حديث الوصيّة

طباعة

حديث الوصيّة

يمكن مراجعة حديث الوصيَّة والتمعّن في ايحاءاته بدقَّة أكثر لقتل الشكِّ باليقين والخروج من دائرة الحيرة والتردُّد ، وهذا بحقٍّ هو الطريق الأمثل في التفكير السليم والمنهجي ، بعيداً عن فلان يقول ، والعالم الكذائي ينقل ، وسمعت ، و ... و ( إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الحَقِّ شَيْئًا ) (1) ؟.

عليك أنت بنفسك أن تطَّلع وتمحِّص وتناقش وتصل إلى قناعاتك أنت ، لا قناعات غيرك. فإلىٰ متىٰ تقلِّد في كلِّ شيء ؟ وتتَّبع أقوال هذا وذاك ولا رأي لك ؟ لا أقول أن يكون لك رأي مقابل القرآن والسُنَّة ... لا تفهم ذلك لأنَّني أدعوك إلى التأمّل والتفكير لا إلىٰ البدعة.

وفي ما يلي نشير إلىٰ أحاديث الوصيَّة مستخرجةً من أهمّ مصادرها ، لتتمكَّن من مراجعتها وإخراج النصّ الأكثر صحَّة ودقَّة من النصوص الأخرىٰ :

الحديث الأوّل :

عن ابن عبَّاس ، قال : لمَّا حضر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطَّاب ، قال النبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم : « هلمَّ أكتب لكم كتاباً لا تضلُّوا بعده » ، فقال عمر : إنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قد غلب عليه الوجع ، وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله ، فاختلف أهل البيت فاختصموا ، منهم من يقول : قرِّبوا يكتب لكم النبيُّ كتاباً لا تضلُّوا بعده ، ومنهم من يقول ما قاله عمر ، فلمَّا أكثروا اللغو والاختلاف عند النبيِّ ، قال لهم صلّى الله عليه وآله وسلّم : « قوموا » ، فكان ابن عبَّاس يقول : إنَّ الرزية كلُّ الرزية ما حال بين رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم (2).

الحديث الثاني :

عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبَّاس ، أنَّه قال : يوم الخميس وما أدراك ما يوم الخميس ! ثُمَّ بكىٰ حتّى خضب دمعه الحصباء ، فقال : اشتدَّ برسول الله وجعه يوم الخميس ، فقال : « ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لن تضلُّوا بعده أبداً » ، فتنازعوا ، ولا ينبغي عند نبيٍّ تنازع ، فقالوا : هجر رسول الله ، قال صلّى الله عليه وآله وسلّم : « دعوني فالذي أنا فيه خير ممَّا تدعوني إليه » وأوصىٰ عند موته بثلاث : « أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم » قال : ونسيت الثالثة (3).

الحديث الثالث :

عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبَّاس ، قال : يوم الخميس وما يوم الخميس ! ثُمَّ جعل تسيل دموعه حتَّىٰ رؤيت علىٰ خدَّيه كأنَّها نظام اللؤلؤ ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « ائتوني بالكتف والدواة ، أو اللوح والدواة ، أكتب لكم كتاباً لن تضلُّوا بعده أبداً » ، فقالوا : إنَّ رسول الله يهجر (4).

الحديث الرابع :

عن عمر ، قال : لمَّا مرض النبيُّ قال : « ائتوني بصحيفة ودواة ؛ أكتب لكم كتاباً لن تضلُّوا بعده أبداً » ، فقال النسوة من وراء الستر : ألا تسمعون ما يقول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ؟ قال عمر : فقلت : إنَّكن صويحبات يوسف ، إذا مرض رسول الله عصرتنَّ أعينكنَّ ، وإذا صحَّ ركبتنَّ عنقه ! قال : فقال رسول الله : « دعوهنَّ فإنَّهنَّ خير منكم » (5).

الحديث الخامس :

عن ابن عبَّاس قال : لمَّا اشتدَّ بالنبيِّ صلَّىٰ الله عليه ـ وآله ـ وسلَّم وجعه قال : « ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلُّوا بعده ». قال عمر : إنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وآله وسلّم غلبه الوجع ، وعندنا كتاب الله حسبنا ، فاختلفوا وأكثروا اللغط قال : « قوموا عنِّي ولا ينبغي عندي التنازع ». فخرج ابن عبَّاس يقول : إنَّ الرزيَّة كلُّ الرزيَّة ما حال بين رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وبين كتابه (6).

الحديث السادس :

عن ابن عبَّاس ، قال : يوم الخميس وما أدراك ما يوم الخميس ! اشتدَّ برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وجعه فقال : « ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لن تضلُّوا بعده أبداً » فتنازعوا ولا ينبغي عند نبيٍّ تنازع فقالوا : ما شأنه أهجر ؟ استفهموه ، فذهبوا يردُّون عليه فقال : « دعوني فالذي أنا فيه خير ممَّا تدعوني إليه » ، وأوصاهم بثلاث : قال : « أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم » ، وسكت عن الثالثة ، أو قال : فنسيتها (7).

