بدء الأذان عند أهل السنّة والجماعة

طباعة

بدء الأذان عند أهل السنّة والجماعة

هناك تقولات وأقوال مختلفة في بدء الأذان وكيفيّته ، مذكورة في الصحاح والسنن ، المشهور منها ـ الذي قد استقرّ عليه رأيهم ـ أنَّه قد شُرِّع في المدينة المنوّرة في السنة الأُولى من الهجرة المباركة ، على أثر منام رآه بعض الصحابة ، وإليك أهمّ تلك الأقوال :

الأوّل : تشريعه باقتراح من الصحابة ، وخصوصاً عمر بن الخطّاب

* أخرج البخاريّ ومسلم ، والترمذي ، والنسائي ، وغيرهم ـ والنصّ للأوّل ـ عن عبدالله بن عمر ، أنّه قال : كان المسلمون حين قَدِموا المدينة يجتمعون ، فيتحيّنون الصلاة ، ليس يُنادى لها ، فتكلّموا يوماً في ذلك ، فقال بعضهم : اتَّخِذوا ناقوساً مثل ناقوس النصارى ، وقال بعضهم : بل بُوقاً مثل قرن اليهود ، فقال عمر : أوَلا تبعثون رجلاً ينادي بالصلاة ؟ فقال رسول الله : يا بلال ! قم فنادِ بالصلاة (١).

* قال ابن خزيمة في صحيحه في باب « ذكر الدليل على أنّ بدء الأذان إنّما كان بعد هجرة النبيّ إلى المدينة ، وأنّ صلاته بمكّة إنّما كانت من غير نداء لها ولا إقامة » : « قال أبو بكر ، في خبر عبدالله بن زيد : كان رسول الله حين قَدِمَ المدينة إنّما يجتمع الناس إليه للصلاة بحين مواقيتها بغير دعوة » (2).

وهذا الرأي يشير إلى أن الأذان شُرّع بالمدينة وإن كانت الصلاة قد شُرّعت بمكّة :

قال ابن المنذر : هو [ صلّى الله عليه وآله ] كان يصلّي بغير أذان منذ فُرضت الصلاة بمكّة إلى أن هاجر إلى المدينة وإلى أن وقع التشاور (3).

لكن السيوطي في الدرّ المنثور ـ ضمن تفسير قوله تعالى : ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً ) ـ روى عن عائشة أنّها قالت : ما أرى هذه الآية نزلت إلّا في المؤذّنين (4). وهذه الآية مكّيّة (5).

ثمّ علّق الحلبي في سيرته على هذا بقوله : والأذان إنّما شُرّع في المدينة فهي ممّا تأخّر حكمه عن نزوله (6).

وقد سئل الحافظ السيوطي : هل ورد أن بلالاً أو غيره أذّن بمكّة قبل الهجرة ؟ فأجاب بقوله : ورد ذلك بأسانيد ضعيفة لا يُعتمد عليها ، والمشهور الذي صحّحه أكثر العلماء ودلّت عليه الأحاديث الصحيحة أن الأذان شُرّع بعد الهجرة وأنّه لم يؤذِّن قبلها لا بلال ولا غيرُه (7).

هذا ، وإن النووي بعد أن أتى بخبر ابن عمر الدالّ على مشاورة الرسول للصحابة ، تساءل عن هذه المشاورة هل هي واجبة على رسول الله أم لا ؟! فقال : « ... واختلف أصحابنا ، هل كانت المشاورة واجبة على رسول الله أم كانت سُنّة من حقّه كما في حقّنا ؟ والصحيح عندهم وجوبها ، وهو المختار.

قال الله تعالى : ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ) (8) ، والمختار الذي عليه جمهور الفقهاء ومحقّقو أهل الأُصول أنَّ الأمر للوجوب ، وفيه أنّه ينبغي للمتشاورين أن يقول كلٌّ منهم ما عنده ، ثمّ صاحبُ الأمر يفعل ما ظهرت له مصلحة ، والله أعلم (9).

