.

وما روي عن علي عليه السلام وجابر بن عبد الله أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : « لولاك ياعلي ما عُرف المؤمنون من بعدي » (3).

وقد قال أصحاب السير والتاريخ : أنّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم عندما خرج إلى معركة أحد في ألف نفر من أصحابه انفصل منهم من المنافقين ثلاثمائة نفر ، ورجعوا إلى المدينة بقيادة عبد الله بن أبي بن سلول.

ونقل ابن كثير الشامي عن البيهقي : أن المشهور عن الزهري أنهم بقوا في أربعمائة مقاتل ، ثم قال : كذلك رواه يعقوب بن سفيان عن أصبغ عن ابن وهب عن يونس عن الزهري (4).

هذا مضافاً إلى وجود مرضىٰ القلوب والسمّاعين للمنافقين فيما بين أصحابه ، وقد نطق بذلك القرآن العظيم في عدّة مواضع ، قال الله عزّ وجلّ : ( وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّـهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا ) (5).

وقال : ( سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ ) (6).

فيتسائل المرء في نفسه : أين ذهب هؤلاء الجمّ الغفير من أهل النفاق بعد وفاة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ؟ هل آمن جميعهم بعد موت النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ؟ أو هل انقطع النفاق بانقطاع الوحي ؟ أم هل كان موت النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم سبباً لإيمانهم وعدالتهم ؟!

بل في بعض الآيات إشعار بخلاف ذلك ، كما في قوله تعالى : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّـهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّـهُ الشَّاكِرِينَ ) (7).

الهوامش

1. سورة التوبة : 101.

2. مفاتيح الغيب : 16 / 173 ، البحر المحيط : 5 / 496.

3. جواهر المطالب : 1 / 251 ، الرياض النضرة : 2 / 173 ، المناقب لابن المغازلي / 70 ، 238 ح : 101 و 285 ، كنز العمال : 13 / 152 ح : 36477.

4. الكامل في التاريخ : 1 / 549 ، البداية والنهاية : 4 / 15 ، تاريخ الطبري : 2 / 60 ، السيرة النبوية لابن هشام : 3 / 68 ، المغازي للواقدي : 1 / 219.

5. سورة الاحزاب : 12.

6. سورة المائدة : 41.

7. سورة آل عمران : 144.

مقتبس من كتاب : [ الهجرة إلى الثقلين ] / الصفحة : 185 ـ 187