آية الولاية

طباعة

آية الولاية

وهي قوله عزّ وجلّ : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (1).

لقد اتّفق علماء اللغة على أنّ ( إِنَّمَا ) تفيد الحصر ، بل هي من أقوى أدوات الحصر.

وعليه فإنّ ولاية المسلمين انحصرت في الثلاثة المتسلسلين في الآية حسب الأولويّة ، وهم : الله جلّ وعلا ، ثمّ رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، ثمّ الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون.

أمّا بالنسبة لولاية ( اللهُ ) فهو خالقنا وبارئنا ومصوّرنا في الأرحام ، وهو مدبّر أُمورنا ، ومرشدنا ، فكيف لا يكون أولى بأنفسنا منّا ؟!

وأمّا الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم فهو هادينا وقائدنا ، وهو أيضاً أولى منّا بأنفسنا ، وذلك لقوله عزّ من قائل : ( النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ) (2).

ولكن يبقى الكلام حول الأولياء الذين جاء ترتيبهم بعد الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم واقترنت ولايتهم بولاية الله ورسوله ، وعرّفتهم الآية ـ آية الولاية ـ بإيتائهم الزكاة وهم في حالة الركوع ، حيث قال سبحانه : ( وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ).

فمن هؤلاء ؟

ماذا قال العلماء والمفسّرون ؟

١ ـ روى الفخر الرازي في تفسيره : رُوي عن عطاء ، عن ابن عبّاس : أنّها ـ آية الولاية ـ نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام ، روي أنّ عبد الله بن سلام قال : لمّا نزلت هذه الآية قلت : يا رسول الله أنا رأيت عليّاً تصدّق بخاتمه على محتاج وهو راكع ، فنحن نتولّاه (3).

٢ ـ وجاء في الكشّاف للزمخشري قال : ... وإنّما نزلت في علي كرّم الله وجهه حين سأله سائل وهو راكع في صلاته فطرح له خاتمه كأن كان مرجاً « أيّ غير مستعص » في خنصره ، فلم يتكلّف لخلعه كثير عمل تفسد به الصلاة ... (4).

٣ ـ قال السيوطي في الدر المنثور : أخرج الخطيب في المتّفق عن ابن عبّاس ، قال : تصدّق علي بخاتمه وهو راكع ، فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم : « من أعطاك هذا الخاتم ؟ » فقال : « ذاك الراكع ».

فأنزل الله : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) » (5).

هذا ، وقد ذكر العلّامة الأميني في موسوعته « الغدير » أسماء ستّة وستّين عالماً من علماء أهل السنّة قالوا بنزول هذه الآية في الإمام علي عليه السلام ، ولكن بطرق وألفاظ متعدّدة ، فراجع (6).

تساؤل :

ثمّة تساؤل قد يقع في ذهن القارئ الكريم ، وهو :

طالما نزلت هذه الآية في الإمام علي عليه السلام فلماذا جاءت بصيغة الجمع ، بينما المخاطَب هو فرد واحد ؟

يجيبنا العلّامة الزمخشري علىٰ هذا التساؤل فيقول :

فإنّ قلت : كيف صحّ أن يكون لعليّ رضي الله عنه واللفظ جماعة ؟

قلت : جيء به على لفظ الجمع وإن كان السبب فيه رجلٌ واحدٌ ليرغب الناس في مثل فعله فينالوا مثل ثوابه ... (7).

ونقول أيضاً :

إنّ أهل اللغة يعدّون مخاطبة الفرد بصيغة الجمع لغرض التفخيم والتعظيم.

فقد ذكر الطبرسي في تفسيره : إنّ النكتة من إطلاق لفظ الجمع على أمير المؤمنين عليه السلام تفخيمه وتعظيمه ، ذلك أنّ أهل اللغة يعبّرون بلفظ الجمع عن الواحد على سبيل التعظيم ، وقال : وذلك أشهر في كلامهم من أن يحتاج إلى الاستدلال عليه (8).

كما أنّه قد نزل الكثير من الآيات الكريمة بصيغة الجمع على لسان الله سبحانه ، مع أنّنا جميعاً نؤمن ونقرّ أنّه واحد لا شريك له.

ومثال ذلك قوله سبحانه : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (9).

وقوله تعالى : ( وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ) (10).

وقوله عزّ وجلّ : ( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) (11).

فمَن نزّل الذكر ؟ ومَن الذي حفظه ؟ ومَن الذي أنزل من السماء ماء ؟ و .. و .. سوى الله وحده.

الخلاصة :

بعد أن ثبت نزول آية الولاية في الإمام علي عليه السلام ، وأنّه وليّ المؤمنين بعد رسول الله ، بقي أن نقول : إنّه لا يخفى على القارئ الكريم أن معنى « الولاية » في هذه الآية هو الأولويّة بالتصرّف ، وليس المحبّة والنصرة وإن كانت تأتي بهذا المعنى ولكن في غير هذا الموضع.

وذلك أنّ الولاية هنا قد انحصرت في « الله ورسوله والإمام علي » بينما تأتي بمعنى المحبّة والنصرة بشكل عامّ ولا يختصّ بها أحد دون الآخر ، كقوله تعالى : ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ) (12).

الهوامش

1. المائدة ٥ : ٥٥.

2. الأحزاب ٣٣ : ٦.

3. التفسير الكبير للفخر الرازي ١٢ : ٢٦.

4. الكشّاف ١ : ٦٨٢.

5. الدر المنثور ٢ : ٢٩٣.

6. الغدير ٣ : ١٥٦.

7. الكشّاف ١ : ٦٨٢.

8. مجمع البيان ٣ : ٣٦٤.

9. الحجر ١٥ : ٩.

10. ق ٥٠ : ٩.

11. الكوثر ١٠٨ : ١.

12. التوبة ٩ : ٧١.

مقتبس من كتاب : [ الإمامة في القرآن والسنّة ] / الصفحة : 48 ـ 51