الثاني : جاء تشريع الأذان بعد منامات رآها بعض الصحابة

* أخرج أبو داود بإسناده عن أبي عمير بن أنس ، عن عُمومة له مِن الأنصار ، قال : « اهتمّ النبيّ للصلاة كيف يجمع الناس لها ؛ فقيل : انصِبْ رايةً عند حضور الصلاة ، فإذا رأوها آذَنَ بعضُهم بعضاً ، فلم يعجبه ذلك ، فذُكِر له القَنْع ـ يعني الشبّور ، وقال زياد : شبّور اليهود ـ فلم يعجبه ذلك ، وقال : هو مِن أمرِ اليهود.

قال : فذُكِر له الناقوس ، فقال : هو مِن أمرِ النصارى.

فانصرف عبدالله بن زيد وهو مهتمٌّ لهمِّ رسول الله ، فأُرِيَ الأذانَ في منامه ، فغدا على رسول الله فأخبره ، فقال : يا رسول الله ! إنّي لَبينَ نائم ويقظان إذ أتاني آت فأراني الأذان.

قال : وكان عمر بن الخطّاب قد رآه قبل ذلك فكتمه عشرين يوماً. قال : ثمّ أخبر النبيّ ، فقال له : ما منعك أن تخبرني ؟ فقال : سبقني عبدالله بن زيد فاستحييت.

فقال رسول الله : يا بلال ! قم فانظر ما يأمرك به عبدالله بن زيد فافعله ، قال : فأذَّنَ بلال.

قال أبو بشر [ وهو من رواة الخبر ] : فأخبرني أبو عمير أنّ الأنصار تزعم أنَّ عبدالله بن زيد لولا أنّه كان يومئذ مريضاً لجعله رسول الله مؤذِّناً (10).

* وأخرج الترمذيّ ، وأبو داود ، عن عبدالله بن زيد أنّه قال ـ والنصّ للثاني ـ : لمَّا أمر رسول الله بالناقوس يُعمَل ليضرب به للناس لجمع الصلاة ، طاف بي ـ وأنا نائم ـ رجل يحمل ناقوساً في يده ، فقلت : يا عبدالله ! أتبيع الناقوس ؟

قال : وما تصنع به ؟

قلتُ : ندعو به إلى الصلاة.

قال : أفلا أدلّك على ما هو خير من ذلك ؟

فقلتُ : بلى.

فقال : تقول : الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر

أشهد أن لا إله إلًّا الله ، أشهد أن لا إله إلًّا الله.

أشهد أنَّ محمّداً رسول الله ، أشهد أنَّ محمّداً رسول الله.

حيّ على الصلاة ، حيّ على الصلاة.

حيّ على الفلاح ، حيّ على الفلاح.

الله أكبر ، الله أكبر.

لا إله إلًّا الله.

قال : ثمّ استأخر عنّي غير بَعيد ، ثمّ قال : وتقول إذا أقمت الصلاة :

الله أكبر ، الله أكبر.

أشهد أن لا إله إلًّا الله.

أشهد أنّ محمّداً رسول الله.

حيّ على الصلاة.

حيّ على الفلاح.

قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة.

الله أكبر ، الله أكبر.

لا إله إلَّا الله.

فلمّا أصبحتُ أتيت رسول الله فأخبرته بما رأيت ، فقال : إنَّها لَرُؤيا حقّ إن شاء الله تعالى ، فقُم مع بلال فألقِ عليه ما رأيت فَلْيُؤذِّن به ، فإنّه أندى صوتاً منك ، فقمتُ مع بلال فجعلتُ أُلقيه عليه ويُؤذِّن به.

قال : فسمع ذلك عمر بن الخطّاب وهو في بيته ، فخرج يجرُّ رداءه ، ويقول : والذي بعثك بالحقِّ يا رسول الله ! لقد رأيتُ مثل ما رأى ، فقال رسول الله : فلله الحمد (11).

* وأخرج أبو داود عن ابن أبي ليلى ، قال : أُحيلت الصلاة ثلاثة أحوال ، قال : وحدّثنا أصحابنا أنّ رسول الله قال : لقد أعجبني أن تكون صلاة المسلمين ـ أو قال : المؤمنين ـ واحدة حتّى لقد هَمَمتُ أن أبثّ رجالاً في الدُّور ينادون الناس بحين الصلاة ، وحتّى هَمَمت أن آمر رجالاً يقومون على الآطام ينادون المسلمين بحين الصلاة حتّى نَقَسُوا أو كادوا [ أن ] ينقسوا.

