التوسُّل بالأنبياء والصالحين

طباعة

التوسُّل بالأنبياء والصالحين

تقدّم أنّ هذا القسم من التوسُّل ينقسم إلىٰ ثلاثة أقسام ، كما تقدّم بحث القسم الأول منه وهو التوسُّل بدعائهم في حياتهم ، ويتكفّل هذا الفصل بحث القسمين الآخرين :

القسم الأول : التوسُّل بالأنبياء والصالحين في حياتهم

المراد هنا التوسُّل بالأنبياء والصالحين بأنفسهم وذواتهم ، لما لهم عند الله من شأن ومنزلة ، وأمثلته مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في حياته كثيرة.

ـ فقد تقدّم قول الأعرابي للنبي صلى الله عليه وآله وسلّم : « فإنّا نستشفع بك علىٰ الله ، ونستشفع بالله عليك » وردَّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم عليه قوله الأخير « نستشفع بالله عليك » مقرّاً قوله الأول « فإنّا نستشفع بك علىٰ الله ». هو صريح في جواز الاستشفاع بالنبي نفسه إلىٰ الله تعالىٰ ، لمنزلته الشريفة عنده ومقامه المحمود لديه.

ـ كما تقدّم ذكر أبيات أبي طالب في الاستشفاع بالنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم نفسه ، وليس بدعائه وحسب ، وإقرار النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم هذه الأبيات واستبشاره بها.

ـ وفي الصحيح الثابت أيضاً توسُّل الأعمى بالنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في دعاء علَّمه إيّاه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بنفسه ..

عن عثمان بن حنيف : إنّ رجلاً ضريراً أتىٰ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال : ادعُ الله أن يعافيني.

فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم : « إن شئت دعوتُ ، وإن شئت صبرتَ ، وهو خير لك ».

قال : فادعه.

إلىٰ هنا يظهر من الحديث أنّ الرجل كان يتوسَّل بدعاء النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم له ، غير أنّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم سينقله إلىٰ أُسلوب آخر من أساليب التوسُّل ، فبدلاً من أن يدعو له بالشفاء ، علَّمه دعاءً يدعو به صاحب الحاجة نفسه ..

يقول الحديث : فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم : « ائتِ الميضأة فتوضَّأ ، ثمَّ صلِّ ركعتين ، ثمّ قل : اللّهم إنّي أسألك وأتوجَّه إليك بنبيِّك محمّدٍ نبيِّ الرحمة ، يا محمّد ، إنّي أتوجَّه بك إلىٰ ربِّي فيجلِّي لي عن بصري ، اللّهم فشفِّعه فيَّ ».

قال عثمان بن حنيف : فوالله ما تفرَّقنا ، وما طال بنا الحديث حتىٰ دخل علينا الرجل كأنَّه لم يكن به ضرٌّ قط (1).

ابن تيمية روىٰ هذا الخبر عن البيهقي ، ثمَّ قال :

« قال البيهقي : ورواه أحمد بن شبيب بن سعيد ، عن أبيه ، بطوله. ورواه أيضاً هشام الدستوائي عن أبي جعفر ، عن أبي أمامة بن سهل ، عن عمِّه عثمان بن حنيف ». ثمَّ واصل ابن تيمية قائلاً : « قلتُ : وقد رواه ابن السُنّي في كتاب عمل اليوم والليلة ، من طريقين ، وشبيب هذا صدوق روىٰ له البخاري » (2).

وقال أيضاً : « وقد روىٰ الطبراني هذا الحديث في المعجم » ثمَّ ذكر الحديث بطوله بإسناد آخر إلىٰ أن قال : « قال الطبراني : روىٰ هذا الحديث شعبة ، عن أبي جعفر ـ واسمه عُمير بن يزيد ـ وهو ثقة ، تفرَّد به عثمان بن عمير عن شعبة ، قال أبو عبدالله المقدسي : والحديث صحيح ». قال : « قلتُ : والطبراني ذكر تفرُّده بمبلغ علمه ، ولم تبلغه رواية روح بن عبادة عن شعبة ، وذلك إسناد صحيح يبيِّن أنّه لم ينفرد به عثمان بن عمير » (3).

لكنّه مع هذا كلّه ، ومع وضوح النص النبوي ، يقول : فهذا طلبَ من النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وأمره أن يسأل الله أن يقبل شفاعة النبي له في توجّهه بنبيِّه إلىٰ الله ، وهو كتوسُّل غيره من الصحابة به إلىٰ الله ، فإنّ هذا التوجّه والتوسُّل هو توجّه وتوسُّل بدعائه وشفاعته ! (4).

ويستنتج من ذلك وأمثاله ممّا تقدّم ذكره أنّ الصحابة كانوا يطلبون من النبي الدعاء ، وهذا مشروع في الحيّ (5).

