الشهادة الثالثة شرع أم بدعة ؟

طباعة

الشهادة الثالثة شرع أم بدعة ؟

البدعة في اللّغة : هو إحداث شيء لم يكن له من قَبْلُ خَلْقٌ ، ولا ذكرٌ ، ولا معرفة (1).

وفي الاصطلاح : إدخال ما ليس من الدين في الدين ، قاصداً التشريع.

والبدعة قد تأتي من ترك السنّة ، لقول علي بن أبي طالب : ما أُحدثت بدعة إلّا ترك بها سنّة ، فاتّقوا البدع ، والزموا المهيع ، إنّ عوازم الأُمور أفضلها ، وإنّ محدثاتها شرارها (2).

ومثالها : هو ابتداع « الصلاة خير من النوم » في أذان الصبح وترك « حيّ على خير العمل » ، فجاء عن أبي الحسن الكاظم عليه السلام قوله : « الصلاة خير من النوم بدعة بني اُميّة » (3) ، وفي موطأ مالك انّ عمر هو الّذي قد شَرَّعها.

وقد سأل رجل الإمام عليّاً عليه السلام عن السنّة والبدعة ، والفرقة والجماعة ، فقال عليه السلام : أمّا السنّة فسنّة رسول الله‏ ، وأمّا البدعة فما خالفها ، وأمّا الفرقة : فأهل الباطل وإن كثروا ، وأمّا الجماعة : فأهل الحقّ وإن قلّوا (4).

وروي عن ابن مسعود أنّه قال : خطّ رسول الله‏ صلّى الله عليه وآله وسلّم خطا بيده ثمّ قال : هذا سبيل الله‏ مستقيماً ، ثمّ خطّ خطوطاً عن يمين ذلك الخطّ وعن شماله ثمّ قال : وهذه السبل ، ليس منها سبيل إلّا عليه شيطان يدعو إليه ، ثمّ قرأ ( وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ) (5).

وقال الإمام علي : أيّها الناس إنّما بدء وقوع الفتن أهواء تتبع ، وأحكام تبتدع ، يخالف فيها كتاب الله‏ ، يقلّد فيها رجال رجالاً (6).

ولأجل كثرة هذه السبل لا يدري المسلم العادي هل أنّ رسول الله‏ قبض يده في الصلاة أم أرسلها ؟ وهل أنّه شرّع المتعة أم منعها ؟ وهل التكبير على الميّت هو أربع تكبيرات أم خمس ؟ وهل الطلاق ثلاثاً يقع في تطليقة واحدة أم لا ؟ وهل يصحّ القول حسبنا كتاب الله ، مع أنّه سبحانه قد جعل تبيين الأحكام لرسوله الأمين بقوله : ( لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) ؟

قال الشيخ المجلسي في بحار الأنوار : البدعة في الشرع ما حدث بعد الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ولم يرد فيه نصٌّ على الخصوص ، ولا يكون داخلاً في بعض العمومات ، أو ورد نهي عنه خصوصاً أو عموماً ... إلى أن يقول عن صلاة التراويح :

ولما عيّن عمر ركعات مخصوصة على وجهٍ مخصوصٍ في وقتٍ معيّنٍ صارت بدعةً.

وكما إذا عيّن أحدٌ سبعينَ تهليلةً في وقت مخصوص على أنّها مطلوبةٌ للشارع في خصوص هذا الوقت بلا نصّ ورد فيها ، كانت بدعة.

وبالجملة : إحداث أمر في الشريعة لم يرد فيها نصٌّ بدعة ، سواء كانت أصلها مبتدعاً أو خصوصيّتها مبتدعة (7). كأن يقول بأن الشارع أمرنا ان نقول كذا.

وقال الشيخ يوسف البحراني في الحدائق الناضرة ـ عن صلاة التراويح ـ لا ريب في أنَّ الصلاةَ خيرُ موضوعٍ ، إلّا أنّه متى اعتقد المكلّف في ذلك أمراً زائداً على ما دلَّت عليه هذه الدلالة من عددٍ مخصوص ، وزمانٍ مخصوص ، أو كيفيّة خاصّة ؛ ونحو ذلك ، ممّا لم يقم عليه دليل في الشريعة ، فإنَّه يكون محرَّماً ، وتكون عبادته بدعة ، والبدعيّة ليست من حيث الصلاة ، وإنَّما هي من حيث هذا التوظيف الذي اعتقده في هذا الوقت ، والعدد ، والكيفيّة ، من غير أن يَرِدَ عليه دليل (8).

وهذان النصّان صـريحان في بدعيّة أيّ عمل يُؤتى به بقصد التشريع ولم يكن موظَّفاً قبل ذلك في الشرع ، لأن الأُمور العباديّة هي أُمور توقيفيّة لا يصحّ الأخذ بها إلّا بنصّ من الشارع ، ولا يصحّ الزيادة والنقصان فيها بأيّ حال من الأحوال ، أمّا لو أتى بعملٍ طبق رواية غير معمول بها أو قلّ ضعيفة ، أو أتى بها بقصد القربة المطلقة ، أو للعمومات الواردة من قبل الشارع ، أو أتى بها على أنّها عمل مستحبّ ـ له دليله ـ ضمن عمل مستحب آخر لا على نحو الجزئيّة فلا يسمّى هذا بابتداع ، لأنّ المكلّف كان في عمله هذا قد اتّبع دليلاً عامّاً أو كنائيّاً (9) أو مستحبّاً له دليله الخاصّ ضمن المستحب أيّ انّه اتّبع نصّاً ودليلاً أو اعتمد واجتهد طبق مبنى ، خصوصاً لو صَرَّح الإنسان بأنّه لا يأتي بالشهادة الثالثة مثلاً على أنّها من أصل الأذان ، بل للعمومات الواردة في الولاية ، لاقتران الشهادات الثلاث معاً في جميع المشاهد وعلى لسان الرسول والأئمّة ، ولوحدة الملاك بين النداء باسم علي في السماء مع النداء باسمه في الأرض ، ولرجاء المطلوبيّة ، ولكون ذكر علي عبادة وما يشابهها. إذ لكلّ هذه الاُمور أدلّة من الشرع ، فالمؤمن لو أتى بالشهادة الثالثة طبقاً لهذه الأخبار لم يكن مأثوماً لانّ عمله جاء عن دليل لا راي ، فيجب ان يبحث عن دليلته هذا الدليل لا ان يرمي بالبدعة وادخاله في الدين ما ليس من الدين ولنقرب المسألة بشكل آخر ، فنقول :

روى الكليني (10) والصدوق (11) والبرقي (12) عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبدالله ، عن آبائه عليهم السلام ، قال : قال أمير المؤمنين : السنّة سنّتان : سنّة في فريضة ، الأخذ بها هدى وتركها ضلالة ، وسنّة في غير فريضة ، الأخذ بها فضيلة ، وتركها إلى غير خطيئة.

وفي رواية المحاسن : وتركها إلى غيرها غير خطيئة.

وروت العامة هذا الخبر عن أبي هريرة ـ بتغيير في العبارة ـ قال : قال رسول الله : السنّة سنّتان : سنّة في فريضة ، وسنّة في غير فريضة ، السنّة التي في الفر يضة أصلها في كتاب الله ، أخذها هدى وتركها ضلالة ، والسنّة التي ليس أصلها في كتاب الله ، الأخذ بها فضيلة وتركها ليس بخطيئة (13).

وحكى السرخسي عن مكحول أنّه قال : السنّة سنّتان سنة أخذها هدى وتركها ضلالة ، وسنّة أخذها حسن وتركها لا بأس به.

فالأوّل : نحو صلاة العيد ، والأذان والإقامة ، والصلاة بالجماعة ، ولهذا لو تركها قوم استوجبوا اللوم والعتاب ، ولو تركها أهل بلدة وأصروا على ذلك قوتلوا عليها ليأتوا بها.

والثاني : نحو ما نقل من طريقة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في قيامه وقعوده ولباسه وركوبه.

وسننه في العبادات متبوعة أيضاً ، فمنها ما يكره تركها ، ومنها ما يكون التارك مسيئاً ، ومنها ما يكون المتّبع لها محسناً ولا يكون التارك لها مسيئاً إلى آخر كلام السرخسي (14).

والآن لنقف هنيئة عند رواية مدرسة آل البيت عليهم السلام الآنفة عن علي ، لنرى مدى دلالتها ، وهل تحتاج إلى تعليق أم لا ؟ إذ المعلوم بأنّ السنّة التي جاءت عن النبي هي على شاكلتين :

إحداهما : سنّة في فريضة ، وهي واجبةُ الإتيانِ بها ، مثل السبع ركعات التي أضافها النبي إلى العشر المأمور بها سابقاً في صلاة الفريضة من قبل ربّ العالمين والمصرّح بكون هذه الزيادة سنّة ، كما في رواية زرارة.