قال : فجاء رجل من الأنصار فقال : يا رسول الله ! إنّي لمّا رجعتُ ـ لِما رأيتُ من اهتمامك ـ رأيتُ رجلاً كأنَّ عليه ثوبَين أخضرَين ، فقام على المسجد فأذَّن ثمّ قعد قعدة ، ثمّ قام فقال مثلها إلَّا أنّه يقول : قد قامت الصلاة ، ولولا أن يقول الناس ـ قال ابن المثنّى : أن تقولوا ـ لقلتُ إنّي كنتُ يقظاناً غير نائم.

فقال رسول الله : لقد أراك الله عزّوجلّ خيراً ـ كما في رواية ابن المثنّى ، ولم تأتِ هذه العبارة في رواية عمرو ـ فَمُرْ بلالاً فليؤذِّن.

قال : فقال عمر : أما إنّي فقد رأيتُ مثل الذي رأى ، ولكنّي لمّا سُبِقتُ استَحيَيت (12).

وأخرج مالك في الموطّأ : حدّثني يحيى ، عن مالك ، عن يحيى بن سعيد أنّه قال : كان رسول الله صلّى الله عليه وآله قد أراد أن يتّخذ خشبتَين يضرب بهما ليجتمع الناس للصلاة ، فأُرِيَ عبدالله بن زيد الأنصاريّ ثمّ من بني الحارث بن الخزرج خشبتَينِ في النوم ، فقال : إنَّ هاتين لَنحو ما يريد رسول الله ، فقيل : أفلا تُؤَذِّنون للصلاة ؟ فأتى رسول الله ، حين استيقظ ، فذكر له ذلك ، فأمر رسولُ الله بالأذان (13).

وفي مصنّف عبدالرزّاق بإسناده عن إبراهيم بن محمّد ، عن أبي جابر البياضيّ ، عن سعيد ، عن عبدالله بن زيد ـ أخي بني الحارث بن الخزرج ـ أنّه : بينما هو نائم إذ رأى رجلاً معه خشبتان ، قال : فقلتُ له في المنام : إنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وآله يريد أن يشتري هذين العُودَينِ يجعلهما ناقوساً يضرب به للصلاة.

قال : فالتفتَ إلَيَّ صاحبُ العودينِ برأسه فقال : أنا أدلّكم على ما هو خير من هذا « فبلَّغه رسول الله صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم ، فأمره بالتأذين » (14).

فاستيقظ عبدالله بن زيد ؛ قال : ورأى عمر مثل رؤيا عبدالله بن زيد ، فسبقه عبدالله بن زيد إلى النبيّ ، فأخبره بذلك ، فقال له النبيّ : قم فأذِّن ، فقال : يا رسول الله ! إنّي فضيع الصوت ، فقال له : فعلِّمْ بلالاً ما رأيتَ ، فعلَّمه فكان بلال يُؤَذِّن (15).

* وأخرج عبدالرزّاق أيضاً في مصنّفه عن ابن جريج : « قال عطاء : سمعتُ عبيد بن عمير يقول : ائتمر النبيّ وأصحابه كيف يجعلون شيئاً إذا أرادوا جمع الصلاة اجتمعوا لها ، فائتمروا بالناقوس ، قال : فبينا عمر بن الخطّاب يريد أن يشتري خشبتينِ للناقوس إذ رأى في المنام : أن لا تجعلوا الناقوس بل أذِّنوا بالصلاة ، قال : فذهب عمر إلى النبيّ ليخبره بالذي رأى ، وقد جاء النبيّ الوحي بذلك ، فما راع عمر إلّا بلال يؤذِّن ، فقال النبيّ : قد سبقك بذلك الوحي ، حين أخبره بذلك عمر » (16).

* وفي جامع المسانيد لأبي حنيفة ومجمع الزوائد ـ والنصّ للأوّل ـ : « عن علقمة بن مرثد ، عن ابن بريدة ، عن أبيه ، أنَّ رجلاً من الأنصار مرَّ برسول الله فرآه حزيناً ، وكان الرجل ذا طعام يُجتمَع إليه ، فانطلق حزيناً لِما رأى من حزن رسول الله ، وترك طعامه وما كان يجتمع إليه ، ودخل مسجده يصلِّي ، فبينما هو كذلك إذ نعس فأتاه آت في النوم ، فقال : هل علمت ما حَزَّن رسولَ الله ؟

فقال : لا.