وفي هذا مصادرة علىٰ الحقيقة غير خافية ، ففرق كبير بين أن يطلب أحد الدعاء من النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فيدعو له ، وبين أن يطلب منه الدعاء ، فيعلّمه أن يدعوا بنفسه ويتوسَّل في دعائه بالنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وسيلةً وشفيعاً. ففي الأول يتولَّىٰ النبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم الدعاء للسائل الذي توسَّل بدعائه له ، وهو مرتبة من مراتب التوسُّل ، وفي الثاني يتولَّىٰ المرء نفسه الدعاء متوسِّلاً بالنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم نفسه.

والأمر واضح ، لاسيّما وفي الحديث عبارة صريحة تقول : « يا محمّد يا رسول الله ، إنّي أتوجّه بك إلىٰ ربِّي في حاجتي ».

فهو توجّه صريح بمحمّد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم نفسه ، وتوسل به نفسه إلىٰ الله تعالىٰ ، ولا يؤثر علىٰ هذا المعنى ما جاء بعده من قوله « اللّهم فشفّعه فيَّ » لأنّ هذه هي غاية التوسُّل والتوجُّه والاستشفاع ، سواء كان توسُّلاً بالدعاء ، أو كان توسُّلاً بذات النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم.

كما أنّ قول الأعرابي المتقدّم الذكر « ادعُ لنا » الذي يفيد التوسُّل بدعائه صلّى الله عليه وآله وسلّم لا يلغي دلالة قوله : « فإنّا نستشفع بك علىٰ الله » بعد إقرار النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم هذا القول الذي هو صريح بالتوسُّل بذاته الشريفة.

ومثله في صراحة التوسُّل بذاته الشريفة قول أبي طالب الذي استبشر به النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم :

وأبيض يستسقىٰ الغمام بوجهه * ثمالُ اليتامىٰ عصمةٌ للأراملِ

ومثل هذا في الدعاء كثير ، نكتفي منه بما أثبته ابن تيمية نفسه من حديث ابن ماجة عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه ذكر في دعاء الخارج للصلاة ، أن يقول : « اللّهم إنِّي أسألك بحقِّ السائلين عليك ، وبحقِّ ممشاي هذا ، فإنِّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ، ولا رياءً ولا سمعةً ، خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك ، أسألك أن تنقذني من النار ، وأن تغفر لي ذنوبي فإنّه لا يغفر الذنوب إلّا أنت ».

ثمّ نقل بعض أهل العلم أنّهم قالوا : ففي هذا الحديث أنّه سأل بحقِّ السائلين عليه وبحقِّ ممشاه إلىٰ الصلاة ، والله تعالىٰ قد جعل علىٰ نفسه حقّاً ، قال الله تعالىٰ : ( وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ) (6) ونحو قوله : ( كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ وَعْدًا مَّسْئُولًا ) (7).

وفي الصحيحين عن معاذ بن جبل أنّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال له : « يا معاذ أتدري ما حقُّ الله علىٰ العباد ؟ ».

قال : الله ورسوله أعلم.

قال صلّى الله عليه وآله وسلّم : « حقُّ الله علىٰ العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ، أتدري ما حقُّ العباد علىٰ الله إذا فعلوا ذلك ؟ فإنّ حقَّهم عليه أن لا يعذّبهم ».

وقد جاء في غير حديث : « كان حقّاً علىٰ الله كذا وكذا » كقوله : « من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين يوماً ، فإن تاب تاب الله عليه ، فإن عاد فشربها ـ في الثالثة أو الرابعة ـ كان حقّاً علىٰ الله أن يسقيه من طينة الخبال ».

قيل : وما طينة الخبال ؟

قال : « عصارة أهل النار » (8).

وكلّ هذا دليل علىٰ صحة التوسُّل بالصالحين أنفسهم ، وليس بدعائهم وحسب.

بل في هذا الحديث دلالة واضحة علىٰ جواز التوسُّل بهم بعد موتهم ، فقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « بحقِّ السائلين » لفظ عام يستوعب كلّ السائلين من لدن آدم عليه السلام إلىٰ يوم السائل هذا ، بل يستوعب الملائكة ومؤمني الجن أيضاً ، ولا يمكن حصره بالسائلين هذا اليوم أو من الأحياء ، إذ لا دليل علىٰ هذا يحمله الحديث ، ولا مخصّص له من خارجه أيضاً ، وسيأتي الكلام في هذا في الفقرة اللاحقة.

كما أنّ في الحديث شاهد آخر علىٰ التوسُّل بالأعمال الصالحة : « بحقِّ ممشاي هذا... ».

القسم الثاني : التوسُّل بالأنبياء والصالحين بعد موتهم

وهذا هو أكثر ما وقع فيه الخلاف ، لاسيّما من قبل ابن تيميّة ومقلِّديه من سلفيّة ووهابيّة ، والتحقيق يثبت أنّهم ليسوا علىٰ شيء في ما ذهبوا إليه ، وليس لهم إلّا الرأي الذي لا يشفع له دليل ، بل الدليل الذي لا يستطيعون إنكاره قائم علىٰ خلاف ما يقولون ، وسنرىٰ هنا كيف يجادل ابن تيميّة في أدلّة هذا القسم بعد أن يثبت صحّة كلّ واحد منها ، دون أن يستند علىٰ شيء البتة ..

