الشيخ محمّد علي الاُردوبادي

طباعة

الشيخ محمد علي الاُردوبادي (1)

( 1312 ـ 1380 )

إقتبسنا ترجمة المؤلّف من كتاب « نقباء البشر في القرن الرابع عشر » من طبقات أعلام الشيعة ، تأليف الحجّة الشيخ آقا بزرك الطهراني ، صديق المؤلف وزميله في مجال العلم والتأليف ، وقد علّقنا عليها ما رأيناه ضروريّاً.

هو الشيخ محمد علي بن الميرزا أبي القاسم (2) بن محمد تقي بن محمد قاسم الاُردوبادي التبريزي النجفي ، عالم متضلّع ، فقيه بارع ، وأديب كبير.

ونسبته إلى اُردوباد ، مدينة تقع على الحدود بين آذربايجان والقفقاز ، قرب نهر أرس.

وكانت ولادته في تبريز في 21 رجب سنة 1312 هجرية.

وأتى به والده إلىٰ النجف بعد عودته إليها في حدود سنة 1315 (3) فنشأ عليه ووجّهه خير توجيه.

قرأ مقدّمات العلوم على لفيف من رجال الفضل والعلم ، وحضر في الفقه والاُصول على والده ، وشيخ الشريعة الإصفهاني ـ وقد أخذ عنه الحديث والرجال أيضاً ـ والسيّد ميرزا علي ابن المجدّد الشيرازي ، وفي الفلسفة على الشيخ محمد حسين الإصفهاني ، وفي الكلام والتفسير على الشيخ محمد جواد البلاغي ، ولازم حلقات دروس مشايخه الثلاثة المتأخّرين أكثر من عشرين سنة.

وشهد له بالإجتهاد كلّ من اُستاذه الشيرازي ، والميرزا حسين النائيني والشيخ عبدالكريم الحائري ، والشيخ محمد رضا ـ أبي المجد ـ الإصفهاني والسيد حسن الصدر ، والشيخ محمد باقر البيرجندي ، وعدد غيرهم.

كما أجازه في رواية الحديث أكثر من ستّين عالماً من أجلّاء العراق وإيران وسوريا ولبنان وغيرها.

والاُردوبادي عالم ضخم ، وشخصيّة فذّة ، ورجل دين مثالي ، وقد لا نكون مبالغين إذا ما وصفناه بالعبقرية ، فقد ساعده ذكاؤه المفرط واستعداده الفطري على النبوغ في كلّ المراحل الدراسيّة والعلوم الإسلامية ، حيث برع في الشعر والأدب حتى تفوّق على كثير من فضلاء العرب ، ووهب اُسلوباً ضخماً غبطه عليه الكثيرون و تضلّع في التاريخ والسير وأيّام العرب ووقائعها ، وأصبح حجّة في علوم الأدب واللغة والفقه و اُصوله والحديث والرجال والتفسير والكلام والحكمة وغيرها ، ونبغ في كلٍّ منها نبوغ المتخصّص مما لفت اليه أنظار الأجلّاء والأعلام ، وأحلّه بينهم مركزاً مرموقاً.

أضف إلى ذلك كمالاته النفسيّة ، ومزاياه الفاضلة ، فقد كان طاهر الذيل ، نقيّ الضمير ، حسن الأخلاق ، جمّ التواضع ، يفيض قلبه إيماناً وثقة بالله ، و يقطر نبلاً و شرفاً ، وكان حديثه يعرب عمّا يغمر قلبه من صفاء ونقاء ، ويحلّي نفسه من طهر وقدسيّة ، وهو ممّن يمثّل السلف الصالح خير تمثيل ، فسيرته الشخصيّة ، وإخلاصه اللامتناهي في كلّ الأعمال ، ولا سيّما العلميّة ، و نكرانه لذاته ، و زهده في حطام الدنيا ، وإعراضه عن زخارف الحياة ومظاهرها الخداعة ، وابتعاده عن طلب الشهرة والضوضاء ، صورة طبق الأصل ممّا كان عليه مشايخنا الماضون رضوان الله عليهم ، فقد قنع من الدنيا بالحق ، وتحزّب له ، وجاهد من أجله ، ولم تأخذه فيه لومة لائم ، فلم تبدّله الأحداث ، ولم تغيّره تقلّبات الظروف ، بل ظلّ والإستقامة أبرز مزاياه ، حتى اختار الله له دار الإقامة.