قال : فهو لهذا الناقوس ، فائْتِهِ فمُرْه أن يأمر بلالاً أن يؤذِّن ، فعلَّمه الأذان : اللهُ أكبر اللهُ أكبر مرّتين ، أشهد أن لا إله إلّا الله مرّتين ، أشهد أنَّ محمّداً رسول الله مرّتين ، حيّ على الصلاة مرّتين ، حيّ على الفلاح مرّتين ، اللهُ أكبر ، اللهُ أكبر ، لا إله إلّا الله ..

ثمّ عَلّمه الإقامة مثل ذلك ، وقال في آخره : قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة ، اللهُ أكبر ، اللهُ أكبر ، لا إله إلّا اللهُ ، كأذان الناس وإقامتهم.

فأقبل الأنصاريّ فقعد على باب رسول الله ، فمرّ أبو بكر فقال : استأذن لي ، فدخل أبو بكر وقد رأى مثل ذلك ، فأخبر به النبيَّ ، ثمَّ استأذن للأنصاريّ فدخل وأخبر بالذي رأى ، فقال النبيُّ : قد أخبرنا أبو بكر بمثل ذلك ، فأمر بلالاً يؤذِّن بذلك (17).

فهذه النصوص وإن كانت مختلفة العبارات لكنّها تشير إلى رؤية متقاربة ؛ فالنصّ الأوّل يشير إلى أن تشريع الأذان جاء على أثر رؤيا رآها عبدالله بن زيد حينما رأى رسول الله مهموماً مغموماً. ويظهر أنّ رؤياه كانت ليلاً لقوله : « ... فأُرِيَ الأذان في منامه ، فغدا على رسول الله فأخبره » وكذا النصّ الثاني ، ففيه « فلمّا أصبحتُ أتيت رسول الله فأخبرته بما رأيت ».

لكن النصّ الذي رواه أبو حنيفة في جامع المسانيد فيه : أنّ الرجل لمّا رأى حزن رسول الله دخل المسجد يصلّي « فبينما هو كذلك إذ نعس فأتاه آت في النوم .... فأقبل الأنصاري فقعد على باب رسول الله فمرّ أبو بكر فقال : استأذن لي ... » وهو يختلف عن الأوّل.

ويضاف إليه أن الرجل الأنصاري في نصّ جامع المسانيد كان « ذا طعام يُجتَمع إليه ، فانطلق حزيناً لِما رأى من حزن رسول الله ، وترك طعامه وما كان يجتمع إليه » وهذا لم يشتهر عن عبد الله بن زيد بن عبدربّه بن ثعلبة الذي أُري النداء. مع أن نصّ جامع المسانيد يدّعي أنّ أبا بكر سبق الأنصاري بالرؤيا واخباره النبي صلّى الله عليه وآله بذلك ، وهو يخالف باقي النصوص التي تسجّل قدمَ السبق للأنصاري.

نعم ، اشتهر عن سعد بن عبادة وغيره من الأنصار الذين استضافوا رسول الله عند دخوله صلّى الله عليه وآله المدينة ، وكانوا من الأغنياء المعروفين بالجود والكرم مع أنّ نص جامع المسانيد يّدعي أنّ أبا بكر سبق الأنصاري بالرؤيا وإخباره النبيّ صلّى الله عليه وآله بذلك ، وهو يخالف باقي النصوص التي تسجّل قدمَ السبق للأنصاري.

أمّا النصّ الثاني ـ أيّ ما أخرجه الترمذي وأبو داود ـ فيشير إلى أنّ رسول الله أمر بالناقوس يُعمل ليضرب للناس ، فرأى عبدالله في المنام الأذان ، فأمر صلّى الله عليه وآله بلالاً أن يأخذ بما قاله عبدالله ؛ وهـذا لا يتّفق مع عدم ارتضائه صلّى الله عليه وآله للناقوس !!