وبعد أن قدّمنا الكلام في دلالة الحديث السابق « بحقِّ السائلين عليك » علىٰ التوسُّل بالموتىٰ ، إذ ليس في الحديث ولا خارجه ما يفيد حصره بالأحياء ، نشرع باختصار كلام ابن تيميّة في هذا الموضوع ، والردِّ عليه ، مقدِّمين في الردِّ ما أثبت صحّته بنفسه.

يقسِّم ابن تيميّة التوسُّل بالأنبياء والصالحين إلىٰ ثلاث درجات ، ويقطع بحرمتها جميعاً ، وهي :

الدرجة الأولىٰ :

أن يسأل الميتَ حاجتَه ، مثل أن يسأله أن يزيل مرضه ، أو مرض دوابه ، أو يقضي دَينه ، أو ينتقم له من عدوِّه ، ونحو ذلك ، ممّا لا يقدر عليه إلّا الله عزَّ وجلَّ.

يقول : وهذا شرك صريح ، يجب أن يستتاب صاحبه ، فإن تاب وإلّا قُتل (9).

ومعنىٰ هذا أنّ السائل يسأل الميّت ، نبيّاً كان أو من الأولياء الصالحين ، حاجته ، معتقداً أن هذا المسؤول هو الذي بيده الأمر ، وهو الذي سيستجيب دعاءه ويعطيه مراده.

ومثل هذا الإعتقاد لا ينسب إلىٰ المؤمنين ، ولا يراود مؤمناً عاقلاً ، لكن قد يزاوله بعض الجهّال من عوام الناس ، لسذاجةٍ فيهم ، دون معرفة بحقيقة هذا الأمر ومآله ، والواجب أن يُعلَّم هؤلاء ويُرشَدوا بالأساليب المناسبة لقدراتهم العقليّة ولاستعداداتهم النفسيّة ، دون الوصول بهم إلىٰ التكفير.

أمّا إذا كان يفعله الغلاة ، من أيِّ فريقٍ كانوا ، فالغلاة قد أخرجهم غلوُّهم من الإيمان قبل أن يخرجهم توسُّلهم هذا ، فأولىٰ أن يستتابوا علىٰ اعتقاداتهم الفاسدة أوّلاً ، فهي الأصل في هذا وغيره.

الدرجة الثانية :

وهي أن لا تطلب منه الفعل ، ولا تدعوه .. ولكن تطلب أن يدعو لك ، كما تقول للحي : ادعُ لي ، وكما كان الصحابة يطلبون من النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم الدعاء ، فهذا مشروع في الحيّ ، وأمّا الميت من الأنبياء والصالحين فلم يشرّع لنا أن نقول : ادعُ لنا. ولا اسئل لنا ربَّك .. فلم يفعل هذا أحد من الصحابة والتابعين ، ولا أمر به أحد من الأئمّة ، ولا ورد فيه حديث.

ثمَّ استدلَّ علىٰ كلامه بأنَّ المسلمين حين أجدبوا زمن عمر بن الخطاب ، استسقىٰ عمر بالعبّاس ، وقال : « اللّهم إنّا كنّا إذا أجدبنا نتوسَّل إليك بنبيِّنا فتسقينا ، وإنّا نتوسَّل إليك بعمِّ نبيّنا فاسقنا » ولم يجيئوا إلىٰ قبر النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قائلين : يا رسول الله ادع لنا واستسق لنا (10). ثمَّ أطال الكلام بما ليس له في الموضوع صلة ، إذ طفق يتكلَّم طويلاً عن بناء القبور واتّخاذها مساجد والتبرُّك بها (11).

والتحقيق يثبت خلاف هذا الرأي ويكشف عن ثغرات هذا الإستدلال..

بدءاً : إنّ الإستدلال باستسقاء عمر بالعبّاس لا ينهض دليلاً علىٰ الرأي المذكور ، لعدّة وجوه :

الأوّل : إذا كان هذا يمثِّل قناعة عمر بالتوسُّل بالحيّ ، فليس فيه دلالة علىٰ حرمة التوسُّل بالميِّت.

الثاني : إذا كان موقف عمر هذا يدلُّ علىٰ عدم صحة التوسُّل بالميّت ، فليس فيه دلالة علىٰ أنّ هذه هي قناعة كلِّ الصحابة حتّىٰ المشاركين له في هذا الاستسقاء. فإذا حُمِل إقرارهم قول عمر علىٰ أنّه إجماع سكوتي يدلُّ علىٰ صحّة رأيه ، فهو من ناحيةٍ : إنّما يدلُّ علىٰ إقرارهم التوسُّل بالحيّ الذي تمَّ بالفعل ، ولا يدلُّ علىٰ نفي التوسُّل بالميِّت ..