عرفته قبل عشرات السنين ، و توثّقت الصلة بيننا بمرور الأيّام ، وظلّت الروابط الودّية تشدّنا الى البعض ، حتى قعد المرض بكلّ منّا فأجلسه في زاوية داره ، وسبقنا أخيراً إلى لقاء الله ، وها نحن بانتظار أمره تعالى فقد استأثرت رحمته بإخوان الصفا وخلّان الوفاء تباعاً ، وأوحشنا فراقهم ، وها هي نذر الفناء ورسل الموت تترى علينا ، فنسأله تعالى ( أن يجعل خير عمرنا آخره وخير أعمالنا خواتيمها ، وخير أيّامنا يوم نلقاه فيه ).

قضى المترجم له عمره الشريف في خدمة الدين والعلم ، ووقف نفسه لخدمتهما ، حتى أواخر أيّامه ، وجاهد في سبيل الله طويلاً بقلمه ولسانه ، وأسهم في مختلف ميادين الخدمة ومجالات الإصلاح ، فقد قاوم حملات التبشير بعنف وحماس ، وكتب عشرات المقالات في مجلّات البلاد الإسلامية ، ودعا الى مذهب أهل البيت عليهم السلام بما اُوتي من حول وطول ، وذبّ عنهم ونقد خصومهم وحارب أعداءهم بلاهوادة ، وصرف جهوداً بالغة في نشر فضائلهم والإسهام في إقامة شعائرهم ، والإشادة بذكرهم على الملأ ، واهتمّ بآثار السلف ومآثرهم اهتماماً كبيراً ، فعُني بمؤلفاتهم المخطوطة ولا سيّما القديمة والنادرة ، فنسخ منها عدداً لا يستهان به ، وأعان على نشر كثيرٍ منها بمختلف السبل ، باذلاً غاية جهده ، وأعان المخلصين والناشرين في هذا المجال معوناتٍ جمّة (4) ، ولم يترك باباً من أبواب الخدمة والجهاد التي يمكنه الوصول الى هدفه منها إلّا ولجه.

وله أيادٍ بيضاء في خدمة جماعة من المؤلّفين في النجف وغيرها ، فقد ساعد الكثيرين خلال الأعوام المتمادية ومدّهم بمعلومات وافية وموضوعات طويلة مما يخصّ بحوثهم ، دون أن ينتظر منهم جزاءً أو شكوراً ، بل غرضه من ذلك خدمة العلم للعلم والأدب للأدب ، ولذلك لم تظهر له آثار تتناسب ومقامه الرفيع وضخامة علمه (5).

هكذا حفلت حياة الشيخ الجليل بأعمال الخير ، واستنفدت جهده الباقيات الصالحات ، حتى وهت قواه واُصيب بالشلل فانزوى في داره في السنوات الأخيرة ، وكان لايخرج إلّا نادراً و بصعوبة إلّا أنّه لم يفتر عن العمل ، فقد بدأ في تلك العزلة بتأليف تفسير القرآن الكريم وكان يميله على سبطه وأنهى جزءه الأول.

وأدركه الأجل في النجف في ليلة الأحد 1 صفر سنة 1380 هجرية وشيّع تشييعاً يليق بمكانته وخدماته ، ودفن في الحجرة الرابعة على يسار الداخل إلى الصحن الشريف من باب السوق الكبير ، وهي التي دفن فيها الشيخ ميرزا علي الإيرواني ، والشيخ محمد كاظم الشيرازي ، ووالد المترجم له ، وغيرهم من الأعلام.

واُقيمت له حفلة في أربعينه في « مسجد الشيخ الأنصاري » أبّنه فيها العلماء ورثاه الشعراء.

و أرّخ وفاته السيد محمد حسن آل الطالقاني بقوله :

يد القضاء سدّدت سهامها

 

فأدركت في سعيها مرامها

وأردت الحبر الجليل من له

 

بنوالحجى قد سلّمت زمامها

الاُردوبادي قضى فنكّست

 

مدارس العلم له اعلامها

قد كان مفرداً بفضله وقد

 

فاق بتقوى ونهى كرامها

أخلص في أعماله فطأطأت

 

له بنوالفضل جميعاً هامها

قد أثكلت معاهد الشرع به

 

فأرّخوا بل خسرت إمامها

ترك آثاراً قيّمة متنوّعة في النظم والنثر :

منها كتاب (6) ضخم في ستّ مجلدات على نهج الكشكول ، شحنه بالفوائد التاريخيّة والرجاليّة والتراجم والتحقيقات في مختلف الموضوعات العلميّة والأدبية ، وهو أحد مصادرنا في هذه الموسوعة وفي « الذريعة » كما ذكرناه فيها في ج 6 ص 286 و 389.