والثانية : سنّة مستحبّة ، تركها إلى غيرها غير خطيئة ـ كما جاء في رواية المحاسن ـ وهي مثل اختلاف صيغ أذكار النبيّ في الصلوات وما شابهها ، فإنّ تركَ إحداها إلى الأُخرى ليس فيه خطيئة.

ومن هذا الباب لا يجوز إبدال « الله أكبر » بـ « سبحان الله » أو « الله أعظم » لانّها بدعة لا خلاف فيه ، لأنّ « الله اكبر » هو ممّا اتّفق الجميع على جزئيّته وكونه من الأذان ، فهو فصل لا يمكن تبديله والتغيير فيه ، فهو كالواجب فيه وإن كان الأمر تعلّق بما هو مستحبّ كالأذان ، لأنّ الذي يريد أن يقولها فهو قد اتّبع إجماع الأمّة على جزئيّتها ، وبذلك يكون الأخذ بها هدى وتركها ضلالة.

أمّا اعتبار تربيع التكبير في الإقامة أو تثنيته كما ورد في روايات الصدوق والشيخ الطوسي رحمهما الله وغيرهما ، ومثله في غيرها من الأحكام التخييريّة ، فإنّ الإتيان بكلّ واحدة منها جائز ، لورود النصوص في كلّ واحدة منهما ، وإنّ العمل باحدى أقسامها لا يخدش في ترك الأُخرى منها ، لقوله عليه السلام : « وتركها غير خطيئة » وخصوصاً إذا كانت الرواية المعمول بها صحيحة ، وبذلك يكون الاختلاف بين الأصحاب في سنيّة هذه السنّة ، لا الاختلاف في الفريضة حتّى يقال أنّه مذموم.

وبمعنى آخر : إنّ الذي جاء عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم هو على نحوين : إمّا هو في سنّة ثابتة لا خلاف فيها ، فيكون بمنزلة الفريضة وتركها إلى غيرها خطيئة كما في ابدال كلمة « الله أكبر ».

وإمّا أن لا تكون السنّة محددة في فرد معيّن ، وذلك لتعدّد النصوص عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم فيها ، فيكون الأخذ بإحداها جائزاً وترك الآخر منها ليس فيه خطيئة ، ومن هذا القبيل يكون الحديث الشاذ عند علماء الدراية ، فهو خبر يشبه الروايات التخييريّة بفارق ان الثاني له الحجيّة الفعليّة امّا الأخبار الشاذة فحجيّتها اقتضائيّة وذلك لعدم عمل الاصحاب بها.

ولنوضح هذا الامر بمثال في الأذان ، إذ ورد الاجتزاء بجملة واحدة منه في موارد ، منها : أذان المسافر (15) ، وعند العجلة (16) ، وفي المرأة (17) بل ورد في أذان المرأة الاكتفاء بالتكبير والشهادتين دون الحيعلات (18) ، وفي بعض الروايات الاكتفاء بالشهادتين فقط (19) ، وجاء عن ابن عبّاس أنّه كان يكتفي بالشهادتين عند المطر (20) ، وأجيز للمؤذّن أن يقول « حيّ على الصلاة » أو « حيّ على الفلاح » أكثر من مرّتين (21) إذا كان إماما يريد به جماعة القوم ليجمعهم. وهذه هي الروايات التخييريّة ومنها نفهم التوسعة في أمر الأذان ، أيّ انّ المكلّف لو أتى بواحدة من هذه الأُمور فأذانه صحيح وقد أخذ بالسنة ، وإن كان قد ترك بفعله سنة اخرى.

وعليه فلا يمكن تصوّر البدعة في امر موسع كالأذان ـ وحسب تعبير صاحب الجواهر : « والأمر فيه سهل » ـ إلّا بعد معرفة السنّة ، لأنّ البدعة أمر مركّب مؤلّف من عقدين : عقد إيجابي وعقد سلبي ، وكما قال الإمام علي « أمّا السنّة فسنّة رسول الله ، وأمّا البدعة فما خالفها » فبعد ثبوت السنّة يأتي دور ما يخالفها وهي البدعة.

وفي ما نحن فيه ، لابدّ لمدّعي نفي الشهادة الثالثة ـ من الأذان والإقامة مطلقاً حتّى بعنوان الاباحة ـ أن يثبت أنّها خلاف السنّة على نحو التصادم والتعارض ، وان دعواهم عدم ذكرها في روايات المعصومين لا ينقضه ، لعدّة جهات :

الأولى : أنّه لا ملازمة بين عدم الذكر وبين البدعية التي تستلزم الحرمة ، فالحكم بالاباحة والحلّيّة والطهارة والجواز فيما لا نصّ فيه ، ليس بدعةً باجماع المسلمين ، فركوب الطائرة مثلاً مباح بالإجماع لأصالة البراءة وليس ببدعة ، وقد يكون مسـتحبّاً لتسريع المقصد وحفظ الوقت.

ومن هذا القبيل مسألة الشهادة الثالثة فعدم وجود نصّ على تشريعها لا يعني بدعيّتها بكلّ تقدير حتّى بتقدير الإباحة والمحبوبيّة المطلقة ، وخصوصاً مع معرفتنا بالظروف السياسيّة التي حكمت الشيعة في العصور الاولى وسيأتي في الفصل الأوّل أن هناك نصوصاً قد حكاها الشيخ بهذا الشان (22).

الثانية : إنّ المطالع سيقف بعد قليل على أنّ الشهادة بالولاية في معناها العام الشامل ، وأنّها شرط الإيمان ، كانت على عهد رسول الله ، وأنّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم والأئمّة من ولده ، كالباقر ، والصادق ، والكاظم ، والرضا ، والهادي عليهم السلام قد أكّدوا على هذه الحقيقة تصريحاً وتلويحاً وايماءً واشارةً ، وهذا يؤكّد على محبوبيّة الشهادة بالولاية مطلقاً في كلّ حال. واقصى ما يمكن قوله في عدم ذكر الأئمّة لها هو عدم جزئيّتها لا عدم محبوبيّتها.

الثالثة : صرّح الشيخ الطوسي ، والشهيد والعلّامة ، ونقلاً عنهم المجلسي ، وصاحب الجواهر ، وغيرهم بوجود أخبار دالّة على الشهادة الثالثة ، فقال المجلسي : لا يبعد كون الشهادة بالولاية من الأجزاء المستحبّة في الأذان ؛ لشهادة الشيخ ، والعلّامة ، والشهيد ، وغيرهم بورود الأخبار بها (23).

وقال صاحب الجواهر : لا بأس بذكر الشهادة بالولاية ، لا على سبيل الجزئيّة ، عملاً بالخبر المزبور (24).

ووجود هذه الأخبار تخرج موضوع الشهادة الثالثة من البدعيّة.

الرابعة : يمكن التوسعة في معنى السنّة ـ وحسب تعبير الإمام عليّ ـ والقول ـ فيما نحن فيه ـ : بأنّ الروايات الناصّة على أن فصول الأذان هي اثنان وأربعون فصلاً ، والتي رواها الصدوق في « الهداية » (25) وأشار إليها الطوسي في النهاية (26) إنما هي ناظرة إلى ادخال الشهادة الثالثة في الأذان ، وإن كان الشيخ الطوسي ـ فيما رواه ـ قد صوّر ذلك بشكل يخرج الشهادة الثالثة عنها ؛ لظروف التقيّة التي كان يعيش فيها ، أو لأيّ شيء آخر ، فقال رحمه الله :

ومن روى اثنين وأربعين فصلاً ، فإنّه يجعلُ في آخر الأذان التكبير أربع مرّات ، وفي أوّل الإقامة أربع مرّات ، وفي آخرها أيضاً مثل ذلك أربع مرّات ، ويقول : « لا إله إلّا الله » مرّتين في آخر الإقامة ، فإن عمل عامل على إحدى هذه الروايات لم يكن مأثوماً (27).

فالشيخ رحمه الله وبقوله الآنف أراد بيان صورة الزيادة الفارقة بين الروايات المشهورة والمعمول بها عند الأذان والإقامة ، أعني ٣٥ فصلاً مع ما روي في كونها ٤٢ فصلاً بالتصوير التالي :

١ ـ زيادة مرّتين « الله أكبر » في آخر الأذان ، وبه يصير التكبير في آخرها أربعاً.