هذا إذا عُدَّ الإجماع السكوتي حجّة ، والإختلاف فيه كبير جدّاً ..

فقد أنكر الإجماع السكوتي طائفة كبيرة من الفقهاء ، فلم يعدُّوه إجماعاً ولا حجّة ، وهذا هو مذهب المالكيّة ، وهو قول الشافعي ، وداود الظاهري إمام الظاهريّة ، وإليه ذهب الآمدي ، والفخر الرازي ، والبيضاوي (12).

وقد انتقده ابن حزم نقداً لاذعاً ، فقال : إنّ القول بمثل هذا الإجماع يعني إيجاب مخالفة أوامره صلّى الله عليه وآله وسلّم ما لم يجمع الناس عليها !! وهذا عين الباطل .. بل إذا تنازع الناس ردّدنا ذلك إلىٰ ما افترض الله تعالىٰ علينا الردّ عليه من القرآن والسنّة ، ولا نراعي ما أجمعوا عليه مع وجود بيان السنّة (13).

ويجب أن يضاف إلىٰ هذا أنّ هناك حقيقة واقعة جديرة بالإهتمام والملاحظة في أحداث كهذه ، ألا وهي هيبة السلطان وصعوبة الردِّ عليه ، لا سيّما عمر في زمان حكومته ، وأمره هذا أشهر من أن يستدعي سوق الأدلّة والبراهين.

هذا كلُّه فيما لو دلَّت الواقعة علىٰ تحقُّق إجماع سكوتي ، وغاية ما يدلُّ عليه هذا الإجماع لو كان متحقِّقاً فعلاً إنّما هو الإجماع علىٰ جواز التوسُّل بالحيّ وبدعائه ، وهذا أمر معلوم بغير هذه الواقعة .. ولا تتحمَّل هذه الواقعة أيَّ دلالةٍ زائدةٍ علىٰ هذا ، لما سيأتي من عمل بعض الصحابة بعد عمر بالتوسُّل بالميِّت.

الثالث : إنّ كلمات عمر في هذه الواقعة تتجاوز مسألة التوسُّل بالدعاء إلىٰ التوسُّل بنفس الشخص وذاته ، فهو يقول في أوّل كلامه : « اللّهم إنّا كنّا نتوسَّل إليك بنبيِّنا فتسقينا ، وإنّا نتوسَّل إليك بعمِّ نبيِّنا فاسقنا ». فهو صريح في التوسُّل بالعبّاس نفسه ، وليس بدعائه فقط ، كما أراد أصحاب الرأي المتقدِّم ، فالحديث صريح في أنّ عمر هو الذي كان يدعو ، وليس العبّاس ، ولم يرد في أيٍّ من طرق هذا الخبر أنّ عمر قال للعبّاس « ادعُ لنا » !

ويزيد في هذا وضوحاً ما ذكره ابن الأثير في هذه الحادثة بعد ذكرها ، إذ قال : فسقاهم الله تعالىٰ به ـ أيّ بالعبّاس ـ وأخصبت الأرض ، فقال عمر : هذا والله الوسيلة إلىٰ الله ، والمكان منه.

قال : ولمّا سقي طفق الناس يتمسَّحون بالعبّاس ، ويقولون : هنيئاً لك ساقي الحرمين (14).

إذن هو توسُّلٌ بالعبّاس نفسه لقرابته من النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وليس توسُّلٌ بدعائه ، هذا من ناحية ..

ومن ناحيةٍ أُخرى فهو عريٌّ عن الدلالة علىٰ عدم صحّة التوسُّل بالميِّت أو بدعائه ، وذلك :

١ ـ لما تقدّم من انحصار دلالته علىٰ ما ثبت في موضوعه.

٢ ـ لما سنورد بعضه ممّا ثبت عن الصحابة أنفسهم من التوسُّل بالنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وبدعائه بعد وفاته ..

ـ نبدأ ذلك بالتذكير بما تقدَّم في القسم الأوّل من حديث الإمام عليٍّ عليه السلام ، ومن حديث عمر بن حرب الهلالي ، في زيارة اثنين من الأعراب بمحضر من كلّ منهما ، وتوسُّلهما بدعائه صلّى الله عليه وآله وسلّم.

ـ وشاهد ثالث أقرّه ابن تيميّة نفسه (15) ، وأخرجه ابن أبي شيبة وغيره. وفيه :

أنّه أصاب الناس قحطٌ في زمان عمر بن الخطاب ، فجاء رجل قبر النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فقال : يا رسول الله ، استسق الله لأُمّتك ، فإنّهم قد هلكوا.

فأتاه رسول الله في المنام ، فقال : « أئتِ عمر فأقرئه السلام ، وأخبره أنّهم مُسْقَون ، وقل له : عليك الكَيس ، الكَيس » فأتىٰ الرجل عمر فأخبره (16).

وهذا وحده ـ بعد أن أقرّه ابن تيميّة ـ كافٍ في دفع شبهته ، وفي ردِّ احتجاجه بتوسُّل عمر بالعبّاس علىٰ نفي جواز التوسُّل بدعاء الميِّت ، ثمَّ بالميِّت نفسه.

