تحقيق في ما وراء نظريّة الرؤيا في الأذان

طباعة

تحقيق في ما وراء نظريّة الرؤيا

بعد أن توصلنا إلى وجود اختلاف بين المسلمين في كيفيّة تشريع هذه الشعيرة الإسلاميّة ، وعلمنا أنّ أهل بيت النبوّة لا يقبلون فكرة الرؤيا ، حاولنا تحديد زمن النزاع بين المسلمين ، والدوافع الكامنة وراء طرح مثل هذه الآراء في الشريعة.

ممّا لا شكّ فيه أنّ قدرات المسلمين وأفهامهم وإدراكاتهم لحقيقة الإيمان والإسلام لم تكن بمرتبة واحدة.

فالبعضُ منهم كان يفهم مغزى الرسالة ومكانة الرسول وما يريده الله من أوامره ونواهيه بدقّة عالية فكان يتعبّد بما قاله رسول الله ولا يرى لنفسه الخيرة من أمره.

والبعض الآخر كان يرى لنفسه حقّ التشريع وإبداء الرأي مسمّياً فعله بالاجتهاد.

وهناك اتّجاه ثالث أغرق في النزع ، فراح يتعامل مع الرسول كأنّه رجل حارب فانتصر !

ورابع وخامس و ...

وقد وضحنا في دراستنا لأسباب « منع تدوين الحديث » ونتائجه هذه الاتّجاهات وقلنا أنّها جميعاً تنخرط وتنتظم في نهجين هما :

١ ـ المتعبّدون = التعبّد المحض.

٢ ـ المجتهدون = الاجتهاد بالرأي.

ونحن لا نريد أن نعود إلى ما كتبناه سابقاً ، بل نريد الإشارة إلى بعض الشيء عن هذين النهجين ، مؤكّدين الكلية التي رسمناها في دراسة ملابسات التشريع ، مبينين كيفيّة تطبيقها في مفردة الأذان ، وكيف ارتبطت قضيّة الأذان بالمنام بعد ثبوتها في الاسراء والمعراج ، وما هو ارتباطها بالرؤيا التي أقلقت النبيّ صلّى الله عليه وآله ؛ تلك الرؤيا التي رأى صلّى الله عليه وآله فيها بني أميّة يَنْزُون على منبره الشريف نَزْوَ القردة ؟

وقد رأينا تقديم شيء من خبر الإسراء والتحريفات الواقعة فيه ؛ لارتباطه ببيان رؤيتنا بصدد الرؤيا في الأذان ، وهو بيان لدواعي اختلاف المسلمين في بدء الأذان ، فنقول :

إنّ خبر الإسراء والمعراج ثابت لا كلام فيه ، وقد وردت سورة باسم الإسراء في الذكر الحكيم.

وقد اختلف المسلمون في يوم الإسراء ومكانه وكيفيّة عروجه صلّى الله عليه وآله إلى السماء ، وما جرى في الإسراء والمعراج ، وهل أُسري به مرّة أو مرّتين (1) أو أكثر من ذلك (2) ، وهل كان عروجه بروحه وجسده أم بروحه فقط ؟ على أنّ هناك من فَصَّل بين إسرائه ومعراجه ، فقال بأن إسراءَهُ من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى كان بروحه وجسمه ، وأنّ عروجه إلى السماء كان بروحه فقط ؟

فالذين لا يدركون عمق الرسالة ومكانة الرسول شكّكوا في حقيقة الإسراء والمعراج وقالوا بأشياء لا تتّفق مع رسالة الغيب والوحي ، وقد ارتدّ بعض من أَسلَمَ حينما سمع بخبر الإسراء ، وهناك من ثبت على الدين وصَدَّق بما قال الرسول وبما حكاه من مشاهدات ومغيّبات ، كبعض الصحابة المتعبّدين المخلصين الذين شهد لهم التاريخ بصدقهم ووفائهم وبقائهم على العهد الذي فارقوا رسول الله صلّى الله عليه وآله عليه.

نعم ، قد اختلفت النصوص في مكان الإسراء ، فالبعض منها صرحت بأنّه صلّى الله عليه وآله أسري به من شعب أبي طالب (3) ، والأُخرى من بيت خديجة (4) ، وثالثة من بيت فاختة « أمّ هاني » بنت أبي طالب (5) أخت الإمام عليّ ، ورابعة من بيت عائشة (6).

ففي تفسير الطبري بإسناده عن أبي صالح بن ياذم ، عن أُمّ هاني بنت أبي طالب في مسرى النبيّ ، أنّها كانت تقول : ما أُسري برسول الله إلّا وهو في بيتي نائم عندي تلك الليلة ، فصلّى العشاء الآخرة ثمّ نام ونمنا ، فلمّا كان قُبيل الفجر أهبَّنا رسول الله ، فلمّا صلّى الصبح وصلّينا معه قال : يا أُمّ هاني ، لقد صلّيتُ معكم العشاء الآخرة كما رأيتِ بهذا الوادي ، ثمّ جئتُ بيت المقدس فصلّيت فيه ، ثمّ صلّيت صلاة الغداة معكم الآن كما تَرَين (7).

وفي بعض الآثار أنّ أمّ هاني قالت : فقدتُه صلّى الله عليه وآله ـ وكان نائماً عندي ـ فامتنع منّي النوم مخافةَ أن يكون عرض له بعض قريش. ويقال : أنّه تفرّقت بنو عبد المطلّب يلتمسونه ، ووصل العبّاس إلى ذي طُوى وهو ينادي : يا محمّد ، يا محمّد ، فأجابه صلّى الله عليه وآله.

فقال : يا ابن أخي ، أعيَيْتَ قومك ! أين كنت ؟

قال : ذهبتُ إلى بيت المقدس.

قال : مِن ليلتك ؟!

قال : نعم.

قال : هل أصابك إلّا خير ؟

قال : ما أصابني إلّا خير ، وقيل غير ذلك (8).

وفي روضة الكافي عن الصادق عليه السلام قال : لمّا أسري برسول الله صلّى الله عليه وآله أصبح فقعد فحدَّثهم بذلك ؛ فقالوا له : صِفْ لنا بيت المقدس. قال : فوصف لهم ، وإنّما دخله ليلاً فاشتبه عليه النعت ، فأتاه جبرئيل فقال : انظر هاهنا ، فنظر إلى البيت فوصفه وهو ينظر إليه ، ثمّ نعت لهم ما كان من عِير لهم فيما بينهم وبين الشام ، ثمّ قال : هذه عير بني فلان تَقدِم مع طلوع الشمس يتقدّمها جملٌ أورَق أو أحمر. قال : وبعثت قريش رجلاً على فرس ليردّها ، قال : وبلغ مع طلوع الشمس ، قال قرطة بن عبد عمرو : يا لَهفا !! ألّا أكون لك جذعاً حين تزعم أنّك أتيت بيت المقدس ورجعت من ليلتك ! (9)

وفي أمالي الصدوق بإسناده عن الإمام الصادق عليه السلام قال : لمّا أسري برسول الله إلى بيت المقدس حمله جبرئيل على البُراق ، فأتَيا بيت المقدس وعرض عليه محاريب الأنبياء وصلّى بها وردّه ، فمرّ رسول الله في رجوعه بعِير لقريش ، وإذا لهم ماء في آنية وقد أضلّوا بعيراً لهم وكانوا يطلبونه ، فشرب رسول الله من ذلك الماء وأهرق باقيه.

فلمّا أصبح رسول الله قال لقريش : إنّ الله جلّ جلاله قد أسرى بي إلى بيت المقدس وأراني آثار الأنبياء ومنازلهم ، وإنّي مررت بعِير لقريش في موضع كذا وكذا وقد أضلّوا بعيراً لهم فشربتُ من مائهم وأهرقتُ باقي ذلك ، فقال أبو جهل : قد أمكنتكم الفرصة منه ، فاسألوه : كم الأساطينُ فيها والقناديل ؟

فقالوا : يا محمّد ، إنّ ها هنا من قد دخل بيت المقدس ، فصِفْ لنا كم أساطينُه وقناديله ومحاريبه ؟

فجاء جبرئيل فعلّق صورة بيت المقدس تجاه وجهه ، فجعل يخبرهم بما يسألونه عنه ، فلمّا أخبرهم ، قالوا : حتّى تجيء العير ونسألهم عمّا قلت ، فقال لهم رسول الله : تصديقُ ذلك أن العِير تطلع عليكم مع طلوع الشمس يقدمها جملٌ أورَق.

فلمّا كان من الغد أقبلوا ينظرون إلى العَقَبة ويقولون : هذه الشمس تطلع [ علينا ] الساعة ، فبينما هم كذلك إذ طلعت عليهم العِير ـ حتّى طلع القرص ـ يقدمها جمل أورَق ، فسألوهم عمّا قال رسول الله فقالوا : لقد كان هذا ؛ ضلّ جمل لنا في موضع كذا وكذا ، ووضعنا ماءً فأصبحنا وقد أهريق الماء فلم يَزِدْهم ذلك إلّا عُتوّاً (10).

وروى البغوي في تفسيره عن ابن عبّاس وعائشة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله : لمّا كانت ليلة أُسري بي أصبحت بمكّة فضِقتُ بأمري وعرفتُ أنّ الناس يكذّبوني ، فروي أنّه عليه الصلاة والسلام قعد معتزلاً حزيناً ، فمرّ به أبو جهل فجلس إليه ، فقال له كالمستهزئ : هل استفدتَ من شيء ؟

قال : نعم ، إنِّي أُسري بي الليلة.

قال : إلى أين ؟

قال : إلى بيت المقدس.

قال : ثمّ أصبحتَ بين ظَهرانينا ؟!

قال : نعم.

فلم يُرِهِ أبو جهل أنّه ينكر ذلك مخافة أن يجحده الحديث ، قال : أتُحدِّثُ قومك بما حدّثتني به ؟

قال : نعم.

قال أبو جهل : يا معشر بني كعب بن لؤيّ ، هلمّوا. قال : فانقضّت إليه المجالس فجاؤُوا حتّى جلسوا إليهما ، قال : فحدِّثْ قومك بما حدّثتني ؟

قال : نعم ، أنّه أُسري بي الليلة.

قالوا : إلى أين ؟

قال : إلى بيت المقدس.

قالوا : ثمّ أصحبت بين ظهرانينا ؟

قال : نعم.

قال : فمِن بين مصفّق ، ومن بين واضع يدَه على رأسه متعجّباً للكذب ، وارتدّ ناسٌ ممّن كان آمن به وصدّقه ... (11)

قال ابن إسحاق : وحدِّثتُ عن الحسن : ... فلمّا أصبح صلّى الله عليه وآله غداً على قريش فأخبرهم الخبر ، فقال أكثر الناس : هذا والله الأمر البيِّن ! والله إنّ العِير لتطرد شهراً من مكّة إلى الشام ؛ مُدبرةً شهراً ومُقبلةً شهراً ، فيذهب ذلك محمّد في ليلة واحدة ويرجع إلى مكّة !

قال : فارتدّ كثير ممّن كان أسلم (12) ...

كان هذا بعض الشيء عن الإسراء والمعراج وتكذيب قريش بهما ، وارتداد بعض المسلمين ، وقد سعت قريش وعن طريق حكّام بني أميّة وبعض علماء البلاط في العصور المتأخّرة إلى التشكيك في الإسراء والمعراج والتقليل من عظمة هذا الأمر الإلهيّ ومكانة الرسول بطرح تشكيكات ذات طابع جدلي ، كالقول باستحالة صعود الأجسام إلى العالم العلوي بهذه السرعة الخارقة للعادة بحيث يذهب في آخر الليل ويرجع إلى مكّة عند الفجر ، وعدم تطابق ما قيل في مقدّمات هذا السفر الإلهي من شقّ الصدر وغسله بماء زمزم وركوبه صلّى الله عليه وآله البراق و ... مع العقل.

كلّ تلك التساؤلات بل قل التشكيكات جاءت مساوقة للتشكيك في مدلول قوله تعالى في الآية ٦٠ من سورة الإسراء ؛ إذ قال سبحانه ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ ) حيث قالوا بأنّ الإسراء والمعراج كان بروحه صلّى الله عليه وآله ـ لا بجسمه وروحه ـ كي يقلّلوا من واقع الإسراء ويعضّدوا القول بأنّه كان في المنام لا في اليقظة و ...

فقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير عن عائشة رضى الله تعالى عنها ، قالت : ما فقدتُ جسدَ رسولِ الله ، ولكنّ الله أسرى بروحه (13).

وأخرج ابن إسحاق وابن جرير عن معاوية بن أبي سفيان أنّه كان إذا سئل عن مسرى رسول الله قال : كانت رؤيا صادقة (14).

قال القرطبي في تفسيره : وقد احتُجَّ لعائشة بقوله تعالى : ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ ) فسمّاها رؤيا.

وهذا يردّه قوله تعالى : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا ) ، ولا يقال في النوم : « أسرى » ، وأيضاً فقد يقال لرؤية العين « رؤيا » ... وفي نصوص الأخبار الثابتة دلالة واضحة على أنّ الإسراء كان بالبدن ... (15)

وقال ابن عطيّة الأندلسي : ... والصحيح ما ذهب إليه الجمهور ، ولو كانت منامة ما أمكن قريشاً التشنيع ، ولا فضّل أبو بكر بالتصديق ، ولا قالت له أمّ هاني : لا تُحدِّث الناس بهذا فيكذّبوك ، إلى غير هذا من الدلائل.

واحتجّ لقول عائشة بقوله تعالى : ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ ) ويحتمل القول الآخر ؛ لأنّه يقال لرؤية العين « رؤيا ». واحتجّ أيضاً بأنّ في بعض الأحاديث « فاستيقظت وأنا في المسجد الحرام » ، وهذا محتمل أن يريد من الإسراء النوم.

واعترض قول عائشة بأنّها كانت صغيرة لم تشاهد ولاحدّثت عن النبي عليه السلام ، وأمّا معاوية فكان كافراً في ذلك الوقت غير مشاهد للحال ، صغيراً ، ولم يحدّث عن النبيّ ... (16)

وقال ابن كثير : ... فلو كان مناماً لم يكن فيه كبير شيء ، ولم يكن مستعظماً ، ولما بادرت قريش إلى تكذيبه ، ولما ارتدّت جماعة ممّن كان قد أسلم ، وأيضاً فإن « العبد » عبارة عن مجموع الروح والجسد وقد قال : ( أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا ) ... (17)

ويجري مجرى قوله تعالى : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ ) ما في سورة النجم ، فقوله تعالى : ( مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ * لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ ) (18) لا يتّفق مع الرؤيا ، بل الآية في سياق الامتنان وبيان آيات ربّه الكبرى ، أمّا الرؤيا فهي نحو من التخيّل يتفق للصالح والطالح ولا منزلة للرسول في القول بهذا.

هذا ويمكن إجابة كلّ التساؤلات والتشكيكات بأنّ الأمر كان معجزةً ، والمعجزةُ لا تدركها العقول البسيطة ، فهي من قبيل إحياء الأموات ، وتبديل العصى ثعباناً ، وكولادة عيسى من غير أَب ، وخروج ناقة صالح من الجبل الأصم ، وقوله تعالى : ( فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّـهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) (19) ، وقوله تعالى : ( قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ) (20) صريحٌ بإحضار « من عنده علم من الكتاب » لعرش بلقيس من أقصى اليمن إلى أقصى الشام في مقدار لمح البصر ، وهو يشبه ما قاله سبحانه عن الرياح وأنّها كانت تسير بسليمان ( غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ ) (21) في لحظة واحدة ، إلى غيرها من عشرات بل مئات الموارد.

إذاً رسالة الإسلام هي رسالة الغيب والإيمان بما خلق الله من الجنِ والملك والروح و ... والمسلم هو الذي يسلم بالغيب ويؤمن به لقوله تعالى : ( الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ) (22).

فلو كان معراج النبيّ محمّد في ليلة واحدة ممتنعاً لكان القول بنزول آدم من الجنّة وإصعاد عيسى إلى السماء ممتنعاً ، بل لسرى الشكّ في المعجزات لأنّها في أصلها خرقٌ للقوانين المادية.

وعليه فهذه الرؤية طرحت لبذر الشكّ في قلوب المؤمنين من قبل ( الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ ) (23) أو ( الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ) (24) في حين أنّ رسالة السماء معناها الغيب والماورائيات وهي تتّفق مع الإسراء وما جاء فيه ، وهذا ما لا تدركه عقول هؤلاء من الامتحان الإلهيّ الذي سُنّ ليمحّص الله به المؤمنين ويميزهم عن الكافرين والمنافقين.

هذا وقد أجاب العلّامة الطباطبائي في « الميزان » عمّا قاله بعض المفسّرين من أنّ الشجرة الملعونة في القرآن تعني شجرة الزقّوم التي قال عنها الباري جلّ شأنه : ( أَذَٰلِكَ خَيْرٌ نُّزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ * إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ ) (25) ، بأنّ هذا الاحتمال بعيد جدّاً لأنّه جلّ شأنه لم يلعنها في موضع من القرآن الكريم ، ولو كان مجردّ كونها شجرةً تخرج من أصل الجحيم سبباً موجباً للعنها في القرآن الكريم لكانت النار وما أعدّ الله فيها من العذاب ملعونة وهذا ما لم يَقُله أحد ، ولكان ملائكةُ العذاب ـ الذين قال عنهم جلّ شأنه : ( وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا ) (26) ـ ملعونين ، في حين نراه سبحانه قد أثنى عليهم بقوله : ( عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّـهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) (27).

ولو صحّ هذا الاحتمال لكانت أيدي المؤمنين ملعونة كذلك ؛ لقوله : ( قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّـهُ بِأَيْدِيكُمْ ) (28).

ومثله حال بقيّة المعاذير التي ذكرها مفسّروا أهل السنّة والجماعة للتخلّص من كيفيّة صحّة لعن الشجرة ، ومحاولتهم صرف الآية الكريمة عن لعن شجرة بني أميّة (29).

وإنكّ لو تدبّرتَ في تفسير قوله تعالى : ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ) لعرفت أنّ المقصود منها بنو أميّةِ ؛ لما فعلوه من قبيح الأعمال ، ولا يصحّ ما قالوه بأنّ المعنيّ من الرؤيا هي الإسراء وغيرها من الأفكار الفاسدة.

وبهذا فقد عرفت أَنَّ جهلهم بالاُمور الغيبيّة ومكانة الرسول لم يكن عن قصور أو تقصير بَدْويَّينِ ، بل إنَّ جذوره ترجع إلى خلفيّات هي أعمق ممّا قالوه بكثير.

مع الرسول ورؤياه

قال الآلوسي في تفسير آية الرؤيا : ... وأخرج ابن جرير ، عن سهل بن سعد ، قال : « رأى رسول الله صلّى الله عليه وآله بني أميّة يَنْزون على منبره نزو القردة فساءه ذلك ، فما استجمع ضاحكاً حتّى مات عليه الصلاة والسلام ، وأنزل الله تعالى هذه الآية : ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا ). وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل ، وابن عساكر عن سعيد بن المسيّب ، قال : رأى رسول الله صلّى الله عليه وآله بني أميّة على المنابر فساءه ذلك ، فأوحى الله إليه : إنّما هي دنيا أُعطُوها ، فقرّت عينه ، وذلك قوله تعالى : ( وَمَا جَعَلْنَا ) ... الخ.

وأخرج ابن أبي حاتم ، عن يعلى بن مرّة ، قال : « قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : رأيت بني أميّة على منابر الأرض وسيملكونكم فتجدونهم أرباب سوء ، واهتمّ عليه الصلاة والسلام لذلك ، فأنزل الله سبحانه : ( وَمَا جَعَلْنَا ) ... الآية »

وأخرج عن ابن عمر : أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قال : « رأيتُ ولد الحَكَم بن أبي العاص على المنابر كأنّهم القردة ، وأنزل الله تعالى في ذلك ( وَمَا جَعَلْنَا ) ... الخ ، والشجرة الملعونة الحكم وولده » وفي عبارة بعض المفسّرين : هي بنو أميّة.

وأخرج ابن مردويه ، عن عائشة رضي الله تعالى عنها : أنّها قالت لمروان بن الحكم : « سمعتُ رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول لأبيك وجدّك : إنّكم الشجرة الملعونة في القرآن ».

فعلى هذا معنى إحاطته تعالى بالناس إحاطة أقداره بهم ، والكلام على ما قيل على حذف مضاف ، أيّ « وما جعلنا تعبير الرؤيا » أو الرؤيا فيه مجاز عن تعبيرها ، ومعنى جعل ذلك فتنة للناس جعله بلاء لهم ومختبراً ، وبذلك فسّره ابن المسيب.

وكان هذا بالنسبة إلى خلفائهم الذين فعلوا ما فعلوا ، وعدلوا عن سنن الحقّ وما عدلوا ، وما بعده بالنسبة إلى ما عدا خلفاءهم منهم ، ممّن كان عندهم عاملاً وللخبائث عاملاً ، أو ممّن كان من أعوانهم كيفما كان.

ويحتمل أن يكون المراد « ما جعلنا خلافتهم وما جعلناهم أنفسهم إلّا فتنة » ، وفيه من المبالغة في ذمّهم ما فيه. وجعل ضمير ( وَنُخَوِّفُهُمْ ) على هذا لما كان له أوّلاً ، أو للشجرة باعتبار أن المراد بها بنو أميّة ولعنهم لما صدر منهم من استباحة الدماء المعصومة ، والفروج المحصنة ، وأخذ الأموال من غير حلها ومنع الحقوق عن أهلها ، وتبديل الأحكام ، والحكم بغير ما أنزل الله تعالى على نبيّه عليه الصلاة والسلام ، إلى غير ذلك من القبائح العظام والمخازي الجسام التي لا تكاد تُنسى ما دامت الليالي والأيّام.

وجاء لعنهم في القرآن ، إمّا على الخصوص كما زعمته الشيعة ، أو على العموم كما نقول ، فقد قال سبحانه وتعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّـهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ) وقال عزّوجلّ : ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّـهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ ) إلى آيات أخر ، ودخولهم في عموم ذلك يكاد يكون دخولاً أوّليّاً (30) ، انتهى موضع الحاجة من كلام الآلوسي.

وقال القرطبي في تفسيره : « فنزلت الآية مخبرة أنّ ذلك من تملّكهم وصعودهم [ أي نَزْوِهِم على منبره نزو القردة ] يجعلها الله فتنة للناس وامتحاناً ، وقرأ الحسن بن عليّ في خطبته في شأن بيعته لمعاوية : ( وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ ). قال ابن عطية : وفي هذا التأويل نظر ، ولا يدخل في هذه الرؤيا ، عثمان ، ولا عمر بن عبدالعزيز ، ولا معاوية » (31).

وعليه فلا يصحّ ما قالوه من تكلّفات في كلمة الرؤيا والشجرة الملعونة في الآية ، مع وضوح أنّ الملعونين في القرآن هم جند إبليس واليهود ، والمشركون ، والمنافقون ، والذين ماتوا وهم كفّار ، والذين يكتمون ما أنزل الله ، والذين يؤذون الله ورسوله وغيرها لا شجرة الزقوم ولا غيرها من التأويلات التي صيغت بأخرة لإبعاد الآية الكريمة عن معناها الحقيقي (32).

المجتهدون الأوائل ودورهم في التشريع

أبانت دراساتنا السابقة عن « وضوء النبيّ » و « منع تدوين الحديث » و « تاريخ الحديث النبوي الشريف » (33) بروز نهجين بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله كان موجودين في حياته :

أحدهما : يتّخذ المواقف من خلال الأصول ، ويتّبع القرآن والسنّة ، ولا يرتضي الرأي والاجتهاد مع وجود النصّ.

والآخر : يتّخذ الأصول من خلال مواقف الصحابة وإن خالفت النصوص ، فهؤلاء يشرّعون الرأي ويأخذون به مقابل النصّ ، ويتعاملون مع رسول الله كأنّه بشر غير كامل يصيب ويخطئ ويسبّ ويلعن ثمّ يطلب المغفرة للملعونين (34) ، أو أنّه صلّى الله عليه وآله خفي عليه أمر الوحي حتّى أخبره ورقة بن نوفل بذلك ! وهذا يخالف ما ثبت من أنّ خاتم النبوّة كان مكتوباً على كتفه.

وبين هؤلاء من رفع صوته ـ في ممارساته اليوميّة ـ فوق صوت النبيّ ، واعترض على رسول الله في أعماله (35) ، وتعرّف المصلحة وهو بحضرته صلّى الله عليه وآله ، وتنزّه في أمر رخّص فيه ، أو تزهّد في أمر نهى عنه.

فجاء في كتاب الآداب من صحيح البخاري أنّ النبيّ رخّص في أمر فتنزّه عنه ناس ، فبلغ النبيّ فغضب ثمّ قال : ما بال أقوام يتنزّهون عن الشيء أصنعه ، فوالله إنّي لأعلمُهم وأشدّهم خشية (36).

وفي خبر آخر : أُخبر رسول الله أنّ عبدالله بن عمرو بن العاص يقول : والله لأصومنّ النهار ولأقومنّ الليل ، فقال له رسول الله : أنت الذي تقول : « لأصومنّ النهار ولأقومنّ الليل ما عشت » ؟!

قال : قد قلت ذلك يا رسول الله.

فقال رسول الله : إنّك لا تستطيع ذلك فصُمْ وأفطرِ ، ونَم وقُم ، وصُم من الشهر ثلاثة أيّام ، فإنّ الحسنة بعشر أمثالها ، وذلك مثل صيام الدهر.

قال ، قلت : إنّي أُطيق أفضلَ من ذلك.

فقال صلّى الله عليه وآله : فصم يوماً وأفطِر يومين.

قال : قلت : إنّي أطيق أفضل من ذلك.

فقال : قال : فَصُم يوماً وأفطِر يوماً ، فذلك صيام داود عليه السلام وهو أفضل الصيام.

فقلت : أطيق أفضل من ذلك.

فقال النبيّ : لا أفضل من ذلك (37).

إن مثل هذا التحكيم للرأي الشخصي في مقابل قول رسول الله صلّى الله عليه وآله يحمل في طياته مخاطر عديدة ، ويفتح مسارات للتحريف والتبديل ، ومن شأنه أن يحول الدين الالهي إلى دين مشوب بآراء الناس ووجهات نظرهم الشخصيّة ، وهو يجرّ من ثمّ إلى تجزئ الدين والى النزعة التلفيقيّة في الشريعة ، ومن هنا ظهرت في الصدر الأوّل وما بعده الأحكام المبتدعة والأهواء المتّبعة التي ليست من دين الله في شيء ، ولا تمت إلى الحياة الإسلاميّة النزيهة بصلة ، وهو الذي كان رسول الله يتخوف على اُمّته منه. وقد صرّح الإمام عليّ في خطبة له بأنّه لو أتيحت له الفرصة لأرجع بعض الأُمور إلى أصلها ، فقال : « ... وإنّما بدءُ وقوع الفتن أهواء تتّبع وأحكام تبتدع ، يخالف فيها كتاب الله ، يتولّى فيها رجالٌ رجالاً ... إلى أن يقول : ... أرأيتم لو أمرت بمقام إبراهيم فرددته إلى الموضع الذي وضعه فيه رسول الله ، ورددت فدك إلى ورثة فاطمة ، ورددت صاع رسول الله كما كان ، وأمضيت قطائع أقطعها رسول الله صلّى الله عليه وآله لأقوام لم تمض لهم ولم تنفذ ، ورددت دار جعفر إلى ورثته وهدمتها من المسجد (38) ، ورددت قضايا من الجور قضي بها (39) ، ونزعت نساء تحت رجال بغير حقّ فرددتهن إلى أزواجهن (40) واستقبلت بهنّ الحكم في الفروج والأحكام ، وسبيت ذراري بني تغلب (41) ، ورددت ما قسّم من أرض خيبر ، ومحوت دواوين العطايا (42) ، وأعطيت كما كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يعطي بالسويّة ، ولم أجعلها دولة بين الأغنياء. وألقيت المساحة (43) ، وسوّيت بين المناكح (44) ، وأنفذت خمس الرسول كما أنزل عزّوجلّ وفرضه (45) ، ورددت مسجد رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى ما كان عليه (46) ، وسددت ما فُتح فيه من الأبواب (47) ، وفتحت ما سُدّ منه ، وحرّمت المسح على الخفين (48) ، وحَدَدت على النبيذ ، وأمرت بإحلال المُتعتيَن (49) ، وأمرت بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات (50) ، وألزمتُ الناس الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم (51) ، وأخرجت من أُدخل بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله في مسجده ممّن كان رسول الله صلّى الله عليه وآله أخرجه ، وأدخلت من أُخرج بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله ممّن كان رسول الله صلّى الله عليه وآله أدخله (52) ، وحملت الناس على حكم القرآن وعلى الطلاق على السنّة (53) ، وأخذت الصدقات على أصنافها وحدودها (54) ، ورددت الوضوء والغسل والصلاة إلى مواقيتها وشرائعها ومواضعها (55) ، ورددت أهل نجران إلى مواضعهم (56) ، ورددت سبايا فارس وسائر الأُمم إلى كتاب الله وسنّة نبيّه صلّى الله عليه وآله .. إذن لتفرّقوا عنّي (57).