٢ ـ زيادة مرّتين « الله أكبر » في أوّل الإقامة ، وبه يصير التكبير في أوّل الإقامة أربعا.

٣ ـ زيادة مرتين « الله أكبر » في آخر الإقامة ، وبه يصير التكبير في آخر الإقامة اربعاً.

٤ ـ زيادة مرّة أخرى « لا إله إلّا الله » في آخر الإقامة.

وهذه الزيادات السبعة لو اضيفت إلى الفصول المشهورة والتي هي ٣٥ فصلاً لصارت ٤٢ فصلاً.

لكنّنا نحتمل الأمر بشكل آخر مصورين في ذلك الروايات الشاذّة التي حكاها الشيخ الطوسي ويحيى بن سعيد الحلي والعلّامة الحلي على نحو ين :

الأوّل : ما رواه الشيخ الطوسي وصوره آنفاً قبل قليل.

الثاني : ان نجمع بين الروايات التي وصفها الشيخ الصدوق بالوضع والشيخ الطوسي بالشذوذ بالشكل الآتي :

نحن لو أخذنا برواية أبي بكر الحضرمي وكليب الأسدي ، والتي أكّد الشيخ الصدوق على صحّتها ، ولم يرتضي الزيادة والنقصان فيها ، والتي كانت فصولها ٣٦ فصلاً لقوله رحمه الله : « والإقامة كذلك » ، وأضفنا إليها الشهادة بالولاية مرّتين في الأذان ، ومرّتين في الإقامة ، وقلنا بـ « قد قامت الصلاة » مرّتين في الإقامة ؛ لان الشيخ الصدوق لم يذكرها فيما رواه عن أبي بكر الحضرمي وكليب ، وبهذا التصو ير صحّ إدّعاء وجود الشهادة الثالثة في الأذان والإقامة في الروايات التي وصفها الشيخ الطوسي بالشاذّة ، والتي افتى بأنّ العامل بها غير مأثوم. إذ لا يمكن تصوّر شيء آخر في الاخبار الشاذّة إلّا كما قلناه ، لان فصول الأذان والإقامة لم تزد عند الشيخ الطوسي على ٤٢ فصلاً ، وبذلك يكون إمّا ما صوره رحمه الله وإمّا ما تصوّرناه واحتملناه.

هذا وقد قال الشيخ محمّد تقي المجلسي في روضة المتّقين ، بأنّ الأخبار التي جاءت في عدد فصول الأذان هي أكثر ممّا قيلت فقال رحمه الله :

... مع أنّ الأخبار التي ذكرنا في الزيادة والنقصان وما لم نذكره كثيرة ، والظاهر أنّ الأخبار بزيادة هذه الكلمات أيضاً كانت في الأُصول ، وكانت صحيحة أيضاً ، كما يظهر من المحقّق والعلّامة والشهيد رحمهم الله‏ ، فأنّهم نسبوها إلى الشذوذ ، والشاذُّ ما يكونُ صحيحاً غيرَ مشهور ... (28).

وفي الجملة إنّ مجموع الجهات الأربع وخصوصاً الأُوليين منها يوقفنا على خطأ دعوى بدعيّة الشهادة الثالثة ، بمجرّد عدم مجيئها في كلام الأئمّة ، إذ قد تبيّن أنّ الأصل هو الإباحة ، والإباحة ، بضميمة عمومات كثيرة أُخرى ترتفع إلى مرتبة الاستحباب ، خاصّة مع ملاحظة الأخبار الصحيحة غير المشهورة في رجحان الإتيان بها كما جزم به المجلسي وغيره ، والّتي وُصِفَتْ بالشذوذ.

وقد يقال هنا بإمكان إثبات الجزئيّة الواجبة لها فضلاً عن الاستحبابيّة ، لأنّه لو قيل بعدم تماميّتها في الجزئيّة الواجبة ، فلا يمكن الخدش في دلالتها على الجزئيّة الاستحبابيّة ، لقاعدة التسامح في أدلّة السنن أو بقصد القربة على اختلاف المبنيّين ، وكذلك للعمومات الواردة في لزوم مقارنة الرسالة بالوصاية في كلّ شيء : « من قال محمّد رسول الله فليقل علي أمير المؤمنين » و « أينما ذُكرتُ ذُكرتَ معي » وغيرها من الأدلّة العامّة التي سيأتي بحثها.

وعليه ، فإنّ التوقيفيّة في العبادات لا يمنع من الإتيان بالشهاة الثالثة حسب البيان الذي قلناه ، وبرجاء المطلوبيّة استناداً إلى الأخبار التي أشار إليها الصدوق والطوسي رحمهما الله ومن تبعهما في ذلك كالعلّامة ويحيى بن سعيد رحمهما الله ، وطبقاً للعمومات التي جاءت في الشريعة ، إلى غيرها من الأدلّة التي ذكرها فقهاؤنا الأقدمون.

والملاحظ أنّ غالب الشيعة الإماميّة لا تأتي بالشهادة الثالثة على أنّها جزءٌ ، بل بقصد القربة المطلقة وأمثالها ، فانّهم لو كانوا يقولون بالجزئيّة لما اختلفت الصيغ الدالّة على الشهادة الثالثة عندهم : « أشهد أن عليّاً ولي الله » ، ومنهم من روى « محمّد وآله خير البريّة » ، و « محمّد وعلي خير البشر ».

فإن اختلاف هذه الصيغ في الأذان ، ومجيئها تارة بعد « حيّ على خير العمل » وأُخرى قبلها ، يؤكّد عدم قولهم بالجزئيّة ، ويشير إلى أنّهم يأتون بهذه النصوص في الأذان على أنّها تفسيريّة لمعنى الولاية دون اعتبارها من أصل الأذان ، وبسبب القول بعدم الجزئيّة أكّد غالب الفقهاء في رسائلهم العمليّة على أن الشهادة الثالثة هي ليست من أصل الأذان ، ومن أراد أن يأتي بها فله أن يأتي بها من باب الحصول على المثوبة والتبرّك بذكر عليّ عليه السلام ، الذي هو عبادة ـ طبق النصوص الشرعيّة ـ لأنّ العبادات لا تقبل إلّا بهم كما هو مفاد كثير من العمومات.

وبهذا ، فقد عرفنا أنّ الشيعة وبعملهم هذا قد استندوا في إتيانهم بالشهادة الثالثة على أدلّة شرعيّة كانت موجودة عندهم ، وأنّ ظروف التقيّة الّتي كانوا يعيشونها هي التي حدّت من انتشارها ، فإنّ تصريح فقهائهم بلزوم الإتيان بها لمحبوبيّتها الذاتيّة ، أو بقصد القربة يؤكّد على أنّهم لا يقولون بأنّها من فصول الأذان ، حتّى يقال بأنّهم أدخلوا في الدين ما ليس منه ، قاصدين بعملهم التشريع المحرم.

الأقوال في المسألة

قبل الدخول في أصل الدراسة لابدّ من الإشارة إلى أمرين :

أحدهما : إنّ بعض الفقهاء وحين بحثهم عن الشهادة الثالثة قد خلطوا بين النصوص الأذانيّة والنصوص الإيمانيّة الواردة في علي بن أبي طالب في الإسراء والمعراج والأدعية وتقارن ذكر الولاية مع ذكر النبّوة في كلّ الشريعة.

فلو أراد الفقيه الاستدلال على الجزئيّة الواجبة لما أمكنه التمسّك بهذه الأدلّة الإيمانيّة وحدها ، بل عليه أن يأتي بنصّ خاصّ قد ورد في الأذان ، وأمّا الذي يريد الإشارة إلى محبوبيّتها والتأكيد على رجحانها النفسيّ فيمكنه الاستدلال بذلك من باب وحدة الملاك وبقصد القربة المطلقه.

وثانيهما : الإشارة إلى حقيقة الأمر المركّب وأنّه يتألف من أجزاء متعدّدة ، والجزء فيه لا يخلو من وجهين :

١ ـ إمّا أن يكون جزءاً واجباً ، ويسمّى بـ « جزء الماهية ».

٢ ـ وإمّا أن يكون جزءاً مستحبّاً ، ويسمّى بـ « جزء الكمال أو الفرد » وقد عبرنا عنها بالجزئيّة تسامحاً.

والجزء الواجب هو ما يُقوّم ماهية المُركّب ولا يتحقّق المركَّبُ بدونه ، بمعنى أنّ أمر الشارع يتعلّق بالمركّب دون الأجزاء ، لأن الجزئيّة من الأحكام الوضعيّة لا التكليفيّة ، وهي من الأمور غير القابلة للجعل (29) ، فالنزاع فيها لم يكن لفظيّاً حتّى يمكن تصحيحه ، وعليه فالأمر يتعلّق بالكلِّ بما هو كلٌّ ، فمثلاً الحجُّ مؤلّفٌ من الإحرام ، والطواف ، والسعي ، والوقوف بعرفات ، ورمي الجمار و ...