ـ وأخرج السبكي من حديث عائشة ؛ أنّه أصاب المدينة قحطٌ ، فقالت : انظروا قبر النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فاجعلوا منه كوىٰ إلىٰ السماء حتّىٰ لا يكون بينه وبين السماء سقف.

ففعلوا ، فمُطروا حتّىٰ نبت العشب ، وسمن الإبل حتّىٰ تفتَّقت من الشحم ، فسمِّي ذلك العام : « عام الفتق » (17).

وبهذا ، بل ببعضه ثبتت صحّة التوسُّل بدعاء النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بعد موته.

الدرجة الثالثة :

التوسُّل بالجاه والحرمة ..

قال ابن تيميّة : لم يبلغني عن أحدٍ من العلماء في ذلك ما أحكيه ، إلّا ما رأيت في فتاوىٰ الفقيه أبي محمّد بن عبدالسلام ، فإنّه أفتى أنّه لا يجوز لأحدٍ أن يفعل ذلك إلّا للنبي صلى الله عليه وآله وسلّم ، إن صحَّ الحديث في النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ! قال : ومعنىٰ الاستسفتاء : قد روىٰ النسائي والترمذي وغيرها أنّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم علَّم بعض أصحابه أن يدعو فيقول :

« اللّهم إنِّي أسألك وأتوسَّل إليك بنبيِّك نبي الرحمة ، يا محمّد يا رسول الله ، إنّي أتوسَّل بك إلىٰ ربِّي في حاجتي ليقضيها لي ، اللّهم فشفِّعه فيَّ » فإنّ هذا الحديث قد استدلَّ به طائفة علىٰ جواز التوسُّل بالنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في حياته وبعد مماته.

قالوا ، والكلام لابن تيميّة : وليس في التوسُّل دعاء المخلوقين ، ولا استغاثة بالمخلوق ، وإنّما هو دعاء واستغاثة بالله ، لكن فيه سؤال بجاهه ، كما في سنن ابن ماجة ، عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه ذكر في دعاء الخارج للصلاة أن يقول : « اللّهم إنِّي أسألك بحقِّ السائلين عليك ... » الحديث ، ففي هذا الحديث أنّه سأل بحقِّ السائلين عليه .. والله تعالىٰ قد جعل علىٰ نفسه حقّاً .. إلىٰ أن قال : وقالت طائفة : ليس في هذا جواز التوسُّل به بعد مماته وفي مغيبه ، بل إنّما فيه التوسُّل في حياته بحضوره ..

ثمّ أخذ ينتصر لهذا الرأي الأخير ، قائلاً : وذلك التوسُّل به أنّهم كانوا يسألونه أن يدعو لهم ، فيدعو لهم ، ويدعون معه ، ويتوسَّلون بشفاعته ودعائه ، ومثَّل لذلك بحديث الأعرابي : يا رسول الله ، هلكت الأموال وانقطعت السبل فادعُ الله لنا أن يمسكها عنّا.

قال : فهذا كان توسُّلهم به في الإستسقاء ونحوه ، ولمّا مات توسَّلوا بالعبّاس رضي الله عنه .. وكذلك معاوية بن أبي سفيان ، استسقىٰ بيزيد بن الأسود الجرشي ، وقال : اللّهم إنّا نستشفع إليك بخيارنا ، يا يزيد ارفع يديك إلىٰ الله ...

ثمّ ختم بقوله : ولم يذكر أحد من العلماء أنّه يشرع التوسُّل والاستسقاء بالنبي والصالح بعد موته ولا في مغيبه ، ولا استحبّوا ذلك في الاستسقاء ولا في الاستنصار ولا غير ذلك من الأدعية ، والدعاء مخُّ العبادة (18).

والخلط والتمويه والتناقض واضح في أكثر من موضع من هذا الكلام ، نبدأ بالكشف عنه قبل تقديم الأدلّة علىٰ المطلوب.

١ ـ قد خلط بين التوسُّل بالنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وبين التوسُّل بالجاه ، فالفرق واضح بين قولك : « يا محمّد ، يا رسول الله إنّي أتوجّه بك إلىٰ الله » وبين أن تقول « اللّهم بحقِّ السائلين عليك » أو « اللّهم بحقِّ محمّدٍ صلّى الله عليه وآله وسلّم » فالأول توجّه وتوسُّل به ، والثاني توجُّه وتوسُّل بحقِّه وجاهه ومنزلته ، فهذان نوعان من التوسُّل بالأنبياء والصالحين يدخلان في هذا القسم ، وقد حمل ابن تيميّة الأوّل علىٰ الثاني ، وهو حمل غير صحيح.