وقد أعلن الأئمّة من آل البيت أنّهم كانوا يتبعون النصوص ولا يرتضون الرأي ..

فعن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال لجابر : والله يا جابر لو كنّا نُفتي الناس برأينا وهوانا لكنّا من الهالكين ، ولكنّا نُفتيهم بآثار من رسول الله صلّى الله عليه وآله وأُصول علم عندنا ، نتوارثها كابراً عن كابر ، نَكنِزُها كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضّتهم (58).

وسأل رجلُ الإمام الصادق عليه السلام عن مسألة فأجابه فيها ، فقال الرجل : أرأيتَ إن كان كذا وكذا ، ما يكون القول فيها ؟

فقال له : مَه ! ما أجبتك فيه شيء فهو عن رسول الله صلّى الله عليه وآله ، لسنا من « أرأيت » في شيء (59).

وعن الإمام الباقر عليه السلام : ما أحدٌ أكذب على الله وعلى رسوله ممّن كذّبنا أهلَ البيت أو كذب علينا ؛ لأنّا إنّما نحدِّث عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وعن الله. فإذا كُذّبنا فقد كُذّب الله ورسوله (60).

وقال : لو أنّا حدّثنا برأينا ضللنا كما ضلّ من كان قبلنا ، ولكنّا حدّثنا ببيّنة من ربّنا بيّنها لنبيّه فبيّنها لنا (61).

وعن أبي بصير ، قال : قلت للصادق : تَرد علينا أشياءُ ليس نعرفها في كتاب الله ولا سنّة ، فننظر فيها ؟ قال : لا ، أما إنّك إن أصبتَ لم تُؤجَر ، وإن أخطأتَ كذبتَ على الله عزّ وجلّ (62).

نعم ، إنّ نهج الاجتهاد كان له دعاة وأتباع استمدّوا جذورهم من مصدر غير التعبّد والتسليم ، وهو أقرب إلى ما عرفوه في الجاهليّة ممّا عرفوه في الإسلام وكان لهؤلاء وجود ملحوظ أيضاً في صدر الإسلام ، فقد اقترح بعض المشركين على رسول الله أن يبدل بعض الأحكام الشرعيّة وهو صلّى الله عليه وآله يقول : ( مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ) (63).

وقد أثبتنا سابقاً أنّ عمر بن الخطّاب كان من المجتهدين الأوائل الذين تعرّفوا المصلحة وهم بحضرة الرسول المصطفى ، فأنكر عليه أخذَه الفداءَ من أسارى بدر (64) ، واعترض عليه صلّى الله عليه وآله في صلاته على المنافق (65) ، وواجه النبيَّ بلسان حادّ في صلح الحديبيّة (66) ، وطالب النبيَّ أن يزداد علماً إلى علمه وأن يستفيد من مكتوبات اليهود في الشريعة (67) وقال لرسول الله في مرض موته : « إنه لَيَهجُر » أو غَلَبه الوجع (68) !

المجتهدون الأوائل والأذان !

والآن لنرى موقف عمر بن الخطاب وموقف غيره من المجتهدين في الأذان ، وهل لهؤلاء دور في هذا التغيير ، أم تقع تبعات التحريف على اللاحقين من بني أميّة وبني العبّاس ؟ وغيرهم من المتأخّرين حسب تعبير الصنعاني (69).

إنّ النّصوص السابقة أوقفتنا على وجود اتّجاه في الصحابة وموقف من الأذان يقترح على الرسول أن يتّخذ ناقوساً مثل ناقوس النصارى ، أو بُوقاً مثل بوق اليهود ، فيستاء رسول الله من هذا ويغتمّ لاقتراحات هذا الاتجّاه من الصحابة الذين وصل الأمر بهم إلى أن يقترحوا على الرسول المصطفى إدخال بعض أحكام وأفكار شريعتي موسى أو عيسى المحرَّفتين في منهج الإسلام ، وكأنّ أطروحة الإسلام غير قادرة على أن تفي بالأعباء ؛ فقد رووا عن عمر أنّه قال للنبي صلّى الله عليه وآله « يا رسول الله إنّي مررتُ بأخ لي من يهود فكتب لي جوامع من التوراة ، أفلا أعرضها عليك ؟ فتغيّر وجه رسول الله.

فقال عمر : رضيت بالله ربّاً وبالإسلام ديناً وبمحمّد رسولاً ، فسُرّي عن النبيّ ، ثمّ قال صلّى الله عليه وآله : والذي نفسي بيده ، لو أصبح فيكم موسى فاتّبعتموه وتركتموني لضللتم ، إنّكم حظّي من الأمم وأنا حظّكم من النبيّين » (70).

فهؤلاء المجتهدون في الصدر الأوّل كانوا يتعاملون مع الأحكام وفق ما عرفوه من الشرائع السابقة ، وكانوا يتصوّرون بأنّ الأمر بيدهم يفعلون ما يشاؤون ، فكانوا هم الذين اقترحوا على رسول الله البوق ، الناقوس « فنقسوا أو كادوا أن ينقسوا » حتّى رأى عبدالله بن زيد أو غيره في المنام ...

إذاً فكرة كون تشريع الأذان كان بـ « رؤيا » جاءت من قبل الصحابة المجتهدين ، ثمّ تطوّرت حتّى وصل بها الأمر إلى ما وصل لاحقاً ، وهذا ما يجب الوقوف عليه في مطاوي بحوثنا ...

إذ جاء عن كثير بن مرة الحضرمي أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال : أوّل من أذّن في السماء جبرئيل عليه السلام ، قال : فسمعه عمر وبلال ، فأقبل عمر فأخبر النبيّ بما سمع ، ثمّ أقبل بلال فأخبر النبيّ بما سمع ، فقال له رسول الله : سبقك عمر يا بلال ...

أو قول ابن عمر : إنّ بلالاً كان يقول أوّل ما أذّن : « أشهد أن لا إله إلّا الله ، حيّ على الصلاة » ، فقال له عمر : قل في أثرها « أشهد أنّ محمّداً رسول الله » ...

نعم إنّهم رفعوا بضبع الصحابة الحالمين الرائين للأذان إلى مرتبة النبوّة والمعاينة الحقيقيّة حتّى قال عبدالله : « يا رسول الله ، إنّي لَبينَ يقظان ونائم » ، وفي آخر : « لقلت : إنّي كنت يقظاناً غير نائم » ، وبعكس ذلك نراهم يحطّون من منزلة النبيّ صلّى الله عليه وآله عن المعاينة الحقيقية في المعراج ـ ( ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ ) ـ إلى مرتبة التشكيك ، مستخدمين العبارة نفسها « بين النائم واليقظان » ، ورووا ذلك في الصحيح !!

ففي صحيح مسلم بسنده عن قتادة ، عن أنس بن مالك ـ لعلّه قال : عن مالك بن صعصعة ـ رجل من قومه ـ ، قال ـ قال نبي الله صلّى الله عليه وآله : بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان ...

ثمّ أتيت بدابّة أبيض يقال له البُراق فوق الحمار ودون البغل يقع خطوه عند أقصى طرفه ، فحُمِلتُ عليه ، ثمّ انطلقنا حتّى أتَينا السماء الدنيا ... ثمّ سرد قصّة المعراج (71).

بل في رواية شريك في حديثه عن أنس التصريح بأنّه صلّى الله عليه وآله كان نائماً. قال : « وهو نائم بالمسجد الحرام » وذكر القصّة الواردة ليلة الإسراء ، ثمّ قال في آخرها : « استيقظت » ـ أي انتبهت ـ من منامي وأنا في المسجد الحرام (72).

قال الصالحي الشامي : وهذا المذهب يعزى إلى معاوية بن أبي سفيان ... ويُعزى أيضاً إلى عائشة (73).

بل صرّح إمام الشافعيّة القاضي أبو العبّاس بن سريج بوضع هذا الحديث على عائشة فقال : هذا حديث لا يصحّ وإنّما وُضِعَ ردّاً للحديث الصحيح (74).

ترى من هو الواضع ؟

وما هو غرضه من التحر يف في مقابل ما هو أصيل ؟

ولماذا جَحْدُ منزلة النبيّ صلّى الله عليه وآله ومحاولة جعل القضيّة مناماً عاديّاً ؟

ولماذا يختصّ ذلك بمعاوية وعائشة ؟!

وهل يكمن في ذلك إنكارٌ مُبَطَّن لرؤيا النبيّ بني أميّة ـ أو تيماً وعديّاً ـ يردون الناس عن الإسلام القهقرى ؟! (75) إذ ليس في الرؤيا المناميّة كبير أمر ولا كثير طائل ، وإذا كان المعراج رؤيا فلماذا لم يَرَها الآخرون كما رأى الأذان سبعة أو أربعة عشر أو عشرون شخصاً ؟! لكي لا يكذّب المشركون النبيَّ صلّى الله عليه وآله أو لكي لا يرتدّ من أسلم من المسلمين ؟ ألم يقولوا مثل هذا التعليل في سرّ رؤى الصحابة للأذان ؟!

فهذه النصوص ترفع هؤلاء إلى السماء وتجعلهم قرب الوحي ، وتحاول إنزال مقامات النبيّ صلّى الله عليه وآله في المعراج إلى حدّ الرؤيا العادية ، فنحن لو لحظنا دور المجتهدين في الشريعة ووقفنا على اجتهادات الصحابة واقتراحاتهم على رسول الله في الأذان وغيرها ، وعرفنا الدواعي التي دفعت بعمر بن الخطّاب أن يرفع « حيّ على خير العمل » أو يضع « الصلاة خير من النوم » في الأذان لآمَنَّا بأن الشرارة الأولى لهذا التحريف جاءت من قبل هذا القسم من الصحابة ، وأن فكرة كون الأذان رؤيا تتّفق مع فكر هذا الصنف لا المتعبّدين ، وذلك لاجتهادهم وعدم تعبّدهم بالنصوص. ونظرة هؤلاء تختلف عن نظرة أهل البيت إلى الشريعة والإسراء والمعراج وغيرها.

الأمويّون والأذان

لقد تطوّرت فكرة الرؤيا وما جاء في تشريع الأذان في العهد الأموي وتأطّرت بإطارها الخاصّ ؛ إذ لو جمعنا القرائن والشواهد لعرفنا بأن معاوية ومن بعده هم الذين تبنوا هذه الفكرة وأنّهم كانوا قد سعوا لتثقيف الناس حسبما يريدونه ، وهذا ما نلاحظه في نصوص الأذان بعد الإمام عليّ ، إذ لم يشر عليّ عليه السلام إلى هذا التضاد في الأذان في ما رواه عن النبيّ ، بل لم يردنا خبرٌ صريحٌ في تكذيب الروايات المدّعية لثبوت تشريع الأذان بالرؤيا قبل الإمام الحسن بن عليّ عليه السلام.

فأوّل ما تطالعنا النصوص بهذا الصدد هو كلام سفيان بن الليل حينما قدم على الإمام الحسن بعد الصلح ، قال : فتذاكرنا عنده الأذان فقال بعضنا : إنّما كان بدء الأذان برؤيا عبدالله بن زيد.

فقال له الحسن بن عليّ : إنّ شأن الأذان أعظم من ذلك ، أذَّن جبرئيل ...

وهذا يرشدنا إلى تذاكر المسلمين في أمر الأذان بعد الصلح لقوله « لما كان من أمر الحسن بن عليّ ومعاوية ما كان قدمت المدينة وهو جالس في أصحابه ».

فبعضهم في هذا الخبر يقول : « إنّما كان بدء الأذان برؤيا عبدالله » ، لكنّ الإمام الحسن صحّح رؤيتهم الخاطئة قائلاً : إن شأن الأذان أعظم من ذلك.

ونحن لو واصلنا السير التاريخي وانتقلنا من خبر الإمام الحسن إلى ما جاء عن الإمام الحسين وأنّه سئل عمّا يقول الناس ؟ فقال عليه السلام : « الوحي ينزل على نبيّكم ، وتزعمون أنّه أخذ الأذان عن عبدالله بن زيد » ؛ لعرفنا استمرار هذا النزاع بين الناس وأهل البيت في كيفيّة نشوء وبدء تشريع الأذان.

وقد مرّ عليك كلام أبي العلاء سابقاً حيث قال : قلت لمحمّد بن الحنفيّة : إنّا لنتحدّث أنّ بدء الأذان كان من رؤيا رآها رجل من الأنصار في منامه.

قال : ففزع لذلك محمّد ابن الحنفيّة فزعاً شديداً وقال : عمدتم إلى ما هو الأصل في شرائع الإسلام ومعالم دينكم فزعمتم أنّه إنّما كان رؤيا رآها رجل من الأنصار في منامه يحتمل الصدق والكذب وقد تكون أضغاث أحلام.

قال : فقلت : هذا الحديث قد استفاض في الناس ؟

قال : هذا والله هو الباطل ...

فبدءُ النزاع العلني وانتشاره كان في زمن معاوية بعد صلح الإمام الحسن ، وفزعُ محمّد بن الحنفيّة الفزع الشديد ، وإخبارهم إيّاه باستفاضة هذا الحديث ، ليدلّان على أنّ وضع تلك الأحاديث الأذانية أو بدء انتشارها كان في زمان معاوية بن أبي سفيان ، الّذي كان حسّاساً إلى درجة كبيرة من ذكر النبيّ صلّى الله عليه وآله ، إذ كيف يُقرنُ اسم بشر « محمّد » باسم ربّ العالمين « الله » ؟! (76) مع أنّ كلّ الأنبياء الذين جاؤوا بشرائع سابقة لم يقرن اسم أحدهم باسم ربّ العزّة في إعلامهم للطقوس الدينيّة ، بل كان الناقوس والبوق والشبّور.

إذن لم يكن معنىً ـ بنظر معاوية ـ لمقارنة اسم النبيّ لاسم الربّ في السماء وفي المعراج ، بل يكفي بذلك أن يكون مناماً ، أو اقتراحاً من عمر ، أو ...

وعلى ذلك فلا ضير إذن في الزيادة أو الحذف في الأذان ، فلَكَ أن تحذف « حيّ على خير العمل » كما فعل عمر وتضع موضعها « الصلاة خير من النوم » ، ولك أن تفرد الإقامة ولا تثنّيها « لحاجة لَهُمْ » ، ولك أن تزيد النداء الثالث يوم الجمعة ، ووو ... إلى آخر هذه الاجتهادات ، إن كان لها آخِر.

ومن هذا الباب كان معاوية أوّل من أفشى مقولة التثويب الثاني ، وهي دعوة المؤذّنُ للخليفة أو الأمير ـ لكثرة مشاغله ـ إلى الصلاة بقوله « السلام على أمير المؤمنين ، الصلاة الصلاة رحمك الله » ، وسار المغيرة بن شعبة على نهج معاوية في هذا أيضاً ، بل قيل إنّه أوّل من فعل ذلك.

ولكن صرّح الأعلام بأنّ معاوية كان أوّل من أحدث هذا ، وتبعه المغيرة بن شعبة ومَن حذا حذوه (77).

فشاع الأمر واستفاض ، وصار كأنّه حقيقة لا مناص عن الإذعان لها ـ مع أنّ الحقيقة الإسلاميّة هي شيء آخر ـ وراحت أصداء هذا الحدث الأذاني تمتد وتمتد إلى العصر العبّاسي ، ومنه وصلت إلى يومنا الحاضر.

روى عبد الصمد بن بشير ، قال : ذُكر عند أبي عبد الله [ الصادق ] بدء الأذان فقيل : إنّ رجلاً من الأنصار رأى في منامه الأذان ، فقصّه على رسول الله فأمره رسول الله أن يعلّمه بلالاً ، فقال أبو عبدالله : كذبوا ، إنّ رسول الله كان نائماً في ظلّ الكعبة فأتاه جبرئيل ومعه طاس فيه ماء من الجنَّة (78) ....

ولو تدبّرنا في هذه النصوص وما جاء في تاريخ بني أميّة لعرفنا إمكان تطابق هذه الرؤية مع ما يحملون من أفكار أكثر من غيرهم ، خصوصاً بعد أن وقفنا على تاريخ النزاع وأنّه بدأ في عهدهم ، وإنّك لو تتبعت مجريات الأحداث لعرفت تضادّ بني أميّة مع رسالة الإسلام وعدم تطابق مفاهيمهم مع مفاهيم الوحي ورسول الله ، وأنّهم كانوا على طرفي نقيض مع بني هاشم في الجاهليّة وفي الإسلام ، إذ التزم بنو أميّة جانب المشركين أمام بني هاشم الذين لم يفارقوا الرسول في جاهليّة ولا إسلام.

فقد قال رسول الله عن بني هاشم : « أنا وبنو المطلب لا نفترق في جاهليّة ولا إسلام ، وإنّما نحن وهم شيء واحد » وشبك بين أصابعه. (79)

نعم كان الأمر كذلك ، فرسول الله كان لا يرتضيهم ، وهُم لم يدخلوا الإسلام إلّا مكرهين.

الأمويّون ورسول الله

لقد صحّ عن رسول الله أنّه لعن أبا سفيان والحارث بن هشام وسهيل بن عمرو وصفوان بن أميّة في قنوته (80) وهم من أقطاب قريش ، وفيهم أبو سفيان رأس بني أميّة.

وصحّ عنه صلّى الله عليه وآله قوله لمّا أقبل أبو سفيان ومعه معاوية : اللهمّ العن التابع والمتبوع (81).

وفي آخر : اللهمّ العن القائد والسائق والراكب (82) ، وكان يزيد بن أبي سفيان معهم. وقوله صلّى الله عليه آله في مروان بن الحكم : اللهمّ العن الوَزغ بن الوزغ (83).

فبنو أميّة بعد عجزهم عن ردّ صدور أحاديث اللعن رووا عن أبي هريرة قوله صلّى الله عليه وآله : اللّهم إني أتّخذ عندك عهداً لن تُخلفنيه ، فإنمّا أنا بشر ، فأيّ المؤمنين آذيته ، أو شتمته ، أو لعنته أو جلدته .. فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة تقرّبه بها يوم القيامة (84) !

ومن المعلوم أنّ هذه الروايات لا تّتفق مع أصول الإسلام والسير التاريخي والفكري لرسول الله ، وما جاء به من مفاهيم ، لأنّه قال : إنّي لم أُبعث لعّاناً وإنّما بعثت رحمة (85).

فهو صلّى الله عليه وآله لم يكن لعّاناً في سجيّته ، ولم يلعن من لم يكن مستحقّاً للّعنة ، بل لعنَ جماعات وأفراداً مخصوصين يستحقّون اللعنة من الله ورسوله في ضمن ملاكات الأحكام الشرعيّة والموازين الإلهيّة ، ومثل هذا اللعن والسبّ والجلد لا معنى لاَِنْ يكون رحمة لصاحبه.

وهؤلاء القوم لم يسلموا إلّا ليحقنوا دماءهم ، بعدما عجزوا عن الوقوف أمام الدعوة وطمس الإسلام فدخلوا الإسلام لتحريف بعض المفاهيم وإبدال مفاهيم أخرى مكانها ، وكان ضمن مخططهم التقليل من مكانة الرسول والتعامل معه كإنسان عاديّ يصيب ويخطئ ويسبّ ويلعن ، كما كان في مخطّطهم الاستنقاص من الإمام عليّ ، لأنّه كان قد وتر شوكة قريش وسعى لتحطيم سلطانهم.

فقد جاء في كتاب معاوية إلى عمّاله : « أن انظروا مَن قِبَلكم من شيعة عثمان ومحبّيه وأهل ولايته والذين يروون فضائله ومناقبه ، فَأَدنُوا مجالسهم وقَرِّبوهم وأَكرموهم ، واكتبوا إليَّ بكلّ ما يروي كلّ رجل منهم واسمه واسم أبيه وعشيرته ».

« فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأوّلين ، ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلّا وتأتوني بمناقض له في الصحابة ، فإنّ هذا أحبّ إلي وأقرّ لعيني ، وأدحض لحجّة أبي تراب وشيعته ، وأشدّ عليهم من مناقب عثمان وفضله » (86).

نحن لو تأمّلنا تاريخ قريش وما فعلته مع رسول الله صلّى الله عليه وآله في بدء الدعوة وقضايا فتح مكّة لوقفنا على خبث الأمويين واستغلالهم لرحمة رسول ربّ العالمين ، فقد اشتهر عن النبيّ صلّى الله عليه وآله أنّه لما سمع قول القائل :

     

اليوم يوم الملحمة

 

اليوم تُسبَى الحرمة

قال له صلّى الله عليه وآله : لا تَقُلْ هذا بل قل :

     

اليوم يوم المرحمة

 

اليوم تحفظ الحرمة (87)

وجاء عنه قوله يوم الفتح في أعدى عدوّه : « من دخل بيت أبي سفيان فهو آمن » (88) ، وقوله : « اذهبوا أنتم الطلقاء » (89) ، لكن قريشاً ومع كلّ هذه الرحمة كانوا يتعاملون مع الرسالة والرسول بشكل آخر.

قال الواقدي : ... وجاءت الظهر فأمر رسولُ الله صلّى الله عليه وآله بلالاً أن يؤذّن فوق ظهر الكعبة وقريشٌ في رؤوس الجبال ، ومنهم من قد تَغيّب وستر وجهه خوفاً من أن يُقتلوا ، ومنهم من يطلب الأمان ، ومنهم من قد أمن.

فلمّا أذّن بلال وبلغ إلى قوله « أشهد أنّ محمّداً رسول الله صلّى الله عليه وآله » رفع صوته كأشدّ ما يكون.

فقالت جويرية بنت أبي جهل : قد لعمري « رفع لك ذِكرك » فأمّا الصلاة فسنصلّي ، ولكن والله لا نحبّ مَن قتل الأحبّة أبداً ، ولقد كان جاء أبي الذي جاء محمّداً من النبوّة ، فردّها ، ولم يُرِدْ خلاف قومه.

وقال خالد بن سعيد بن العاص : الحمد لله الذي أكرم أبي فلم يدرك هذا اليوم.

وقال الحارث بن هشام : واثكلاه ، ليتني متّ قبل هذا اليوم ، قبل أن أسمع بلالاً ينهق فوق الكعبة !

وقال الحكم بن أبي العاص : هذا والله الحدث العظيم ، أن يصيح عبد بني جُمحَ ، يصيح بما يصيح به على بيت أبي طلحة.

وقال سهيل بن عمرو : إن كان هذا سخطاً من الله تعالى فسيغيّره وإن كان لله رضا فسيقرّه.

وقال أبو سفيان : أمّا أنا فلا أقول شيئاً ، لو قلت شيئاً لأخبَرَتْه هذه الحصباء ، قال : فأتى جبرئيل عليه السلام فأخبره مقالة القوم (90).

ولو تأملت في ما رواه لنا العبّاس في كيفيّة إسلام أبي سفيان لعرفت أنّه لم يسلم عن قناعة وإيمان ، إذ قال العبّاس : غدوت به على رسول الله فلمّا رآه قال : ويحك يا أبا سفيان !! ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلّا الله ؟

قال : بلى ، بأبي أنت وأمّي ، لو كان مع الله غيره لقد أغنى عنيّ شيئاً.

فقال : ويحك ! ألم يأن لك أن تعلم أنّي رسول الله ؟!

فقال : بأبي أنت وأمّي ، أمّا هذه ففي النفس منها شيء.

قال العبّاس : فقلت له : ويحك ! تشهد شهادة الحقّ قبل أن تضرب عنقك.

قال : فتشهّد (91).

فهنا يبدو واضحاً أن أبا سفيان كان أكثر بطئاً في قبول الشهادة الثانية من الأولى ، لأنّه كان يتصوّر بأن في الثانية تحطيمَ غروره وجبروته وموقعه السياسي والاجتماعي ، وذلك ما لا تعنيه كثيراً الشهادة الاولى بالنسبة له.

وقد ثبت عن أبي سفيان أنّه قال للعباس لما رأى نيران المسلمين وكثرة عددهم : لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيماً. فقال له العبّاس : ويحك ! إنّها النبوّة. فقال : نعم إذن.

وظل منظّر الفكر القرشي على هذه الوتيرة حتّى بعد وفاة النبي وخلافة الشيخين. فقد روي صاحب « قصص الأنبياء » باسناده إلى الصدوق عن بن عبّاس أنه قال : .. ولقد كنّا في محفل فيه أبو سفيان وقد كُف بصره وفينا عليّ صلوات الله عليه فأذّن المؤذّن فلمّا قال : اشهد أن محمّداً رسول الله ، قال أبو سفيان : ها هنا من يحتشم ؟ قال واحد من القوم : لا. فقال : لله در أخي بني هاشم ، انظروا أين وضع اسمه ؟ فقال عليّ : اسخن الله عينك يا أبا سفيان ، الله فعل ذلك بقوله عزّ من قائل ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) فقال أبو سفيان : اسخن الله عين من قال لي ليس ها هنا من يحتشم (92).

بل إن أبا محذورة كان يستحيي من الإباحة باسم رسول الله صلّى الله عليه وآله من أهل مكّة ، إذ جاء في المبسوط للسرخسي ـ عند بيانه لسبب الترجيع في الأذان ـ قوله : ... وقيل أن أبا محذورة كان مؤذّن مكّة ، فلمّا انتهى إلى ذكر رسول الله خفض صوته استحياءً من أهل مكّة لأنّهم لم يعهدوا ذكر اسم رسول الله صلّى الله عليه وآله بينهم جهراً ، ففرك رسول الله صلّى الله عليه وآله أذنَهُ وأمره أن يعود فيرفع صوته ليكون تأديباً له ... (93)

نعم ظلت نظرة قريش إلى النبيّ بعد البعثة مشوبة بهذا المنطق المزعوم مستغلين عطف النبيّ ورحمته صلّى الله عليه وآله ، قال الواقدي : فكان سهيل بن عمرو يحدث فيقول : لما دخل محمّد صلّى الله عليه وآله مكّة انقمعتُ فدخلتُ بيتي وأغلقته عليَّ ، وقلت لابني عبدالله بن سهيل : اذهب فاطلب لي جواراً من محمّد ، فإنّي لا آمن أن أقتل ، وجعلتُ أتذكّر أثري عنده وعند أصحابه فلا أرى أسوأ أثراً منّي ؛ فإنّي لقيته يوم الحديبيّة بما لم يلقه أحد به ، وكنت الذي كاتبه ، مع حضوري بدراً وأُحداً ، وكلّما تحركت قريش كنت فيها.

فذهب عبدالله بن سهيل إلى رسول الله ، فقال : يا رسول الله ، أبي تؤمّنه ؟

قال : نعم ، هو آمن بأمان الله ، فليظهر ، ثمّ التفتَ إلى مَن حوله فقال : مَن لقي سهيل بن عمرو فلا يشدنّ النظر إليه ، ثمّ قال : قل له : فليخرج ، فلعمري إنّ سهيلاً له عقل وشرف ، وما مثل سهيل جهل الإسلام ، ولقد رأى ما كان يُوضَعُ فيه إن لم يكن له تتابع ، فخرج عبدالله إلى أبيه فأخبره بمقالة رسول الله صلّى الله عليه وآله.