وفي النصّ الثالث نراه صلّى الله عليه وآله يقول : « لقد هَمَمتُ أن أبثّ رجالاً في الدُّور ينادون الناس بحين الصلاة حتّى هَمَمت أن آمر رجالاً يقومون على الآطام ينادون بحين الصلاة ، حتّى نقسوا أو كادوا [ أن ] ينقسوا ، فجاء رجل من الأنصار ... » ، وهذا لا يتّفق مع ما قيل عن الرجل الأنصاري في كتب الحديث.

وفي موطّأ مالك : « كان رسول الله قد أراد ان يتّخذ خشبتين يضرب بهما ليجتمع الناس للصلاة ، فأُري عبد الله خشبتين في المنام ... ».

وهذا أيضاً لا يتّفق مع ما رواه عبدالرزّاق عن ابن جريج ، إذ فيه : أنّ عمر أراد « أن يشتري خشبتين للناقوس إذ رأى في المنام : أن لا تجعلوا الناقوس بل أذّنوا للصلاة ».

هذه بعض النصوص الدالّة على القول الثاني ، وقد حاولنا أن نوحدها ـ رغم اختلافاتها ـ بقدر المستطاع تحت عنوان واحد.

الثالث : نزول الأذان تدريجياً ، وإضافة عمر الشهادة بالنبوّة إليه

جاء في صحيح ابن خز يمة : حدّثنا بُندار ، حدّثنا أبو بكر ـ يعني الحنفيّ ـ حدّثنا عبدالله بن نافع ، عن أبيه ، عن ابن عمر : أنَّ بلالاً كان يقول أوَّل ما أذَّن : أشهد أن لا إله إلَّا الله ، حيّ على الصلاة ؛ فقال له عمر : قل في إثرها : أشهد أنَّ محمّداً رسول الله ؛ فقال رسول الله : قل كما أمرك عمر (18).

الرابع : الأذان وحيٌ من الله تلقّاه الرسول من جبرئيل

جاء في نصب الراية للزيلعي تحت باب « أحاديث في أنَّ الأذان كان وحياً لا مناماً » : روى البزّار في مسنده : حدّثنا محمّد بن عثمان بن مخلّد الواسطيّ ، حدّثنا أبي ، حدّثنا زياد بن المنذر ، عن محمّد بن عليّ بن الحسين ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن عليّ بن أبي طالب ، قال :

« لمّا أراد الله أن يُعَلِّم رسوله الأذانَ أتاه جبرئيل بدابّة يقال لها البُراق ، فذهب يركبها فاستصعبت ، فقال لها [ جبرئيل ] : اسكُني ، فوالله ما رَكِبَك عبدٌ أكرم على الله من محمّد.

قال : فركبها حتّى انتهى إلى الحجاب الذي يلي الرحمن تبارك وتعالى ، فبينما هو كذلك إذ خرج مَلَكٌ مِن الحجاب ، فقال رسول الله : يا جبرئيل ! مَن هذا ؟

قال : والذي بعثك بالحقِّ ، إنّي لاَقرب الخَلْق مكاناً ، وإنَّ هذا المَلَك ما رأيته منذ خُلِقتُ قبل ساعتي هذه.

فقال المَلَك : الله أكبر ، الله أكبر.

قال : فقيل له مِن وراء الحجاب : صَدَقَ عبدي ، أنا أكبر ، أنا أكبر.

ثمّ قال المَلَك : أشهد أن لا إله إلَّا الله.

قال : فقيل له مِن وراء الحجاب : صدق عبدي ، أنا لا إله إلَّا أنا.

ثمّ قال المَلَك : أشهد أنَّ محمّداً رسول الله.

فقيل له مِن وراء الحجاب : صدق عبدي ، أنا أرسلتُ محمّداً.

ثمّ قال المَلَك : حيَّ على الصلاة ، حيّ على الفلاح [ وفي مجمع الزوائد زيادة : قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة ]. ثمَّ قال الملك : الله أكبر ، الله أكبر.

فقيل له مِن وراء الحجاب : صَدَق عبدي ، أنا أكبر ، أنا أكبر.

ثمّ قال : لا إله إلَّا الله.

قال : فقيل مِن وراء الحجاب : صدق عبدي ، أنا لا إله إلَّا أنا.

قال : ثمّ أخذ المَلَك بيد محمّد فقدَّمه فأمَّ أهل السماء ، فيهم آدم ونوح .. انتهى.