٢ ـ خلط هنا كما خلط من قبل بين التوجُّه بالنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وبين طلب الدعاء منه ، والفارق واضح ، ولا يخفىٰ أنّه صنع هذا تمويهاً ، ليس إلّا ، ولذلك تراه عندما استدلَّ بحديث الأعرابي أتىٰ بفقرةٍ منه وترك قوله الذي قدَّمناه آنفاً : « يا رسول الله إنّا نستتشفع بك علىٰ الله » هذا القول الذي أقرَّه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم.

٣ ـ ناقض نفسه في النقل عن العلماء ، ثمَّ لجأ إلىٰ تقسيم الدعاء إلىٰ استسقاء وغيره تمويهاً علىٰ الأذهان لا غير ، لأنّه عاد فجمع كلّ أصناف الدعاء « ولا استحبّوا ذلك في الإستسقاء ولا في الاستنصار ولا في غير ذلك من الأدعية ».

فقد نقل أوّلاً عن العلماء قولهم بجواز التوسُّل بالنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في حياته وبعد مماته ، ثمَّ عاد يقول : ولم يذكر أحد من العلماء أنّه يشرع التوسُّل والإستسقاء بالنبي والصالح بعد موته !!

ونأتي هنا علىٰ ما ينقض دعواه هذه بأدلَّةٍ أقرَّ هو بصحّة بعضها ، ولم يذكر البعض الآخر بإثبات أو نفي :

ـ أثبتنا ونؤكّد أنّ ابن تيميّة لم يجد نصّاً يستفيد منه النهي عن التوسُّل بالنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فطفق يحمِّل بعض النصوص ما لا تحتمل ، وسنراه هنا كيف يدير ظهره لنصٍّ ثبتت صحّته لديه بنحو لا غبار عليه :

إنّه ينقل بطرق يعرف صحّتها عن الصحابي الجليل عثمان بن حنيف أنّه يعلِّم الناس التوسُّل بالنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في عهد عثمان بن عفّان ، ثمَّ يشفِّعه بأخبار مماثلة عن السلف ..

يقول : روىٰ البيهقي أنّ رجلاً كان يختلف إلىٰ عثمان بن عفّان في حاجةٍ له ، وكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته ، فلقي الرجل عثمان بن حنيف فشكا إليه ذلك ، فقال له عثمان بن حنيف : ائتِ الميضأة ، فتوضّأ ، ثمّ ائتِ المسجد فصلِّ ركعتين ، ثمَّ قل : « اللّهم إنّي أسألك وأتوجّه إليه بنبيِّنا محمّدٍ نبيِّ الرحمة ، يا محمّد ، إنّي أتوجَّه بك إلىٰ ربِّي ليقضي لي حاجتي » ثمَّ اذكر حاجتك ، ثمَّ رح حتّىٰ أروح معك ..

فانطلق الرجل ، فصنع ذلك ، ثمَّ أتىٰ بعدُ عثمان بن عفّان ، فجاء البوّاب فأخذ بيده فأدخله علىٰ عثمان فأجلسه معه علىٰ الطنفسة ، وقال : انظر ما كانت لك من حاجة ، فذكر حاجته ، فقضاها له.

ثمّ إنّ الرجل خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف ، فقال له : جزاك الله خيراً ، ما كان لينظر في حاجتي ولا يلتفت إليَّ حتّىٰ كلَّمْتَه فيَّ.

فقال عثمان بن حنيف : ما كلّمته ، ولكن سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وقد جاءه ضرير وشكا إليه ذهاب بصره ، فقال له النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم : « أوَ تصبر » ثمَّ ذكر الحديث المتقدِّم.

قال البيهقي ـ والكلام ما زال لابن تيميّة ـ : ورواه أحمد بن شبيب بن سعيد عن أبيه بطوله ، ورواه أيضاً هشام الدستوائي ، عن أبي جعفر ، عن أبي أمامة بن سهل ، عن عمِّه عثمان بن حنيف. ثمَّ ذكر ابن تيميّة لهذا الحديث أسانيد كثيرة ، وصحّحها ، إلىٰ أن قال :

وروي في ذلك أثر عن بعض السلف ، مثل ما رواه ابن أبي الدنيا في كتاب « مجاني الدعاء » بإسناده : جاء رجل إلىٰ عبد الملك بن سعيد بن أبجر ، فجسّ بطنه فقال : بك داء لا يبرأ.

فقال الرجل : ما هو ؟

قال : الدُبَيلَة (19).

فتحوَّل الرجل ، وقال : الله ، الله ، الله ربِّي لا أشرك به شيئاً ، اللّهم إنِّي أتوجّه إليك بنبيِّك محمد نبيِّ الرحمة صلّىٰ الله عليه وسلّم تسليماً ، يا محمّد ، إنِّي أتوجّه بك إلىٰ ربِّك وربِّي يرحمني ممّا بي.

قال : فجسّ بطنه ، فقال : برئتَ ، ما بك علّة ..

أضاف ابن تيميّة قائلاً : فهذا الدعاء ونحوه قد روي أنّه دعا به السلف ، ونُقل عن أحمد بن حنبل في « منسك المروذي » التوسُّل بالنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في الدعاء (20).