فقال سهيل : كان والله برّاً صغيراً وكبيراً.

وكان سهيل يقبل ويدبر غير خائف ، وخرج إلى خيبر مع النبيّ وهو على شركه حتّى أسلم بالجعرانة (94) ...

هكذا تعامل رسول الله مع المشركين والطلقاء ، لكنّهم أضمروا النفاق للرسول والرسالة فانضووا تحت لوائه كي يغدروا بالإسلام ، بل سعوا بكلّ قواهم لطمسه ودفنه.

فقد جاء عن المغيرة أنّه طلب من معاو ية ترك إيذاء بني هاشم ـ لمّا استقرّ له الأمر ـ لأنّه أبقى لذكره !! ... فقال معاو ية للمغيرة : هيهات ! هيهات ! أيّ ذكر أرجو بقاءه ؟! مَلَك أخو تيم فعدل ، وفعل ما فعل ، فما عدا أن هلك حتّى هلك ذكره ، إلّا أن يقول قائل : أبو بكر. ثمَّ ملك أخو عديّ ، فاجتهد وشمّر عشر سنين ، فما عدا أن هلك حتّى هلك ذكره ، إلّا أن يقول قائل : عمر. وإنَّ ابن أبي كبشة لَيصاح به كلّ يوم خمس مرَّات : « أشهد أنَّ محمَّداً رسول الله » ، فأيّ عمل يبقى ؟ وأيّ ذكر يدوم بعد هذا ! لا أباً لك ! لا والله إلّا دفناً دفناً (95).

وعن علي عليه السلام أنّه قال حين سأله بعض أصحابه من بني أسد : كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام وأنتم أحقّ به ؟ فقال : يا أخا بني أسد ؛ إنّك لقلق الوضين ترسل في غير سدد ! ولك بعد ذمامة الصهر وحقّ المسألة ، وقد استعلمت فأعلم : أمّا الاستبداد علينا بهذا المقام ـ ونحن الأعلون نسباً ، والأشدّون برسول الله صلّى الله عليه وآله نوطاً ـ فإنّها كان أثَرِةٌ شحّت عليها نفوس قوم ، وسخت عنها نفوس آخرين ، والحكم الله والمعود إليه يوم القيامة.

     

ودع عنك نهباً صيح في حجراته

 

وهلم الخطب في ابن أبي سفيان

فلقد أضحكني الدهر بعد ابكائه ، ولا غرو والله فياله خطباً يستفرغ العجب ويكثر الأود ، حاول القوم إطفاء نور الله من مصباحه ، وسدّ فواره من ينبوعه. وجدحوا بيني وبينهم شرباً وبيئاً. فإن ترتفع عنّا وعنهم محن البلوى أحملهم من الحقّ على محضه وإن تكن الأُخرى ( فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ) (96) (97).

وجاء عن معاوية أنّه قال لما سمع المؤذّن يقول « أشهد أنَّ محمَّداً رسول الله » : لله أبوك يا بن عبدالله ! لقد كنتَ عالي الهمَّة ، ما رضيتَ لنفسك إلّا أن يُقرَنَ اسمك باسم ربِّ العالمين (98) !

ولا يستبعد هذا من معاوية وهو ابن أبي سفيان القائل لله درّ أخي بني هاشم. انظروا أين وضع اسمه ، والقائل : فوالذي يحلف به أبو سفيان ... لا جنَّة ولا نار (99) ، وهو الذي مرّ بقبر حمزة وضربه برجله ؛ وقال : يا أبا عمارة ! إنَّ الأمر الذي اجتلدنا عليه بالسيف أمسى في يد غلماننا اليوم يتلعّبون به (100) !

وهو ابن هند آكلة كبد حمزة سيّد الشهداء (101) ، وهو أبو يزيد الذي هدم الكعبة (102) ، وقتل الحسين بن عليّ (103) ، وأباح المدينة لثلاثة أيّام (104) ، والذي سمّى المدينة الطيّبة بـ « الخبيثة » إرغاماً لأنوف أهل بيت النبيّ (105) !

فمعاوية ومن قبله أبوه صخر كانا يتصوّران بأنّ النبيّ هو الذي أدرج اسمه في الأذان ، فقال أبو سفيان : لله در أخي بني هاشم. انظروا اين وضع اسمه ، وقال ابنه معاوية : لله أبوك يا ابن عبدالله ! لقد كنت عالي الهمَّة ، ما رضيت لنفسك إلّا أن تقرن اسمك باسم ربِّ العالمين (106) ، وهل هذان القولان إلّا وجهٌ آخر للرواية التي وُضِعت وادَّعت أنّ بلالاً كان يؤذّن « أشهد ان لا إله إلّا الله ، حيّ على الصلاة » فقال عمر : قل في إثرها « أشهد أنّ محمّداً رسول الله » ؟! وعنوا بذلك أنّ ذكر اسمه صلّى الله عليه وآله في الأذان لم يكن من الله ، بل كان باقتراح فقط !!

وبعد هذا فلا يمكن تبرير فعل معاوية والقول بأنّه تعرّف على المصلحة أو اجتهد قبال النصّ ، بل الأمر تجاوز ذلك ، ودخل في إطار تكذيب الرسالة ، وتهرئة أصل من أكبر أصول الشريعة ، وهو الاعتقاد بنبوّة محمّد المصطفى.

وممّا يحتمل في الأمر هو أنّ هذه الرؤية تجاه ذكر اسم النبي في الأذان وأمثالها ، هي التي رسّخت فكرة كون الأذان مناماً ، وهي التي أقلقت الرسول المصطفى حتّى جعلته لا يُرى ضاحكاً بعد رؤياه التي رأى فيها الغاصبين ينزون على منبره نزو القردة.

وليس من الصدفة في شيء الترابط الموجود بين أن يرى رسول الله الشجرة الملعونة في منامه وبين أن يُسفّه الأمويّون مسألة الرؤيا ، ويعزون الإسراء والمعراج إلى رؤيا لا تعدو كونها مناماً !

الله جلّ وعلا ورفعه لذكر الرسول صلّى الله عليه وآله

هذا ، ونحن نعلم بأنّ الذي رفع ذكرَ الرسول هو الله في محكم كتابه ، وإليك أقوال بعض العلماء والمفّسرين لتقف على المقصود ، وأنّه أمر ربّاني ، وليس كما تصوّره أبو سفيان ومعاوية والأمويّون ومن لفّ لفهم :

قال الشافعي : أخبرنا ابن عيينة ، عن ابن نجيح ، عن مجاهد في قوله : ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) قال : لا أُذكَر إلّا ذُكِرتَ معي « أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأشهد أنّ محمّداً رسول الله » (107). يعني ـ والله أعلم ـ ذكره عند الإيمان والأذان ، ويحتمل ذكره عند تلاوة الكتاب وعند العمل بالطاعة والوقوف عن المعصية.

وقال النووي في شرحه على مسلم ـ بعد ذكره المشهورَ عن الشافعي في رسالته ومسنده في تفسير قوله تعالى ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) ـ : « وروينا هذا التفسير مرفوعاً إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله عن جبرئيل عن ربّ العالمين ... » (108).

وفي مصنف ابن أبي شيبة الكوفي : حدّثنا ابن عيينة ، عن ابن نجيح ، عن مجاهد ( وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ) يقال : ممّن هذا الرجل ؟

فيقول : من العرب.

فيقال : من أيّ العرب ؟

فيقول : من قر يش.

( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) لا أُذكرُ إلّا ذكرتَ « أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّداً رسول الله » (109).

حدّثنا شريك بن عبدالله ، عن ابن شبرمة ، عن الحسن في قوله ( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ) : أي مُلِئ حكماً وعلماً ( وَوَضَعْنَا عَنكَ وَزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ ) قال : ما أثقل الحمل الظهر ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) بلى لا يذكر إلّا ذكرت معه ... (110).

وفي دفع الشبه عن الرسول للحصني الدمشقي في قوله تعالى : ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) قال ابن عبّاس رضي الله عنهما : المراد الأذان والاقامة والتشهّد والخطبة على المنابر ، فلو أنّ عبداً عَبَد الله وصدّقه في كلّ شيء ولم يشهد أن محمّداً رسول الله لم يسمع منه ولم ينتفع بشيء وكان كافراً.

وفي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : ثمّ إنّ النبيّ سأل جبرئيل عليه السلام عن هذه الآية (111) ، فقال : قال الله عزّ وجلّ : اذا ذكرتُ ذُكِرتَ معي.

وقال قتادة رضي الله عنه : رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة ، وقيل : رفع ذكره بأخذ الميثاق على النبيين وألزمهم الإيمان به والإقرار به.

وقيل ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) ليعرف المذنبون قدر رتبتك لديَّ ليتوسّلوا بك إليَّ فلا أردّ أحداً عن مسألته ، فأعطيه أياها إمّا عاجلاً وإمّا آجلاً ، ولا أخيّب من توسّل بك وإن كان كافراً (112).

وقال ابن كثير في البداية والنهاية : ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) ، فليس خطيب ولا شفيع ولا صاحب صلاة إلّا ينادي بها : أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً رسول الله ، فقرن الله اسمه باسمه في مشارق الأرض ومغاربها ، وذلك مفتاحاً للصلاة المفروضة ، ثمّ أورد حديث ابن لهيعة ، عن درّاج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد ، عن رسول الله في قوله ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) قال : قال جبرئيل : قال الله : إذا ذكرتُ ذكرتَ (113).

وفي جامع البيان للطبري : حدّثنا ابن عبدالأعلى ، قال : حدّثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة في قوله ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) قال النبيّ صلّى الله عليه وآله : ابدؤوا بالعبوديّة وثنّوا بالرسالة ، فقلت لمعمر : قال « أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً عبده » فهو العبوديّة ، « ورسوله » أن تقول : عبده ورسوله.

حدّثنا بشر ، قال : حدّثنا يزيد ، قال : حدّثنا سعيد ، عن قتادة ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) : رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة ، فليس خطيب ولا متشهّد ولا صاحب صلاة إلّا ينادي بها : « أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأشهد أن محمّداً رسول الله ».

حدّثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرنا عمرو بن الحرث ، عن درّاج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخدري ، عن رسول الله أنّه قال : أتاني جبرئيل فقال : إنّ ربّي وربّك يقول : كيف رفعت لك ذِكرك ؟ قال : الله أعلم.

قال : إذا ذُكِرتُ ذُكِرتَ معي (114).

وفي زاد المسير لابن الجوزي : قوله عزّوجلّ ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) فيه خمسة أقوال :

أحدها : ما روى أبو سعيد الخدري عن رسول الله أنّه سأل جبرئيل عن هذه الآية فقال : قال الله عزّ وجلّ : إذا ذُكرتُ ذكرتَ معي ؛ قال قتادة : فليس خطيب ولا متشهّد ولا صاحب صلاة إلّا يقول : « أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأشهد أنّ محمّداً رسول الله » ، وهذا قول الجمهور.

والثاني : رفعنا لك ذكرك بالنبوّة ؛ قاله يحيى بن سلام.

والثالث : رفعنا لك ذكرك في الآخرة كما رفعناه في الدنيا ؛ حكاه الماوردي.

والرابع : رفعنا لك ذكرك عند الملائكة في السماء.

والخامس : بأخذ الميثاق لك على الأنبياء وإلزامهم الإيمان بك والإقرار بفضلك ؛ حكاهما الثعلبي (115).

أهل البيت ورفع ذكر رسول الله

ومن هذا المنطلق كان أئمّة أهل البيت : يشيدون بهذه المفخرة ، ويجعلونها أكبر إرغام لأعداء النبيّ صلّى الله عليه وآله وأعدائهم ، الذين أرادوا تحريف هذا الرفع للذكر وحطّه إلى مرتبة الأحلام والاقتراحات ، وأرادوا أن يطفئوا نور الله فأبى الله إلّا أنّ يتمّ نوره.

     

يُريدُ الجاحدونَ لِيطفؤوُه

 

ويأبى الله إلّا أن يُتمَّهْ

ففي الندبة الرائعة ـ التي وجّهها إمام البلاغة عليّ بن أبي طالب بعد وفاة فاطمة الزهراء إلى ابن عمّه رسول الله صلّى الله عليه وآله ، حيث أرسل دموعه على خدّيه وحوّل وجهه إلى قبر رسول الله صلّى الله عليه وآله ـ قال فيما قال :

سلامٌ عليك يا رسول الله سلام مودّع لا سَئم ولا قال ، فإنْ أنصرف فلا عن مَلالة ، وإن أقِم فلا عن سوء ظنٍّ بما وَعَد الله الصابرين ، والصبرُ أيمنُ وأجمل ، ولولا غلبةُ المستولين علينا لَجعلتُ المقام عند قبرك لِزاماً ، واللَّبثَ عنده معكوفاً ، ولاَعولتُ إعوالَ الثكلى على جليل الرزيّة ، فبعينِ الله تُدفَنُ ابنتُك سرّاً ... ولم يَطُل العهد ، ولم يَخلُ منك الذّكر ، فإلى الله يا رسول الله المشتكى ، وفيك أجمل العزاء ، وصلوات الله عليك وعليها ورحمة الله وبركاته (116).

وفي هذه الندبة التصريح بأنّ المستولين قلّلوا أو حاولوا التقليل من شأن الرسول صلّى الله عليه وآله وأهل بيته ، وذلك بعد وفاته مباشرة ولمّا يخلق الذكر ، وأنّ أمير المؤمنين علياً لو استطاع لجعل مقام رسول الله في محلّه الرفيع الذي وضعه الله فيه ، لكنّ الظروف القاسية التي كانت محيطة به لم تتح له الفرصة ، فقلّ ذكر النبيّ عند مَن اشتغلوا بمشاغل الدنيا وتركوا النبيّ وذكره أو كادوا ، وهذا ممّا جعل الإمام يقول : لجعلتُ المقام عند قبرك لزاماً ، واللبث عنده معكوفاً.

وقد أشارت فاطمة الزهراء في خطبتها التي خطبتها في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى هذه المسألة نفسها ، وأنّ هناك قوماً حاولوا إطفاء نور الله وخفض منزلة النبيّ صلّى الله عليه وآله مع قرب العهد وحَداثة ارتحال النبيّ صلّى الله عليه وآله ، فقالت :

فلمّا اختارَ اللهُ لنبيّه دار أنبيائه ومأوى أصفيائه ، ظهرت فيكم حسكة النفاق ، وسمل جلباب الدين ، ونطق كاظم الغاوين ... هذا والعهد قريب ، والكلم رحيب ، والجرح لمّا يندمل ، والرسول لمّا يُقبَر .... ثمّ أخذتم تورون وقدتَها ، وتهيجون جمرتَها ، وتستجيبون لهتاف الشيطان الغوي ، وإطفاء أنوار الدين الجَليّ ، وإهمال سُنَن النبيّ الصفيّ (117) ...

ولذلك كانت تبكي عند قبر رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وتقول : لقد أصبت بخير الآباء رسول الله صلّى الله عليه وآله ، واشوقاه إلى رسول الله ، ثمّ انشأت تقول :

     

إذا مات يوماً ميّت قلّ ذكرُهُ

 

وذكرُ أبي مذ مات والله أكثرُ (118)

وأشارت بذلك إلى أنّ الله سبحانه وتعالى رفع ذكر نبيّه في حياته ، وقدّر له أن يرفع بعد وفاته ، وإن ظنّ من ظَنَّ أنّه أبترُ إذا مات انقطع ذكره ، وارتدّ مَن ارتدّ لعروجه ومقارنة اسمه باسم ربّ العالمين ، وغضب من غضب وحاول عزو ذلك إلى أنّه من اقتراح عمر أو من النبيّ نفسه وأراد له السحق والدفن ، كلّ تلك المحاولات التحريفيّة باءت بالفشل وخلد ذكر النبيّ في الأذان والتشهّد وفي كلّ موطن يذكر فيه اسم ربّ العالمين.

ولو قرأت مقولة الإمام الحسن لمعاوية لمّا استنقص عليّاً وحاول الحطّ من ذكره لرأيت الأمر كذلك ؛ إذ قال له :

أيّها الذاكر عليّاً ، أنا الحسن وأبي عليّ وأنت معاوية وأبوك صخر ، وأُمّي فاطمة وأُمّك هند ، وجدّي رسول الله صلّى الله عليه وآله وجدّك حرب ، وجدّتي خديجة وجدّتك قتيلة ؛ فلعن الله أخمَلَنا ذِكراً ، وألأمنا حَسَباً ، وشَرّنا قدماً ، وأقدمنا كفراً ونفاقاً.

فقال طوائف من أهل المسجد : آمين.

قال فضل : فقال يحيى بن معين : ونحن نقول : آمين ، قال أبو عبيد : ونحن أيضاً نقول : آمين ، قال أبو الفرج : وأنا أقول : آمين (119).

هذا وإن ماسأة كربلاء وقضيّة الإمام الحسين تؤكّد ما قلناه وأن الإمام خرج للإصلاح في أمّة جدّه لمّا رأى التحريفات الواحدة تلو الأخرى تلصق بالدين ، وعرف بأنّهم يريدون ليطفئوا نور الله ورسوله.

والعقيلة زينب قد أشارت إلى هذه الحقيقة عندما خاطبت يزيد بقولها :

« كد كيدك ، واسْعَ سعَيك ، واجهَد جهدك ، فوالله الذي شرّفنا بالوحي والكتاب والنبوّة والانتخاب لا تُدرِك أمدَنا ، ولا تَبلُغ غايتنا ، ولا تمحو ذِكرَنا ، ولا تُميتَ وحينا ، ولا يرحض عنك عارها ، وهل رأيك إلّا فَنَد ، وأيّامك إلّا عَدَد ، وجمعك إلّا بَدَد ، يوم ينادي المنادي : ألا لعنةُ الله على الظالم العادي ... » (120)

وكأنّ الإمام السجّاد عليّ بن الحسين أراد الإلماح إلى قضيّة الاختلافات الأذانيّة ، وعداء معاوية مع ذكر اسم النبيّ محمّد في الأذان ، حين عرّض بيزيد لمّا أمرَ المؤذن أن يؤذّن ليقطع خطبة الإمام عليّ بن الحسين في مسجد دمشق ...

قالوا : قال الإمام عليّ بن الحسين : يا يزيد ، ائذَن لي حتّى أصعد هذه الأعواد ... فأبى يزيد ، فقال الناس : يا أمير المؤمنين ، ائذن له ليصعد فلعلّنا نسمع منه شيئاً ، فقال لهم : إن صعد المنبر هذا لم ينزل إلّا بفضيحتي وفضيحة آل أبي سفيان ، فقالوا : وما قَدرُ ما يُحسِن هذا ؟! فلم يزالوا به فإذن له بالصعود ، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال :

أيّها الناس ، أُعطينا سِتّاً وفُضّلنا بسبع ، أُعطينا العلم والحلم ... وفُضّلنا بأنّ منّا النبيّ المختار محمّد ، ومنّا الصدّيق ، ومنّا الطيّار ، ومنا أسد الله وأسد الرسول ، ومنّا سيّدة نساء العالمين فاطمة البتول ، ومنّا سبطا هذه الأمّة وسيّدا شباب أهل الجنّة ، فمَن عَرَفني فقد عرفني ، ومَن لم يعرفني أنبأتُه بحسبي ونسبي : أنا ابن مكّة ومنى ، أنا ابن زمزم والصفا ... أنا ابن من حُمِلَ على البراق في الهوا ، أنا ابن من أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، فسبحان من أسرى ، أنا ابن من بَلَغ به جبرئيل إلى سِدرة المنتهى ، أنا ابن مَن دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى ، أنا ابن من صلّى بملائكة السماء ، أنا ابن من أوحى إليه الجليل ما أوحى ، أنا ابن محمّد المصطفى ... (121)

قال : ولم يزل يقول : أنا أنا حتّى ضجّ الناس بالبكاء والنحيب ، وخشي يزيد أن تكون فتنة ، فأمر المؤذّن أن يؤذّن فقطع عليه الكلام وسكت.

فلمّا قال المؤذّن : « الله أكبر » قال عليّ بن الحسين : كبّرتَ كبيراً لا يقاس ، ولا يُدرَك بالحواس ، ولا شيء أكبر من الله.

فلمّا قال : « أشهد أن لا إله إلّا الله » قال عليّ بن الحسين : شَهِد بها شَعري وبَشري ولحمي ودمي ومخّي وعظمي.

فلمّا قال : « أشهد أنّ محمّداً رسول الله » التفت عليّ بن الحسين من أعلى المنبر إلى يزيد وقال : يا يزيد ! محمّدٌ هذا جدّي أم جدّك ؟ فإن زعمت أنّه جدّك فقد كذبت ، وإن قلت أنّه جدّي فلم قتلتَ عِترته (122) ؟

وها هنا ثلاث ركائز مهمّة في هذه الخطبة :

أوّلها : إن يزيد خاف أن يذكر الإمامُ السجّادُ فضائحَ يزيد ومعاوية وآل أبي سفيان ، مع أنّ الإمام في خطبته هذه لم يذكر صريحاً شرك أبي سفيان ولا معاوية ولا كونهما ملعونين ، كما لم يذكر هنداً وما كان منها في الجاهليّة من سوء السيرة ، ولا ما كان من بقرها بطن حمزة ولا ولا ... فكانت الفضيحة لهم ببيان الحقائق النيّرة ، وما حرّفه المحرّفون ، وبيان مقامات النبيّ وعترته.

وثانيها : إنّ قسطاً مهمّاً من الخطبة انصبَّ على حقيقة الإسراء والمعراج ؛ إذ فيها العناية المتزايدة ببعض تفاصيلهما ، والتأكيد على أنّهما حقيقة عيانيّة بدنيّة كانت للنبيّ صلّى الله عليه وآله ، لا أنّها رؤيا وحُلُم كما يدّعيه الأمويّون ، فكان الإسراء والمعراج فيهما رفع ذكر النبيّ وتشريع الأذان والصلاة ، وفيهما رفع ذكر آل النبيّ صلّى الله عليه وآله تبعاً له.

كما أنّ في الخطبة حقيقة أنّ عليّاً هو الصدّيق لا غيره ، وأنّ فاطمة سيّدة نساء العالمين ، لا كما حرّفوا من أنّ الصدّيق هو أبو بكر ، وأنّ اسمه على قائمة العرش ، مع أنّ الحقيقة هي أنّ عليّاً هو الصدّيق وأن اسمه مكتوب على العرش ـ كما سيأتيك بيانه لاحقاً ـ وأن الصدّيقة فاطمة الزهراء قد كذَّبت أبا بكر الصديق !!! وقالت له : لقد جئتَ شيئاً فَريّاً (123) وكذا الإمام عليّ فانه كذب من ادّعى الصدّيقية في أبي بكر بقوله : أنا عبدَالله وأخو رسوله ، وأنا الصدّيق الأكبر ، لا يقولها بعدي إلّا كذّاب مفتري ، لقد صلّيت قبل الناس بسبع سنين (124).

وقال في آخر : أنا الصدّيق الأكبر ، والفاروق الأوّل ، أسلمت قبل إسلام أبي بكر ، وصلّيت قبل صلاته (125).

وعن معاذة قالت : سمعت عليّاً وهو يخطب على منبر البصرة يقول : أنا الصدّيق الأكبر ، آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر وأسلمت قبل أن يسلم [ أبو بكر ] (126) ، فلا يعرفُ بعد هذا من هو الصادق ومن هو الكاذب ومن هو الصدّيق ومن هي الصدّيقة في قاموس القوم ؟ وقد مرّ عليك أنّ معاوية حرّف كلّ فضيلة لعليّ وجعلها في غيره.

وثالثها : أنّ يزيد لمّا أمر المؤذّن بالأذان ليقطع كلام الإمام ، كان الإمام السجّاد يوضّح كلّ فقرة من فقرات الأذان ، مُعرِّضاً بمن يتلفّظون بألفاظه دون وعي لمفاهيمه ، وهو ما سنقوله لاحقاً من أنّه يحتوي على مفاهيم الإسلام ، وأنّه وجه الدين ، وأنّه ثبت بالوحي ، لا كما أرادوا تصويره بأنّه مجرّد إعلام قابل للزيادة والنقصان ، وُضع بأحلام واقتراحات من الصحابة !!

وفي قول السجّاد عليه السلام « يا يزيد ! محمّد هذا جدّي أم جدّك » بيان لارتفاع ذكر النبيّ وآله ، وأنّ الأمويّين لم يفلحوا في حذف اسمه من الأذان وإخماد ذكره ، ومحاولة إدراج اسم « أمير المؤمنين » (127) !!! معاوية في آخر الأذان ، وإن نجحوا ظاهريّاً في إخماد ثورة الحسين وقتله وقتل عترة النبيّ صلّى الله عليه وآله.

فالأذان المشرع من الوحي كان مفخرة آل النبيّ ، وبياناً لارتفاع ذكره وذكر آله ، لا كما قيل فيه من أنواع المختلقات.

ويؤكّد ذلك أنّه لمّا قدم عليّ بن الحسين بعد قتل أبيه الحسين عليه السلام إلى المدينة استقبله إبراهيم بن طلحة بن عبيدالله وقال :

يا عليّ بن الحسين ، مَن غَلَب ؟ وذلك على سبيل الشماتة فقال له عليّ بن الحسين : إذا أردتَ أن تعلم من غَلَب ودخل وقت الصلاة فأذِّن ثمّ أقِم (128).

وذلك أنّ ذكر الرسول المصطفى خُلّد في الأذان والإقامة رغم نصب الناصبين وعداء المعادين ، وبه خلود ذكر آل النبيّ صلّى الله عليه وآله ، فيكونون هم الغالبين لا بنو أميّة ولا من غصبوا الحقوق وحرَّفوا المعالم عن سُنَنها ومجاريها.

وقد كانت نعرة البغض لرهط النبي وآله مترسّخة متجذرة في نفوس الأمويين إلى أبعد الحدود ، حتّى وصلت بهم درجة الإحساس بالتعالي والتيه والكبر إلى أن يحاسبوا حتّى من يمدحهم غاية المدح فيما إذا قدّم عليهم آل الرسول ، فقد افتخر ابن ميادة الشاعر بقومه بعد رهط النبي وبعد بني مروان ، فقال :

     

فَضَلْنا قريشاً غيرَ رهطِ محمَّدِ

 

وغيرطَ بني مروان أَهلِ الفضائلِ

فقال له الخليفة الأموي الوليد بن يزيد : قدَّمْتَ رهطَ محمّد قبلنا ؟! فقال ابن ميادة : ما كنت أظنّه يمكن إلّا ذاك (129).

فها هو الشاعر يصرّح ـ طبقاً لضرورات الدين ـ بأنه لا يمكن للمسلم إلّا أن يقدّم رهط النبي صلّى الله عليه وآله على قومه وعلى جميع الأقوام ، لكن العقليّة الأمويّة والمروانيّة كانت تسعى في طمس آثار آل الرسول بكلّ ثقلها وجهدها.

وفي العصر العبّاسي ، دخل الإمام عليّ الهادي عليه السلام يوماً على المتوكّل فقال له المتوكّل : يا أبا الحسن مَن أشعر الناس ؟ ـ وكان قد سأل قبله عليّ بن الجهم ، فذكر شعراء الجاهليّة وشعراء الإسلام ـ فلمّا سأل الإمامَ قال : عليّ الحماني حيث يقول :

     

لقد فاخَرَتْنا من قريش عصابةٌ

 

بمطّ خُدود وامتدادِ أصابعِ

فلمّا تَنازَعنا المقالَ قضى لنا

 

عليهم بما نهوى نداءُ الصَّوامعِ

قال المتوكّل : وما نداء الصوامع يا أبا الحسن ؟ قال : « أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً رسول الله » جدّي أم جدّك ؟ فضحك المتوكّل ثمّ قال : هو جدّك لا ندفعك عنه (130).