وقد سمّى كلاً منها باسم خاصّ وهي :

1 ـ الحدائق ذات الأكمام (7).

2 ـ الحديقة المبهجة (8).

3 ـ زهر الربى (9).

4 ـ زهر الرياض (10).

5 ـ الروض الأغن (11).

6 ـ الرياض الزاهرة (12).

و « حياة إبراهيم بن مالك الأشتر » مختصر نشر في آخر « مالك الأشتر » للسيد محمد رضا بن جعفر الحكيم المطبوع في طهران سنة 1365 هـ.

و « حياة سبع الدجيل » في ترجمة السيد محمد ابن الامام عليّ الهادي عليه السلام صاحب المشهد المشهور في الدجيل قرب بلد ، طبع في النجف أيضاً.

و « سبيك النضار في شرح حال شيخ الثار المختار ».

و « الكلمات التامّات » في المظاهر العزائيّة والشعائر الحسينيّة.

و « ردّ البهائيّة ».

و « الردّ على ابن بليهد القاضي » وهو ردّ على الوهابيّين طبع.

و « الأنوار الساطعة في تسمية حجّة الله القاطعة ».

و « حلق اللحية ».

و « منظومة في واقعة الطف ».

و « منظومة في مناضلة اُرجوزة نيّر » جارى بها ألفيّة الشيخ محمد تقي التبريزي المتخلص بنير ، وقد بلغت « 1651 » بيتاً.

و « عليّ وليد الكعبة » طبع في النجف عام وفاته 1380 مع مقدّمة لسبطه السيد مهدي ابن الميرزا محمد ابن الميرزا جعفر ابن الميرزا محمد ابن المجدّد الشيرازي.

و « حياة الإمام المجدّد الشيرازي » في ترجمة السيد الميرزا محمد حسن المتوفّى سنة 1312 ، وهو كبير يشتمل على تراجم كثير من تلاميذه ومعاصريه.

و « سبك (13) التبر فيما قيل في الإمام الشيرازي من الشعر » وهو كتاب أدبي تاريخي في « 600 » صفحة ، ترجم فيه لشعرائه ومادحيه مع إيراد قصائدهم مرتّبة على حروف الهجاء.

و « ديوان شعر » عربي ، معظمه في مدح آل البيت و رثائهم ، ومراثي العلماء والعظماء وفي سائر الأغراض الاُخرى ، و يبلغ مجموع نظمه أكثر من ستة الآف بيت (14).

و « التقريرات » في الفقه والاُصول وغيرهما ، كتبها من تقريرات مشايخه وآخر آثاره « تفسير القرآن » خرج جزؤه الأول فقط (15).

ويروي عنه كثير من أهل العلم والفضل ، وقد كتب عدّة اجازات مفصّلة مع ذكر المسانيد ، ضمّنها طرق الحديث وتراجم المشايخ وبعض الفوائد الرجاليّة.

وكتب في صفر سنة 1370 إجازة للسيد محمد حسن آل الطالقاني أنهى فيها مشايخ روايته إلى خمس وخمسين (16) رحمه الله تعالى وأجزل مثوبته.

الهوامش

1. للشيخ الأردوبادي ذكر أو ترجمة في المصادر التالية :

1 ـ أعيان الشيعة ، للسيد الأمين ، 9 / 438 ـ الطبعة الحديثة ـ.

2 ـ الطليعة في شعراء الشيعة ـ للشيخ محمد السماوي ـ مخطوط ـ نقل عنه السيد الأمين في أعيان الشيعة.

3 ـ الذريعة الى تصانيف الشيعة للشيخ آقا بزرك الطهراني عند ذكر مؤلّفاته ومؤلّفات والده.

4 ـ الكنى والألقاب للشيخ عباس القمي « الاُردوبادي ».

5 ـ ريحانة الأدب في المعروفين بالكنى واللقب ، للمدرّس التبريزي.

6 ـ مصفّى المقال في مصنّفي علم الرجال ، للشيخ آقا بزرك الطهراني.

7 ـ معجم رجال الفكر والأدب في النجف ، للشيخ هادي الأميني رقم ( 130 ).

8 ـ شعراء الغريّ ، للشيخ علي الخاقاني.

9 ـ الغدير في الكتاب والسنة ، للشيخ الأميني.

10 ـ علماي معاصرين ، للشيخ الملّا علي الواعظ الخياباني.

2. ترجم الشيخ الطهراني لوالد الاُردوبادي في كتاب « نقباء البشر » الجزء الأول ( ص 62 ).

3. عن الطليعة للسماوي ، أنّه : قدم العراق بعد خمس سنوات من ولادته ، أعيان الشيعة 9 / 438.