كذا يشهد علىٰ بطلان رأيه ، وبطلان دعواه السابقة في أنّه لم ينقل عن أحدٍ من السلف التوسُّل به صلّى الله عليه وآله وسلّم بعد موته ، هذه الدعوى التي أصرَّ عليها ، وصدَّر بها لكتابه « التوسُّل الوسيلة » (21) !

وبهذا يثبت أنّه لم يكن علىٰ شيءٍ في ما ذهب إليه ، غير إصرار علىٰ رأي باطل تشهد الأدلَّة الثابتة علىٰ بطلانه.

والحقُّ أنّ الذي ثبت عن السلف أكثر من ذلك بكثير ، ولم يقتصروا علىٰ التوسُّل بالنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بعد مماته ، بل توسَّلوا بغيره ممّن يرون فيه الصلاح ويعتقدون بأنّ له عند الله جاهاً وشفاعة.

التوسُّل بأهل البيت عليهم السلام :

علىٰ رأس الصالحين والأبرار يأتي الأئمّة الأطهار من أهل بيت النبيِّ صلوات الله عليه وعليهم أجمعين.

وفي بعض المأثور عنهم عليهم السلام في قوله تعالىٰ : ( وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ) أنَّ الإمام منهم عليهم السلام هو الوسيلة (22).

وهو إشارة واضحة إلىٰ كونهم من أكبر مصاديق الوسيلة التي يُتَقَرب بها إلىٰ الله تعالىٰ ، من خلال مودَّتهم وموالاتهم اللازمتين لصحَّة الإعتقاد.

وفي الدعاء المأثور في التوسُّل بهم عليهم السلام ، وهو المعروف بدعاء التوسُّل ، نقرأ :

« اللَّهمَّ إنِّي أسألك وأتوجَّه إليك بنبيِّك نبيِّ الرحمة محمَّدٍ صلّى الله عليه وآله وسلّم ، يا أبا القاسم يا رسول الله يا إمام الرحمة ، يا سيِّدنا ومولانا إنَّا توجَّهنا واستشفعنا وتوسَّلنا بك إلىٰ الله ، وقدَّمناك بين يدي حاجاتنا ، يا وجيهاً عند الله إشفع لنا عند الله .. يا أبا الحسن يا أمير المؤمنين يا علي بن أبي طالب ، يا حُجَّة الله علىٰ خلقه يا سيِّدنا ومولانا إنَّا توجَّهنا واستشفعنا وتوسَّلنا بك إلىٰ الله وقدَّمناك بين يدي حاجاتنا ، يا وجيهاً عند الله ، إشفع لنا عند الله .. يا فاطمة الزهراء ، يا بنت محمَّد ، يا قُرَّة عين الرسول ، يا سيِّدتنا ومولاتنا ، إنَّا توجَّهنا واستشفعنا وتوسَّلنا بكِ إلىٰ الله ، وقدَّمناكِ بين يدي حاجاتنا ، يا وجيهةً عند الله ، إشفعي لنا عند الله » (23) ، ويمضي مع سائر أئمّة أهل البيت عليه السلام بالعبارات نفسها.

ونختتم هذا القسم من الكتاب بذكر شواهد ممّا ثبت عن علماء السلف في هذا ، بعد التذكير بما سبق ذكره من كلام مالك للمنصور وحثّه علىٰ التوسُّل بالنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم واستقبال قبره في الدعاء ..

ـ الشافعي : أيّام كان ببغداد ، قال : إنِّي لأتبرَّك بأبي حنيفة ، وأجيء قبره كلّ يوم ، فإذ عرضت لي حاجة صلِّيت ركعتين وجئت إلىٰ قبره ، وسألت الله تعالىٰ الحاجة عنده ، فما تبعد أن تقضىٰ (24).

وقال ابن حجر : كان الشافعي ـ أيّام كان ببغداد ـ يجيء إلىٰ ضريح أبي حنيفة يزوره فيسلِّم عليه ، ثمَّ يتوسَّل إلىٰ الله تعالىٰ به في قضاء حاجته.

ولمّا بلغ الشافعي أنّ أهل المغرب يتوسَّلون بما لك لم ينكر عليهم (25).

ـ أحمد بن حنبل : ثبت أنّ أحمد توسَّل بالشافعي حتّىٰ تعجّب ابنه عبد الله ، فقال له أبوه : إنّ الشافعي كالشمس للناس وكالعافية للبدن (26).

ـ أبو علي الخلّال : شيخ الحنابلة في وقته ، يقول : ما همَّني أمر فقصدت قبر موسىٰ بن جعفر ، فتوسَّلت به ، إلّا سهَّل الله تعالىٰ لي ما أُحب (27).

ـ إبراهيم الحربي : قال في قبر معروف الكرخي : قبر معروف الترياق المجرَّب ، أي في قضاء الحوائج (28).

وقال ابن خلكان : وأهل بغداد يستسقون بقبره ، ويقولون : قبر معروف ترياق مجرَّب (29).