[ وفي مجمع الزوائد زيادة : قال أبو جعفر محمّد بن عليّ : فيومئذ أكمل الله لمحمّد الشرف على أهل السماوات والأرض ] (19).

وروى الطبرانيّ في الأوسط عن ابن عمر : « أنَّ النبيّ لمّا أُسرِيَ به إلى السماء أُوحي إليه بالأذان ، فنزل به فعلَّمه جبرئيلَ » (20).

وروى ابن مردويه عن عائشة مرفوعاً : لمّا أسري بي أذّن جبرئيل فظنّت الملائكة أنّه [ أي جبرئيل ] يصلّي بهم ، فقدّمني فصلّيت (21).

الخامس : إنّ عمر أوّل من سمع أذان جبرئيل ثمّ بلال

جاء في مختصر إتحاف السادة المهرة بزوائد العشرة للبوصيري : عن كثير ابن مرة الحضرميّ ، أنَّ رسول الله قال : أوّل مَن أذَّن في السماء جبرئيل عليه السلام ، قال : فسمعه عمر وبلال ، فأقبل عمر فأخبر النبيَّ بما سمع ، ثمّ أقبل بلال فأخبر النبيَّ بما سمع ، فقال له رسول الله : سبقك عمر يا بلال ، أذِّن كما سمعت ، قال : ثمَّ أمره رسول الله أن يضع إصبعَيه في أُذنَيه استعانةً بهما على الصوت. رواه الحارث بن أُسامة مرسلاً بسند ضعيف لضعف سعيد ابن سنان (22).

السادس : إنّ الأذان نزل به جبرئيل على آدم لمّا استوحش

جاء في كشف الغُمَّة للشعراني : ... وكان كعب الأحبار يقول : قال رسول الله : لمَّا نزل آدم بأرض الهند استوحش فنزل جبرئيل فنادى بالأذان ، فزالت عنه الوحشة.

فقال جبرئيل : الله أكبر اللهُ أكبر ، أشهد أن لا إله إلَّا الله ـ مرّتين ، أشهد أنَّ محمّداً رسول الله ـ مرّتين.

قال آدم : مَن محمّد ؟

قال : آخِر ولدك مِن الأنبياء (23).

قال عليّ بن برهان الدين الحلبي في سيرته : أقول : ومن أغرب ما وقع في بدء الأذان ما رواه أبو نعيم في الحلية بسند فيه مجاهيل أنّ جبرئيل نادى بالأذان لآدم حين أُهبط من الجنَّة (24).

ثمّ قال الحلبي :

وبهذا يعلم ما في الخصائص الصغرى « خُصّ صلّى الله عليه وآله بذكر اسمه في الأذان في عهد آدم وفي الملكوت الأعلى » والله أعلم (25).

هذا ما قاله أهل السنّة والجماعة في بدء الأذان ، ولكنْ .. ما هي رؤية أهل البيت : في قضيّة بدء تشريع الأذان ؟ هذا ما سنتعرّف عليه في الصفحات التالية.

الهوامش

1. صحيح البخاري ١ : ٣٠٦ كتاب الأذان باب بدء الأذان ح ٥٧٠ ، صحيح مسلم ١ : ٢٨٥/١ ، سنن الترمذي ١ : ٣٦٢ ـ ٣٦٣ أبواب الصلاة باب ما جاء في بدء الأذان ح ١٩٠ ، سنن النسائي ٢ : ٢ ـ ٣ كتاب الأذان باب بدء الأذان ، مسند أحمد ٢ : ١٤٨ ، مسند عبدالله بن عمر بن الخطّاب.

2. صحيح ابن خزيمة ١ : ١٩٠ كتاب الصلاة باب الأذان والإقامة ح ٣٦٥.

3. السيرة الحلبية ٢ : ٢٩٦.

4. الدرّ المنثور ٥ : ٣٦٤ ، المصنّف لابن أبي شيبة ١ : ٢٠٤ ، باب في فضل الأذان وثوابه ح ٢٣٤٧.

5. انظر : تفسير القرطبي ١٥ : ٣٦٠ ، وتفسير الثعالبي ٥ : ١٣٩.

6. السيرة الحلبية ٢ : ٢٩٧.