     

تَرانا سُكوتاً والشهيدُ بفضلِنا

 

تَراهُ جَهيرَ الصوتِ في كلِّ جامعِ

بأنّ رسولَ اللهِ أحمدَ جدُّنا

 

ونحن بَنوهُ كالنجومِ الطَّوالعِ (131)

فكان الأذان وفيه اسم محمّد ، المرفوع ذكره ، المستتبع لرفع ذكر الأئمّة من أولاده (132) ، كان ذلك أكبر مفخرة للمسلم الحقيقي ، كما كان يؤذي أعداء الإسلام الذين ارتدوا بسبب المعراج ، ويؤذي من أرادوا جعل الأذان وفصوله أحلاماً واقتراحات ، ويؤذي معاوية الذي أرّقه ذكر اسم « محمّد » واقترانه باسم ربّ العالمين ، ويؤذي أولاد طلحة وقتلة الحسين عليه السلام ، كما كان يؤرق المتوكّل العبّاسي ، وكلّ رموز التحريف وأرباب الطموحات السلطويين ، وكلّهم من السلك القرشي المعادي لله وللرسول ولعترة الرسول صلوات الله عليهم أجمعين.

القدرة الإلهيّة وفشل المخطّطات

إن قريشاً سعت للوقوف أمام الدعوة ودأبت على طمس معالم الإسلام ، لكن الله أبى إلّا أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون ( يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّـهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّـهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (133).

وقد مرّ عليك قول معاوية بن أبي سفيان : « إلّا دفناً دفناً » في حين أن الله سبحانه وتعالى يقول : ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ).

وقال السدّي في تفسير قوله : ( إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ) : كانت قريش يقولون لمن مات الذكور من أولاده : أبتر ، فلمّا مات ابنه صلّى الله عليه وآله : القاسم ، وعبدالله بمكّة ، وإبراهيم بالمدينة ، قالوا : بُتِرَ ، فليس له من يقوم مقامه.

ثمّ إنّه تعالى بيّن أنّ عدوّه هو الموصوف بهذه الصفة ، فإنّا نرى أنّ نسل أولئك الكفرة قد انقطع ، ونسله عليه الصلاة والسلام يزداد كلّ يوم وينمو وهكذا إلى يوم القيامة (134).

فقد أشار الفخر الرازي في تفسير قوله تعالى : ( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) إلى أن الكوثر : أولاده صلّى الله عليه وآله ، قالوا : لأنّ هذه السورة إنّما نزلت ردّاً على من عابه عليه السلام بعدم الأولاد ، فالمعنى أنّه يعطيه نسلاً يبقون على مرّ الزمان.

فانظر كم قُتل من أهل البيت ، ثمّ العالَم ممتلئ منهم ، ولم يبقَ من بني أميّة في الدنيا أحد يُعبأ به.

ثمّ انظر كم فيهم من الأكابر من العلماء كالباقر والصادق والكاظم والرضا عليهم السلام والنفس الزكيّة وأمثالهم (135).

وكان الأمويّون يحسدون آل البيت على ما آتاهم الله من فضله ، وقد جاء في تفسير قوله تعالى : ( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ ... ) أنّها نزلت في عليّ عليه السلام وما خُصَّ به من العلم (136).

وعن ابن عبّاس في قوله : ( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ ) قال : نحن الناس دون الناس (137).

وعن محمّد بن جعفر في قوله : ( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ ) ، قال : نحن المحسودون ، وعن ابن عبّاس في قوله ( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ ) قال : نحن الناس المحسدون و « فضله » النبوّة (138).

فسبحانه جل شأنه رفع ذكرَ محمّد وآل محمّد بآيات التطهير والمودّة والمباهلة وسورة الدهر وبراءة وغيرها من السور والآيات الكثيرة ، ولو تدبّر المطالع في سورة الضحى لعرف نزولها في مدح النبيّ محمّد وأنّه جلّ شأنه ذكره بثلاثة أشياء تتعلّق بنبوّته ، منها : ( وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ) وفي سورة ألم نشرح شرّفه بثلاثة أشياء أوّلها : ( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ) ، وثانيها : ( وَوَضَعْنَا عَنكَ وَزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ ) ، وثالثها : ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) (139).

قال الإمام فخر الدين الرازي : جعل الله تعالى أهل بيت النبيّ صلّى الله عليه وآله مساوين له في خمسة أشياء :

أحدها : المحبّة ؛ قال الله تعالى : ( فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ ) ، وقال لأهل بيته ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ).

والثانية : تحريم الصدقة ؛ قال صلّى الله عليه وآله : لا تحلّ الصدقة لمحمّد ولا لآل محمّد ، إنّما هي أوساخ الناس.

والثالثة : الطهارة ؛ قال الله تعالى : ( طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ ) أيّ يا طاهر ، وقال لأهل بيته : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ).

والرابعة : في السلام ؛ قال : « السلام عليك أيّها النبيّ » ، وقال لأهل بيته ( سَلَامٌ عَلَىٰ إِلْ يَاسِينَ ) (140).

والخامسة : في الصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وآله وعلى الآل في التشهّد (141).

وبهذا فقد عرفنا ـ وعلى ضوء الصفحات السابقة ـ بأن المجتهدين كانوا وراء فكرة الرؤيا ، وأنّ رأسها الأمويّون ، استغلّوا ما طرح في عهد الصحابة لما يريدون القول به لاحقاً.

فإنّ النصوص السابقة وضّحت لنا بأنّ الصحابة اقترحوا على رسول الله بأن يتّخذ ناقوساً مثل ناقوس النصارى أو بوقاً مثل قرن اليهود ورسول الله لم يرضَ بذلك حتّى أُري عبدالله بن زيد أو غيره الأذان.

وجاء في كتاب « من لا يحضره الفقيه » عن الإمام عليه السلام أنّه قال : كان اسم النبيّ صلّى الله عليه وآله يكرّر في الأذان ، فأوّل مَن حذفه ابن أروى (142). وهو عثمان بن عفّان.

وهذا يتّفق مع ما قاله محمّد بن عليّ بن إبراهيم بن هاشم في كتاب العلل وهو يذكر علل فصول الأذان حتّى يقول : ... وقوله : « حيّ على خير العمل » أيّ حث على الولاية ، وعلّة أنّها خير العمل أن الأعمال كلّها بها تقبل.

الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، فألقى معاويةُ من آخر الأذان « محمّد رسول الله » فقال : أما يرضى محمّد أن يذكر في أوّل الأذان حتّى يذكر في آخره (143).

وقد مرّ عليك ما رواه عبدالرزاق عن إبراهيم من أنّ أوّل من أفرد الإقامة معاوية ، وقال مجاهد : كانت الاقامة مثنى كالأذان حتّى استخفّه بعض أمراء الجور فأفرده لحاجة لهم (144).

وجاء في مجمع الزوائد عن عبدالرحمن بن ابن ليلى قال : كان علي بن أبي طالب اذا سمع المؤذّن يؤذّن قال كما يقول فإذا قال : اشهد ان لا إله إلّا الله واشهد ان محمّداً رسول الله. قال علي : اشهد أن لا إله إلّا الله واشهد انّ محمّداً رسول الله وأنّ الذين جحدوا محمّداً هم الكافرون (145).

بعد ذلك لا غرابة عليك في تصريح الصادق عليه السلام بأنّ الحكومات والنواصب منهم على وجه التحديد حرّفوا أو حاولوا تحريف الحقائق ، فقد عرفنا سياسة التحريف عند الأمويين ومسخهم للحقائق وأنّ عملهم هذا يصب في المخطّط الهادف إلى إبدال كلّ ما جاء من حقائق الإسلام وكلّ ما كان من فضائل الإمام عليّ وأصحاب نهج التعبد.

فقد روى القاسم بن معاوية خبراً قال فيه :

قلت لأبي عبد الله عليه السلام : هؤلاء يروون حديثاً في معراجهم أنّه لما أسري برسول الله رأى على العرش مكتوباً « لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، أبو بكر الصديق ».

فقال : سبحان الله ، غيروا كلّ شيء حتّى هذا ؟!!

قلت : نعم.

فقال الصادق عليه السلام ما ملخّصه : إنّ الله تعالى لمّا خلق العرش ، والماء ، والكرسي ، واللوح ، وإسرافيل ، وجبرائيل ، والسماوات والأرضين ، والجبال ، والشمس ، والقمر ، كان يكتب على كلّ منها « لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، عليّ أمير المؤمنين ». ثمّ قال عليه السلام : فإذا قال أحدكم « لا إله إلّا الله محمّد رسول الله » فليقل « عليّ أمير المؤمنين » (146).

فالقارئ البصير لو تدبّر في النصوص الصادرة عن الأئمّة لعرف أنّ رسالتهم هي تصحيح للأفكار الخاطئة المبثوثة في الشريعة والتاريخ ، ويتأكّد لك مدعانا لو طبق على ما نحن فيه ، من وجود تيار يحمي فكرة الرؤيا وهم النواصب وأعداء النبيّ والإمام عليّ بن أبي طالب ، وهؤلاء النواصب كانوا لا يستسيغون ذكر الرسول محمّد في الأذان ، أو يتصوّرون أنّ الشهادة الثانية من وضعه صلّى الله عليه وآله ، فكيف يقبل أمثال هؤلاء بشرعية شيء فيه تنويه ورفعة لمنزلة آل الرسول صلّى الله عليه وآله ، والنواصب هم الذين يحرفون الكلم عن مواضعه ويجعلون مكانها مفاهيم اُخرى ، وقد أشرنا سابقاً إلى بعضها ، وإليك نَصَّين آخرين في هذا السياق ، إذ جاء في أصل زيد النرسي ، عن الإمام الكاظم بأن الصلاة خير من النوم من بدع بني أميّة (147) ، وهي توكّد ما نريد الوصول إليه من حقيقة الأذان وكيفيّة وقوع التحريف فيه.

فقد روى الصدوق وعليّ بن إبراهيم ، عن عمر بن أُذينة ، عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : يا عمر بن أُذينه ، ما ترى هذه الناصبة ؟

قال : قلتُ : في ماذا ؟

فقال : في أذانهم وركوعهم وسجودهم.

قال : قلت : إنّهم يقولون : إنّ أبيّ بن كعب رآه في النوم.

فقال : كذبوا ، فإنّ دين الله عزّ وجلّ أعزّ من أن يُرى في النوم.

فقال سدير الصيرفي للإمام : جُعلت فداك ، فأَحِدث لنا من ذلك ذِكراً (148) ، فبدأ الإمام الصادق عليه السلام ببيان عروج الرسول إلى السماوات السبع وذكر لهم خبر الأذان والصلاة هناك.

ولو أحببت الوقوف على ملابسات هذه الأمور أكثر فأكثر ، ومعرفة دور قريش وأتباعهم من النواصب في تحريف النصوص وما يتعلّق بالإمام عليّ على وجه التحديد ، فتمعن فيما نقوله تحت العنوان الآتي :

من هم الثلاثة أو الأربعة ؟

بعد أن وقفت على بعض تحريفات بني أميّة نوقفك الآن مع عبارة مبهمة تذكرها كتب الصحاح والسنن في خبر الإسراء ، مفادها أنّ جبريل لمّا نزل بأمر الإسراء رأى ثلاثة رجال نائمين ، فقال إسرافيل لجبرئيل : أيّهم هو ؟ فقال : أوسطهم.

وكان النائم في الوسط هو النبيّ محمّد ، فالآن نتساءل : من هما الاثنان الآخران يا ترى ؟ ولماذا الإبهام في اسميهما ؟

أخرج مسلم في صحيحه ، وأبو عوانة في مسنده ، والترمذي في سننه ، وابن خزيمة في صحيحه ، والنصّ للأوّل بسنده عن قتادة ، عن أنس بن مالك ، لعلّه قال عن مالك بن صعصعة « رجل من قومه » ، قال : قال نبيّ الله : بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان إذ سمعت قائلاً يقول : أحد الثلاثة بين الرجلين ... (149)

وفي مسند أحمد ، والمجتبى للنسائي ، والسنن الكبرى له أيضاً ، والنصّ للأوّل ... عن قتادة ، عن أنس بن مالك ، عن مالك بن صعصعة : أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قال : بينا أنا عند الكعبة بين النائم واليقظان فسمعت قائلاً يقول : أحد الثلاثة ... فأُتِيتُ بطست من ذهب ... ثمّ أُتيتُ بدابّة دون البغل وفوق الحمار ، ثمّ انطلقت مع جبرئيل عليه السلام ... الحديث (150).

على أنّ البخاري وغيره أرجعوا هذا الخبر إلى قبل أن يبعث الرسول صلّى الله عليه وآله ، فجاء في الصحيحين عن شريك بن عبدالله بن أبي نمر : سمعت أنس بن مالك يحدّثنا عن ليلة أُسري بالنبيّ صلّى الله عليه وآله من المسجد الكعبة : جاء ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم في مسجد الحرام ، فقال أوّلهم : أيّهم هو ؟ فقال : أوسطهم هو خيرهم ، وقال آخرهم : خذوا خيرهم ، فكانت تلك ، فلم يَرَهم حتّى جاءوا ليلة أخرى فيما يرى قلبه والنبيّ صلّى الله عليه وآله نائمة عيناه ولا ينام قلبه .. فتولّاه جبرئيل ثمّ عرج به إلى السماء (151).

وفي هذه الضبابية وهذا الإبهام نرى كتب شروح الحديث عند أهل السنّة والجماعة لا توضّح إلّا بعض الشيء عن هؤلاء ، فحكى السندي في حاشيته على النسائي وضمن تفسيره لهذا الحديث ... « قالوا : هما حمزة وجعفر ... » (152).

وفي شرح مسلم باب الإسراء : روي أنّه كان نائماً معه حينئذ عمّه حمزة بن عبدالمطّلب وابن عمّه جعفر بن أبي طالب (153).

وفي فتح الباري بشرح صحيح البخاري : ... فقال أوّلهم : أيّهم هو ، فيه إشعار بأنّه كان نائماً بين جماعة أقلّهم اثنان وقد جاء أنّه كان نائماً معه حينئذ حمزة ابن عبدالمطّلب وجعفر بن أبي طالب ابن عمّه (154).

وقال البناء في الفتح الربّاني (155) والمباركفوري في تحفة الأحوذي (156) ، والكلام للأوّل : قال الحافظ : والمراد بالرجلين ، حمزة وجعفر ، وأنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله حين كان نائماً بينهما.

هكذا عرّفت كتب الشروح اسم الرجلين دون ذكر سند أو رواية في ذلك ، لكنّ كتب الشيعة الإماميّة والإسماعيليّة والزيديّة رَوَت بأسانيدها أسماء الذين كانوا نائمين مع النبيّ صلّى الله عليه وآله ، وهم : عليّ ، وحمزة ، وجعفر ، كانوا يحيطون به عن يمينه وشماله وتحت رِجلَيه ...

روى عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبدالله بن المغيرة ، عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله تعالى : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا ) ، قال : روي عن رسول الله أنّه قال : بينا أنا راقد بالأبطح ، وعليٌّ عن يميني ، وجعفر عن يساري ، وحمزة بين يَدَيّ ، وإذا أنا بخفق أجنحة الملائكة وقائل منهم يقول : إلى أيّهم بُعِثتَ يا جبرئيل ؟ فقال : إلى هذا ، وأشار إليّ. ثمّ قال : هو سيّد ولد آدم وحوّاء ، وهذا وزيره ووصيّه وختنه وخليفته في أمّته ، وهذا عمّه سيّد الشهداء حمزة ، وهذا ابن عمّه جعفر له جناحان خضيبان يطير بهما في الجنّة مع الملائكة ، دعه فلتنم عيناه ولتسمع أُذناه ولْيَعِ قلبه ... (157)

وروى القاضي النعمان في شرح الأخبار عن الطبري ؛ رفعه إلى حذيفة اليماني ، قال : خرج إلينا رسول الله صلّى الله عليه وآله يوماً وهو حاملٌ الحسنَ والحسينَ عليهما السلام على عاتقه ، فقال : هذان خير الناس أباً وأمّاً ؛ أبوهما عليّ ... إلى أن قال : إنّ الله عزّوجلّ اختارنا أنا وعليّاً وحمزة وجعفر يوم بعثني برسالته وكنت نائماً بالأبطح ، وعليّ نائم عن يميني ، وحمزة عن يساري ، وجعفر عند رجلي ، فما انتبهت إلّا بحفيف أجنحة الملائكة ، فنظرت فإذا أربعة من الملائكة وأحدهم يقول لصاحبه : يا جبرئيل ، إلى أيّ الأربعة أُرسِلتَ ؟ فرفسني برِجلي وقال : إلى هذا.

قال : ومَن هذا ؟!

قال : محمّد سيّد المرسلين.

قال : ومَن هذا عن يمينه ؟!

قال : عليّ سيّد الوصيّين.

قال : ومن هذا عن يساره ؟!

قال : حمزة سيّد الشهداء.

قال : ومن عند رجليه ؟

قال : جعفر الطيّار في الجنَّة. (158)

وروى الشيخ الطوسي بإسناده عن إبراهيم بن صالح بن زيد بن الحسن ، عن أبيه ، عن أبي عبدالله عليه السلام ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : رقدتُ بالأبطح على ساعدي وعليٌّ عن يميني ، وجعفر عن يساري ، وحمزة عند رِجلي ، قال : فنزل جبرئيل وميكائيل وإسرافيل ، ففزعت لخفق أجنحتهم. قال : فرفعت رأسي فإذا إسرافيل يقول لجبرئيل : إلى أيّ الأربعة بُعثتَ وبُعثنا معك ؟ قال : فرفس برِجله فقال : إلى هذا ... إلى آخر الرواية (159).

وروى المرشد بالله يحيى بن الحسين الشجري ـ من الزيديّة ـ في الأمالي الخميسيّة بإسناده عن ابن عبّاس ، عن النبيّ صلّى الله عليه وآله في قول الله : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) فإنّا أهل بيت مُطهَّرون من الذنوب ، ألا وإن الله اختارني من ثلاثة من أهل بيتي على جميع أمّتي وأنّا سيّد الثلاثة ، وسيّد ولد آدم يوم القيامة ، ولا فخر.

قال أهل السدة : يا رسول الله ، سَمِّ لنا الثلاثة نعرفهم ؟ فبسط رسول الله كفَّه الطيّبة المباركة ثمّ حلق بيده ، قال : اختارني وعليّاً وحمزة وجعفراً ، كنّا رقوداً بالأبطح ليس منّا إلّا مسجّى بثوبه ، عليّ عن يميني ، وجعفر عن يساري ، وحمزة عند رجلي ، فما نبّهني من رقدتي غير حفيف أجنحة الملائكة وبرد ذراع عليّ تحت خدي ، فانتبهت من رقدتي ، وجبرئيل في ثلاثة أملاك ، فقال له بعض الأملاك الثلاثة : يا جبرئيل ، إلى أيّ هؤلاء الثلاثة أُرسِلتَ ؟

فحرّكني برجله وقال : إلى هذا وهو سيّد ولد آدم.

فقال له أحد الثلاثة : ومَن هو ، سمِّه ؟

فقال : هذا محمّد سيّد المرسلين ، وهذا عليّ خير الوصيّين ، وهذا حمزة سيّد الشهداء ، وهذا جعفر له جناحان خضيبان يطير بهما في الجنّة حيث يشاء (160).

ولو حقّقنا في رجال الخبر المروي في تفسير عليّ بن إبراهيم ـ والذي رواه المرحوم شرف الدين الحسيني ـ من أعلام القرن العاشر ـ مسنداً في تاويل الآيات ـ لرأيناهم ثقات لم يرد فيهم جرح ، ويؤيّده ما حكاه القاضي النعمان المصري في شرح الأخبار والطوسي والمرشد بالله في أماليهما ، فنحن لو جمعنا هذين النصين مع ما جاء في الإمام عليّ وأنّه أحد سادات أهل الجنّة السبعة بنص رسول الله صلّى الله عليه وآله وأنّ مثاله كان في الجنَّة وقد رأى ذلك رسول الله حينما أسري به إلى السماء ، لعرفنا حقيقة أخرى كانت بنو أميّة تخفيها وتخاف نشرها وشيوعها بين الناس ، بل سعت لطمسها وإبدالها بأخبار أخرى في الصحابة.

وإذا أردتَ أن تقف على جلية الأمر ، فلاحِظْ أنّ هناك مجموعة من الأحاديث النبويّة الشريفة ، ومجموعة من الآيات الكريمة فسّرها الرسول الأكرم ، وفيها تجد عليّاً وحمزة وجعفراً في إطار واحد لا ينفصلون ، وعلى نسق فريد من الكرامة فيه لا يتفرقون.

فقد أخرج الحاكم وابن ماجة بسندهما عن أنس بن مالك أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال : نحن بنو عبدالمطلب سادة أهل الجنّة ؛ أنا وعليّ وجعفر وحمزة والحسن والحسين والمهدي ، ثمّ قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه (161).

وقد روى ابن عساكر بسنده عن حبشي بن جنادة ، أن رسول الله صلّى الله عليه وآله ، قال : إنّ الله اصطفى العرب من جميع الناس ، واصطفى قريشاً من العرب ، واصطفى بني هاشم من قريش ، واصطفاني واختارني في نفر من أهل بيتي : عليّ وحمزة وجعفر والحسن والحسين (162).

وقد روى عطية ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : خير الناس حمزة وجعفر وعليّ (163).

وروى الحاكم الحسكاني بسنده عن عبدالله بن عبّاس ، في قول الله تعالى ( أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ ) (164) ، قال : نزلت في حمزة وجعفر وعليّ ، وذلك أنّ الله سبحانه وتعالى وعدهم في الدنيا الجنّة على لسان نبيّه صلّى الله عليه وآله ، فهؤلاء يلقون ما وعدهم الله في الآخرة (165) ...

وروى الحاكم الحسكاني أيضاً بسنده عن عبدالله بن عبّاس في قول الله تعالى ( مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّـهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ ) (166) ، يعني عليّاً وحمزة وجعفراً ( فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ ) يعني حمزة وجعفراً ( وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ) يعني عليّاً كان ينتظر أجله والوفاء لله بالعهد والشهادة في سبيل الله ، فوالله لقد رزق الشهادة (167).

وبإسناده أيضاً عن زيد ، قال : سألت أبا جعفر محمّد بن عليّ ، قلت له : أخبرني عن قوله تعالى ( الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ ) (168) ، قال : نزلت في عليّ وحمزة وجعفر (169) ...

فهؤلاء الثلاثة كانوا يحوطون النبيّ كما تحوط عينَ الناظر الهُدُبُ ، وكانوا هم عماد المدافعين عنه في أوائل الدعوة الإسلاميّة ، وقد أعلنوا إسلامهم بكلّ جرأة وتحدّ للحشود القرشيّة المتظافرة على الفتك برسول الله صلّى الله عليه وآله ، وها قد رأيت الأحاديث النبويّة الشريفة والآيات القرآنيّة الكريمة كيف تعدهم لئالئ في سلك ونظام واحد ، فلماذا يحذف اسم « عليّ » من هذه الكوكبة ؟! ما يكون ذلك إلّا من صنيع المبغضين له والأمويين ومن لفّ لفَّهم ، ويكفيك هذا دليلاً دامغاً على أنّ « نهج الأذان المنامي » حاول التعتيم على الحقيقة المحمديّة العلويّة ، وحاول القضاء على « نهج الأذان السماوي » ، فلم يتمكّنوا من ذلك.

وهؤلاء الثلاثة ـ عليّ وحمزة وجعفر ـ كانت فضائلهم متماسكة متناسقة حتّى سارت على السنّة الشعراء ، فقد قال الكميت في بائيته الرائعة :

     

أولاك نبيّ الله منهم وجعفر

 

وحمزة ليث الفَيلقَين الُمجرَّبُ

هُمُ ما هُمُ وتراً وشَفعاً لقومِهم

 

لفقدانهم ما يُعذَرُ المُتَحَوِّبُ

قتيل التَّجوبي الذي استوأرت به

 

يساق به سَوقاً عنيفاً ويجنبُ

قال شارح القصيدة : قتيل التجوبي هو عليّ بن أبي طالب ، وتجوب قبيلة وهم في مراد (170).

ولمّا هجا أحدُ الشعراء ـ من ولد كريز بن حبيب بن عبدشمس ـ محمّد بن عيسى المخزومي ، أجابه شاعرٌ آخر فذكر معايب بني عبدشمس وأنهم لم يكن لهم ما يذكر في الجاهليّة من أمر اللواء والندوة والسقاية والرفادة ، وذكر حقدهم على النبيّ وآل النبيّ صلّى الله عليه وآله ، فقال :

     

لا لواءٌ يُعدّ يا بن كريز

 

لا ولا رِفْدُ بيتِه ذي السَّناءِ

لا حجابٌ وليس فيكم سِوى الكبـ

 

ر وبُغضِ النبيِّ والشهداءِ

بين حاك ومُخْلج وطريد

 

وقتيل يَلْعَنْهُ أهلُ السماءِ

ولهم زمزمٌ كذاك وجِبريـ

 

ـلُ ومجدُ السقايةِ الغَرّاءِ

قال ابن أبي الحديد : قال شيخنا أبو عثمان : فالشهداء عليّ وحمزة وجعفر ، والحاكي والمخلج هو الحكم بن أبي العاص ... والطريد اثنان : الحكم بن أبي العاص ومعاوية بن المغيرة بن أبي العاص ، وهما جدّا عبدالملك بن مروان من قبل أمّه وأبيه (171) ...

وعلى كلّ حال ، فإن المنصف لا يرتاب في أنّ الأذان كان تشريعه سماوياً لا رؤيؤيا ، وكان عليّ وحمزة وجعفر ، محيطين بالنبيّ صلّى الله عليه وآله ، لكن الحكومات والسياسات حذفت اسم عليّ عليه السلام محاوِلةً إبعاد هذه المكرمة عنه وهي أقرب إليه من حبل الوريد ، وهذه ليست أوّل فعلة من فعلات المحرّفين ، بل لها نظائر ونظائر إلى ما شاء الله.

وما ذكرهم مثال بلال وغيره من الصحابة في خبر الإسراء والمعراج وتركهم ذكر مثال عليّ إلّا شاهد آخر على ما حرفوا في الأذان السماوي ، الذي تبناه عليّ وأولاده وأصحابه.

فقد روى مضمون ذلك جابر بن عبدالله الأنصاري ، وأبو أمامة الباهلي ، وبريده ، وأنس بن مالك ، وأبو هريرة ، وسهل بن سعد الساعدي عن رسول الله بنصوص متقاربة.

فأمّا ما رواه جابر ـ فقد أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما (172) ، وأبو داود الطيالسي (173) ، وأحمد (174) في مسنديهما ، وابن حبان في صحيحه (175) ـ والنصّ للبخاري ـ وهو :

قال رسول الله : أُريتني دخلت الجنَّة ، فإذا أنا بالرميضاء امرأة أبي طلحة ، وسمعت خشفة فقلت : من هذا ؟

قال [ جبرئيل ] : هذا بلال. قال : ورأيت قصراً بفنائه جارية ، فقلت : لمن هذا ؟ فقال : لعمر ، فأردت أن أدخله فأنظر إليه فذكرت غيرتك.

فقال عمر : بأبي أنت وأمّي يا رسول الله ، أعليك أغار ؟!

وفي رواية أبي أمامة التي رواها أحمد في مسنده (176) والطبراني في الكبير (177) والهيثمي في مجمع الزوائد (178) ـ والنصّ عن أحمد ـ قال : قال رسول الله : دخلت الجنَّة فسمعت فيها خشفة بين يدي ، فقلت : ما هذا ؟ قال : بلال.

قال : فمضيت فإذا أكثر أهل الجنَّة فقراء المهاجرين (179) وذراري المسلمين ولم أرَ أحداً أقلّ من الأغنياء والنساء ... ثمّ خرجنا من أحد أبواب الجنَّة الثمانية ، فلمّا كنت عند الباب أتيت بكُفّة فوُضعت فيها ووُضِعت أمّتي في كفّة ، فرجحتُ بها ، ثمّ أتي بأبي بكر فوضع في كفّة وجيء بجميع أمّتي في كفّه فوضعوا فرجح أبو بكر ، وجيء بعمر فوضع في كفّة وجيء بجميع أمّتي فوضعوا فرجح عمر ، وعرضت أمّتي رجلاً رجلاً (180) فجعلوا يمرّون فاستبطأت عبدالرحمن بن عوف ، ثمّ جاء بعد الأياس ...