ولا يتحقّق الحجُّ إلّا بإتيان جميع هذه الأجزاء ، ولا يمكن التخلّي عن بعضها ، فلو نقصَ واحدة من هذه الأجزاء عُدَّ حجّه باطلاً.

وأمّا الجزء المستحبّ فهو الجزء غير الضروري بل الكمالي فيه ، فلو فعله المكلّف لكان منه فضيلة ، ولو تركه فهذا لا يوجب الإخلال بأصل العمل.

مثاله : القنوت ، فهو مستحبُّ سواء في الصلاة أو في غيرها ، وكذا الاستغفار فهو مستحب سواء في الصلاة أو في غيرها ، وقد ورد استحبابه بعد التسبيحات في الركعتين الثالثة والرابعة ، فإنّ الإتيان به فضيلة ، لكن تركه لا يضرّ بالصلاة. بل كلُّ ما في الأمر هو عدم حصوله على الثواب الكامل المرجوّ من عبادته ، ومن هذا القبيل قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم : لا صلاة لجار المسجد إلّا في المسجد (30).

ولا تختلف الجزئيّة الواجبة بين أن تكون ضمن الصلاة الواجبة أو الصلاة المستحبة ، فمثلاً : الركوع هو جزء واجب في الصلاة سواء كانت الصلاة واجبة أو مستحبة ، أيّ أنّ المكلّف لو لم يأت بالركوع فصلاته باطلة ، سواء كانت الصلاة واجبة أم مستحبة ، وهكذا الحال بالنسبة إلى الطواف ، فهو جزء واجب في الحج سواء للعمرة المفردة أو لحجّة الإسلام.

والآن لنأتي إلى موضوع الشهادة الثالثة ، فالبعض يرى استحباب الإتيان بها لأنّها شرط الايمان ، أو أنّه مستحب ضمن مستحب ، والآخر يرى جزئيَّتها ضمن الأذان والإقامة.

والذين يرون جزئيّتها ، البعض منهم يرى جزئيّتها الواجبة والآخر يرى جزئيّتها المستحبّة ، بمعنى أنّ الذين يرون جزئيّتها الواجبة يعتقدون بأنّ الشهادة بالولاية في الأذان والإقامة هي من الأجزاء المقوّمة للماهية وبدونه لا يتحقّق الأذان ، أيّ أنّ الدليل على شرعيّة الأذان حينما صدر عن الشارع كان متضمّناً للشهادة الثالثة ، فلا يمكن أن يتحقّق الأذان بدونها ، وهذا هو رأي نزر قليل من علمائنا.

أمّا القائلون بجزئيّتها الندبيّة ـ أيّ ما يتحقّق به الكمال ـ وهم الأكثر بين فقهائنا ، فيرونها كالقنوت في الصلاة.

وهناك من يرى حرمة أو كراهة الاتيان بها حسب تفصيل قالوا به.

وإليك الآن الأقـوال المطروحة فيها ، ثمّ بيان ما نريد قوله بهذا الصدد ، والأقوال في المسألة ، هي :

١ ـ إنّ الشهادة الثالثة هي شرط الإيمان لا جزء الأذان ؛ لكونها مستحبّاً نفسيّاً وعملاً راجحاً بالأصالة ، وهو عمل حسن لا يختصّ بالأذان فحسب ، بل هو ما يجب الاعتقاد به قلباً ، فالمسلم يمكنه أن يأتي بالشهادة الثالثة على أمل الحصول على الثواب المرجوّ من إعلانها ، بقصد القربة ، لا بعنوان الجزئيّة الواجبة أو الاستحبابيّة ، بل إعلاماً لما يعتقد به قلباً من الولاية لعلي وأبنائه المعصومين.

فإذا كان كذلك فليكن واضحاً صريحاً معلناً في الأذان ، وذلك للعمومات الكثيرة الواردة في القرآن الحكيم ، كقوله تعالى : ( أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ) وقوله : ( فَأَنَّ لِلَّـهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ ) وقوله : ( مَّا أَفَاءَ اللَّـهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّـهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ ) ، والأحاديث النبويّة المتواترة في علي وما جاء عن المعصومين ، ومنها ما جاء في رواية القاسم بن معاو ية عن الصادق عليه السلام : « إذا قال أحدكم لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، فليقل : عليّ امير المؤمنين [ ولي الله ] » (31).

وهذا هو الرأي المشهور عند أصحابنا رضوان الله تعالى عليهم.

قال العلّامة بحر العلوم :

     

وصورةُ الأذان والإقامه

 

هذا الشِّعار رافعا أعلامه

أو سنّة ليس من الفصولِ

 

وإن يكن من أعظم الأُصولِ

وأكمل الشهادتين بالتي

 

قد أكمل الدين بها في الملّةِ

وإنها مثل الصلاة خارجه

 

عن الخصوص بالعموم والِجَه

٢ ـ إن الشهادة الثالثة هي شطر الأذان وجزء منه كسائر الأجزاء (32) ، يجب الإتيان بها ، وإن تَرَكَها أخلّ بالأذان ، فلا يتحقّق الأذان بدونها ، وبهذا تكون جزءاً واجباً لابدّ من الإتيان به حتّى يتحقّق الأذان.

وقد أراد الشيخ عبدالنبي النجفي العراقي الذهاب إلى هذا الراي في رسالته المسماة « الهداية في كون الشهادة بالولاية في الأذان والاقامة جزء كسائر الأجزاء » (33) لكنّه لم يجرا وقال بكلام هو أقلّ من ذلك ، وهو قريب من كلام صاحب الجواهر ، لكن السيّد محمّد الشيرازي في كتابه « الفقه » (34) ورسالته العمليّة قال بالجزئيّة.

قال العراقي ـ ملخّصاً رأيه في آخر رسالته ، غير مفتٍ بالجزئيّة الواجبة ـ قال : فإنّ مقتضى القاعدة الأوّليّة وجوب الشهادة فيهما [ أيّ الأذان والإقامة ] كما فصّلنا ، لكنّ دعوى الشهرة على الخلاف يمنعنا عن القول بالوجوب ، فلابدّ أن نقول بها وأنّه مشروع فيهما بنحو الجزئيّة الندبيّة دون الاستحباب النفسيّ أيضاً فضلاً عن الطريقي ، لعدم مقاومة الأدلّة معه (35).

وكان قد قال قبل ذلك :

وعليه ، لولا دعوى تسالم [ صاحب ] الجواهر من شهرتهم على عدم كونها من الأجزاء الواجبة فيهما ، لكنّا نقول بها فيهما ، على النحو الذي نقول بها في غيرها من الجزئيّة الواجبة ، لأنّ وزان أدلّتها يكون وزان أدلّة سائر الأجزاء ، فدلالتها على أصل المشروعيّة للشهادة بالولاية بعد الرسالة فيهما ممّا لا غبار فيه ، غايةُ الأمر ادُّعي ـ كما عن الجواهر ـ قيام الشهرة المنقولة على عدم كونها من الأجزاء الواجبة (36) ، فلو تمَّ حينئذ فتكون من الأجزاء المستحبّة ، إذ هو مقتضى الجمع بين الدليلين ... (37).

٣ ـ إنّ الشهادة الثالثة جزءٌ مستحبٌّ في الأذان ، كالقنوت في الصلاة ، والسلام على النبيّ في الصلاة ، وما يماثلها من أحكام عباديّة ، وهي أُمور يستحبّ الإتيان بها ، كما لا ضير في تركها.

وقد ذهب كثير من فقهائنا ومحدّثينا إلى هذا القول كالشيخ المجلسي (38) ، وصاحب الجواهر (39) ، وصاحب الحدائق (40) ، وغيرهم.

٤ ـ إن الشهادة الثالثة يؤتى بها من باب : الاحتياط ، لأنّه طريق النجاة ، وهو حسنٌ في كلّ الأحوال ، أي أنّ رجحانها عندهم طريقيُّ وليس بنفسي ، ولذا تراهم يجوّزون الإتيان بها احتياطاً لا باعتبارها جزءاً من الأذان ، وذلك لقوّة أدلّة الشطريّة عندهم وعدم وصولها إلى حدٍّ يمكنهم طبقَها الإفتاء بالجزئيّة ، فيأتون بها احتياطاً.