ومثل ذلك نقله الشعراني في « الطبقات الكبرىٰ » (30).

ـ أبو الفرج ابن الجوزي : نقل ابن الجوزي أخباراً كثيرةً جدّاً في زيارة قبر أحمد والتبرُّك والتوسُّل به ، منها :

عن عبد الله بن موسىٰ ، قال : خرجت أنا وأبي في ليلة مظلمة نزور أحمد ، فاشتدَّت الظلمة ، فقال أبي : يا بنيَّ ، تعال حتّىٰ نتوسَّل إلىٰ الله تعالىٰ بهذا العبد الصالح حتّىٰ يضيء لنا الطريق ، فإنِّي منذ ثلاثين سنةً ما توسَّلت به إلّا قُضِيَتْ حاجتي ، فدعا أبي وأمّنتُ علىٰ دعائه ، فأضاءت السماء كأنَّها ليلة مقمرة حتّىٰ وصلنا إليه (31).

وهكذا يثبت أنّ التوسُّل بأقسامه المذكورة كلّها عمل صحيح ، ورد بعضه في القرآن الكريم ، وبعضه في الحديث الشريف ، علَّمه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بعض أصحابه ، وعمل به أصحابه من بعده ، وعمل به التابعون ومن بعدهم ، إلىٰ يومنا هذا .. كما يثبت أنّ ما أُثير حول التوسُّل من شبهات هي شبهات داحضة لم يتمسَّك أصحابها بدليلٍ ، غير المخالفة والعناد ، والدليل قائم بضدِّ ما يقولون .. وأنّ ما يصاحب عمل بعض عوام الناس من أخطاء صغيرة أو كبيرة ، ينبغي تصحيحها ، وإرشادهم إلىٰ الصحيح الثابت في التوسُّل ، وأنّ هذا لا يصحُّ ذريعةً لتحريم سنَّةٍ صحيحةٍ ثابتة.

والحمد لله أولاً وآخراً. وهو المقصود والمعبود وحده ، ولا مقصود ولا معبود سواه.

الهوامش

1. مسند أحمد ٤ : ١٣٨. الجامع الصحيح للترمذي ح / ٣٥٧٨ ـ كتاب الدعوات ، سنن ابن ماجة ح / ١٣٨٥.

2. التوسُّل والوسيلة : ١٠١ ، ١٠٢ ، ١٠٣.

3. التوسُّل والوسيلة : ١٠٥ ـ ١٠٦.

4. التوسُّل والوسيلة : ٩٢ ، وكتاب الزيارة / لابن تيميّة أيضاً : ٤٧ ـ المسألة الرابعة.

5. التوسُّل والوسيلة : ٢٠ ، كتاب الزيارة : ٨٦ ـ المسألة السابعة.

6. سورة الروم : ٣٠ / ٤٧.

7. سورة الفرقان : ٢٥ / ١٦.

8. زيارة القبور والاستنجاد بالمقبور : ٣٩ ـ ٤٠.

9. زيارة القبور : ١٨.

10. زيارة القبور : ٢٤ ـ ٢٥.

11. انظر : زيارة القبور : ٢٦ ـ ٣٧.

12. راجع : الأحكام / للآمدي ١ : ٣١٢ ، موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي / سعدي أبو حبيب ١ : ٣١.

13. المحلّىٰ ٧ : ١٦٥ ـ ١٦٦.

14. أسد الغابة / ترجمة العبّاس.

15. اقتضاء الصراط المستقيم : ٣٧٣.

16. المصنّف / لابن أبي شيبة ١٢ : ٣١ ـ ٣٢.

17. شفاء السقام : ١٧٢.

18. زيارة القبور والاستنجاد بالمقبور : ٣٧ ـ ٤٣.

19. الدُبَيلَة : دُمّل كبار تظهر في الجوف وتقتل صاحبها غالباً.

20. انظر : التوسُّل والوسيلة : ٩٧ ، ٩٨ ، ١٠١ ـ ١٠٣.

21. التوسُّل والوسيلة : ١٨.

22. انظر : الميزان في تفسير القرآن ٥ : ٣٣٣ ـ ٣٣٤.

23. الكفعمي / البلد الأمين : ٣٦٩ ، عن ابن بابويه.

24. تاريخ بغداد ١ : ١٢٣.

25 و 26. الخيرات الحسان / لابن حجر : ٩٤.

27. تاريخ بغداد ١ : ١٢٠.

28. تاريخ بغداد ١ : ١٢٢ ، وصفوة الصفوة / لابن الجوزي ٢ : ٣٢١ / ٢٦٠.

29. وفيات الأعيان ٥ : ٢٣٢.

30. الطبقات الكبرىٰ ١ : ٧٢.

31. مناقب الإمام أحمد بن حنبل / لابن الجوزي : ٤٠٠ ، ٥٦٣.

مقتبس من كتاب : [ الزيارة والتوسّل ] / الصفحة : 137 ـ 155