وضوء النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم عن لسان أئمّة أهل البيت عليهم السلام
إنّ أئمّة أهل البيت هم المرجع الثاني للمسلمين بعد كتاب الله فيما اختلفوا فيه ، فإنّهم حفظة سنن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ وعيبة علمه ، فقد نصّ الرسول ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ على ذلك في حديث الثقلين الذي اتّفق المسلمون على نقله وصحّته وقال :
« إنّي تارك فيكم الثقلين ، كتاب الله وعترتي » (1)
فإذا كانت هذه مكانة أهل البيت ، فلنرجع إليهم في كيفيّة وضوء رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ، فإنّهم ارتشفوا من عذب معين ، وحفظوا سنةّ الرسول بنقل كابر عن كابر ، وإليك ما رووه :
1 ـ عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد وأبي داود جميعاً ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن داود بن فرقد ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول : إنّ أبي كان يقول : إنّ للوضوء حدّاً من تعدّاه لم يؤجر ، وكان أبي يقول : إنّما يتلدّد ، فقال له رجل : وما حدّه ؟ قال: تغسل وجهك ويديك ، وتمسح رأسك ورجليك. (2)
2 ـ علي ، عن أبيه ، ومحمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعاً ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة قال : قال أبو جعفر عليه السّلام : ألا أحكي لكم وضوء رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ؟ فقلنا : بلى ، فدعا بقعب فيه شيء من ماء ، ثمّ وضعه بين يديه ، ثمّ حسر عن ذراعيه ، ثم غمس فيه كفّه اليمنى ، ثمّ قال : هكذا إذا كانت الكفّ طاهرة ، ثمّ غرف فملأها ماءً فوضعها على جبينه ، ثمّ قال : « بسم الله » وسدله على أطراف لحيته ، ثم أمرّ يده على وجهه وظاهر جبينه مرّة واحدة ، ثم غمس يده اليسرى فغرف بها ملأها ، ثمّ وضعه على مرفقه اليمنى وأمرّ كفّه على ساعده حتّى جرى الماء على أطراف أصابعه ، ثمّ غرف بيمينه ملأها ، فوضعه على مرفقه اليسرى ، وأمرّ كفّه على ساعده حتّى جرى الماء على أطراف أصابعه ، ومسح مقدّم رأسه وظهر قدميه ببلّة يساره وبقية بلّة يمناه.
قال : وقال أبو جعفر عليه السّلام : إنّ الله وتر يحبّ الوتر ، فقد يجزئك من الوضوء ثلاث غرفات : واحدة للوجه واثنتان للذراعين ، وتمسح ببلة يمناك ناصيتك وما بقي من بلّة يمينك ظهر قدمك اليمنى ، وتمسح ببلّة يسارك ظهر قدمك اليسرى ، قال زرارة : قال أبو جعفر عليه السّلام : سأل رجل أمير الموَمنين ـ عليه السلام ـ عن وضوء رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ فحكى له مثل ذلك. (3)
3 ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أُذينة ، عن زرارة وبكير أنّهما سألا أبا جعفر عليه السّلام عن وضوء رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ، فدعا بطست أو تور فيه ماء ، فغمس يده اليمنى فغرف بها غرفة فصبّها على وجهه فغسل بها وجهه ، ثم غمس كفّه اليسرى فغرف بها غرفة فأفرغ على ذراعه اليمنى فغسل بها ذراعه من المرفق إلى الكفّ لا يردها إلى المرفق ، ثمّ غمس كفّه اليمنى فأفرغ بها على ذراعه اليسرى من المرفق وصنع بها مثل ما صنع باليمنى ، ثمّ مسح رأسه وقدميه ببلل كفّه ، لم يحدث لهما ماءً جديداً ، ثمّ قال : ولا يدخل أصابعه تحت الشراك ، قال : ثمّ قال : إنّ الله عزّ وجلّ يقول : ( يا أيُّها الذِينَ آمنُوا إذا قُمتُم إلى الصلاةِ فاغسِلُوا وجُوهَكُم وأيدِيَكُم ) (4)
فليس له أن يدع شيئاً من يديه إلى المرفقين إلّا غسله ، لأنّ الله يقول : ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ ) ثمّ قال : ( وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) فإذا مسح بشيء من رأسه أو بشيء من قدميه ما بين الكعبين إلى أطراف الأصابع فقد أجزأه.
قال : فقلنا : أين الكعبان ؟ قال : ههنا ، يعني : المفصل دون عظم الساق ، فقلنا: هذا ما هو ؟
فقال : هذا من عظم الساق ، والكعب أسفل من ذلك.
فقلنا : أصلحك الله فالغرفة الواحدة تجزي للوجه وغرفة للذراع ؟ قال : نعم إذا بالغت فيها والثنتان تأتيان على ذلك كلّه (5).
4 ـ عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن علي بن الحكم ، عن داود بن النعمان، عن أبي أيّوب ، عن بكير بن أعين ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : ألا أحكي لكم وضوء رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ، فأخذ بكفّه اليمنى كفّاً من ماء فغسل به وجهه ، ثمّ أخذ بيده اليسرى كفّاً من ماء فغسل به يده اليمنى ، ثمّ أخذ بيده اليمنى كفّاً من ماء فغسل به يده اليسرى ، ثمّ مسح بفضل يديه رأسه ورجليه. (6)
( إِنَّ هَـٰذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلًا ) [ المزمل ـ 19 ]
الهوامش
1. حديث متّفق عليه رواه أصحاب الصحاح والمسانيد.
ـ أخرجه الترمذي عن زيد بن أرقم وهو الحديث 873 من أحاديث كنز العمال : 1 / 173.
ـ وأخرجه الإمام أحمد من حديث زيد بن ثابت في الجزء الخامس من مسنده : 492.
ـ وأخرجه الطبراني في الكبير عن زيد بن ثابت أيضاً وهو الحديث 873 من أحاديث الكنز : 1 / 173.
ـ أخرجه الحاكم في الجزء الثالث من المستدرك : 148 ، ثمّ قال : هذا حديث صحيح الاسناد على شرط الشيخين.
ـ أخرجه الذهبي في تلخيص المستدرك : 3 / 148. معترفاً بصحّته على شرط الشيخين.
ـ أخرجه الإمام أحمد من حديث أبي سعيد الخدري في الجزء الثالث من مسنده : 394 ، الحديث 10747.
ـ أخرجه ابن أبي شيبة وأبو يعلى وابن سعد عن أبي سعيد وهو الحديث 945 من أحاديث الكنز : 1 / 186.
ـ أخرجه ابن حجر في أواخر الفصل 2 من الباب 9 من الصواعق المحرقة : 75.
2. الكليني : الكافي : ج 3 ، كتاب الطهارة ، باب مقدار الماء الذي يجزي للوضوء والغسل ومن تعدّى في الوضوء ، الحديث.
3. الكليني : الكافي : ج 3 ، كتاب الطهارة ، باب صفة الوضوء ، الحديث 4.
4. المائدة : 6.
5. الكليني : الكافي : ج 3 ، كتاب الطهارة ، باب صفة الوضوء ، الحديث 5.
6. المصدر نفسه : الحديث 2.
مقتبس من كتاب : [ الوضوء على ضوء الكتاب والسنّة ] / الصفحة : 109 ـ 112