وقد قال الشيخ عبدالنبي العراقي ـ في رسالته آنفة الذكر ـ عنهم : وهم الأكثرون بالنسبة إلى القائلين بالشطريّة الواجبة ، والأقلّون بالنسبة للقائلين بالجزئيّة الاستحبابيّة (41) ، قال بهذا ولم يذكر أسماءهم.

٥ ـ وهناك رأي خامس يدّعي أنّ الإتيان بالشهادة الثالثة هو عمل مكروه ، وذلك لعدم ثبوت النصوص الدالّة على الشهادة الثالثة عنده ، هذا من جهة ، ومن جهة أُخرى يعتقد بأنّ الكلامَ في الأذان غير جائز ، وبذلك تدخل الشهادة الثالثة عنده في باب التكلّم المنهيّ عنه (42) ، قال الوحيد البهبهاني في « حاشية المدارك » : وممّا ذكرنا ظهر حال « محمّد وآله خير البريّة » و « أشهد أن عليّاً ولي الله » بأنهما حرامان بقصد الدخول والجزئيّة للأذان ، لا بمجرّد الفعل.

نعم ، توظيف الفعل في أثناء الأذان ربّما يكون مكروهاً ، لكونه مغيّراً لهيئة الأذان بحسب ظاهر اللفظ ، أو لكونه كلاماً فيه ، أو للتشبّه بالمفوضة ، إلّا أنّه ورد في العمومات : أنّه متى ذكرتم محمّداً فاذكروا آله أو متى قلتم : محمّد رسول الله فقولوا : علي ولي الله ، كما رواه في الاحتجاج ... (43) ، مع العلم بأنّ الكثير من الفقهاء قد أجازوا الكلام في الأذان. وحتّى في الإقامة.

وقد ذهب إلى هذا الرأي الفيض الكاشاني في كتابه « مفاتيح الشرائع » فقال : وكذا غير ذلك من الكلام وإن كان حقّاً ؛ بل كان من أحكام الإيمان ، لأنّ ذلك كلّه مخالف للسنّة ، فإِنِ اعتقده شرعاً فهو حرام (44) ، ومال إليه آخرون.

٦ ـ القول برجحان الشهادة الثالثة ، لأنّها صارت شعاراً للشيعة.

وهذا ما قاله السيّد الحكيم (45) والسيّد الخوئي (46) وآخرون (47).

وهناك ثلاثة آراء أُخرى تدّعي الحرمة ، ذكرت كلّ واحدة منها ببيان وتعليل خاصّ به.

٧ ـ فقال البعض بحرمة الإتيان بها ، لعدم ورودها في النصوص الشرعيّة عن المعصومين ، فيكون الإتيان بها بدعة ، لأنّه إدخال ما ليس من الدين في الدين ، إذ أنّ الأذانَ أمرٌ توقيفيّ ، وحيث لم تثبت هذه الجملة فيما جاء عن الأئمّة في الأذان فيجب تركها.

وقد ادّعى الشيخ الصدوق قدّس سرّه بأن هذه الزيادة هي من وضع المفوِّضة لعنهم الله ، ومعنى كلامه : أنّ قول « محمّد وآل محمّد خير البريّة » ، و « أنّ عليّاً أمير المؤمنين » ، ليس من أجزاء الأذان والإقامة الواجبة ولا المستحبّة (48) ، في حين ستقف لاحقاً على أنّ بعض الشيعة كانوا يؤذّنون بهذا الأذان في عهد الرسول ، والأئمّة ، وقبل ولادة الصدوق رحمه الله لمحبوبيّتها وللحدّ من أهداف الحكّام ، ولنا معه رحمه الله وقفة طويلة لاحقاً (49) فانتظر.

هذا ، وقد مال إلى هذا الرأي المحقّق السبزواري في « ذخيرة المعاد » (50) ، والشهيد الثاني في « روض الجنان » (51) وغيرهما (52).

٨ ـ ومنهم من ذهب إلى حرمتها ، لتوهمّ الجاهل بأنّها جزء ، وذلك لإصرار المؤذّنين على الإتيان بها على المآذن ، وعدم تركهم لها لمرّة واحدة ؛ فإنّ هذا الإصرار من المؤذّنين يوهم الجاهلين بأنّها جزء من الأذان ، فيجب تركه حتّى لا يقع الجاهل في مثل هكذا توهّم.

وقد أشار الوحيد البهبهاني إلى هذا الراي في شرح مفاتيحه (53) ، ورَدَّهُ.

لأن توهمُّ الجزئيّة لا يوجب الحرمة ، لأنَّ التوهُّم إمّا أن يكون من قِبَلَ الجاهل أو من قبل العالم ؟ وتصوّر وقوع التوهّم من قِبَلِ العالِم بعيد جدّاً ، فطالما أكَّد العلماء في مؤلّفاتهم وصرّحوا بأقوالهم بأنَّ الشهادة الثالثة ليست جزءاً مِنَ الأذان ودعموا أقوالهم بالأدلّة.

وأمّا توهّم الجاهل فقد جزم الوحيد البهبهاني بأنّه ليس من وظيفة العلماء رفع هذا التوهّم عنهم (54) ، لان الجهال قد فوّتوا كثيراً من الأُمور عليهم لجهلهم وقصور فهمهم ، وما على العالم إلّا البلاغ وبيان الأمور ، وعلى المكلّف أن يسعى لتعلّم أحكام دينه ، وإلَّا فسيكون مقصِّراً ، وبذلك يكون هو المدان أمام حكم الله لا العالم.

وأيُّ توهّم يمكن تصوّره مع وقوفنا على الصيغ المختلفة لهذه الشهادة : « أشهد أنَّ عليّاً وليُّ الله » ، « أشهد أنَّ عليّاً أمير المؤمنين وأولاده المعصومين حجج الله » ، « أشهد أنّ عليّاً حجّة الله » ، و « أشهد أنّ عليّاً أمير المؤمنين ولي الله » عند الأصحاب.

كلّ هذه الصيغ تُظهر بأنّها ليست جزءاً من الأذان ، وقد أشار الشيخ الصدوق رحمه الله إلى بعضها إذ قال : أنَّ البعض يقول : « أشهد أنَّ عليّاً وليُّ الله » ، والبعض الآخر يقول : « أشهد أنّ محمّداً خير البريَّة » وثالث : « محمّد وآل محمّد خبر البريّة مرّتين ، وفي بعض رواياتهم بعد أشهد انّ محمّداً رسول الله أشهد أن عليّاً ولي الله مرّتين ، ومنهم من روى بدل ذلك : أشهد انّ عليّاً أمير المؤمنين حقّاً مرّتين » وحكى السيّد المرتضى بأن هناك من يقول « محمّد وعلي خير البشر » وكلُّ هذا يدلّ على أنّه لم يُؤتَ بالشهادة الثالثة بعنوان أنّها جزء من الأذان ، بل يؤتى بها على أنّها عمل محبوب وذكر فيه فضيلة عامّة وهي من شروط الإيمان.

٩ ـ وهناك من يقول بحرمتها أو كراهتها (55) ، لأجل فوت الموالاة بين فصول الأذان ، وبذلك تكون حرمتها أمراً وضعياً وهي بطلان الأذان بها ، لأنّ الّذي أَتى بالشهادة الثالثة فقد فوَّت الموالاة بزعمهم من جهتين :

١ ـ من جهة فوت شرطيّة الاتّصال ـ بين محمّد رسول الله ، وبين حيّ على الصلاة.

٢ ـ ومن جهةِ حصول المانع بعدَ فوت الموالاة من جهة مانعيّة الانفصال.

ولو دقّقنا النظر بهذا الأمر لوجدنا أن ليس ثمّة علاقة له بالموالاة ، وقد ذهب صاحب المستند وآخرون إلى عدم لزوم الموالاة في الأذان (56) ، وقالوا بجواز التكلّم في الأذان ، بل جوّزوا فيه حتّى الكلام الباطل ، فكيف والحال هذه إذا كان التكلّم أثناء الأذان بكلامٍ محبوب وله رجحان ذاتيُّ وبالأصالة ، ألا وهو الشهادة بالولاية لعلي بن أبي طالب.

فإذا كان الكلام العاديّ جائزاً وغير مخلٍّ بالأذان ، فهل يعقل أن يكون التشهّد بالولاية كلاماً مخلاً وغير جائز فيه.

إن فوت الموالاة ليس بمخل بالأذان ، لأنّ العامّة لا تعتقد بإخلال جملة : « الصلاة خير من النوم » بالموالاة ، وكذلك جمهور الشيعة فانّها لا تعتقد أنّ الشهادة بالولاية مخلة ، وهي عندهم ـ مع الفارق ـ نظير ما فعله أمير المؤمنين مع ذلك السائل واعطاءه خاتمه وهو في الصلاة.

