معنى النبوّة

طباعة

وهي كالأبوّة في كون الواو أصليّة غير منقلبة من الهمزة ، من « النّبوّة » و « النّباوة » بمعنى ما ارتفع من الأرض ، كما في الصحاح (١) ، فيكون نقل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إلى الإنسان المبعوث من الحقّ إلى الخلق لشرافته على سائر الخلق وعلوّ شأنه وسطوح برهانه ، فيكون فعيلا بمعنى مفعول.

وكالمروّة في كون الواو منقلبة من الهمزة ، من « النبأ » بمعنى الخبر ، فيكون النقل لإنبائه عن الله تعالى ، فيكون فعيلاً بمعنى فاعل.

وقد يجعل مأخوذاً من « النبيّ » بمعنى الطريق ؛ لكونه وسيلة إلى الحقّ تعالى.

وكيف كان ، فلها معنى تصوّري ومعنى تصديقي.

والمعنى التصوّري عبارة عن : « كون الإنسان مبعوثاً من الحقّ إلى الخلق » ، كما في شرح القوشجي (٢) ، أو كون البشر المعصوم عن الذنوب والمنزّه عن العيوب ، المقترن بالمعجزة المصدّقة مبعوثاً إلى المكلّفين لبيان أحكام الدين ، أو مخبراً عن الله بنحو الوحي عن أحكام الدين المتعلّقة بالعقائد ، أو أفعال المكلّفين مع الرئاسة الإلهيّة عليهم في أمر الدنيا والدين ، هذا إن جعل دالاّ على حال النبيّ.

وإن جعل مبيّنا لفعل الله تعالى ، يكون بمعنى بعث الله تعالى البشر المزبور ، أو جعله تعالى مبعوثاً إلى المكلّفين لبيان أحكام الدين.

وبالجملة : فهي رئاسة إلهيّة بالأصالة للبشر المعصوم عندنا على المكلّفين كلاّ أو بعضاً في أمر الدنيا والدين.

والمعنى التصديقي عبارة عمّا يجب تصديقه بالجنان وإقراره باللسان ، وهو أنّ نبيّنا محمّد بن عبد الله بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد المناف المنتهي إلى عدنان ، رسول الله المبعوث إلى الإنس والجانّ مع المعجزات التي منها المعراج الجسماني ، وشقّ القمر ، والقرآن ، على سبيل اللزوم العقلي ، كسائر الأنبياء في سائر الأديان.

وهو بشر معصوم ـ كغيره من الأنبياء ـ عن العصيان والنسيان ، ومطهّر عن الذنوب والعيوب التي توجب تنفّر الإنسان ، وهو أفضل الأنبياء والمرسلين ، وخير الخلق أجمعين ، وأنّه خاتم النبيّين ، ودينه باق إلى يوم الدين ، وله إذن شفاعة العاصين ، بمعنى أنّ الله تعالى لمّا كان غنيّاً مطلقاً ، وخلق بمقتضى حكمته خلقاً ، أحبّ أن بوصلهم بمقتضى الكرم إلى النعم ؛ لئلاّ يلزم العبث في إيجاد العالم.

ولمّا كان حكيما وجب أن يكون ما يتفضّل به جارياً على وفق الحكم ، فكلّف بما يحصل به الاستعداد لإيصال النعم ودفع النقم.

ولمّا لم يكن للكلّ علم بما فيه صلاحهم ، ولا قابليّة للتلقّي من الله بلا واسطة فرد من بني آدم ، وجب عقلاً بمقتضى اللطف أن يختار من خلقه من كان قابلاً للتلقّي من الله الخالق الحقّ ، والإلقاء إلى الخلق ؛ إتماما للغرض الأهمّ. ولا يتمّ ذلك إلاّ بالعصمة المعلومة بالمعجزة المصدّقة ، والتنزّه عمّا يوجب النفرة ؛ لئلاّ يكون للناس على الله حجّة ، فيجب بعث البشر المعصوم المخبر عن الله بنحو الوحي من غير اجتهاد ، المقترن بالمعجزة المصدّقة. فكلّ من ادّعى النبوّة الممكنة مع المعجزة المصدّقة فهو نبيّ بلا شبهة.