الحديث السابع :

عن سعيد بن جبير : سمع ابن عبَّاس رضي الله عنهما يقول : يوم الخميس وما يوم الخميس ! ثُمَّ بكىٰ حتَّىٰ بلَّ دمعه الحصىٰ قلت له : يا ابن عبَّاس ، ما يوم الخميس ؟ قال : اشتدَّ برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وجعه فقال : « ائتوني بكتف أكتب لكم كتاباً لا تضلُّوا بعده أبداً » فتنازعوا ولا ينبغي عند نبيٍّ تنازع ، فقالوا : ما له أهجر ؟ استفهموه فقال : « ذروني فالذي أنا فيه خير ممَّا تدعوني إليه » فأمرهم بثلاث قال : « أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم » والثالثة إمَّا أن سكت عنها ، وإمَّا أن قال : فنسيتها (8).

الحديث الثامن :

عن عمر بن الخطَّاب ، قال : كنَّا عند النبيِّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وبيننا وبين النساء حجاب ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « اغسلوني بسبع قرب ، وأتوني بصحيفة ودواة أكتب لكم كتاباً لن تضلُّوا بعده أبداً » ، فقالت النسوة : أئتوا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بحاجته ، قال عمر : فقلت : اسكتن فإنَّكنَّ صواحبه ، إذا مرض عصرتنَّ أعينكنَّ ، وإذا صحَّ أخذتنَّ عنقه. فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « هنَّ خير منكم » (9).

الحديث التاسع :

قال صلّى الله عليه وآله وسلّم : « ائتوني أكتب لكم كتاباً لا تضلُّوا بعدي » فتنازعوا وما ينبغي عند نبيٍّ تنازع وقالوا : ما شأنه أهجر ؟ استفهموه ، قال : « دعوني فالذي أنا فيه خير » (10).

الحديث العاشر :

قال صلّى الله عليه وآله وسلّم : « ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لن تضلُّوا بعده أبداً » فتنازعوا ولا ينبغي عند نبيٍّ تنازع ، فقالوا : هجر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، قال : « دعوني فالذي أنا فيه خير ممَّا تدعوني إليه » (11).

هكذا انتقل إلينا الحديث عبر طرقه المتعدّدة ، وألفاظه التي تتّحد أو تتقارب أحياناً وتختلف أحياناً من حيث الإجمال والتفصيل ، أو الزيادة والنقصان ، مع احتفاظها بالمحور الأصل الذي يدور حوله الموضوع.

وفي الجملة فإن المحصل من طرق هذه الرواية بألفاظها المختلفة ، صورتان لهذا الحديث ...

الأولى : إنَّ الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم أراد أن يوصي فمنعه عمر بن الخطَّاب ، وقال : حسبنا كتاب الله.

والثانية : إنَّه أراد أن يوصي فقال أحدهم ، أو بعضهم : إنَّ النبيَّ يهجر !

الهوامش

1. سورة يونس : ١٠ / ٣٦.

2. صحيح البخاري ٧ : ٩ و ٨ : ١٦١ ، صحيح مسلم ٥ : ٧٥ طبعة محمَّد علي صبيح ، مسند أحمد بن حنبل ٤ : ٣٥٦ / ٢٩٩٢ ـ دار المعارف بمصر.

3. صحيح البخاري ٤ : ٣١ ، صحيح مسلم ٢ : ١٦ طبعة عيسىٰ الحلبي ، مسند أحمد ٣ : ٢٨٦ / ١٩٣٥ و ٥ : ٤٥ / ٣١١١.

4. صحيح مسلم ٢ : ١٦ طبعة عيسىٰ الحلبي ، مسند أحمد بن حنبل ٥ : ١١٦ / ٣٣٣٦ ، تأريخ الطبري ٣ : ١٩٣ ـ مصر ، الكامل في التاريخ / ابن الأثير ٢ : ٣٢٠ ، تذكرة الخواص / سبط ابن الجوزي الحنفي : ٦٢ ـ الحيدريّة ، سرُّ العالمين وكشف ما في الدارين / أبي حامد الغزالي : ٢١ ـ طبعة النعمان.

5. الطبقات الكبرى / ابن سعد ٢ : ٤٢٣ ـ ٤٢٤ ، كنز العمال / المتقي الهندي ٣ : ١٣٨ عن الطبراني في الأوسط.

6. صحيح البخاري ١ : ٣٧.

7. صحيح البخاري ٥ : ١٣٧.

8. صحيح البخاري ٤ : ٦٥ ـ ٦٦.

9. كنز العمَّال / ١٨٧٧١ ، الطبقات الكبرى / ابن سعد ٢ : ٢٤٣.

10. صحيح مسلم ٥ : ٧٥.

11. صحيح البخاري ٤ : ٣١.

مقتبس من كتاب : [ الوصيّة الممنوعة ] / الصفحة : 21 ـ 26