7. السيرة الحلبية ٢ : ٢٩٦.

8. آل عمران : ١٥٩.

9. شرح النوويّ على مسلم ٣ ـ ٤ : ٣١٨ كتاب الصلاة باب بدء الأذان.

10. سنن أبي داود ١ : ١٣٤ كتاب الصلاة باب بدء الأذان.

11. الجامع الصحيح للترمذي ١ : ٣٥٨ أبواب الصلاة ، باب : « ما جاء في بدء الأذان » ، سنن أبي داود ١ : ١٣٥ كتاب الصلاة ، باب « كيف الأذان » وفيه قال أبو داود : هكذا رواية الزهري عن سعيد بن المسيب عن عبدالله بن زيد ، وقال فيه ابن إسحاق عن الزهري : الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، وقال معمر ويونس عن الزهري فيه : الله أكبر ، الله أكبر لم يثنيّا ، وانظر : : صحيح ابن خزيمة ١ : ١٩٣.

12. سنن أبي داود ١ : ١٣٩ كتاب الصلاة باب بدء الأذان ح ٥٠٦.

13. الموطّأ ١ : ٦٧ كتاب الصلاة ، باب « ما جاء في النداء للصلاة ».

14. ما بين القوسين ساقط من كنز العمّال.

15. مصنّف عبدالززّاق ١ : ٤٦٠ / ١٧٨٧ كتاب الصلاة باب بدء الأذان كذلك كنز العمال ٨ : ٣٢٩ كتاب الصلاة الباب الخامس ح ٢٣١٤٠.

16. مصنّف عبدالرزّاق ١ : ٤٥٦ / ١٧٧٥ كتاب الصلاة باب بدء الأذان. هذه الرواية وان كانت ترتبط بالأذان عن طريق الوحي لكنا أتينا بها هنا لارتباطها بروايات المنامات.

17. جامع المسانيد ١ : ٢٩٩ ، مجمع الزوائد ١ : ٣٢٩ كتاب الصلاة باب كيف بدء الأذان.

18. صحيح ابن خزيمة ١ : ١٨٩ ، كتاب الصلاة باب في بدء الأذان والإقامة ح ٣٦٢. وانظر : السيرة الحلبية ٢ : ٣٠٣ ، كنز العمّال ٨ : ٣٣٤ كتاب الصلاة الباب الخامس ح ٢٣١٥٠.

19. نصب الراية ١ : ٢٦٠ ، مجمع الزوائد ١ : ٣٢٨ كتاب الصلاة باب بدء الأذان. وانظر فتح الباري في شرح صحيح البخاري لابن رجب الحنبلي ٣ : ٣٩٦ وقال السهنلي : واخلق لما يعضده ويشاكله من حديث الاسراء انظر البداية والنهاية ٣ : ٢٨٥.

20. الأوسط للطبرانيّ ١٠ : ١١٤ ح ٩٢٤٣ ، ٩٢٤٧ مجمع الزوائد ١ : ٣٢٩ كتاب الصلاة باب بدء الأذان وفيه : « رواه الطبراني في الأوسط ، وفيه طلحة بن زيد ونسب إلى الوضع ».

21. السيرة الحلبية ٢ : ٢٩٦ وفيه : قال الذهبي : حديث منكر بل موضوع.

22. إتحاف السادة المهرة ١ ـ ٢ : ٣١٧ كتاب الأذان باب بدء الأذان وصفته ح ٩٨٣ ، السيرة الحلبية ٢ : ٣٠٢ وفيه : « وروي بسند واه أن أوّل من أذن بالصلاة جبرئيل في سماء الدنيا ، فسمعه عمر وبلال رضي الله عنهما فسبق عمر بلالاً فاخبر النبي ثمّ ... ».

23. كشف الغمّة ١ : ٩٦ كتاب الصلاة باب الأذان وفضله. وانظر : قريباً منه في حلية الأولياء ٥ : ١٠٧ ترجمة عمرو بن قيس الملائي عن أبي هريرة.

24. السيرة الحلبية ٢ : ٢٩٧.

25. السيرة الحلبية ٢ : ٣٠٢.

مقتبس من كتاب : [ الأذان بين الاصالة والتحريف ] / الصفحة : 27 ـ 40