فإذا كان اعطاء الصدقة لا يخل بالصلاة الواجبة ، فكيف يخل الإتيان بالشهادة الثالثة في الأذان المستحب ؟

وزبدة القول : لمَّا لم يكن في البين ثمّة كلام باطل مضاف ، فإنَّ الأذان سوف لا يخرج عن صيغته السليمة ، وهو نحو مشي المتوضّئ عدّة أقدام ثم مسحه على قدميه ، وهذا لا يُّعد إخلالاً بالموالاة في الوضوء عند المتشرِّعة يقيناً.

وبهذا فقد وقفنا على أهمّ الأقوال وأشهرها وإليك الآن قولاً آخر يمكن إضافته إلى الأقوال السابقة ، وهو :

١٠ ـ من المعلوم شرعاً أنّ الاُمور المستحبّة أو المباحة هي ممّا يجوز تركها ، لكن قد تحرم في بعض الأحيان ، وقد تجب في حالات أُخرى ، فمثلاً شرب الماء مباحٌ ، ولكنّه قد يجب عند العطش الشديد والخوف من الهلاك ، وقد يحرم عند نهي الطبيب من شربه.

والأمر المستحبّ مثل ذلك ، فقد يحرم الاتيان به إذا استلزم الضرر البالغ ، وقد يجب الإصرار عليه لو رأينا الآخرين يريدون محوه ، وقد يجب الاتيان به من باب الشعارية كما هو ديدن الفقهاء فيما لو دعت إليه المصلحة الشرعيّة القطعيّة أو دفع المفسدة القطعيّة ، ولا شكّ في أنّ الشهادة بالولاية لعلي من هذا القبيل اليوم.

لأنّ ذكر الإمام علي وآل بيته الأطهار محبوبٌّ على كلّ حال ـ وبشكل مطلق ـ لكن من دون قصد التشريع ، مؤكّدين بأنّ جزمنا بمحبوبيّتها في كلّ حال لا يلزمنا القول بتشريعها أو أنّها أحد أجزاء الأذان ، نعم قد يمكن القول بمطلوبيّتها والاصرار عليها في الأزمنة المتأخّرة ، وذلك لارتفاع التقيّة ـ إلى حدّ ما ـ ولأنّها صارت شعاراً لمذهب الحقّ ، يبيّن فيه الشيعي إيمانه بالله واقراره بنبوّة رسول الله ، ومكانة الإمام علي.

ويشتدّ ضرورة توضيح هذا الأمر خصوصاً بعد أن اتّهمونا خصومنا ونسبوا إلينا الكثير من الأكاذيب ؛ « كقولنا بأُلوهيّة الإمام عليّ » ، أو « اعتقادنا بخيانة الأمين جبرئيل ، بدعوى ان الله بعث جبرئيل إلى عليّ فغلط ونزل على النبيّ محمّد » ، وغيرهما ، فكلّ هذه الأكاذيب تدعونا لأن نجهر بأصواتنا : « أشهد أن لا إله إلّا الله » نافين بذلك كوننا من الغلاة القائلين بأُلوهيّة الإمام علي ، بل نحن نوحّد الله ونعبده. وكذا يجب علينا أن نقول : « أشهد أنّ محمّداً رسول الله » التزاماً بالشرع ، واعلاناً باتباعنا للنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم واوامره ونواهيه ولكي ننفي ما افتروه علينا من مقولة « خان الامين ».

وبعد كلّ ذلك علينا الجهر ومن على المآذن والمنابر وفي كلّ اعلان بـ : « أشهد أنّ عليّاً ولي الله » دفعا لاتّهامات المتَّهِمين وافتراءات المفتَرِين ، وإن عليّاً وأولاده المعصومون عندنا ما هم إلّا حجج ربّ العالمين على عباده أجمعين ـ مؤكّدين من خلال رسائل فقهائنا العظام ـ بأن ما نشهد به ليس جزءً داخلاً في الأذان ، بل هو شعار نتّخذه لبيان توحيدنا لله ربّ العالمين ، والإشادة برسوله الأمين محمّد ، وأنّ عليّاً وأولاده المعصومين عبيدالله وأوليائه وحججه على عباده.

نقول بذلك إعلاءً لذكرهم ، الذي جدّ القوم لاخماده هذا من جهة. ومن جهة أُخرى قد يمكننا أن نعدّ ترك الشهادة الثالثة حراماً اليوم ، وذلك مقارنة بأُمور مستحبّة أُخرى ، لأنّا قلنا قبل قليل بأن بعض الأُمور المباحة والمستحبّة قد تصير واجبة أو محرّمة بالعنوان الثانوي ، كأن نرى البعض يؤكّد على إبعاد سنّة ثابتة (57) أو يُحرّم أمراً مباحاً ، فيجب على المسلم أن يحافظ على هذه السنة وأن يصرّ على الاتيان بها ، وقد يصير في بعض الاحيان ذلك الأمر المستحب أو المباح واجباً بالعنوان الثانوي.

ومن الأمثلة على ذلك ما رواه الفريقان سنّة وشيعة عن أمير المؤمنين علي أنّه رأى ضرورة شرعيّة لأن يشرب الماء واقفاً في رحبة مسجد الكوفة (58) ؛ دفعاً لتوهّم كثير من المسلمين حرمة الشرب واقفاً ، وكذلك من هذا القبيل ما ورد عن بعض المعصومين عليهم السلام أنّه شرب الماء أثناء الطعام مع أنّه منهي (59) عنه ؛ دفعاً لتوهّم حرمة شرب الماء أثناء الطعام ، ومن هذا القبيل أيضاً ترك النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لنوافل بعض أيّام شهر رمضان (60) خوفاً على الأمّة من الوقوع فيما هو عسير.

وكذا الحال بالنسبة إلى ترك المستحبّ ، فقد يكون حراماً في بعض الحالات ، فمثلاً الكلّ يعلم بأن بناء المساجد ليس واجباً ، وكذا الصلاة فيها ، أمّا تخريبها وعدم الصلاة فيها فهي محرّمة يقيناً لقوله تعالى ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا ) (61) ، ومثلها البناء على المشاهد المشرِّفة فهي ليست بواجبة أما تهديم القبور فهي حرام قطعاً ، لأن في ذلك توهيناً واضعافاً للعقيدة والمذهب ، وهكذا الحال بالنسبة للأمور المستحبّة الأُخرى ، والتي يسعى الخصم لمحوها ، فينبغي الحفاظ عليها ، وقد أكدّ الفقهاء على لزوم المحافظة على الأُمور المباحة ، التي حُرِّمت من قبل الآخرين ، كلّ ذلك إصراراً وثباتاً على الحكم الإلهي.

فلو كان هذا في الأمر المباح ، فكيف بالأمر المحبوب في نفسه الذي أكّد عليه الشرع وجاءت به الأدلّة الكثيرة التي ستقف عليها لاحقاً.

نحن عرضنا هذه الأقوال كي تكون مدخلاً لمبحث الشهادة الثالثة ، وإليك الآن تفصيل رؤيتنا ضمن الفصول الثلاثة الآتية :

تلخّص ممّا سبق :

١ ـ إنّ الدعاوي الثلاث التي قالها الشيخ الصدوق لا يمكن الاعتماد عليها ، وذلك :

أ ـ لأن دعوى التفويض لا تتّفق مع ما كان يقول به من سمّاهم الصدوق بالمفوِّضة ، لأنَّ كلماتهم هي كلمات حقّة اعترف الصدوق رحمه الله بصحتّها ، وإن ما حُكي عنهم لا يتّفق مع المنهيّ عنه في الشريعة ، لأنّ المعروف عن المفوِّضة أنّهم يعتقدون بأنّ للأئمّة حقّ الخلق ، والرزق ، والإحياء ، والإماتة على وجه الاستقلال ، بحيث لا يقدر الربّ على صرفهم عنه ، وهذا ما لا نراه في صيغ أذان من سمّوا بالمفوِّضة !! لأنّهم لا يقولون : أشهد أن عليّاً محي الموتى ورازق العباد ، وأشباهها حتّى ينطبق عليهم كلام الشيخ الصدوق بل نرى أن شهادتهم بالولاية هي ألصق بالاعتقاد الصحيح وأبعد عن التفويض ، فقد يكونوا شهدوا بهذه الشهادة لكي يبعدوا عن أنفسهم ، شبهة الغلوّ والتفو يض ، وقد يكون المفوّضة استغلّوا ما جاء في العمومات والروايات التفسيريّة لمعنى الحيعلة الثالثة وحرّفوا معناها إلى معنى أنّ مطلق الإيمان بالولاية مسقط للتكاليف ، فلذلك حمل عليهم الصدوق رحمه الله حملته الشديدة.