وأمّا رواية عبدالله بن بريدة عن أبيه والتي أخرجها الطبراني في الكبير (181) وابن أبي شيبة في المصنّف (182) وابن حبّان في الصحيح (183) وأحمد في المسند (184) والترمذي في السنن (185) وابن خزيمة في الصحيح (186) والحاكم في المستدرك (187) ـ والنصّ للترمذي ـ فهي ، قال : أصبح رسول الله فدعا بلالاً ، فقال : يا بلال ، بم سبقتني إلى الجنَّة ؟ ما دخلت الجنَّة قطّ إلّا سمعت خشخشتك أمامي.

وأمّا ما رواه أنس بن مالك ـ والذي جاء في مسند عبد بن حميد (188) ـ فهو : قال أنس : قال رسول الله : دخلتُ الجنّة فسمعت خشفة فقلت : ما هذه ؟ فقالوا : هذا بلال ، ثمّ دخلت الجنّة فسمعت خشفة ، فقلت : ما هذه ؟ قالوا : هذه الغميضاء بنت ملحان وهي أمّ سليم أمّ أنس بن مالك.

وأمّا ما رواه أبو هريرة ـ والذي أخرجه البخاري (189) ومسلم (190) وابن حبّان (191) في صحاحهم ، وابن عساكر في تاريخ دمشق (192) ـ فهو : أن النبيّ قال لبلال عند صلاة الفجر : يا بلال ، حدّثني بأرجى عمل عملتَه في الإسلام فإنّي سمعت دفّ نعلَيك بين يدَيّ في الجنَّة ، قال : ما عملت عملاً أرجى عندي أنيّ لم أتطهّر طهوراً في ساعة ليل أو نهار إلّا صلّيت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلّي.

وأمّا رواية سهل بن سعد ففيها : قال : قال رسول الله : دخلت الجنَّة فإذا منظر آت فنظرت فإذا هو بلال (193) ...

كلّ هذه النصوص ظاهرة في أنّه صلّى الله عليه وآله رأى ذلك في معراجه إلى السماء ، وهناك نصّان آخران يوضحان ذلك ؛ فقد روى الطبراني في الكبير بإسناده عن وحشي بن حرب ، عن أبيه ، عن جدّه : أنّ رسول الله لمّا أسري به في الجنَّة سمع خشخشة ، فقال : يا جبرئيل ، ما هذه الخشخة ؟ قال : هذا بلال.

قال أبو بكر : ليت أمّ بلال ولدتني وأبو بلال وأنا مثل بلال (194) رواه الطبراني ورجاله ثقات.

وفي مسند أحمد (195) ومجمع الزوائد (196) والأحاديث المختارة (197) وتفسير ابن كثير (198) عن ابن عبّاس ، والنصّ لأحمد : بسنده عن ابن عبّاس ، قال : ليلة أسري بنبيّ الله صلّى الله عليه وآله ودخل الجنَّة فسمع من جانبها وَجساً ، قال : يا جبرئيل ، ما هذا ؟ قال : هذا بلال المؤذّن.

فهذه النصوص تشير إلى وجود مثال بلال في الجنّة وإن جدّ بعض الأعلام إلى تضعيفها (199) وحملها على كونها كانت في المنام لا اليقظة ، لكنّهم بهذا التعليل أو ذاك لا يمكنهم التقليل من حجيّتها عند القائلين بها ، وذلك لحجيّة رؤيا الأنبياء عند جميع المسلمين ، وقد يكون ما رآه الرسول معنى آخر لتجسّم الأعمال والذي يذهب إلى القول به جماعة من المسلمين.

وبعد هذا فلا مانع من أن نذكر بعض الروايات الدالّة على وجود اسم عليّ في العرش والكرسي ، والتي لا نستبعد أن تكون حكومة الأمويين وضعت الأحاديث الآنفة في مقابلها ، محاولةً منهم لطمس فضائل عليّ والتقليل من أهمّيتها ، وذلك طبق المنهج الذي رسموه وخطّطوه في ذلك كما تقدّم بيانه ، إذ أن حديث رجحان كفّة أبي بكر وعمر على كفّة الناس أجمعين هو تحريف للحديث الثابت عن رسول الله : ضربة عليّ يوم الخندق تعدل عبادة الثقلين (200) ، وإليك الآن بعض تلك الروايات المشيرة إلى وجود اسم الإمام عليّ على ساق العرش :

روى الصدوق في « من لا يحضره الفقيه » عن عليّ عليه السلام ، عن النبيّ صلّى الله عليه وآله أنّه قال في وصيّة له : يا عليّ ، إنّي رأيت اسمك مقروناً باسمي في ثلاثة مواطن ، فأنست بالنظر إليه ، إني لمّا بلغت بيت المقدس في معراجي إلى السماء وجدت على صخرتها « لا إله إلّا الله محمّد رسول الله ، أيّدته بوزيره ونصرته بوزيره ».

فقلت لجبرئيل : مَن وزيري ؟

قال : عليّ بن أبي طالب عليه السلام.

فلمّا انتهيت إلى سدرة المنتهى وجدتُ مكتوباً عليها : « إنّي أنا الله لا إله إلّا أنا وحدي ، محمّد صفوتي من خلقي ، أيّدته بوزيره ونصرته بوزيره » ، فقلت لجبرئيل : مَن وزيري ؟ فقال : عليّ بن أبي طالب.

فلمّا جاوزتُ سِدرةَ المنتهى انتهيت إلى عرش ربّ العالمين جلّ جلاله ، فوجدت مكتوباً على قوائمه : « إنّي أنا الله لا إله إلّا أنا وحدي ، محمّد حبيبي ، أيّدته بوزيره ونصرته بوزيره » (201).

وفي كتاب كمال الدين وتمام النعمة للصدوق بإسناده إلى وهب بن منبّه ، رفعه عن ابن عبّاس ، قال : قال رسول الله لعليّ : لمّا عرج بي ربيّ جلّ جلاله أتاني النداء : يا محمّد.

قلت : لبيّك ربَّ العظمة لبيّك ، فأوحى الله إليَّ : يا محمّد ، فيمَ اختصم الملأ الأعلى ؟

فقلت : إلهي ، لا علم لي.

فقال : يا محمّد ، هلّا اتَّخذت من الآدميّين وزيراً وأخاً ووصيّاً من بعدك ؟

قلت : إلهي ، ومَن أتّخذ ؟ تخيَّرْ أنت يا إلهي. فأوحى الله إليّ : يا محمّد ، قد اخترتُ لك من الآدميّين عليّ بن أبي طالب.

فقلت : إلهي ، ابن عمّي ؟

فأوحى الله إليّ : يا محمّد ، إنّ عليّاً وارثك ووارث العلم من بعدك ، وصاحب لوائك لواء الحمد يوم القيامة ، وصاحب حوضك يسقي مَن ورد عليه من مؤمني أمّتك.

ثمّ أوحى الله إليّ : يا محمّد ، إنّي قد أقسمت على نفسي قسماً حقاً ، لا يشرب من ذلك الحوض مُبغض لك ولأهل بيتك وذريّتك الطيّبين الطاهرين ، حقّاً أقول يا محمّد : لأُدخِلنّ جميع أمّتك الجنَّة إلّا مَن أبى من خلقي ، فقلت : إلهي ، هل واحد يأبى من دخول الجنَّة ؟

فأوحى الله إليّ : بلى.

فقلت : وكيف يأبى ؟

فأوحى الله إليّ : يا محمّد ، اخترتُك من خلقي ، واخترتُ لك وصيّاً من بعدك ، وجعلته منك بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدك ، وألقيت محبّته في قلبك ، فجعلته أباً لولدك ، فحقّه بعدك على أمّتك كحقّك عليهم في حياتك ، فمن جحد حقّه فقد جحد حقّك ، ومن أبى أن يواليه فقد أبى أن يواليك ، ومن أبى أن يواليك فقد أبى أن يدخل الجنّة ، فخَرَرتُ لله ساجداً شكراً لما أنعم عليّ ... والخبر طويل اكتفينا منه بهذا المقدار (202).

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم بإسناده عن أبي بردة الأسلمي ، قال : سمعت رسول الله يقول لعليّ : يا عليّ ، إنّ الله أشهَدَك معي في سبع مَواطن : أمّا أوّل ذلك فليلة أُسري بي إلى السماء ، قال لي جبرئيل : أين أخوك ؟

فقلت : خلّفته ورائي.

قال : ادعُ الله فليأتك به ، فدعوتُ الله وإذا مِثالُك معي وإذا الملائكة وقوف صفوف ، فقلت : يا جبرئيل ، من هؤلاء ؟ قال : هم الذين يباهيهم الله بك يوم القيامة ، فدنوت فنطقت بما كان وما يكون إلى يوم القيامة.

والثاني حين أُسري بي من المرّة الثانية ، فقال لي جبرئيل : أين أخوك ؟ فقلت : خلّفته ورائي ، فقال : ادعُ الله فليأتك به ، فدعوتُ الله فإذا مثالك معي ، فكُشِط لي عن سبع سماوات حتّى رأيت سُكّانها وعُمّارها وموضع كلّ ملك منها ... إلى أن قال :

وأمّا السادس : لمّا أُسري بي إلى السماء جمع الله لي النبيّين فصلّيت بهم ومثالك خلفي (203).

وفي عيون أخبار الرضا ، بسنده عن أمير المؤمنين ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : لمّا أسري بي إلى السماء أوحى إليّ ربّي جلّ جلاله فقال : يا محمّد ، إنّي اطّلعتُ إلى الأرض اطّلاعةً فاخترتك منها فجعلتك نبيّاً ، وشَقَقتُ لك من اسمي اسماً ، فأنا المحمود وأنت محمّد.

ثمّ اطّلعت الثانية فاخترت منها عليّاً وجعلته وصيّك وخليفتك وزوج ابنتك وأبا ذريّتك ، وشَقَقْتُ له أسماً من أسمائي ؛ فأنا العليّ الأعلى وهو عليّ.

وجعلت فاطمة والحسن والحسين من نوركما ، ثمّ عرضت ولايتهم على الملائكة ، فمَن قَبِلها كان عندي من المقرّبين (204) ...

وفي كمال الدين وتمام النعمة ، بإسناده إلى عبدالسلام بن صالح الهروي ، عن عليّ بن موسى الرضا ، عن آبائه ، عن عليّ : عن النبيّ صلّى الله عليه وآله في حديث طويل ، قال فيه : ... فنظرت ـ وأنا بين يَدَي ربّي ـ إلى ساق العرش ، فرأيتُ اثني عشر نوراً ، في كلّ نور سطر أخضر مكتوب عليه اسم كلّ وصيّ من أوصيائي ، أوّلهم عليّ بن أبي طالب وآخرهم مهديّ أمّتي.

فقلت : يا ربّ ، أهولاء أوصيائي مِن بَعدي ؟ فنُوديتُ : يا محمّد ، هؤلاء أوليائي وأحبّائي وأصفيائي وحجّتي بعدك على بريّتي ، وهم أوصياؤك وخلفاؤك وخير خلقي بعدك. وعزّتي وجلالي لأظهرنّ بهم دِيني ، ولأُعلينّ بهم كلمتي ، ولأطهرنّ الأرض بآخرهم من أعدائي ، ولأملّكنّه مشارق الأرض ومغاربها ، ولأسخرنّ له الرياح ، ولأذللنّ له الرقاب الصِّعاب ، ولأرقينّه في الأسباب ، ولأنصرنّه بجندي ، ولأمدنّه بملائكتي حتّى يُعلن دعوتي ويجمع الخلق على توحيدي ، ثمّ لأديمنّ ملكه ، ولأداولنّ الأيام بين أوليائي إلى يوم القيامة (205).

وفي أصول الكافي ، بإسناده عن الإمام عليّ عليه السلام عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّه قال : ... فإنّه لمّا أسري بي إلى السماء الدنيا فنسبني جبرئيل لأهل السماء استودع الله حبّي وحبّ أهل بيتي وشيعتهم في قلوب الملائكة ، فهو عندهم وديعة إلى يوم القيامة (206) ...

وقد مرّ عليك خبر سدير الصيرفي وعمر بن أُذينة في الإسراء والمعراج ، وقول الإمام الصادق للأخير : يا عمر ، ما ترى هذه الناصبة في أذانهم وركوعهم وسجودهم ؟! نحن جئنا بهذه النصوص كي نؤكّد على صحّة ما قاله الإمام الصادق عن النواصب ودورهم في تحريف الأمور وخصوصاً المسائل التي فيها اسم الإمام عليّ بن أبي طالب وأهل بيت الرسول ، وان تحريفاتهم لا تقتصر على مفردة أو مفردتين في التاريخ والشريعة ، بل شملت جميع مراحل التشريع من الاسراء حتّى ما لا نهاية ، وإنّك لو مررت بالتاريخ والحديث ودرستهما دراسة واقعيّة بعيداً عن التعصّب لوافقتنا فيما قلناه وستقف على عشرات الروايات الدالّة على مكانة الإمام عليّ والتي سنتعرض لها في الشهادة الثالثة لاحقاً بإذن الله تعالى.

نحن لا نريد التفصيل في مثل هذه الموارد ، بل نذكّر القارئ الكريم بما مرّ عليه من كلام شيخ ابن أبي الحديد من أنّ الأمويّين سعوا إلى تحريف الفضائل الثابتة في عليّ وجعلها في عثمان وأبي بكر وعمر ، ونحن لو تابعنا السير التاريخي لوقفنا على التحريف اللفظي والمعنوي لبني أميّة ، فكما أنّهم جعلو اللعنة سمة وشرفاً للملعونين !! فقد أوّلوا كلام الرسول في معاوية « لا أشبع الله بطنك » بأنّه دعا له بأنّه سيأتي يوم القيامة خميص البطن لا شيء عليه (207).

وخير مثال على التحريف المعنوي هو ما أشاعه معاوية في واقعة صفّين عند مقتل عمّار بن ياسر ـ لمّا تناقل الجندُ كلامَ رسول الله « تقتلك الفئة الباغية » ـ بأن الإمام عليّ بن أبي طالب هو القاتل له حيث أخرجه وزجّ به في المعركة ، ولما سمع الإمام عليّ بن أبي طالب بهذه المقالة قال ما مفاده : وعلى هذا الكلام يكون رسول الله هو الذي قتل حمزة لأنّه أخرجه لحرب المشركين ! (208)

وأقبح منه ما روي أنّه قال لأهل الشام : إنّما نحن الفئة الباغية التي تبغي دم عثمان (209) !

فللأمويين تحريفات لفظيّة وتحريفات معنويّة كثيرة ، وإنّ هذه الدراسة تريد أن توضح أمثال هذه الأمور في الشريعة والتاريخ وانعكاساً على الأذان هنا.

فلا يجوز حمل بعض التحقيقات حول الأمويين وعقيدتهم في الاسراء والمعراج و ... على الإسهاب والخروج عن البحث ، بل ما كتبناه هو المقصود ، ولولاه لما فهمنا ملابسات التشريع الذي نحن بصدد بيانه.

بلى ، إنّهم لم يكونوا يحبّون آل الرسول ، بل لم يحبّوا كلّ من أحبّه الرسول ، بل كانوا يتعاملون مع آل الرسول بالشدّة والبغض ، فقد ذكر المناوي في فيض القدير ، وكذا القرطبي في تفسيره واقعة دارت بين مروان بن الحكم وأسامة بن زيد.

وأسامة كان ممّن يحبّهم رسول الله ـ حسب نصّ القرطبي وغيره ـ وكان الخليفة عمر بن الخطاب أعطاه خمسة آلاف درهم ولابنه عبدالله ألفي درهم ، فسأل عبدالله عن سرّ ذلك فأجابه عمر أنّه فعل ذلك لمحبّة رسول الله له.

قال القرطبي : وقد قابل مروان هذا الواجب « أيّ محبّة مُحِبِّ رسول الله » بنقيضه ، وذلك أنّه مرّ بأسامة وهو يصلّي بباب بنت رسول الله.

فقال مروان : إنّما أردت أن تُري الناس مكانك ، فقد رأينا مكانك ! فَعَل الله بك وفعل ، وقال قولاً قبيحاً.

وقال له أسامة : آذيتني وإنّك فاحش متفحّش ، وقد سمعتُ رسول الله يقول : إنّ الله يُبغض الفاحش المتفحّش.

فانظر ما بين الفعلين وقِس ما بين الرجلين ، فلقد آذى بنو أميّة رسول الله في أحبابه وناقضوه في مَحابّه (210).

وعليه فالذي يجب القول به هنا ، هو أنّ خبر الإسراء ثابت بالكتاب ، والمعراج ثابت بالسنة ـ وإن لم يفرّق البعض بينهما فأطلق الإسراء على كليهما تساهلاً ـ وهذا ما جعل المجال مفتوحاً للإجمال والتفصيل والتلاعب والتشكيك في خبر المعراج أكثر من أخبار الإسراء.

فهل يرجع إجمالهم في نقل أخبار المعراج إلى عدم وقوفهم على نقول أهل بيت الوحي والنبوّة ؟ أم يرجع إلى أنّهم أجملوا ذلك عن قصد وعمد ؟ لعلّك عرفت جواب هذا السؤال ممّا مرّ ، فأغنى ذلك عن الإطالة.

وبهذا يكون ما كتبناه هو أشارة إلى دواعي الأمويين ومن لفّ لفّهم في تحريف خبر الأذان ، وكيف ربطوا خبر الإسراء والمعراج بالشجرة الملعونة ، مدّعين أنّها شجرة الزقوم ، بل كيف ربطوها بمسائل أخرى وقضايا مصيريّة في الشريعة والتاريخ ، كلّ ذلك للتشكيك في مقام الرسول صلّى الله عليه وآله والقول بأنّ منامه المعراجي هذا يشابه الأذان ويحتاج إلى شاهد لتثبيت صحّته.

مطلبان

لنا هنا مطلبان يتّضحان بعد طرحنا هذين السؤالين :

الأوّل : هل أنّ الأذان عبارة عن الإعلام للصلاة فقط ، أم هو بيان لأصول العقيدة وأركان الإسلام ؟

الثاني : هل أنّ أمر الأذان توقيفيّ ؟ وإذا كان توقيفيّاً ، فهل هناك فرق بين توقيفية الواجبات وتوقيفيّة المستحبّات أم لا ؟

وقبل الجواب عن السؤال الأوّل لابدّ من الإشارة إلى حقيقة هامّة في العبادات وغيرها ، وهي : أنَّ الأُمور العباديّة في الشرع لها ظاهر ومغزى ، فقد يمكن للإنسان أن يقف على ظاهر شيء ويؤدّيه دون أن يعرف كنهه ومغزاه والغاية القصوى منه ، فالمطالع مثلاً في ما جاء عن أهل بيت النبوّة يقف على أسرار في الصلاة والصيام والزكاة والحجّ وغيرها ، ويتعرّف على أُمور كان لا يعرفها من ذي قبل ، ولم يتنبّه لها في نظرته الأُولى ، من ذلك ما ذكره الصدوق في علل الشرائع ، حيث قال فيه :

إنّ نفراً من اليهود جاءوا إلى رسول الله فسألوه عن مسائل وكان فيما سألوه : أخبرنا يا محمّد لأيّ علَّة تُوَضَّأُ هذه الجوارح الأربع وهي أنظف المواضع في الجسد ؟

فقال النبيُّ صلّى الله عليه وآله : « لمّا أن وسوس الشيطان إلى آدم دنا من الشجرة ونظر إليها ذهب ماء وجهه ، ثمّ قام ومشى إليها وهي أوّل قدم مشت إلى الخطيئة ، ثمّ تناول بيده منها ممّا عليها فأكل فطار الحلي والحلل عن جسده ، فوضع آدم يده على [ أُمِّ ] رأسه وبكى ، فلمّا تاب الله عليه فرض عليه وعلى ذرّيّته غسل هذه الجوارح الأربع ، وأمره بغسل الوجه لما نظر إلى الشجرة ، وأمره بغسل اليدين إلى المرفقين لما تناول منها ، وأمره بمسح الرأس لما وضع يده على أُمِّ رأسه ، وأمره بمسح القدمين لما مشى بهما إلى الخطيئة » (211).

ومعنى هذا النصّ أنّ العبد يجب عليه تطهير أعضائه حينما يريد التوجّه إلى الله ، وبما أنّ الوجه واليدين فيهما الحواسّ الخمس الظاهرة التي بها يُعصى الإله كان عليه أن يغسلهما قبل الدخول إلى حضرة الإله.

أمّا الرأس والقدمان فهما عنصران آليّان يتقوّى بهما المكلّف على المعصية أو الطاعة وهما ليسا من الحواسّ الخمس ، ففي الرأس القوّة المفكِّرة والخياليّة التي تبعث الفرد إلى ارتكاب المعاصي أو فعل الواجب ، وبالرِّجل يسعى إليهما ـ الطاعة أو المعصيّة ـ فأمر سبحانه المسح عليهما كي ينجو من الوساوس الشيطانيّة والأغلال النفسيّة ويدخل حضيرة القدس طاهراً نقيّاً من الأدناس ، ولأجل هذه الحقيقة فقد أكّدنا في كتابنا « وضوء النبيّ » على : أنَّ طهارة الوضوء هي طهارة حكميّة وليست بحقيقيّة ، لأنَّ المؤمن لا يُنَجِّسُه شيء ، وبالوضوء يُعرف مَن يطيع الله ومن يعصيه (212).

وبعد هذه المقدِّمة لابدّ من الإجابة عن السؤال الأوّل.

١ ـ الأذان إعلام للصلاة أم بيان لأصول العقيدة ؟

القاضي عياض : « اعلم أنّ الأذان كلام جامع لعقيدة الإيمان ، مشتملة على نوعيه من العقليّات والسمعيّات ، فأوّله إثبات الذات وما يستحقّه من الكمال [ أيّ الصفات الوجوديّة ] ، والتنزيه عن أضدادها [ أيّ الصفات العدميّة ] ، وذلك بقوله « الله أكبر » ، وهذه اللفظة مع اختصار لفظها دالَّة على ما ذكرناه.

ثمّ صرّح بإثبات الوحدانيّة ونفي ضدّها من الشركة المستحيلة في حقّه سبحانه وتعالى ، وهذه عمدة الإيمان والتوحيد ، المقدّمة على كلّ وظائف الدين.

ثمّ صرح بإثبات النبوّة والشهادة بالرسالة لنبيّنا ، وهي قاعدة عظيمة بعد الشهادة بالوحدانيّة وموضعها بعد التوحيد ، لأنّها من باب الأفعال الجائزة الوقوع ، وتلك المقدّمات من باب الواجبات ، وبعد هذه القواعد كملت العقائد العقليّات فيما يجب ويستحيل ويجوز في حقّه سبحانه وتعالى.

ثمّ دعا إلى ما دعاهم إليه من العبادات ، فدعا إلى الصلاة وجعلها عقب إثبات النبوّة ، لأنَّ معرفة وجوبها من جهة النبيّ صلّى الله عليه وآله لا من جهة العقل.

ثمّ دعا إلى الفلاح ، وهو الفوز والبقاء في النعيم المقيم ، وفيه إشعار بأُمور الآخرة من البعث والجزاء ، وهي آخر تراجم عقائد الإسلام.

ثمّ كرّر ذلك بإقامة الصلاة للإعلام بالشروع فيها ، وهو متضمّن لتأكيد الإيمان وتكرار ذكره عند الشروع في العبادة بالقلب واللسان وليدخل المصلّي فيها على بيّنة من أمره وبصيرة من إيمانه ويستشعر عظيم ما دخل فيه وعظمة حقّ مَن يعبده وجزيل ثوابه ... » (213).

وقد نقل محمّد بن علان ـ شارح الأذكار النوويّة ـ كلام القاضي عياض بشيء من التصرّف ، كقوله :

ثمّ كرّر التكبير آخره إشارة إلى الاعتناء السابق ، لأنَّ هذا المقام هو الأصل المبنيّ عليه جميع ما تقرّر من العقائد والقواعد ، وختم ذلك بكلمة التوحيد إشارة إلى التوحيد المحض ... (214).

وكان آخره اسم « الله » ليطابق البداءة ، إشارة إلى أنَّه الأوّل والآخِر في كلّ شيء ، قال القاضي : « ثمّ كرّر ذلك عند إقامة الصلاة للإعلام بالشروع فيها ، وفي ذلك تأكيد الإيمان وتكرار ذكره عند الشروع في العبادة بالقلب واللسان ، ليدخل المصلّي فيها على بيّنة من أمره وبصيرة من إيمانه ويستشعر عظيم ما دخل فيه وعظيم حقّ مَن عبده وجزيل ثوابه على عباده (215).

وقد علّق ابن علان على كلام القاضي عياض بقوله : « قلتُ : قال ابن حجر في شرح المشكاة : وللاعتناء بشأن هذا المقام الأكبر كرّر الدالّ عليه أربعاً إشعاراً بعظيم رفعته ، وكأنّ حكمة خصوص الأربع أنَّ القصد بهذا التكرير تطهير شهود النفس بشهود ذلك عن شهواتها الناشئة عن طبائعها الأربعة الناشئة عن أخلاطها الأربعة.

وفي شرح العباب له : « وكأنَّ حكمة الأربع أنَّ الطبائع أربعة لكلٍّ منها كمال ونقص يخصّه بإزاء كلّ منها كلمة من تلك ليزيد في كمالها ويطهّر نقصها ، وكذا يقال بذلك في كلّ محلّ ورد فيه التربيع » (216).

وقال القرطبيّ وغيره : « الأذان على قلّة ألفاظه مشتمل على مسائل العقيدة ، لأنّه بدأ بالأكبريّة وهي تتضمّن وجود الله وكماله ، ثمّ ثنّى بالتوحيد ونفي الشرك ، ثمّ بإثبات الرسالة لمحمّد صلّى الله عليه وآله.

ثمّ إلى الطاعة المخصوصة عقب الشهادة بالرسالة ، لأنّها لا تُعرف إلّا من جهة الرسول.

ثمّ دعا إلى الفلاح وهو البقاء الدائم ، وفيه الإشارة إلى المعاد.

ثمّ أعاد ما أعاد توكيداً ، ويحصل من الأذان الإعلام بدخول الوقت والدعاء إلى الجماعة وإظهار شعار الإسلام (217).

قال ابن خزيمة : فإذا كان المرء يطمع بالشهادة بالتوحيد لله في الأذان وهو يرجو أن يخلّصه الله من النار بالشهادة لله بالتوحيد في أذانه ، فينبغي لكلِّ مؤمن أن يتسارع إلى هذه الفضيلة طمعاً في أن يخلّصه الله من النار ، خلا في منزله أو في بادية أو قرية أو مدينة طلباً لهذه الفضيلة (218).

وقال القسطلانيّ ـ بعد نقله خبر أبي هريرة عن النبيِّ وقوله : « إذا نُودي للصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتّى لا يُسمَع التأذين » ـ : « لعظيم أمره لما اشتمل عليه من قواعد الدين وإظهار شرائع الإسلام ، أوحى : لا يشهد للمؤذِّن بما سمعه إذا استشهد يوم القيامة ، لأنّه داخل في الجنّ والإنس المذكور في حديث : لا يسمع مدى صوت المؤذِّن جنّ ولا إنس ولا شيء إلّا شهد له يوم القيامة » (219).

وأخرج عبدالرزّاق عن معمر ، عن الزهريّ : أنَّ أبا بكر الصدّيق قال : الأذان شعار الإيمان (220).

ونقل الصدوق بسنده إلى الإمام الحسين بن عليّ عليهما السلام ، قال : كنّا جلوساً في المسجد ، إذ صعد المؤذِّن المنارة ، فقال : الله أكبر ، الله أكبر ، فبكى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، وبكينا لبكائه ، فلمّا فرغ المؤذّن ، قال : « أتدرون ما يقول المؤذِّن ؟ ».

قلنا : الله ورسوله ووصيّه أعلم.

فقال : « لو تعلمون ما يقول لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً » ، فلِقوله : الله أكبر ، معان كثيرة.

منها : أنَّ قول المؤذِّن : « الله أكبر » ، يقع على قِدَمِهِ ، وأزليّته ، وأبديّته ، وعلمه ، وقوّته ، وقدرته ، وحلمه ، وكرمه ، وجوده ، وعطائه ، وكبريائه.