4. ممّا تمّ نشره على يديه :

تفسير فرات الكوفي ، وقد قدم له بترجمة المؤلّف والتحقيق حول الكتاب.

5. اهتمّ الاُردوبادي برفع مستوى الفكر والثقافة في النجف وخاصّة المؤلّفات والمقالات التي كانت تصدر حينذاك فكان يجهد في تجويدها و تغذيتها علميّاً وأدبياً ، لتبرز بما يناسب الحوزة العلمية ، فكان ـ من أجل ذلك ـ يقوم بإعادة كتابتها بطلب من مؤلّفيها مستخدماً مواهبه النادرة في قوة البلاغة وجودة الاسلوب ، وأدبه الرفيع في الكتابة ، و ممّا أسهم في إنجازه فعلاً :

1 ـ كتاب زميله المرحوم الشيخ آقا بزرك الطهراني رحمه الله : الذريعة في أجزائه الثلاثة الاولى.

2 ـ الغدير للشيخ الأميني.

3 ـ الكنى والألقاب للقمي.

4 ـ شهداء الفضيلة ، للأميني.

وقد كان سخيّاً في بذل العلم لأهله ، الى حدّ أنّه قدّم ما جمعه من موادّ علميّة صالحة لتأليف كتب قيّمة ، إلى من كان يرغب في التأليف من أهل العلم حيث لم يجد الفرصة الكافية لقيامه بذلك.

6. ذكره الشيخ الطهراني في الذريعة باسم « المجموعة الكشكولية » فلاحظ ( 20 / 100 ).

7. الذريعة ( 6 / 286 ).

8. الذريعة ( 6 / 389 ).

9. الذريعة ( 12 / 69 ).

10. الذريعة ( 12 / 71 ).

11. لم أجده في الذريعة بهذا الاسم ، وإنّما ذكره باسم « قطف الزهر » ( 17 / 159 ).

12. الذريعة ( 11 / 325 ).

13. ذكره في الذريعة باسم « سبائك التبر .. » وقال : فرغ من جمعه حدود سنة ( 1348 ) ، الذريعة ( 7 / 116 ) و ( 12 / 124 ).

14. طبع كثير من شعره متفرّقاً و تجد منه : في كتابه أبوجعفر محمد ابن الإمام الهادي عليه السلام ، وعليّ وليد الكعبة ، وأعيان الشيعة وكتب السيد عبدالرزّاق المقرّم.

15. ومن مؤلفاته التي ذكرها الطهراني في الذريعة ( 12 / 137 ) : السبيل الجدد الى حلقات السند ، جمع فيه الإجازات التي كتبها له مشايخه.

16. ذريته :

خلّف الشيخ الاُردوبادي بنتين :

إحداهما : زوجة السيد الميرزا محمد من أحفاد السيد الشيرازي الكبير و أنجبت له أولاداً فضلاء محصّلين مشتغلين ، منهم الخطيب الفاضل السيد مهدي الذي قام بجمع آثار جدّه الشيخ الاُردوبادي من كتب ورسائل ونثر وشعر.

والاُخرى : زوجة السيد الحجّة العلّامة السيد محمد جواد الطباطبائي التبريزي ، وأنجبت أولاداً فضلاء مشتغلين محصّلين.

وفق الله أسباط الشيخ للقيام بإحياء آثاره العلميّة.

زملاؤه :

زامل الشيخ ثلّة من أهل العلم والأدب في النجف واختصّ من بينهم بالسيدين العلمين العلّامتين : الحجّة السيد علي نقي النقوي اللكهنوي دام ظلّه ، والمحقّق الحجّة السيد محمد صادق بحرالعلوم رحمه الله.

فقد كانوا يتسابقون في حلبة الفضل والكمال والشعر ، وينشدون الأشعار بالاشتراك ، ولهم قصائد ملمعة واُخرى مزدوجة وثالثة مشطّرة فيما بينهم ، كما أخبر بذلك سماحة السيد بحرالعلوم رحمة الله عليه ، ولمزيد الإتصال بينهم كانوا يعرفون بالأثافي الثلاث.

رحم الله شيخنا الاُردوبادي بما قدّم للدين والعلم من خدمات.

وقد اقتبسنا هذه الترجمة من نقباء البشر ( ج 4 / ص 1332 ـ 1336 )

والحمدلله على توفيقه لرضاه ، ونسأله المزيد بإحسانه والعفو عنّا بفضله وجلاله وصلّى الله على محمد و آله.

مقتبس من مجلّة : [ تراثنا ] / العدد : 4 / الصفحة : 199 ـ 205