وقد يكون الشيخ الصدوق قالها خوفاً من وقوع الشيعة في مهلكة التفويض المنهى عنه ، وقد يكون قالها تقيّةً ، وقد يكون قالها لأمور اُخرى.

ب ـ أمّا ما ادّعاه من أنّهم « وضعوا أخبارا » هو الآخر لا نقبله ، وذلك لما بيّنّا من اختلاف المنهجين القمّي والبغدادي في العقائد والرجال.

فالصدوق تبعاً لشيخه ابن الوليد رحمه الله قد اتهّم محمّد بن موسى الهمداني السمان بوضع كتابي زيد النرسي وزيد الزراد ، في حين إنّك قد وقفت على وجود طرق صحيحة للنجاشي والمفيد والطوسي رحمهم الله تعالى إلى هذين الكتابين ، وكان رجال تلك الطرق من وجوه الأصحاب وهي تجزم بأنّ الكتاب لزيد النرسي ، فلا يستقيم بعد هذا قول الشيخ الصدوق رحمه الله بأنّه من وضع موسى الهمداني ؛ إذ كيف تكون من وضعه مع أن هناك طرقاً صحيحة عن زيد وكتابه ، وهذا ما أكّد عليه رجاليو الشيعة وفقهائهم في مصنفاتهم. وهي تشكّكنا في قبول كلامه رحمه الله على ظاهره ، بل تدعونا أن ندرسها مع ظروفها الموضوعيّة الحقيقيّة ، لنرى هل يمكننا الأخذ بكلامه ، أم أن ما قاله عن المفوّضة كان تقليداً لمشايخه أو تسرّعا منه في إطلاق الأحكام ، وهذا ما سنفصّله عند دراستنا لكلامه رحمه الله لاحقاً (62).

جـ ـ انّ دعوى زيادة من قال بالصيغ الثلاث في الأذان بقصد الجزئيّة دعوى كبيرة ، ولا نوافقه عليها ، خصوصاً مع اختلاف صيغ الأذان عند المذاهب الشيعيّة المختلفة في العقيدة والمتّفقة في جواز إتيان هذه الجمل في الأذان ، فمنهم من يقول بها بعد الحيعلة الثالثة = « حيّ على خير العمل » ، والآخر قبلها ، وثالث بعد الشهادة بالرسالة.

والبعض منهم يقول : « أشهد أنّ عليّاً ولي الله » والآخر : « محمّد وآل محمّد خير البريّة » ، وثالث « محمّد وعلي خير البشر » ، ورابع ، وخامس.

كلُّ هذه الأمور تشكّكنا في قبول كلام شيخنا الصدوق بأنّهم يأتون بها على أنّها أجزاءٌ ، بل الثابت عنهم أنّهم يأتون بها بقصد القربة المطلقة أو للتيمن والتبرّك ، ولمحبوبيّتها الذاتيّة.

٢ ـ أشرنا في آخر البحوث التمهيدية إلى عشرة أقوال في المسألة وهي :

١ ـ يؤتى بها على أنّها شرط الإيمان لا جزء الأذان.

٢ ـ يؤتى بها على أنّها شطر الأذان وجزءٌ منه كسائر الأجزاء.

٣ ـ يؤتى بها لأنّها مستحبّة في نفسها ، فهي كالقنوت والاستغفار المستحبّان في نفسهما ، ولكن يمكن أن يؤتى بهما في الصلاة كذلك.

٤ ـ يؤتى بها من باب الاحتياط ، لقوّة أدلّة الشطرية عندهم من جهة ، وعدم وصولها إلى حدّ يمكن معه الإفتاء بالشطرية من جهة أخرى ، فيفتون بالإتيان بها احتياطاً.

٥ ـ القول برجحان الإتيان بها ، لأنّها صارت شعاراً للشيعة.

٦ ـ يكره الإتيان بها ، لعدم ثبوت ورود الروايات فيها من جهة ، ومن جهة أُخرى ثبوت كراهة الكلام في الأذان عندهم.

٧ ـ حرمة الإتيان بها ، لتوهّم الجزئيّة فيها.

٨ ـ حرمة الإتيان بها ، لعدم ورودها في صيغ الأذان البيانية الواردة عن المعصومين.

٩ ـ حرمتها أو كراهتها لفوات الموالاة بين فصولها.

١٠ ـ مطلوبية الإتيان بها دفعاً لافتراءات المفترين على الشيعة من باب الشعاريّة ، وأنّه ذكر محبوب لا أنّه جزء من الأذان وإنّ ذِكرنا له إنّما هو على غرار الصلاة على محمّد وآل محمّد بعد الشهادة الثانية ، والغرض هو نفي الالوهيّة الملصقة باطلاً بأمير المؤمنين عليه السلام وللتأكيد على انّه عليه السلام عبدالله وحجّته ووليّه وتلميذ الرسول محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم ، لأن أعداء الشيعة قد أشاعوا عنّا بأنّا نقول بألوهيّة الإمام علي ، وخيانة الأمين جبرئيل في إنزال الوحي. فكلّ هذه الأكاذيب تدعونا لأن نقول من على المآذن : « أشهد أنّ لا إله إلّا الله » نافين بذلك دعوى ألوهيّة الإمام علي ، بل التأكيد على توحيد الله وعبوديّته.

وكذا يجب علينا أن نقول : « أشهد أنّ محمّداً رسول الله » كي ننفي ما نسبوه إلينا من أكاذيب.

وبعد كلّ ذلك علينا أن نجهر بأصواتنا ، ومن على المآذن : « أشهد أنّ عليّاً أمير المؤمنين وليّ الله وحجّته » دفعاً لاتّهامات المتّهمين وافتراءاتهم ، نقول بذلك إعلاءً لذكرهم ، الّذي جد القوم لطمسه.

الهوامش

1. العين ٢ : ٥٤ في مادة : بدعَ.

2. نهج البلاغة ٢ : ٢٨ ، من كلام له عليه السلام / الرقم ١٤٥ ، والمَهْيَع ، كالمقعد : الطريق الواضح.

3. الاصول الستّة عشر : ٥٤ ، الأصل الرابع لزيد النرسي ، وعنه في مستدرك الوسائل ٤ : ٤٤ / ح ٤١٤٠ ، وبحار الأنوار ٨١ : ١٧٢ / ح ٧٦.

4. تحف العقول : ٢١١ ، بحار الأنوار ٧٥ : ٤٩ / ح ٦٩.

5. مسند أحمد ١ : ٤٣٥ / ح ٤٤٣٧ ، سنن الدارمي ١ : ٧٨ / ح ٢٠٢ ، الدر المنثور ٣ : ٣٨٥ ، والمتن منه.

6. المحاسن ١ : ٢٠٨ ، ٢١٨ / ح ٧٤ ، ١١٤ ، عن أبي جعفر عليه السلام ، بحار الأنوار ٢ : ٣١٥ / ح ٨٣ ، عنه ، ونهج البلاغة ١ : ٩٩ ، من كلام له عليه السلام / الرقم ٥٠.

7. بحار الأنوار ٧١ : ٢٠٢ ذيل الحديث ٤١ ، من باب البدعة ومعناها.

8. الحدائق الناضرة ٦ : ٨٠.

9. هذا ما سنبحثه بعد قليل تحت عنوان الدليل الكنائي : ١٥٧.

10. الكافي ١ : ٧١ / ح ١٢ / باب الأخذ بالسنّة ، شرح اصول الكافي للمازندراني ٢ : ٣٥٤.

11. الخصال : ٤٨ / ح ٥٤ ، مستدرك سفينة البحار ٥ : ١٨٢.

12. المحاسن ١ : ٢٢٤ ، وفي تحف العقول : ٥٧ عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.

13. المعجم الاوسط ٤ : ٢١٥ / ح ٤٠١١ ، وعنه في مجمع الزوائد ١ : ١٧٢.

14. اصول السرخسي ١ : ١١٤ ، وانظر المبسوط له ١ : ١٣٣.

15. التهذيب ٢ : ٦٢ / ح ٢١٩ ، الاستبصار ١ : ٣٠٨ / ح ١١٤٣ عن بريد بن معاو ية عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : الأذان يقصر في السفر ، كما تقصر الصلاة ، والأذان واحداً واحداً والإقامة واحدة واحدة.