فإذا قال المؤذِّن : اللهُ أكبر ، فإنّه يقول : الله الذي له الخلق والأمر ، وبمشيّته كان الخَلق ، ومنه كلّ شيء للخلق ، وإليه يرجع الخلق ، وهو الأوّل قبل كلّ شيء لم يَزَل ، والآخِر بعد كلّ شيء لا يزال ، والظاهر فوق كلّ شيء لا يُدرَك ، والباطن دون كلّ شيء لا يُحَدّ ، فهو الباقي ، وكلّ شيء دونه فان.

والمعنى الثاني : « الله أكبر » ، أيّ : العليم الخبير ، عليم بما كان وما يكون قبل أن يكون.

والثالث : « اللهُ أكبر » ، أيّ : القادر على كلّ شيء ، يقدر على ما يشاء ، القويّ لقدرته ، المقتدر على خلقه ، القويّ لذاته ، وقدرته قائمة على الأشياء كلّها ، إذا قضى أمراً فإنّما يقول له : كن فيكون.

والرابع : « اللهُ أكبر » على معنى حلمه ، وكرمه ، يحلم كأنّه لا يعلم ، ويصفح كأنّه لا يرى ، ويستر كأنّه لا يُعصى ، لا يَعجَل بالعقوبة كرماً وصفحاً وحلماً.

والوجه الآخر في معنى الله أكبر : أيّ الجواد ، جزيل العطاء ، كريم الفِعال.

والوجه الآخر : الله أكبر فيه نفي صفته وكيفيّته ، كأنّه يقول : الله أجَلُّ من أن يُدرِك الواصفون قدرَ صفته ، الذي هو موصوف به ، وإنّما يصفه الواصفون على قدرهم لا على قدر عظمته وجلاله ، تعالى الله عن أن يُدرِك الواصفون صفته علوّاً كبيراً.

والوجه الآخر : الله أكبر ، كأنّه يقول : الله أعلى وأجلّ ، وهو الغنيُّ عن عباده ، لا حاجة به إلى أعمال خلقه.

وأمّا قوله : « أشهد أن لا إله إلّا الله » : فإعلام بأنَّ الشهادة لا تجور إلّا بمعرفة من القلب ، كأنّه يقول : أعلمُ أنّه لا معبود إلّا الله عزّوجلّ ، وأنَّ كلّ معبود باطل سوى الله عزّوجلّ ، وأقِرُّ بلساني بما في قلبي من العلم بأنَّه لا إله إلّا الله ، وأشهد أنّه لا ملجأ من الله عزّوجلّ إلّا إليه ، ولا منجى من شرّ كلّ ذي شرّ ، وفتنة كلّ ذي فتنة إلّا بالله.

وفي المرّة الثانية : « أشهد أن لا إله إلّا الله » ، معناه : أشهد أن لا هادي إلّا الله ، ولا دليل إلى الدين إلّا الله ، وأُشهِدُ الله بأني أشهَدُ أن لا إله إلّا الله ، وأُشهد سُكَّان السماوات ، وسكّان الأرضين ، وما فيهنّ من الملائكة والناس أجمعين ، وما فيهنّ من الجبال ، والأشجار ، والدوابّ ، والوحوش ، وكلّ رطب ويابس ، بأنّي أشهد أن لا خالق إلّا الله ، ولا رازق ، ولا معبود ، ولا ضارّ ، ولا نافع ، ولا قابض ، ولا باسط ، ولا معطي ، ولا مانع ، ولا ناصح ، ولا كافي ، ولا شافي ، ولا مُقدّم ، ولا مُؤخّر إلّا الله ، له الخلق والأمر ، وبيده الخير كلّه ، تبارك الله ربّ العالمين.

وأمّا قوله : « أشهدُ أن محمّداً رسول الله » ، يقول : أشهد الله أنَّه لا إله إلّا هو ، وأنَّ محمّداً عبده ورسولُه ، ونبيُّه ، وصفيُّه ، ونجيبُه ، أرسله إلى كافّة الناس أجمعين بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون ، وأشهد مَن في السماوات والأرض ، من النبيّين والمرسلين ، والملائكة والناس أجمعين أنَّ محمّداً سيّد الأوّلين والآخرين.

وفي المرّة الثانية : « أشهد أنَّ محمّداً رسول الله » ، يقول : أشهد أن لا حاجة لأحد [ إلى أحد ] إلّا إلى الله الواحد القهّار الغنيّ عن عباده والخلائق والناس أجمعين ، وأنّه أرسل محمّداً إلى الناس بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ، فمن أنكره وجحده ولم يؤمن به أدخله الله عزّوجلّ نار جهنّم خالداً مُخَلَّداً ، لا ينفكُّ عنها أبداً.

وأمّا قوله : « حيّ على الصلاة » ، أيّ هلمّوا إلى خير أعمالكم ، ودعوة ربّكم ، وسارعوا إلى مغفرة من ربّكم ، وإطفاء ناركم التي أوقدتموها على ظهوركم ، وفكاك رقابكم التي رَهَنتموها ، ليكفّر الله عنكم سيّئاتكم ، ويغفر لكم ذنوبكم ، ويبدّل سيّئاتكم حسنات ، فإنّه مَلِكٌ كريم ، ذو الفضل العظيم ، وقد أذِن لنا ـ معاشرَ المسلمين ـ بالدخول في خدمته ، والتقدّم إلى بين يديه.

وفي المرّة الثانية : « حيّ على الصلاة » ، أيّ قوموا إلى مناجاة ربّكم وعرض حاجاتكم على ربّكم ، وتوسّلوا إليه بكلامه ، وتشفعوا به وأكثروا الذكر والقُنوت ، والركوع والسجود ، والخضوع والخشوع ، وارفعوا إليه حوائجكم ، فقد أذن لنا في ذلك.

وأمّا قوله : « حيّ على الفلاح » ، فإنّه يقول : أَقْبِلُوا إلى بقاء لا فناءَ معه ، ونجاة لا هلاك معها ، وتعالوا إلى حياة لا موت معها ، وإلى نعيم لا نفاد له ، وإلى مُلك لا زوال عنه ، وإلى سرور لا حزن معه ، وإلى أُنس لا وحشة معه ، وإلى نور لا ظلمة معه ، وإلى سعة لا ضيق معها ، وإلى بهجة لا انقطاع لها ، وإلى غِنى لا فاقة معه ، وإلى صحّة لا سقم معها ، [ وإلى عِزّ لا ذلّ معه ] ، وإلى قوّة لا ضعف معها ، وإلى كرامة يا لها من كرامة ، وعَجِّلُوا إلى سرور الدنيا والعقبى ، ونجاة الآخرة والأُولى.

وفي المرّة الثانية : « حيّ على الفلاح » ، فإنّه يقول : سابقوا إلى ما دعوتكم إليه ، وإلى جزيل الكرامة ، وعظيم المِنَّة ، وسنيّ النِّعمة ، والفوز العظيم ، ونعيم الأبد في جوار محمّد صلّى الله عليه وآله في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

وأمّا قوله : « اللهُ أكبر ، اللهُ أكبر » ، فإنّه يقول : الله أعلى وأجلّ من أن يعلم أحد من خلقه ما عنده من الكرامة لعبد أجابه وأطاعه ، وأطاع أمره وعبدَهُ وعرف وعيده ، واشتغل به وبذكره ، وأحبّه وآمن به ، واطمأنَّ إليه ووثق به وخافه ورجاه ، واشتاق إليه ، ووافقه في حكمه وقضائه ، ورضي به.

وفي المرّة الثانية : « اللهُ أكبر » ، فإنّه يقول : الله أكبر : وأعلى وأجَلُّ من أن يَعلم أحدٌ مبلغ كرامته لأوليائه وعقوبته لأعدائه ، ومبلغ عفوه وغفرانه ونعمته لمن أجابه وأجاب رسوله ، ومبلغ عذابه ونَكاله وهوانه لمن أنكره وجحده.

وأمّا قوله : « لا إله إلّا الله » ، معناه : لله الحجّة البالغة عليهم بالرسول والرسالة ، والبيان والدعوة ، وهو أجَلُّ من أن يكون لأحد منهم عليه حجَّة ، فَمَن أجابه فله النور والكرامة ، ومَن أنكره فإنَّ اللهَ غنيٌّ عن العالمين ، وهو أسرع الحاسبين.

ومعنى « قد قامت الصلاة » في الإقامة ، أيّ حان وقت الزيارة والمناجاة ، وقضاء الحوائج ، ودرك المُنَى ، والوصول إلى الله عزّوجلَّ ، وإلى كرامته وغفرانه وعفوه ورضوانه.

قال الصدوق : إنّما تَرَكَ الراوي ذِكر « حيّ على خير العمل » للتقيّة (221) ، وقد روي في خبر آخر أنَّ الصادق عليه السلام سئل عن معنى « حيّ على خير العمل » فقال : « خير العمل : الولاية ».

وفي خبر آخر : « خير العمل : بِرُّ فاطمةَ وولدها » (222).

قلتُ : سنفتح بإذن الله ملابسات هذه الرؤية وما يتلوها عن ابن عبّاس في البابين الأوّل « حيّ على خير العمل ، الشرعية والشعارية » ، والثالث « أشهد أن عليّاً وليّ الله بين الشرعية والابتداع » من هذه الدراسة إن شاء الله تعالى. إذ لا خلاف عند جميع الفرق الشيعيّة إسماعيليّة كانت ، أم زيديّة ، أم إماميّة اثني عشريّة بجزئيّة الحيعلة الثالثة ، وأكّد الدسوقي وغيره ـ كما سيأتي ـ على تأذين الإمام عليّ بن أبي طالب بها ، فقد يكون ـ وكما احتمله الشيخ الصدوق ـ الراوي إنّما ترك ذكر « حيّ على خير العمل » للتقيّة وذلك للظروف التي كانت تمرّ بها الشيعة. ويؤيّد ما قلناه في شرعية الحيعلة الثالثة وأنّها موجودة في الأخبار المنقولة عن الإمام عليّ وابن عبّاس ما روي عند الزيديّة عن ابن عبّاس عن عليّ بن أبي طالب قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول : « لما انتُهي بي إلى سدرة المنتهى ... وفيه : حيّ على خير العمل حيّ على خير العمل » (223).

وروى الصدوق في معاني الأخبار بسنده عن عطاء ، قال : كنّا عند ابن عبّاس بالطائف ، أنا وأبو العالية ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة ، فجاء المؤذِّن فقال : « اللهُ أكبر اللهُ أكبر » ، واسم المؤذِّن قثم بن عبدالرحمن الثقفيّ.

فقال ابن عبّاس : أتدرون ما قال المؤذِّن ؟ فسأله أبو العالية ، فقال : أخبرنا بتفسيره.

قال ابن عبّاس : إذا قال المؤذِّن : « الله أكبر ، اللهُ أكبر » ، يقول : يا مَشاغيلَ الأرض ، قد وجبت الصلاة ، فتفرَّغوا لها.

وإذا قال : « أشهد أن لا إله إلّا الله » ، يقول : يقوم يوم القيامة ، ويشهد لي ما في السماوات وما في الأرض على أنّي أخبرتكم في اليوم خمس مرّات.

وإذا قال : « أشهد أنَّ محمّداً رسول الله » ، يقول : تقوم القيامة ومحمّد يشهد لي عليكم أنّي قد أخبرتكم بذلك في اليوم خمس مرّات ، وحجّتي عند الله قائمة.

وإذا قال : « حيّ على الصلاة » ، يقول : دِيناً قيِّماً فأقيموه ، وإذا قال : « حيّ على الفلاح » ، يقول : هَلُمُّوا إلى طاعة الله وخذوا سهمكم من رحمة الله ، يعني الجماعة.

وإذا قال العبد : « اللهُ أكبر ، اللهُ أكبر » ، يقول : حرّمت الأعمال.

وإذا قال : « لا إله إلّا الله » ، يقول : أمانة سبع سماوات ، وسبع أرضين ، والجبال ، والبحار وضعت على أعناقكم إن شئتم فأقبلوا وإن شئتم فأدِبروا (224).

وقد مرّ عليك كلام الإمام الحسين « والأذان وجه دينكم » ، وقول محمّد ابن الحنفيّة : « عمدتم إلى ما هو الأصل في شرائع الإسلام ومعالم الدين » (225) ، وما جاء في « مَن لا يحضره الفقيه » بإسناده عن الفضل بن شاذان فيما ذكره من العلل عن الرضا عليه السلام أنّه قال :

« إنّما أُمِرَ الناس بالأذان لعلل كثيرة ، منها : أن يكون تذكيراً للناسي ، وتنبيهاً للغافل ، وتعريفاً لمن جهل الوقت واشتغل عنه ؛ ويكون المؤذِّن بذلك داعياً لعبادة الخالق ، ومرغِّباً فيها ، ومُقِرَّاً له بالتوحيد ، مجاهراً بالإيمان ، معلناً بالإسلام ... ».

إلى أن يقول : « وجُعِل بعد التكبير الشهادتان ، لأنَّ أوّل الإيمان هو التوحيد والإقرار لله بالوحدانيّة ، والثاني الإقرار للرسول بالرسالة ، وأنَّ إطاعتهما ومعرفتهما مقرونتان ، ولأنَّ أصل الإيمان إنّما هو الشهادتان ، فجعل شهادتين شهادتين كما جُعِلَ في سائر الحقوق شاهدان ، فإذا أقرّ العبد لله عزّوجلّ بالوحدانيّة وأقرّ للرسول بالرسالة فقد أقرَّ بجملة الإيمان ؛ لأنّ أصل الإيمان إنّما هو بالله وبرسوله. وإنّما جعل بعد الشهادتين الدعاء إلى الصلاة ، لأنّ الأذان إنّما وضع لموضع الصلاة ، وإنّما هو نداء إلى الصلاة في وسط الأذان ودعاء إلى الفلاح وإلى خير العمل ، وجعل ختم الكلام باسمه كما فتح باسمه » (226).

وفي العلل لمحمّد بن عليّ بن إبراهيم بن هاشم ، قال : علّة الأذان أن تكبّر الله وتعظّمه وتقرّ بتوحيد الله وبالنبوّة والرسالة وتدعو إلى الصلاة وتحثّ على الزكاة ، ومعنى الأذان : الإعلام ، لقوله تعالى : ( وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّـهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ ) (227) ، أيّ : إعلام ، وقال أمير المؤمنين عليه السلام : « كنتُ أنا الأذان في الناس بالحجّ » ، وقوله : ( وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ ) (228) ، أيّ : أعلِمهم وادعُهم.

فمعنى « الله » أنّه يخرج الشيء من حدِّ العدم إلى حدِّ الوجود ويخترع الأشياء لا من شيء ، وكلّ مخلوق دونه يخترع الأشياء من شيء إلّا الله ، فهذا معنى « الله » وذلك فرق بينه وبين المحدَث.

ومعنى « أكبر » ، أيّ : أكبر مِن أن يُوصَف في الأوّل ، وأكبر من كلِّ شيء لمّا خلق الشيء.

ومعنى قوله : « أشهد أن لا إله إلّا الله » : إقرار بالتوحيد ، ونفي الأنداد وخلعها ، وكلّ ما يعبدون من دون الله.

ومعنى « أشهد أنّ محمّداً رسول الله » : إقرار بالرسالة والنبوّة ، وتعظيم لرسول الله صلّى الله عليه وآله ، وذلك قول الله عزّوجلّ : ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) (229) ، أيّ : تُذكَر معي إذا ذُكِرتُ.

ومعنى « حيّ على الصلاة » ، أيّ : حثّ على الصلاة.

ومعنى « حيّ على الفلاح » ، أيّ : حثّ على الزكاة.

وقوله : « حيّ على خير العمل » ، أيّ : حثّ على الولاية ، وعلّة أنّها خير العمل أنَّ الأعمال كلّها بها تقبل.

اللهُ أكبر ، اللهُ أكبر ، لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، فألقى معاوية من آخر الأذان « محمّد رسول الله » ، فقال : أمَا يرضى محمّد أن يُذكر في أوّل الأذان حتّى يذكر في آخره ؟!

ومعنى الإقامة : هي الإجابة والوجوب ، ومعنى كلماتها فهي التي ذكرناها في الأذان ، ومعنى « قد قامت الصلاة » ، أيّ : قد وجبت الصلاة وحانت وأُقيمت ، وأمّا العلّة فيها ، فقال الصادق عليه السلام : « إذا أذَّنتَ وصلّيتَ صلَّى خلفك صفٌّ من الملائكة ، وإذا أذَّنت وأقمتَ صلَّى خلفك صفّان من الملائكة » ، ولا يجوز ترك الأذان إلّا في صلاة الظهر والعصر والعتمة ، يجوز في هذه الثلاث الصلوات إقامة بلا أذان ، والأذان أفضل ، ولا تجعل ذلك عادة ، ولا يجوز ترك الأذان والإقامة في صلاة المغرب وصلاة الفجر ، والعلّة في ذلك أنّ هاتين الصلاتين تحضرهما ملائكة الليل وملائكة النهار (230).

وقال الشيخ جعفر كاشف الغطاء ـ ضمن بيانه لحكم وفضل الأذان ـ : « ... ولأنّه وضع لشعائر الإسلام دون الإيمان » (231).

فهذه النصوص تشير بوضوح إلى أنّ الأذان لم يكن إعلاماً بوقت الصلاة فقط ، بل هو بيان لكلّيّات الإسلام وأصول العقيدة والعقائد الحقّة.

فلو كان بياناً لوقت الصلاة خاصّة ؛ لكان للشارع أن يكتفي بتشريع علامة كي تكون معلّماً للوقت والمكان كما تفعله اليهود والنصارى والمجوس بالبوق والناقوس وإشعال النار وغير ذلك.

وعليه ، لم يكن الأذان لإعلام وقت الصلاة خاصّة ، ويؤيّد قولنا شموليّة التأذين لكثير من الأُمور الاجتماعيّة والحياتيّة ، ولو سلّطنا الضوء على آثار الأذان في الشريعة لوقفنا على جواب سؤالنا.

الأذان وآثاره في الحياة الاجتماعيّة

من الثابت في الشريعة الإسلاميّة استحباب الأذان والإقامة لأمور حياتيّة واجتماعيّة كثيرة غير الصلاة ، نذكر موارد منها :

الأذان والمولود

عن عليّ عليه السلام : « مَن وُلِد له مولود فليؤذِّن في أُذنه اليمنى بأذان الصلاة ، وليقم في اليسرى ، فإنَّ ذلك عصمة من الشيطان الرجيم والإفزاع له » (232).

وفي سنن أبي داود بسنده عن عبيدالله بن أبي رافع ، عن أبيه ، قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أذّن في أُذن الحسن بن عليّ حين ولدته فاطمة بالصلاة (233).

الأذان والعقم

شكا هشام بن إبراهيم إلى الرضا عليه السلام سقمه وأنّه لا يولد له ، فأمره أن يرفع صوته بالأذان في منزله ، قال : ففعلتُ ذلك ، فأذهب اللهُ عني سقمي ، وكثر ولدي (234).

الأذان والمرض

عن جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام أنّه دخل عليه رجل من مواليه وقد وعك ، فقال له عليه السلام : « ما لي أراك متغيِّر اللون ؟ ».

فقلتُ : جُعِلتُ فداك ، وعكتُ وعكاً شديداً منذ شهر ، ثمّ لم تنقلع الحمّى عنّي ، وقد عالجتُ نفسي بكلّ ما وصفه لي المترفّقون فلم أنتفع بشيء من ذلك.

فقال له الصادق عليه السلام : « حلَّ أزرار قميصك ، وأدخل رأسك في قميصك وأذِّن وأقِم واقرأ سورة الحمد سبع مرّات ».

قال : ففعلتُ ذلك ، فكأنّما نشطتُ من عقال (235).

وحكى العجلوني في كشف الخفاء عن الفقيه محمّد السيابا ـ فيما حكى عن نفسه ـ أنّه هبّت ريح فوقعت منه حصاة في عينه وأعياه خروجها وآلمته أشدّ الألم ، وأنّه لمّا سمع المؤذّن يقول : أشهد أنّ محمّداً رسول الله ، قال ذلك ، فخرجت الحصاة من فوره (236).

الأذان وسعة الرزق

شكا رجل لأبي عبدالله الصادق عليه السلام الفقر ، فقال : « أذِّن كلَّما سمعتَ الأذان كما يُؤذّن المؤذّن » (237).

وقال سليمان بن مقبل المدينيّ : قلتُ لأبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام : [ لأيّ ] علّة يستحبّ للإنسان إذا سمع الأذان أن يقول كما يقول المؤذِّن ، وإن كان على البول والغائط ؟

فقال عليه السلام : « لأنَّ ذلك يزيد في الرزق » (238).

الأذان ووجع الرأس

ذكر الشيخ الطبرسيّ في عدّة السفر وعمدة الحضر : روي عن الأئمَّة : أنّه : « يكتب الأذان والإقامة لرفع وجع الرأس ويُعَلَّق عليه » (239).

الأذان وسوء الخُلق

عن الصادق عليه السلام : « إن لكلّ شيء قَرَماً ، وأنَّ قَرَم الرجل اللحم ، فَمَن تركه أربعين يوماً ساء خُلقه ، ومَن ساء خلقه فأذِّنّوا في أُذنه اليمنى » (240).

الأذان وطرد الشيطان

روى سليمان الجعفريّ أنّه سمع الإمام الصادق عليه السلام ، يقول : « أذِّن في بيتك ، فإنّه يطرد الشيطان ، ويستحبّ من أجل الصِّبيان » (241).

الأذان والغول

في دعائم الإسلام عن عليّ عليه السلام قال : « قال رسول الله : إذا تَغَوّلت لكم الغِيلان (242) فأذِّنوا بالصلاة » (243).

وعن أبي سعيد الخدريّ : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : « لا يسمع مدى صوت المؤذِّن جنّ ولا إنس ولا شيء إلّا وشهد له يوم القيامة » (244).

وقال الخطاب الرعيني في مواهب الجليل نقلاً عن الناشري من الشافعيّة في الإيضاح : يستحبّ الأذان لمزدَحَم الجنّ ، وفي أُذُن الحزين ، والصبيّ عندما يولد في اليمنى ويقيم في اليسرى ، والأذان خلف المسافر والإقامة (245).

فتلخّص ممّا سبق ومن أقوال بعض علماء أهل السنّة والجماعة ، وجميع الشيعة بفرقها الثلاث أنَّ تشريع الأذان كان في المسرى وأنَّ تشريعه لم يكن لتعيين وقت الصلاة خاصّة ؛ لاكتناف هذه الشعيرة الإسلاميّة أسراراً عالية ومعاني باطنيّة عميقة ذكرنا بعضها ، وستقف على غيرها لاحقاً ، وستعرف بأنَّ السِّرَّ في رفع « حيّ على خير العمل » لم يكن لِما علّلوه ، وكذا المقصود من جملة « الصلاة خير من النوم » لم يكن كما يفهمه عامّة الناس من العبارة ، بل هناك أسرار ومسائل تكتنف هذه الفصول سنرفع الستار عنها بإذن الله تعالى.

٢ ـ توقيفيّة الأذان

وصل البحث بنا إلى طرح سؤال آخر وهو : هل الأذان توقيفيّ بمعنى لزوم إتيان فصوله كما هي ، أم إنّ لنا الحق في الزيادة والنقصان حسب ما تقتضيه المصلحة وهو المعني بعدم توقيفيّته كما مرّت الإشارة إليه ؟ وهل هناك فرق بين الأمور التوقيفيّة العباديّة وغيرها ، وبين الواجبات والمستحبّات ، أم لا ؟

بل ما هو حكم الأذان ، وهل توقيفيّته كالقرآن لا يمكن الزيادة والنقيصة فيها ؟ أم أن توقفيّته هي بشكل آخر ؟

من الثابت المعلوم أن الأذان توقيفيّ ، وقد مرّت عليك نصوص أهل بيت النبيّ الدالّة على أنّه شرّع في الإسراء والمعراج ، ومثله جاء في كتب بعض أهل السنّة والجماعة.

لكن من حقّنا أن نتساءل : لو كان كذلك فكيف لنا أن نتعامل مع بعض الأحاديث والنصوص المشعرة بعدم التوقيفيّة ، وذلك لما فيها من الزيادة والنقصان ، وعلى أيّ شيء تدلّ ، هل على التخيير أم الرخصة أم على شيء آخر ؟

روى أبو بصير عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام ، قال : لو أنّ موّذناً أعاد في الشهادة وفي حيّ على الصلاة أو حيّ على الفلاح المرّتين والثلاث وأكثر من ذلك إذا كان إماماً يريد به جماعة القوم ليجمعهم لم يكن به بأس (246).

وعن أبي عبيدة الحذَّاء ، قال : رأيت أبا جعفر عليه السلام يكبّر واحدة واحدة في الأذان ، فقلت له : لِمَ تكبر واحدة واحدة ؟ فقال : لا بأس به إذا كنتَ مستعجلاً في الأذان (247).

وروى الشيخ في الصحيح عن عبدالله بن سنان ، قال : سألت أبا عبدالله عن المرأة تؤذّن للصلاة ؟ فقال : حَسَنٌ إن فعلت ، وان لم تفعل أجزأها أن تكبّر وأن تشهد أن لا إله إلّا الله وأن محمّداً رسول الله (248).

وعن أبي مريم الأنصاري في الصحيح ، قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : إقامة المرأة أن تكبّر وتشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله (249).

وجاء في رواية البخاري ومسلم ، عن عبدالله بن الحارث ، قال : خَطَبنا ابنُ عبّاس في يوم ذي رزغ ، فأمرَ المؤذّن لمّا بلغ « حيّ على الصلاة » قال قل : « الصلاة في الرحال » ، فنظر بعضهم إلى بعض ، فكأنّهم أنكروا ، فقال : كأنّكم أنكرتم هذا ، إنَّ هذا فَعَلُه مَن هو خير منّي ـ يعني النبيّ صلّى الله عليه وآله ـ وإنّها عزمة ، وإنّي كرهت أن أُحرجكم (250).

وجاء عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه كان يزيد في الفجر جملة « الصلاة خير من النوم » (251) !

فعلى أيّ شيء تدلّ هذه النصوص ؟ وما المعني بها ؟ وكيف يمكن تطابقها مع القول بتوقيفيّة العبادات ؟

وهل أنّ توقيفيّة الأذان تختلف عن غيره من الأحكام فيجوز إعادة « حيّ على الفلاح » ثلاث مرّات أو أكثر في الأذان ، ولا يجوز الزيادة والنقيصة في أمر عبادي آخر ؟

وهل هناك فرق بين الواجب التوقيفيّ والمستحبّ التوقيفيّ ؟

إن التوقيفيّ معناه هو التعبّديّ ، أيّ التعبّد بما جاء به الشارع المقدّس دون زيادة ولا نقصان ، فلو صحّ مجيء « حيّ على الفلاح » في الأذان ثلاثاً فهو شرعيّ ويحمل إمّا على التخيير أو الرخصة لضرورة خاصّة.

ولو لم يصحّ الخبر فلا يعمل به ، وليس هناك فرق بين التوقيفيّ في العبادات والتوقيفيّ في المعاملات ، وكذا لا فرق بين التوقيفيّ في الواجبات والمستحبّات ، فعلى المكلّف أن يؤدّي ما سمعه وعقله على الوجه الذي أمر به الشارع فقط ، ففي كمال الدين للصدوق ، عن عبدالله بن سنان ، قال : قال الصادق عليه السلام : ستصيبكم شبهة فتبقون بلا عَلَم يُرى ولا إمام هدىً ، لا ينجو منها إلّا من دعا بدعاء الغريق.

قلت : وكيف دعاء الغريق ؟

قال : تقول : يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلّب القلوب ، ثبّت قلبي على دينك ...

فقلت : يا مقلّب القلوب والأبصار ثبّت قلبي على دينك.

فقال عليه السلام : إن الله عزّ وجلّ مقلّب القلوب والأبصار ، ولكن قُل كما أقول : يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك (252).