وقد تظافر وتواتر أنّه ظهر في مكّة محمّد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم وادّعى النبوّة ، وأظهر الله على يده المعجزة المصدّقة كالقرآن الذي عجز عن الإتيان بمثله جميع الأمّة ، فهو نبيّ بلا ريبة.

وحيث ادّعى ختم النبوّة ، وأخبر الله تعالى به أيضا في الآية الشريفة (3) فهو خاتم النبيّين ، ودينه باق إلى يوم الدين.

فالكلام في هذا الأصل ـ الذي هو من أعظم الأصول ـ يقع في خمسة فصول :

الأوّل : أنّ بعثة النبيّ ـ المخبر عن الله بنحو الوحي من غير اجتهاد ـ حسن بالحسن التامّ ، فيكون واجباً عقلاً مع أنّه واقع نقلاً. وهذا من أصول المذهب من جهة ، ومن أصول الدين من أخرى ، فيكون ردّاً على الأشاعرة وأمثالهم (4).

الثاني : أنّ النبيّ يجب أن يكون معصوماً عن العصيان والنسيان ، بل عن جميع ما يوجب تنفّر الإنسان. وهو أيضاً من أصول المذهب ، ردّاً على العامّة (5).

الثالث : أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يجب أن يكون مع المعجزة المصدّقة ، ردّاً على من أنكر الوجوب على الله تعالى.

الرابع : أنّ نبيّنا محمّد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم رسول الله المبعوث إلى الثقلين : الإنس والجانّ مع المعجزات التي منها المعراج الجسماني ، وشقّ القمر ، والقرآن. وهو من أصول الدين ، ردّاً على كثير من الكافرين كاليهود والنصارى ، وأمثالهم من المعاندين الجاحدين.

وفي حكمهم من قال في دفع لزوم الخرق والالتئام في الأفلاك عند عروج النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : إنّ الصاعد كلّما صعد ألقى منه عند كلّ رتبة منها ، مثلا إذا أراد تجاوز كرة الهواء ألقى ما فيه من الهواء فيها ، وإذا أراد تجاوز كرة النار ألقى ما فيه منها فيها ، وإذا رجع أخذ ما له من كرة النار ، فإذا وصل الهواء أخذ ما له من الهواء ؛ بناء منه على أنّ العروج إنّما هو للجسم النوراني الهورقليائي دون العناصر المعروفة ؛ أو أنّ جسده الشريف علّة لوجود جميع الأجسام فكان محيطا بجميعها ، فلا يكون منها جزء إلاّ وهو محيط به ، فكان صلى الله عليه وآله وسلم في عروجه محيطا بجميع الأجسام والأرواح والنفوس والعقول ؛ فإنّه أيضاً للحقّ من الجاحدين.

وأنّ نبيّنا صلى الله عليه وآله وسلم خاتم النبيّين ودينه باق إلى يوم الدين ، بمعنى أنّ الله تعالى بعث قبله الأنبياء والمرسلين وجعل نبيّنا خاتم النبيّين ؛ كما نطق به القرآن المبين (6) ، وروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال : « خلق الله عزّ وجلّ مائة ألف نبيّ وأربعة وعشرين ألف نبيّ أنا أكرمهم على الله تعالى » (7). وهو أيضاً من أصول الدين ، ردّاً على الجاحدين.

الخامس : أنّ نبيّنا صلى الله عليه وآله وسلم أفضل المخلوقين ، وله لهذا إذن شفاعة العاصين في يوم الدين. وهذا أيضا من أصول المذهب ظاهراً. خلافاً لبعض القاصرين ، كما حكي عن بعض الأشاعرة وجمهور المعتزلة حيث قالوا بأفضليّة الملائكة للوجوه الركيكة (8).

وحكي عن الوعيديّة من لزوم الوعيد وعدم العفو والشفاعة.

 

الهوامش

1. « الصحاح » ٦ : ٢٥٠٠ « ن ب و».

2. « شرح تجريد العقائد ٣٥٧.

3. الأحزاب (٣٣) : ٤٠.

4. راجع « كشف المراد » : ٣٤٦.

5. المصدر السابق.

6. الأحزاب (٣٣) : ٤٠.

7. « الخصال » ٢ : ٦٤١ ، ح ١٨ و ١٩.

8. انظر « تلخيص المحصّل » : ٣٧٤ ـ ٣٧٦.

 

مقتبس من كتاب البراهين القاطعة الجزء 3