16. التهذيب ٢ : ٦٢ / ح ٢١٦ ، الاستبصار ١ : ٣٠٧ / ح ١١٤٠ عن أبي عبيدة الحذاء قال : كان ابا جعفر عليه السلام يكبر واحدة واحدة فقلت له : لم تكبر واحدة واحدة ، فقال : لا بأس به إذا كنت مستعجلاً في الأذان.

17. وسائل الشيعة ٥ : ٤٠٦ / ح ٦٩٣٩ ، عن جميل بن درّاج قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن المرأة أعليها أذان وإقامة ؟ فقال : لا.

18. تهذيب الأحكام ٢ : ٥٨ / ح ٢٠٢ ، وسائل الشيعة ٥ : ٤٠٥ / ح ٦٩٣٧ ، وفيه عن عبدالله بن سنان قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن المرأة تؤذن للصلاة ؟ فقال : حسن إن فعلت ، وإن لم تفعل أجزأها ان تكبر ، وأن تشهد أن لا إله إلّا الله ، وأن محمّدا رسول الله ، وانظر منتهى المطلب ١ : ٢٥٧.

19. من لا يحضره الفقيه ١ : ٢٩٨ / ح ٩٠٩ علل الشرائع ٢ : ٣٥٥ / ح ١ ، من الباب ٦٨ وفيه عن زرارة بن أعين ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : قلت له : المرأة عليها أذان وإقامة ؟ فقال : ان كانت تسمع اذان القبيلة فليس عليها شيء ، وإلّا فليس عليها اكثر من الشهادتين ...

20. سنن ابن ماجه ١ : ٣٠٢ / ح ٩٣٩ ، عن عبدالله بن لحارث بن نوفل قال : ان بن عبّاس أمر المؤذّن ان يؤذّن يوم الجمعة وذلك يوم مطير ، فقال : الله اكبر الله اكبر ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أنّ محمّد رسول الله ، ثمّ ناد في الناس فليصلّوا في بيوتهم ، فقال له الناس ما هذا الذي صنعت ، قال : فعل هذا من هو خير منّي ...

21. الكافي ٣ : ٣٠٨ ح ٣٤ ، وسائل الشيعة ٥ : ٤٢٨ / ح ٦٩٩٩ عن أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام قال : لو أن مؤذّناً اعاد في الشهادة وفي حيّ على الصلاة أو حيّ على الفلاح المرّتين والثلاث وأكثر من ذلك إذا كان إنما يريد به جماعة القوم ليجمعهم لم يكن به بأس.

22. انظر صفحة ٣٠٩ من هذا الكتاب.

23. بحار الأنوار ٨١ : ١١١.

24. جواهر الكلام ٩ : ٨٧ وهو خبر القاسم بن معاو ية المروي عن احتجاج الطبرسي عن الإمام الصادق عليه السلام : إذا قال أحدكم لا إله إلّا الله محمّد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فليقل : علي أمير المؤمنين. انظر احتجاج الطبرسي ١ : ٢٣١.

25. الهداية : 141 / الباب 42 ، الأذان والإقامة.

26. النّهاية في مجرّد الفقه الفتاوي : ٦٩.

27. النهاية : ٦٩ ، وانظر مصباح المتهجد : ٢٦ كذلك.

28. هكذا جاء في روضة المتقين ٢ : ٢٤٥ والصحيح لزوم ابدال كلمة « المحقق » بالشيخ الطوسي.

29. بحث الأصوليّون هذه المسألة في الاستصحاب ، انظر فوائد الأصول تقريرات المرحوم النائيني بقلم الشيخ محمّد علي الكاظمي ٤ : ٣٨٠ ـ ٤٠٢ في بيان الأحكام الوضعيّة وتفصيل أقسامها حيث صرّحوا بأن الجزئيّة والشطريّة غير قابلتين للجعل وأنّ الأمر يتعلّق بالكلّ لا بجزئه.

30. سنن الدارقطني ١ : ٤١٩ / ح ١ / باب الحث لجار المسجد على الصلاة فيه ، و ١ : ٤٢٠ / ح ٢ ، مستدرك الحاكم ١ : ٣٧٣ / ح ٨٩٨ ، وانظر قرب الاسناد : ١٤٥ / ح ٥٢٢.

31. انظر الاحتجاج ٢ : ٢٣٠ ، وبحار الأنوار ٨١ : ١١٢ ، والاضافة الاخيرة من نسخة المجلسي للاحتجاج ، انظر بحار الأنوار ٢٧ : ١ و ٢.

32. فلما كانت « لا إله إلّا الله » جزءاً و « محمّد رسول الله » جزءاً ، لذا فانَّ « علي ولي الله » جزءاً كسائر الأجزاء.

33. المطبوع في إيران سنة ١٣٧٨ هـ مطبعة الحكمة / قم في ٥٢ صفحة.

34. الفقه ١٩ : ٣٣١ ـ ٣٣٥.

35. الهداية ، للعراقي : ٤٩.

36. ليس في الجواهر من ذكر لمصطلح الجزء الواجب أو الجزء المستحب ؛ فهو قدّس‏ سرّه قد ذكر الجزئيّة بلا قيد الواجب أو المستحب انظر جواهر الكلام ٩ : ٨٧.

37. الهداية ، للعراقي : ٤٦.

38. بحار الأنوار ٨١ : ١١١.

39. جواهر الكلام ٩ : ٨٧.

40. الحدائق الناضرة ٧ : ٤٠٤.

41. الهداية ، للعراقي : ١٠.

42. انظر في ذلك مستند الشيعة ٤ : ٤٨٧.

43. حاشية المدارك ٢ : ٤١٠ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم السلام.

44. مفاتيح الشرائع ١ : ١١٨ / المفتاح ٣٥ ، باب ما يكره في الأذان والإقامة.

45. مستمسك العروة ٥ : ٥٤٤. وسنشرح كلامه في آخر الكتاب « الشعارية ».

46. اُنظر كتاب الصلاة ٢ : ٢٨٧ ، مستند العروة الوثقى ١٣ : ٢٥٩ ـ ٢٦٠.

47. كالسيّد محمّد مهدي الصدر الكاظمي في بغية المقلدين : ٥٢ ، والشيخ محمّد رضا آل ياسين في حاشيته على رسالة الصدر الكاظمي : ٣٥ ، والعم ـ أبو زوجتي ـ المرحوم الشيخ حسن علي مرواريد ، انظر ملحق سر الإيمان للمقرم : ٩٤ وغيرهم.

48. مستند الشيعة ٤ : ٤٨٦.

49. من صفحة ٢٤٥ إلى ٢٨٢.

50. ذخيرة المعاد ٢ : ٢٥٤.

51. روض الجنان : ٢٤٢.

52. كالشيخ جعفر كاشف الغطاء في كشف الغطاء ٣ : ١٤٥ ، والعلّامة في نهاية الاحكام ١ : ٤١٢.

53. مصابيح الظلام في شرح مفاتيح الشرائع ، للوحيد البهبهاني ٧ : ٣٣.

54. مصابيح الظلام ٧ : ٣٤.

55. الحاشية على مدارك الاحكام ٢ : ٤١٠ ، وانظر المستند ، للنراقي ٤ : ٤٨٦.

56. مستند الشيعة ٤ : ٤٨٦.

57. كما في قول الأئمّة : « ليس منّا من لم يؤمن بالمتعة » ، مع أنّها مستحبة ، لكن محاولة أعداء أهل البيت تحريمها ، جعل الاعتقاد باستحبائها أو جوازها واجباً.

58. انظر سنن النسائي « المجتبى » ١ : ٦٩ / باب عدد غسل اليدين / ح ٩٥ ، مصنف عبدالرزاق ١ : ٣٨ ـ ٤٠ / ح ١٢٢ / ح ١٢٣. وانظر الكافي ٦ : ٣٨٢ / باب شرب الماء من قيام.

59. الكافي ٦ : ٣٨٢ / باب آخر في فضل الماء من كتاب الأشربة / ح ٤ ، وعنه في وسائل الشيعة ٢٥ : ٢٣٦ / ح ٣١٧٨١.

60. صحيح البخاري ١ : ٣١٣ / ب ٧ / ح ٨٨٢ ، و ٢ : ٧٠٧ / ح ١٩٠٨ صحيح مسلم ١ : ٥٢٤ / باب الترغيب في قيام شهر رمضان / ح ٧٦١ ، سنن أبي داود ٢ : ٤٩ / ح ١٣٧٣.

61. البقرة : ١١٤.

62. في القسم الثالث من الفصل الأوّل الآتي في صفحة ٢٤٣.

مقتبس من كتاب : [ أشهد أنّ عليّاً ولي الله ] / الصفحة : 127 ـ 154