بهذا النهج يتعلّم المسلم لزوم التروّي والتأنّي والحيطة والحذر في النقل وضرورة رعاية النصّ كما هو دون زيادة ونقصان ، هذا ما علّمنا الشارع المقدّس التمسّك به.

نعم ، قد يختلف توقيفي عن توقيفي آخر ، وبلحاظ زاوية خاصّة ، بمعنى أنّ توقيفيّة الأذان قد تختلف عن توقيفيّة الزواج والطلاق ، أيّ : أنّ توقيفيّة الزواج والطلاق تتعلّق بأمر كلّي لا بجزئيّته ، أيّ يجب على المطلِّق أو العاقد أن يُنشئ عقدة الزواج والطلاق في كلامه دون التعبّد بصيغة واحدة خاصّة ، فله أن يقول : « أنكحت » أو « زوّجت » أو « متّعت » ، فلو أتى العاقد بأيّ صيغة منها صحّ زواجه.

وكذا الحال بالنسبة إلى الطلاق فلو قال المطلِّق : زوجتي طالق ، أو فاطمة طالق ، أو امرأتي التي في ركن الدار طالق ـ لو كانت هناك مثلاً ـ صحّ طلاقه ، لأنّ المطلوب هو إنشاء علقة الزوجيّة في الزواج ، وقصد الإبانة في الطلاق دون التعبّد بصيغة مخصوصة ، وهذا بخلاف التعبد بنصوص القرآن وما شابهه ، لأن الثاني يأبى التغيير والتبديل ، فلا يجوز تقديم جملة من القرآن على أخرى ، فلا يجوز أن تقول : « الرحيم الرحمن » بدل « الرحمن الرحيم » ؛ لأن المطلوب أداء النصّ السماوي كما هو.

اذاً توقيفيّات الأمور تختلف بحسب تعلّق الأحكام ، فتارة : تتعلّق بالحقيقة وذات الأمر ، وأخرى بلزوم التعبّد بالنصّ المعهود دون زيادة ونقيصة ، وقد وضّحنا قبل قليل بأنّ توقيفيّة الزواج والطلاق مثلاً تتعلّق بالحقيقة الكلّية دون التعبّد بصيغة بخصوصها ، بخلاف توقيفيّة القرآن فإنّها توقيفيّة بالنصّ فلا يجوز الزيادة والنقصان والتقديم والتأخير ، ومن القبيل الأوّل الأذكار المستحبّة في القنوت ، فالقنوت مستحبّ يقيناً لكن لا يلحظ فيه ذكر مخصوص ، فللقانت أن يقنت بما شاء من تسبيح وتحميد وشكر و ...

والآن نتساءل عن توقيفيّة الأذان وأنّه من أيّ القسمين ، وهل يجوز فيه الزيادة والنقيصة وتبديل كلمة بأختها أم لا ؟ ولو جاز فإلى أيّ حدّ يسمح لنا الشارع بالتصرّف ؟ وهل أنّه من قبيل الذكر المسموح به في القنوت أو من قبيل اختلاف صيغ التشهّد وصلاة الخوف عند أهل السنّة والجماعة أم هو شيء آخر ؟

نترك القارئ معنا إلى الأبواب اللاحقة كي نوقفه على حقيقة الأمر وما نريد قوله بهذا الصدد.

الخلاصة

بعد أن بيّنّا معنى الأذان لغة واصطلاحاً ، والأقوال التي قيلت في تأريخ تشريع الأذان ، عرضنا أشهر الأقوال الموجودة عند أهل السنّة والجماعة في بدء الأذان فكانت ستّة :

١ ـ تشريعه باقتراح من الصحابة وخصوصاً عمر بن الخطّاب.

٢ ـ تشريعه بمنامات رآها بعض الصحابة. مثل أبي بكر وعمر وعبدالله بن زيد وغيرهم.

٣ ـ نزول الأذان تدريجيّاً ، ثمّ إضافة عمر الشهادة بالنبوّة.

٤ ـ الأذان وحي من الله تلقّاه الرسول من جبرئيل في المعراج.

٥ ـ إنّ عمر أوّل من سمع أذان جبرئيل في السماء ثمّ سمعه بلال.

٦ ـ إنّ تشريع الأذان نزل به جبرئيل على آدم لمّا استوحش.

ثمّ أتينا برؤية أهل البيت في بدء الأذان ، وأكّدنا اتّفاقهم على كون تشريعه كان في المعراج ، ونقلنا نصوصاً عن :

١ ـ الإمام عليّ بن أبي طالب.

٢ ـ الإمام الحسن بن عليّ.

٣ ـ الإمام الحسين بن عليّ.

٤ ـ محمّد بن عليّ بن أبي طالب ـ ابن الحنفيّة ـ.

٥ ـ الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين.

٦ ـ الإمام محمّد بن عليّ الباقر.

٧ ـ الإمام جعفر بن محمّد الصادق.

٨ ـ الإمام عليّ بن موسى الرضا.

ثمّ ذكرنا أقوال بعض أعلام الإماميّة كي نؤكّد إطباقهم على هذا الأمر وأنّه مأخوذ من الوحي النازل على النبيّ دون الرؤيا.

وحيث أن القول بكونه وحياً قد ورد عند الفريقين بعكس القول بكونه مناماً الذي انفردت به أهل السنّة والجماعة ، ألقينا بعض الضوء على هذه الرؤية فكانت لنا وقفة مع أحاديث الرؤيا ، ثمّ تحقيق في دواعي نشوء مثل هذه الفكرة عندهم ، واحتملنا ارتباط هذا الأمر مع قوله تعالى ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ ) المرتبط بلعن بني أميّة ، موضّحين هناك بعض معالم الخلاف وجذوره ، مؤكّدين على أن أهل البيت كانوا يشيرون في كلماتهم ومواقفهم إلى أن بني أميّة جدّوا للوقوف أمام انتشار ذكر محمّد وآله في الأذان والتشهّد والخطبة ، ساعين للتقليل من مكانة الإسراء والمعراج والادّعاء بأنّه كان بالروح فقط ، أيّ أنّه كان في المنام لا في اليقظة ، وذلك طمساً لذكر الرسول المستتبع طمس ذكر مكارمه صلّى الله عليه وآله وفضائه ، والأنكى من ذلك أنّهم أغفلوا وجود الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام ضمن المضطجعين مع النبيّ عند العروج أو البعثة وحرفوا نصوصاً ومشاهدات اُخرى كانت في المعراج وتسميتها بأسماء آخرين.

ومثله تناسيهم ذكر وجود مثاله في الجنَّة مع أنّهم ذكروا وجود أمثلة مَن هم أقلّ شأناً ومنزلة من عليّ بكثير. وقد قلنا بأن فكرة الرؤيا استحكمت عند القوم بعد صلح الإمام الحسن مع معاوية لقول سفيان بن الليل : فتذاكرنا عنده ، فقال بعضنا : إنّما كان الأذان برؤيا عبد الله بن زيد ، فقال له الحسن بن عليّ : أنّ شأن الأذان أعظم من ذلك ، أذّن جبرئيل ...

ثمّ ذكرنا ما حكي عن الإمام الحسين وأنّه سئل عمّا يقول الناس فقال عليه السلام : الوحي ينزل على نبيّكم وتزعمون أنّه أخذ الأذان عن عبد الله بن زيد.

وما نقل عن محمّد بن الحنفية أنّه فزع لمّا سمع ما يُقال عن تشريع الأذان بالرؤيا وقوله : وعمدتم إلى ما هو الأصل في شرائع الإسلام ومعالم دينكم فزعمتم أنّه كان رؤيا رآها رجل من الأنصار في منامه يحتمل الصدق والكذب وقد تكون أضغاث أحلام.

قال [ الراوي ] : فقلت : هذا الحديث قد استفاض في الناس ؟

قال : هذا والله هو الباطل.

ثمّ نقلنا بعد ذلك كلمات الإمام عليّ والزهراء والحسن والحسين وعليّ بن الحسين وزينب ، المصرّح أو الملوّح فيها ببني أميّة ومن قبلهم ممّن كانوا قد تصدو للخلافة !

ثمّ ركّزنا على خطبة الإمام السجاد في الشام فذكرنا قسماً منها إلى أن أذن المؤذّن فقال « اشهد أنّ محمّداً رسول الله » فالتفت عليّ بن الحسين من أعلى المنبر إلى يزيد وقال : يا يزيد ، محمّدٌ هذا جدّي أم جدّك ، فإن زعمت أنّه جدّك فقد كذبت ، وإن قلت أنّه جدّي فلم قتلت عترته ، ولاحظنا سير محاولة الطمس وامتدادها إلى العصر العبّاسي من جانب الحكومات ، وفي مقابلها حرص أئمّة أهل البيت : على إتمام النور ورفع الذكر والافتخار باسم محمّد المرفوع في الأذان.

وأخيراً أشرنا إلى مطلبين آخرين :

أحدهما : أنّ الأذان ليس إعلاماً محضاً للصلاة ، بل له أكثر من واقع في الحياة الإسلاميّة ، إذ تنطوي ألفاظه على معاني الإسلام وأصول العقيدة من التوحيد والنبوّة والإمامة ـ بنظر الإماميّة ـ ثمّ ذكرنا الأذان وآثاره في الحياة الإجتماعيّة.

ثانيهما : توقيفيّة الأذان ...! وقد تركنا القارئ دون جواب متكامل هنا ، وذلك لأنّ هذا المطلب يحتاج إلى مقدّمات ومزيد بيان للملابسات وما زيد في الأذان وما نقص منه ، فلابدّ من مسايرة البحث للوقوف على الحقيقة.

الهوامش

1. انظر : على سبيل المثال تفسير ابن كثير ٣ : ٢٢ حيث قال : وقد صرّح بعض من المتأخّرين بأنّه عليه السلام أُسري به مرّة من مكّة إلى بيت المقدس فقط ، ومرّة من مكّة إلى السماء فقط ، ومرّة إلى بيت المقدس ومنه إلى السماء.

2. الخصال : ٦٠٠. وانظر : علل الشرائع : ١٤٩.

3. فتح الباري ٧ : ١٦٠ كتاب أحاديث الأنبياء ، باب المعراج ، الدرّ المنثور ٤ : ١٤٩ سورة الإسراء عن ابن أبي حاتم عن قتادة.

4. المجموع النووي ٩ : ٢٤٨ باب ما يجوز بيعه وما لا يجوز ، فرع في مذاهب العلماء في بيع دور مكّة ، شرح الأزهار ١ : ١٩٩.

5. المغني ١٠ : ٦١٦ كتاب الجزية ، الشرح الكبير ١٠ : ٦٢١ كتاب الجزية ، فتح الباري ٧ : ١٦٠ ، تحفة الأحوذي ٩ : ١٩٣.

6. الدرّ المنثور ٤ : ١٥٧ ، ١٥٤ سورة الإسراء الآية ١ ، الشفا بتعريف حقوق المصطفى ١ : ١٩٤.

7. تفسير الطبري ١٥ : ٣ سورة بني إسرائيل الآية ١.

8. تفسير روح المعاني ١٥ : ٦ سورة بني إسرائيل الآية ١ ، الدر المنثور ٤ : ١٤٩ سورة الإسراء الآية ١.

9. روضة الكافي ٨ : ٢٦٢ / الحديث ٣٧٦. وانظر : الدرّ المنثور ٤ : ١٤٨ ـ ١٤٩.

10. أمالي الصدوق : ٣٦٣ ، المجلس ٦٩ ـ الحديث ١. وانظر : الدرّ المنثور ٤ : ١٤٨.

11. تفسير البغوي ٣ : ٧٩. وانظر : مختصر تاريخ دمشق ١٧ : ١٨٩ ترجمة عليّ بن أحمد ابن المبارك.

12. أحكام القرآن للقرطبي ١٠ : ٢٨٥ سورة بني إسرائيل الآية ٦٠.

13. الدرّ المنثور ٤ : ١٥٧. وفي تفسير الطبري ١٥ : ١٣ حدّثنا ابن حميد قال : حدّثنا سلمة عن محمّد بن إسحاق ، قال : حدّثني بعض آل أبي بكر أنّ عائشة كانت تقول : ما فُقد جسدُ رسول الله ولكنّ الله أسرى بروحه.

14. الدرّ المنثور ٤ : ١٥٧. وفي تفسير الطبري ١٥ : ١٣ حدّثنا ابن حميد ، قال : حدّثنا سلمة عن محمّد بن إسحاق ، قال : حدّثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس أنّ معاو ية بن أبي سفيان كان إذا سئل عن مسرى رسول الله صلّى الله عليه وآله قال : كانت رؤيا من الله صادقة !

15. تفسير القرطبي ١٠ : ٢٠٩ سورة الاسراء الآية ١.

16, المحرر الوجيز ٣ : ٤٣٥ ، وانظر : تفسير الثعالبي ٢ : ٢٤٨.

17. تفسير ابن كثير ٣ : ٢٣ سورة الإسراء آية ١.

18. النجم : ١٧ ـ ١٨.

19. البقرة : ٢٦٠.

20. النمل : ٤٠.

21. سبأ : ١٢.

22. البقرة : ٣.

23. المائدة : ٥٢ ، التوبة : ١٢٥ ، الأنفال : ٤٩.

24. النحل : ٢٢.

25. الصافّات : ٦٢ ـ ٦٣.

26. المدّثر : ٣١.

27. التحريم : ٦.

28. التوبة : ١٤.

29. انظر : على سبيل المثال تفسير الميزان ١٣ : ١٤١ ـ ١٤٣ ففيه جواب تلك المعاذير المطروحة.

30. تفسير روح المعاني ١٥ : ١٠٧ ـ ١٠٨ ، هذا ومن المفيد الرجوع إلى التفسير الكبير للرازي ٢٠ : ٢٣٦ ـ ٢٣٧ لملاحظة سائر الأقوال في الآية المباركة.

31. تفسير القرطبي ١٠ : ٢٨٣ سورة الاسراء.

32. وللتأكيد انظر : كتاب المأمون العبّاسي في تاريخ الطبري ١٠ : ٥٧ ـ ٥٨ حتّى تقف على الفهم السائد في القرون الأولى بالنسبة للشجرة الملعونة وأنّها تعني بني أميّه وأن أهل البيت هم العترة ـ والكتاب طو يل نأخذ من قوله ـ : ... فجعلهم الله أهل بيت الرحمة وأهل بيت الدين ، أذهب الله عنهم الرجس وطهرّهم تطهيراً ، ومعدن الحكمة ، وورثة النبوّة ، وموضع الخلافة ، وأوجب لهم الفضيلة ، وألزم العباد لهم الطاعة ، وكان ممن عانده ونابذه وكذّبه وحاربه من عشيرته العدد الأكثر ، والسواد الأعظم ، يتلقّونه بالتكذيب والتثريب ، ويقصدونه بالأذيّة والتخو يف ، ويبادونه بالعداوة ، وينصبون له المحاربة ، ويصدّون عنه من قصده ، وينالون بالتعذيب مَن اتّبعه ، وأشدّهم في ذاك عداوة وأعظمهم له مخالفة ، وأوّلهم في كلّ حرب ومناصبة ، لا يرفع على الإسلام راية إلّا كان صاحبها وقائدها ورئيسها في كلّ مواطن الحرب من بدر ، وأحد ، والخندق ، والفتح : أبو سفيان بن حرب ، وأشياعه من بني أميّة الملعونين في كتاب الله ، ثمّ الملعونين على لسان رسول الله في عدة مواطن وعدّة مواضع ؛ لماضي علم الله فيهم وفي أمرهم ، ونفاقهم ، وكفر أحلامهم ، فحارب مجاهداً ، ودافع مكابداً ، وأقام منابذاً حتّى قهره السيف ، وعلا أمر الله وهم كارهون ، فتقوَّل بالإسلام غير منطو عليه ، وأسرَّ الكفر غير مقلع عنه ، فعرفه بذلك رسول الله والمسلمون وميّز له المؤلّفة قلوبهم فقبله ، وولده على علم منه ، ممّا لعنهم الله به على لسان نبيّه وأنزل به كتاباً قوله : ( وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا ) ولا اختلاف بين أحد أنّه أراد بها بني أميّة ، ومنه قول الرسول عليه السلام وقد رآه مقبلاً على حمار ، ومعاوية يقود به ، ويزيد ابنه يسوق به : لعن الله القائد ، والراكب ، والسائق ...

33. طبع سابقاً في مجلّة تراثنا « الأعداد ٥٣ ـ ٦٠ » تحت عنوان « السنّة بعد الرسول ».

34. صحيح البخاري ٨ : ٤٣٥ / كتاب الدعوات ، باب ٧٣٦ ، ح ١٢٣٠ سورة الإسراء ، مسند أحمد ٢ : ٣١٦ ـ ٣١٧ ، ٤١٩ ، وج ٣ : ٤٠.

35. كاعتراض عمر بن الخطاب على رسول الله لمّا أراد أن يصلّي على المنافق ، وقوله له : أتصلّي عليه وهو منافق ؟! وإنكاره على رسول الله فعله في أخذ الفداء من أسرى بدر وغيرها. انظر : صحيح مسلم ، كتاب الفضائل ، باب فضائل عمر.

36. انظر : صحيح البخاري ٨ : ٣٥٣ كتاب الأدب ، باب من لم يواجه الناس بالعتاب ، ح ٩٧٩.

37. انظر : صحيح البخاري ٣ : ٩١ كتاب الصوم ، باب صوم الدهر ، ح ٢٣٣.

38. كأنّهم غصبوها وأدخلوها في المسجد.

39. كقضاء عمر بالعول والتعصيب في الإرث وسواهما.

40. كمن طلّق زوجته بغير شهود وعلى غير طهر ، وقد يكون فيه إشارة إلى قوله بعد بيعته : ألا إنّ كلّ قطيعة أقطعها عثمان وكلّ مال أعطاه من مال الله فهو مردود في بيت المال ، فإنّ الحقّ القديم لا يبطله شيء ، ولو وجدته قد تزوّج به. إلخ ، وانظر : نهج البلاغة ١ : ٤٢ خ ١٤.

41. لأنّ عمر رفع الجزية عنهم فهم ليسوا بأهل ذمّة ، فيحلّ سبي ذراريهم ، قال محيي السنّة البغويّ : روي أنّ عمر بن الخطّاب رام نصارى العرب على الجزية ، فقالوا : نحن عرب لا نؤدّي ما يؤدّي العجم ، ولكن خذ منّا كما يأخذ بعضكم من بعض ، بعنوان الصدقة. فقال عمر : هذا فرض الله على المسلمين. قالوا : فزد ما شئت بهذا الاسم لا باسم الجز ية ، فراضاهم على أن ضعّف عليهم الصدقة.

42. إشارة إلى ما ذهب إليه عمر من وضعه الخراج على أرباب الزراعة والصناعة والتجارة لأهل العلم والولاة والجند ، بمنزلة الزكاة المفروضة ، ودوّن دواوين فيها أسماء هؤلاء وأسماء هؤلاء.

43. راجع تفصيل هذا الأمر في كتاب الشافي للسيّد المرتضى.

44. ربّما كان إشارة إلى ما ذهب إليه عمر من منع غير القرشيّ الزواج من القرشيّة ، ومنعه العجم من التزوّج من العرب.

45. إشارة إلى منع عمر أهل البيت خُمسَهم.

46. يعني أخرجت منه ما زاده عليه غصباً.

47. إشارة إلى ما نزل به جبرئيل من الله تعالى بسدّ الأبواب المفضية إلى مسجد رسول الله صلّى الله عليه وآله إلّا باب عليّ.

48. إشارة إلى ما أجازه عمر في المسح على الخفّين ، ومخالفة عائشة وابن عبّاس وعليّ وغيرهم له في هذا الصدد.

49. يعني متعة النساء ومتعة الحجّ.

50. لِما كبّر النبيّ صلّى الله عليه وآله خمساً في رواية حذيفة وزيد بن أرقم وغيرهما.

51. والجهر بالبسملة ممّا ثبت قطعاً عن النبيّ صلّى الله عليه وآله في صلاتهِ ، وروى الصحابة في ذلك آثاراً صحيحة مستفيضة متظافرة.

52. يحتمل أن يكون المراد إشارة إلى الصحابة المخالفين الذين أُخرجوا بعد رسول الله من المسجد في حين كانوا مقرّبين عند النبيّ صلّى الله عليه وآله ، وكذا إنّه عليه السلام يخرج من أخرجه رسول الله صلّى الله عليه وآله ، كالحكم بن العاص وغيره.

53. ينظر عليه السلام إلى الاجتهادات المخالفة للقرآن وما قالوه في الطلاق ثلاثاً.

54. أي من أجناسها التسعة ، وهي : الدنانير والدراهم والحنطة والشعير والتمر والزبيب والإبل والغنم والبقر.

55. وذلك لمخالفتهم هذه الأحكام. وقد أوضحنا حكم الوضوء منه في كتابنا « وضوء النبيّ » فراجع ، نأمل أن نوفّق في الكتابة عن الغسل والصلاة وغيرها من الأحكام الشرعيّة التي أشار الإمام علي بن أبي طالب إلى التحريف والابتداع فيها إنّ شاء الله تعالى.

56. وهم الذين أجلاهم عمر عن مواطنهم.

57. الكافي ٨ : ٥٨ ، الروضة ح ٢١.

58. بصائر الدرجات : ٣٠٠ ح ٤ والنص عنه ، و ٢٩٩ ح ١.

59. الكافي ١ : ٥٨. كتاب فضل العلم باب البدع والرأي والمقاييس ح ٢١.

60. جامع أحاديث الشيعة ١ : ١٨١. باب حجيّة فتوى الأئمّة المعصومين ، ح ١١٤.

61. بصائر الدرجات : ٢٩٩ ح ٢ وانظر : ٣٠١ ح ١.

62. الكافي ١ : ٥٦. كتاب فضل العلم باب البدع والرأي ح ١١.

63. يونس : ١٥.

64. شرح نهج البلاغة لأبن أبي الحديد ١١ ـ ١٢ : ١٢ / ٨٢ ، باب نكت من كلام عمر وسيرته وأخلاقه.

65. صحيح مسلم ٤ : ١٨٦٥ كتاب فضائل الصحابة باب فضائل عمر ح ٢٥ و ٤ : ٢١٤١ كتاب صفات المنافقين وأحكامهم ح ٣.

66. صحيح البخاري ٤ / ٣٨١ كتاب الشروط ، باب الشروط في الجهاد والمصالحة ، ح ٩٣٢.

67. المصنّف لعبد الرزاق ١٠ : ٣١٣ كتاب أهل الكتابين ، باب هل يسأل أهل اليهود بشيء / ح ١٩٢١٣ ، مجمع الزوائد ١ : ١٧٤ باب ليس لاحد قول مع رسول الله صلى الله عليه وآله.

68. صحيح البخاري ١ : ١١٩ / ١٢٠ كتاب العلم ، باب ٨٢ ، ح ١١٢ ، صحيح مسلم ٣ : ١٢٥٧ ، ١٢٥٩ ، كتاب الوصية باب ترك الوصية ...

69. انظر : كلامه المتقدّم في صفحه ٢٣ من هذه الدراسة. قال النووي في شرحه على صحيح مسلم وبعد أن اتى بخبر عبدالله بن زيد قال : ... فيكون الواقع الاعلام أولاً ثمّ رأى عبدالله بن زيد الأذان فشرعه النبيّ بعد ذلك امّا بوحي وامّا باجتهاده صلّى الله عليه وآله على مذهب الجمهور في جواز الاجتهاد الاجتهاد له صلّى الله عليه وآله وليس هو عملاً بمجرد اتمام هذا ما لا يشكّ فيه بلا خلاف والله اعلم.

70. المصنّف لعبدالرزّاق ١٠ : ٣١٣ رقم ١٩٢١٣ ، مجمع الزوائد ١ : ١٧٤ وفيه : يا رسول الله ، جوامع من التوراة أخذتها من أخ لي من بني زُرَيق ، فتغيّر وجه رسول الله ...

71. صحيح مسلم ١ : ١٥٠ ، باب الإسراء من كتاب الإيمان ـ ح ٢٦٤. وانظر : مثله في صحيح البخاري ٤ : ٥٤٩ ، كتاب بدء الخلق ، باب ذكر الملائكة صلوات الله عليهم ، ح ١٣٧١.

72. سبل الهدى والرشاد ٣ : ٦٩ والنص عنه. وانظر : رواية شريك في صحيح البخاري ٩ : ٨٢٤ ـ ٨٢٦ / كتاب التوحيد / باب قوله ( وَكَلَّمَ اللَّـهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا ) / ح ٢٣١٦ ، وانظر : صحيح مسلم ١ : ١٤٨ ح ٢٦٢ / كتاب الإيمان ـ باب الاسراء برسول الله.

73. سبل الهدى والرشاد ٣ : ٦٩.

74. سبل الهدى والرشاد ٣ : ٧٠ ، نقلاً عن المعارج الصغير لابن الخطاب بن دحية.

75. الكافي ٨ : ٣٤٣ ـ ٣٤٥ باب رؤيا النبيّ صلّى الله عليه وآله.

76. سيأتي خبر معاوية لاحقاً في صفحة ١٠٦ ـ ١٠٨.

77. انظر : الوسائل إلى معرفة الأوائل ، للسيوطي : ٢٦.

78. تفسير العيّاشي ١ : ١٥٧ ، ح ٥٣٠.

79. سنن أبي داود ٣ : ١٤٦ كتاب الخراج والامارة و .. ، باب في بيان مواضع قسم الخمس .. ، ح ٢٩٨٠ ، وانظر : سنن النسائي ٧ : ١٣١ كتاب قسم الفيء.

80. سنن الترمذي ٥ / ٢٢٧ كتاب تفسير القران ، باب سورة آل عمران ، ح ٣٠٠٤. الفردوس ١ : ٥٠٣ / ح ٢٠٦٠ ، انظر : صحيح البخاري ٥ : ٢٠١ كتاب المغازي ، باب ١٣٥ / ح ٥٥٦ ، الإصابة ٢ : ٩٣ ترجمة سهيل بن عمرو بن عبد شمس.

81. وقعة صفين : ٢١٧ ـ ٢١٧ ، باب ما ورد من الأحاديث في شأن معاوية ، وانظر : المحصول للرازي ٢ : ١٦٥ ـ ١٦٦.

82. وقعة صفّين : ٢٢٠.

83. انظر : تلخيص المستدرك للذهبي ٤ : ٤٧٩.

84. صحيح مسلم ٤ : ٢٠٠٧ ـ ٢٠٠٨ ، كتاب البرّ والصلة ، باب من لعنه النبيّ صلّى الله عليه وآله ح ٢٦٠١ ، مسند أحمد ٢ : ٣١٧.

85. صحيح مسلم ٤ : ٢٠٠٧.

86. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١١ : ٤٤ ـ ٤٥ باب ذكر ما مُني به آل البيت من الأذى والاضطهاد.

87. انظر : المبسوط للسرخسي ١٠ : ٣٩.

88. سنن أبي داود ٣ : ١٦٢ كتاب الخراج باب ما جاء في خبر مكّة ، السنن الكبرى للبيهقي ٩ : ١١٨ كتاب السير ، باب فتح مكّة.

89. المبسوط للسرخسي ١٠ : ٤٠.

90. شرح نهج البلاغة لأبن أبي الحديد ١٧ : ٢٨٣ عن الواقدي ، وانظر : سبل الهدى والرشاد ٥ / ١٩٣ رواه عن البيهقي.

91. الكامل في التاريخ ٢ : ٢٤٥.

92. بحار الأنوار ١٨ : ١٠٧ ، ٣١ : ٥٢٣ عن قصص الأنبياء.

93. المبسوط للسرخسي ١ : ١٢٨.

94. شرح نهج البلاغة ١٧ : ٢٨٤.

95. الأخبار الموفّقيّات للزبير بن بكّار : ٥٧٦ ـ ٥٧٧ ؛ مروج الذهب ٤ : ٤١ ؛ النصائح الكافية : ١٢٣ ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٥ : ١٣٠.

96. فاطر : ٨.

97. نهج البلاغة ٢ : ٦٣ / الخطبة ١٦٢.

98. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٠ : ١٠١ ، وفي المعمرين للسجستاني كما في النصائح الكافية : ١٢٦ سأل معاوية بن أبي سفيان يوماً امد بن لبد المعمر : فهل رايت محمداً. قال : من محمّد ؟ قال معاوية : رسول الله. قال امد : ويحك افلا فخمته كما فخمه الله فقلت رسول الله صلّى الله عليه وآله وانظر كذلك كنز الفوائد : ٢٦١ وبحار الأنوار ٣٣ : ٢٧٦.

99. الاستيعاب ٤ : ١٦٧٩ ؛ الأغاني ٦ : ٣٧١ ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢ : ٤٥ والنصّ عنه.

100. شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد ١٦ : ١٣٦.

101. أُسد الغابة ٢ : ٤٧ ، الطبقات الكبرى ٣ : ١٢.

102. سبل الهدى والرشاد ١ : ٢٢٣ ، مختصر تاريخ دمشق ٧ : ١٩١.

103. تاريخ الطبري ٥ : ٤٠٠ ـ ٤٦٧ ، وغيره من كتب التاريخ.

104. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٣ : ٢٥٩.

105. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٩ : ٢٣٨.

106. وقد استمرّت هذه الرؤية عند البعض بعد معاوية ، فروى المفضل بن عمر أنه سمع في مسجد الرسول صاحب ابن أبي العوجاء يقول له : ان محمّداً استجاب له العقلاء وقد قرن اسمه باسم ناموسه [ أي الله جل وعلا ] ...

فقال ابن أبي العوجاء : دع ذكر محمّد فقد تحيّر فيه عقلي وحدّثني عن الأصل الذي جاء به ... « بحار الأنوار ٤ : ١٨ ».

ومثل ذلك ما حكاه رشاد خليفة عن جماعة ان تكرار الشهادة الثانية « أشهد أنّ محمّداً رسول الله » بجنب الشهادة الأولى « أشهد ان لا إله إلّا الله » يعد شركاً أكبر « انظر القرآن والحديث والإسلام : ٣٨ ، ٤١ ، ٤٣ وكتابه الآخر قران أم حديث : ٢٠ ، ٣٣ ».

107. الرسالة للإمام الشافعي : ١٦ ، المسند للإمام الشافعي : ٢٣٣ ، المجموع ١ : ٥٧٧ ، تلخيص وانظر : الحبير ٣ : ٤٣٥ ، تفسير القرآن لعبد الرزاق الصنعاني ٣ : ٤٣٧ ، وفي السنن الكبرى ٣ : ٢٠٩ « باب ما يستدلّ به على وجوب ذكر النبيّ في الخطبة » وبعد ذكره لقول الشافعي قال : ويذكر عن محمّد بن كعب القرظي مثل ذلك. وانظر : فيض القدير شرح الجامع الصغير ١ : ٢٨.

108. شرح النووي على صحيح مسلم ١ : ١٦٠ باب مقدّمة الصحيح.

109. المصنّف لابن أبي شيبة الكوفي ٦ : ٣١٥ ، كتاب الفضائل ـ الحديث ٣١٦٨٠.

110. المصنّف لابن أبي شيبة الكوفي ٦ : ٣١٥ ، كتاب الفضائل ـ الحديث ٣١٦٨١.

111. آية ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ).

112. دفع الشبه عن الرسول للحصني الدمشقي : ١٣٤.

113. البداية والنهاية ٦ : ٢٨٨ باب القول فيما أُعطي إدريس عليه السلام.

114. تفسير الطبري ٣٠ : ١٥١.

115. زاد المسير لابن الجوزي ٨ : ٢٧٢.

116. مصنّفات الشيخ المفيد ١٣ : ٢٨١ ـ ٢٨٢ المجلس ٣٣ ، ح ٧ ، أمالي الطوسي : ١١٠ ، الكافي ١ : ٤٥٩ ، دلائل الإمامة ١٣٨.

117. الاحتجاج : ١٠١ ـ ١٠٢ والنصّ عنه. وانظرها في دلائل الإمامة : ١١٤ ـ ١١٨ ، وشرح نهج البلاغة ١٦ : ٢٥١.

118. كفاية الأثر : ١٩٨ « باب ما جاء عن فاطمة من النصوص ».

119. مقاتل الطالبيين : ٧٠ والنص عنه ، الارشاد للمفيد ٢ : ١٥ ، مناقب ابن شهرآشوب ٤ : ٣٦ ، شرح نهج البلاغة ١٦ : ٤٧ ، كشف الغمة ١ : ٥٤٢.

120. الاحتجاج ٣٠٩ ، بحار الأنوار ٤٥ : ١٣٥ ، اللهوف لابن طاووس ومثير الأحزان وغيرها.

121. كفاية الأثر ١٩٨.

122. مقتل الحسين للخوارزمي ٦٩ ـ ٧١ ، والفتوح لابن أعثم ٣ : ١٥٥.

123. تثبيت الإمامة ٣٠ ، بلاغات النساء ١٤ ، شرح نهج البلاغة ١٦ : ٢١٢ ، ٢٥١ ، جواهر المطالب ١ : ١٦١.

124. مستدرك الحاكم ٣ : ١١٢ وقال : صحيح على شرط الشيخين وتلخيصه للذهبي ، وشرح نهج البلاغة ١٣ : ٢٢٨ ، ١ : ٣٠ ، سنن ابن ماجه ١ : ٤٤ ح ١٢٠ قال في الزوائد : هذا اسناد صحيح ورجاله ثقات ، تاريخ الطبري ٢ : ٣١٠ ، والآحاد والمثاني ١ : ١٤٨ وغيرها.

125. شرح نهج البلاغة ٤ : ١٢٢ ، ١٣ : ٢٠٠ ، والمعارف لابن قتيبة ٩٧. وفيه قال عليّ عليه السلام : أنا الصدّيق الأكبر آمنتُ قبل أن يؤمن أبو بكر وأسلمت قبل أن يسلم أبو بكر.

126. شرح نهج البلاغة ١٣ : ٢٢٨ ، وأنساب الاشراف بتحقيق المحمودي ١٤٦ ، الآحاد والمثاني ١ : ١٥١ ، والمعارف لابن قتيبة ٩٩.

127. مرّ عليك قبل قليل قول السيوطي في كتاب الوسائل إلى معرفة الأوائل ٢٦ : أن أوّل من أمر المؤذّن أن يشعره ويناديه فيقول : السلام على أمير المؤمنين الصلاة يرحمك الله ، معاوية بن أبي سفيان.

128. أمالي الطوسي ٦٨٧ ـ ٦٨٨ ، مجلس يوم الجمعة السابع من شعبان ٤٥٧ هـ.

129. انظر انساب الاشراف ١٣ : ١٢٨. وفيه انّ إبراهيم بن هشام بن عبدالملك قال لابن ميادة : يا ماصَّ بظر أمّه أنت فضلت قريشاً ، وجرّده فضربه مائة سوط أو أقل.

130. أمالي الطوسي ٢٩٣.

131. انظر : ديوان عليّ الحمّاني ٨١ ، ومناقب ابن شهرآشوب ٤ : ٤٠٦ وفيه : « عليهم » بدل : « تراه ».

132. لأنّه صلّى الله عليه وآله أمر أن لا يصلوا عليه الصلاة البتراء.

133. التوبة : ٣٢.

134. التفسير الكبير ٣٢ : ١٣٣.

135. التفسير الكبير ٣٢ : ١٢٤.

136. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٧ : ٢٢٠.

137. المعجم الكبير ١١ : ١٤٦ ، مجمع الزوائد ٧ : ٦ والنص له.

138. شواهد التنزيل ١ : ١٨٣.

139. التفسير الكبير ٣٢ : ١١٨.

140. قرأ نافع وابن عامر ويعقوب هذه الآية بفتح الهمزة ومدّها وقطع اللام من الياء كما في آل يعقوب ، « النشر في القراءات العشر ٢ : ٣٦٠ وتحبير التيسير : ١٧٠ » وللتأكيد أقرأ في مصحف المدينة النبويّة برواية ورش عن نافع المدني والمطبوع في المملكة العربيّة السعوديّة صفحه ٤٠٧ الآية : ١٣٠ من سورة الصافّات.

141. انظر : نقل كلام الفخر الرازي في : نظم درر السمطين ٢٤٠ ، والصواعق المحرقة ٢٣٣ ـ ٢٣٤ ، وينابيع المودّة ١ : ١٣٠ ـ ١٣١ ، وجواهر العقدين ٢ : ١٦٦.

142. من لا يحضره الفقيه ١ : ٢٩٩ ، كتاب الصلاة باب الأذان والإقامة.

143. بحار الأنوار ٨١ : ١٧٠ ، عن العلل لابن هاشم ، وقد علّق المجلسي على كلامه بقوله : ... وكون الشهادة بالرسالة في آخر الأذان غريب ، ولم أره في غير هذا الكتاب.

أقول : قد يكون المراد من الشهادة بالرسالة في آخر الأذان هو ما جاء في بعض الروايات من استحباب ذكر الرسول وجعله الوسيلة إلى الله في آخر الأذان ، وكلّما سمع المسلم الشهادة بالنبوّة في الأذان وغيره. وهذا ما حذفه معاوية ، قال الشرواني في حواشيه ٣ : ٥٤ « .. وصريح كلامهم أنّه لا يندب الصلاة على النبيّ بعد التكبير ، لكن العادة جارية بين الناس بإتيانها بها بعد تمام التكبير ، ولو قيل باستحبابها عملاً بظاهر ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) وعملاً بقولهم : إنّ معناه « لا أذكر إلّا وتذكر معي » لم يكن بعيداً ، فتأمل.

144. أبو الوفاء الأفغاني في تعليقته على كتاب الآثار 1 : 107 ، وانظر : المصنّف لعبدالرزاق 1 : 1793 / 463.

145. مجمع الزوائد 1 : 332.

146. انظر : الاحتجاج ١٥٨.

147. أصل زيد النرسي ٥٤ ، وعنه في مستدرك الوسائل ٤ : ٤٤ ح ٤١٤٠ / ٢.

148. الكافي كتاب الصلاة باب النوادر ٣ : ٤٨٢ ـ ٤٨٦ / ١. وللمزيد من الاطّلاع يمكنك مراجعة خبر الإسراء في تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي ٢ : ٣ ـ ١٢. وانظر : علل الشرايع ٢ : ٣١٣ باب علل الوضوء والأذان والصلاة ، وعنه في بحار الأنوار ١٨ : ٣٥٤.

149. صحيح مسلم ١ : ١٤٩ كتاب الإيمان باب الإسراء برسول الله صلّى الله عليه وآله إلى السماوات وفرض الصلوات ح ٢٦٤ ، مسند أبي عوانة ١ : ١٠٧ ، وصحيح ابن خزيمة ١ : ١٥٣ ، كتاب الصلاة ، باب بدء فرض الصلوات الخمس ، تفسير القرطبي ٢٠ : ١٠٤ ، أسد الغابة ٤ : ٢٨١ ، الديباج للسيوطي ١ : ٢٠٧ ، وانظر : جامع البيان ١٥ : ٤ ، وسنن الترمذي ٥ : ٤٤٢ ح ٣٣٤٦ ، كتاب تفسير القرآن باب « من سورة ألم نشرح ».

150. مسند أحمد ٤ : ٢٠٧ ، ٢١٠ ، سنن النسائي ١ : ٢١٧ ، السنن الكبرى ١ : ١٣٨.

151. صحيح البخاري ٥ : ٣٣ ـ ٣٤ / كتاب المناقب ـ باب « كان النبيّ تنام عينه ولا ينام قلبه ». وانظر : ٩ : ٨٢٤ ، كتاب التوحيد ـ باب « وكلّم الله موسى تكليما » ، وصحيح مسلم ١ : ١٤٨ ، كتاب الإيمان ، باب « الإسراء برسول الله صلّى الله عليه وآله » ، وسنن البيهقي ٧ : ٦٢.

وقال ابن حجر في فتح الباري ١٣ : ٤٠٩ : « وقوله : قبل أن يُوحى إليه » أنكرها الخطّابي وابن حزم وعبدالحقّ والقاضي عياض والنووي ، وعبارة النووي : وقع في رواية شريك هذه أوهام أنكرها العلماء ، أحدها قوله : قبل أن يوحى إليه ، وهو غلط لم يَوافَق عليه.

152. حاشية السندي على النسائي ١ : ٢١٧ ، كتاب الصلاة باب فرض الصلاة وذكر اختلاف الناقلين.

153. هذا ما حكاه مهمّش تفسير القرطبي ٢٠ : ١٠٤. ولم نقف عليه في مظانّه.

154. فتح الباري بشرح صحيح البخاري ١٣ : ٤٠٩ ـ ٤١٠ ، كتاب التوحيد.

155. الفتح الربّاني ٢٠ : ٢٤٨.

156. تحفة الأحوذي ٩ : ١٩٣.

157. تفسير عليّ بن إبراهيم ٢ : ١٣ تأويل الآيات ١ : ٢٦٩ ، تفسير نور الثقلين ٣ : ١٠٠ عنه.

158. شرح الأخبار ١ : ١٢٠ ـ ١٢١ ح ٤٦.

159. الأمالي للطوسي : ٧٣١ مجلس يوم الجمعة الثالث والعشرين من ذي الحجّة سنة ٤٥٧ هـ.

160. الأمالي الخميسية ١٥١.

161. المستدرك على الصحيحين ٣ : ٢١١ والنصّ عنه ، وهو في سنن ابن ماجة ٢ : ١٣٦٨ باب خروج المهديّ ح ٤٠٨٧ ، وفيه : « نحن ولد عبدالمطّلب » ... ونحو الأوّل في طبقات المحدّثين بإصفهان ٢ : ٢٩١ ، وأيضاً في سبل الهدى والرشاد ١١ : ٧.

162. كنز العمّال ١١ : ٧٥٦ ، ح ٣٣٦٨ ، عن ابن عساكر.

163. شرح نهج البلاغة ١٥ : ٧٢.

164. القصص : ٦١.

165. شواهد التنزيل ١ : ٥٦٤ ، ح ٦٠١. وانظر : نهج الإيمان ٥١٤.

166. الأحزاب : ٢٣.

167. شواهد التنزيل ٢ : ٦ ، ح ٦٢٨. وانظر : التبيان ٥ : ٣١٨ ، وتفسير القمّي ٢ : ١٨٨.

168. الحجّ : ٤٠.

169. شواهد التنزيل ١ : ٥٢١ ، ح ٥٥٢.

170. الروضة المختارة ٤٠.

171. انظر : شرح نهج البلاغة ١٥ : ١٩٨ ـ ١٩٩.

172. صحيح البخاري والنصّ عنه ٥ : ٧٠ ح ١٩٩ ، باب مناقب عمر بن الخطاب ، وانظر : صحيح مسلم ٤ : ١٩٠٨ ح ٢٤٥٧ باب من فضائل أمّ سليم أمّ أنس بن مالك وبلال ، وانظر : صحيح مسلم ٤ : ١٨٦٢ باب فضائل عمر بن الخطّاب ح ٢٣٩٤.

173. مسند أبي داود الطيالسي ٢٣٨ ح ١٧١٥ و ١٧١٩ ، ما رواه محمّد بن المنكدر عن جابر.

174. مسند أحمد ٣ : ٣٨٩ ـ ٣٩٠.

175. صحيح بن حبّان ١٥ : ٣٠٩ في ذكر قصر عمر في الجنّة ، وص ٥٥٩ في ذكر ايجاب الجنّة لبلال و ١٦ : ١٦١ في ذكر أمّ حرام في الجنّة.

176. مسند أحمد ٥ : ٢٥٩.

177. المعجم الكبير ٨ : ٢٨١ ح ٧٩٢٣ باختصار ، مسند الروياني ٢ : ٢٧٧.

178. مجمع الزوائد ٩ : ٥٩ ، ١٠ : ٢٦٢.

179. لا يفوتك عدم ذكر الأنصار في هذا الحديث.

180. لاحظ عدم ذكر عثمان وعليّ في هذا الحديث فقد يكون للخوارج يد في وضعه.

181. المعجم الكبير ١ : ٣٣٧ ـ ٣٣٨ ح ١٠١٢.

182. المصنّف لابن أبي شيبة ٦ : ٣٩٩ ح ٣٢٣٢٥.

183. صحيح ابن حبّان ١٥ ـ ٥٦١ ، ٥٦٢.

184. مسند أحمد ٥ : ٣٥٤ و ٣٦٠.

185. سنن الترمذي ٥ : ٦٢٠ ح ٣٦٨٩.

186. صحيح ابن خزيمة ٢ : ٢١٤ ح ١٢٠٩.

187. المستدرك على الصحيحين ١ : ٣١٣ و ٣ : ٢٨٥.

188. منتخب مسند عبد بن حميد ٣٩٩ ح ١٣٤٦.

189. صحيح البخاري ٢ : ٤٩٩ كتاب التهجّد بالليل ، باب فضل الطهور بالليل والنهار ، ح ١٠٧٤ والنصّ عنه ، وج ٥ : ٩٣ كتاب فضائل أصحاب النبيّ باب مناقب بلال بن أبي رباح.

190. صحيح مسلم ٤ : ١٩١٠ باب من فضائل بلال ح ٢٤٥٨.

191. صحيح ابن حبّان ١٥ : ٥٦٥.

192. تاريخ دمشق ١٠ : ٤٥٣ ـ ٤٥٤.

193. مسند أحمد ٢ : ٣٣٣.

194. المعجم الكبير ٢٢ : ١٣٧ ، مجمع الزوائد ٩ : ٢٩٩.

195. مسند أحمد ١ : ٢٥٧.

196. مجمع الزوائد ٩ : ٣٠٠.

197. الأحاديث المختارة ٩ : ٥٥٢.

198. تفسير ابن كثير ٣ : ١٤.

199. فيض القدير ٣ : ٥١٧ ، فتح الباري ٣ : ٢٦ ـ ٢٧ ، نيل الأوطار ٣ : ٨١ ، تحفة الاحوذي ١٠ : ١٢٠.

200. شرح المقاصد للتفتازاني ٥ : ٢٩٨.

201. من لا يحضره الفقيه ٤ : ٣٧٣ ـ ٣٧٤ ، وفي تاريخ دمشق ٤٧ : ٣٤٤ بسنده عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال : قال النبي صلّى الله عليه وآله : لما عُرج بي رأيت على ساق العرش مكتوباً : لا إله إلّا الله محمّد رسول الله أيّدته بعليّ ونصرته بعليّ.

202. كمال الدين وتمام النعمة ٢٥٠ ـ ٢٥١ وانظر : تفسير نور الثقلين ٤ : ٤٧٠.

203. تفسير عليّ بن إبراهيم ٢ : ٣٣٥ ـ ٣٣٦ في تفسير سورة النجم وعنه في تفسير نور الثقلين ٥ : ١٥٨ سورة النجم ح ٥٥.

204. عيون أخبار الرضا ٢ : ٦١.

205. كمال الدين وتمام النعمة ٢٥٦.

206. الكافي ٢ : ٤٦ كتاب الإيمان والكفر ، باب نسبة الإسلام ح ٣.

207. والاغرب من هذا ما قاله ابن كثير في البداية والنهاية ٨ : ١٢٣ ، وقد انتفع معاوية بهذه الدعوة في دنياه واخراه.

أمّا في الدنيا فإنّه لما صار إلى الشام أميراً كان يأكل في اليوم سبع مرّات يجاء بقصعة فيها لحم كثير وبصل فيأكل منها ، ويأكل في اليوم سبع أكلات بلحم ، ومن الحلوى والفاكهة شيئاً كثيراً ويقول والله ما اشبع وانما اعيا ، وهذه نعمة ومعدة يرغب فيها كل الملوك.

وأمّا في الآخرة ... فإن رسول الله قال : اللهم انما أنا بشر فإيما عبد سببته أو جلدته أو دعوت عليه وليس لذلك أهلاً فاجعل ذلك كفّارة وقربة تقربه بها عندك يوم القيامة ... وهذا الحديث فضيلة لمعاوية.

208. أنظر : توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار للصنعاني ج ٢ : ٢٥٧ ط دار احياء التراث.

209. الإمامة والسياسة ١ : ١٤٦.

210. تفسير القرطبي ١٤ : ٢٤٠ ، وعنه في فيض القدير ١ : ٦١٨.

211. علل الشرائع ١ : ٢٨٠ الباب ١٩١.

212. انظر : وضوء النبيّ ، المدخل ٤٢٨.

213. نقله عنه النووي في المجموع ٣ : ٧٥. وانظر كلام السيّد البكري في حاشية اغاثة الطالبيين ١ : ٢٢٩ والبخاري في شرح الكرماني ٥ : ٤ وشرح النووي على مسلم.

214. وهو أن « لا إله إلّا هو » ، معنى آخر لقوله « إنّا لله وإنّا إليه راجعون » أو قوله : « وإلى ربّك المنتهى ».

215. انظر : الفتوحات الربّانيّة على الأذكار النوويّة ٢ : ٨٤.

216. الفتوحات الربانية ٢ : ٨٣.

217. فتح الباري ٢ : ٦١ كتاب أبواب الأذان ، وعنه في بذل المجهود ٤ : ٣ ـ ٤. وعون المعبود ٢ : ١٢٧.

218. صحيح ابن خزيمة ١ : ٢٠٨.

219. إرشاد الساري ٢ : ٥.

220. مصنّف عبدالرزّاق ١ : ٤٨٣ / ١٨٥٨.

221. وعلق القاضي نعمان بن محمّد بن حسون « ت ٣٦٣ هـ » في الايضاح على الرواية التي ليس فيها ذكر « حيّ على خير العمل » بقوله. ولا اظن والله أعلم ان ذلك ترك من الرواية إلّا لمثل ما قدمت ذكره في كتاب الطهارات من الوجوه التي من أجلها اختلفت الرواة عن أهل البيت [ أي البقيّة راجع دعائم الإسلام ١ : ٥٩ ـ ٦٠ ] فان لم يكن ذلك فقد ثبت انه اذن بها على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله توفّاه الله تعالى وان عمر اقطعه ...

222. معاني الأخبار ٣٨ ـ ٤١ والنصّ عنه ، والتوحيد ٢٣٨ ـ ٢٤١ كما في مستدرك وسائل الشيعة ٤ : ٦٥ ـ ٧٠ ح ٤١٨٧ / ١ ، وانظر : بيان المجلسيّ في بحار الأنوار ٨١ : ١٣٤ ـ ١٣٥ ، وتفسيره عليه السلام الأذان في جامع الأخبار : ١٧١ كما في بحار الأنوار ٨١ : ١٥٣ ـ ١٥٥.

223. انظر : الخبر بتفصيله في كتاب الاعتصام بحبل الله ١ : ٢٩٠.

224. معاني الأخبار ٤١ كما في بحار الأنوار ٨١ : ١٤١ ـ ١٤٣ ومستدرك وسائل الشيعة ٤ : ٧١ ـ ٧٢.

225. جاء في كتاب الاعتصام بحبل الله ١ : ٢٧٨ : قال الهادي إلى الحقّ [ من أئمّة الزيديّة ] : والأذان من أصول الدين ، وأصول الدين لا يتعلّمها رسول الله على لسان بشر من العالمين.

226. مَن لا يحضره الفقيه ١ : ٢٩٩ / ٩١٤ ، علل الشرائع : ٢٥٨ / ٩ الباب ١٨٢ ، عيون أخبار الرضا ٢ : ١٠٣ ـ ١٠٥.

227. التوبة : ٢.

228. الحجّ : ٢٨.

229. الانشراح : ٤.

230. بحار الأنوار ٨١ : ١٦٩. عن كتاب العلل لمحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم.

231. كشف الغطاء ، الطبعة القديمة ٢٢٧ في بيان كيفيّة الأذان ، وسنعلِّق في الباب الثالث « أشهد أنّ عليّاً ولي الله بين الشرعيّة والابتداع » على كلامه رحمه الله تعالى.

232. النصّ في الجعفريّات ـ الأشعثيّات ـ : ٣٢ ، وقريب منه في دعائم الإسلام ١ : ١٤٧ ، وعنه في بحار الأنوار ٨٤ : ١٦٢ ـ ١٦٣. وانظر : وسائل الشيعة ٢١ : ٤٠٥ ـ ٤٠٦ كتاب النكاح باب استحباب الأذان في أذن المولود.

233. سنن أبي داود ٤ : ٣٢٨ كتاب الأدب باب في الصبيّ يولد فيؤذّن في أذنه ح ٥١٠٥ ، وسنن الترمذي ٤ : ٩٧ كتاب الأضاحي باب الأذان في اذن المولود ح ١٥١٤ ، وقال : هذا حديث حسن صحيح.

234. الدعوات للقطب الراونديّ : ١٨٩ ـ ١٩٠ ، وعنه في بحار الأنوار ٨١ : ١٥٦. ومستدرك وسائل الشيعة ٤ : ٣٩ كتاب الصلاة وانظر : كلام الشيخ يحيى بن سعيد في جامع الشرائع ٧٣ ، والصدوق في من لا يحضره الفقيه ١ : ٢٩٢ ح ٩٠٣.

235. طبّ الأئمّة ٥٢ ، كما في بحار الأنوار ٨٩ : ٢٣٥.

236. كشف الخفاء ٢ : ٢٠٦ ـ ٢٠٧.

237. بحار الأنوار ٨١ : ١٧٤ عن الدعوات للراوندي.

238. وسائل الشيعة ١ : ٣١٥ كتاب الطهارة أبواب أحكام الخلوة ، وانظر : ١٥ : ٣٤٧ ـ ٣٤٨ عن الإمام عليّ ، كتاب الجهاد أبواب جهاد النفس.

239. مستدرك وسائل الشيعة ٤ : ٧٦ ، مستدرك سفينة البحار ١ : ٦٥ في مادة « أذن » ، الطبعة القديمة.

240. المحاسن ٢ : ٢٥٦ كتاب المآكل ح ١٨٠٨ ، بحار الأنوار ٨١ : ١٥١.

241. الحدائق النضرة ٧ : ٣٦٦.

242. الغول : نوع من الجنّ يغتال الإنسان ـ بحار الأنوار ٨١ : ١١٩.

243. دعائم الإسلام ١ : ١٤٧ كما في بحار الأنوار ٨١ : ١٦٢ ، ومستدرك وسائل الشيعة ٤ : ٦٢.

244. صحيح البخاري ١ : ٣٠٦ كتاب الأذان باب رفع الصوت بالأذان ح ٥٧٥ ، سنن النسائي ٢ : ١٢ كتاب الأذان باب رفع الصوت بالأذان.

245. مواهب الجليل ٢ : ٨٥. وانظر فتح المعين لشرح فرة العين المطبوع في هامش اغاثة الطالبين ١ : ٢٣٠.

246. الكافي ٣ : ٣٠٨ ح ٣٤ والنصّ عنه ، وعنه في وسائل الشيعة ٥ : ٤٢٨.

247. التهذيب ٢ : ٦٢ ح ٢١٦ ، الاستبصار ١ : ٣٠٧ / ١١٤٠ ، وسائل الشيعة ٥ : ٤٢٥.

248. التهذيب ٢ : ٥٨ ح ٢٠٢ ، وسائل الشيعة ٥ : ٤٠٥.

249. الكافي ٣ : ٣٠٥ ، كتاب الصلاة باب بدء الأذان والإقامة.

250. صحيح البخاري ١ : ٣٢٤ ـ ٣٢٥ ، كتاب الأذان باب هل يصلي الإمام بمن حضر ... في المطر ح ٦٢٩ وقرئت منه في باب « الرخصة في المطر والعلّة ان يُصلّي في رحله » وفي باب « الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة ... » عن نافع قال اذن ابن عمر في ليلة بارده بصحبنا ثمّ قال : صلوا في رحالكم ... وانظر فتح الباري لابن رجب ٣ : ٤٩٣ ، صحيح مسلم ١ : ٤٨٥ ح ٦٩٩ ، كتاب صلاة المسافرين وقصرها.

251. التهذيب ٢ : ٦٣ ح ٢٢٢.

252. كمال الدين وتمام النعمة ٢ : ٣٥١ باب ٤٣ ح ٤٩ وعنه في بحار الأنوار ٥٢ : ١٤٨ ح ٧٣.

مقتبس من كتاب : [ الأذان بين الإصالة والتحريف ] / الصفحة : 73 ـ 172