ترجمة عبد الله بن مسعود

طباعة

ترجمة عبد الله بن مسعود

كان ابن مسعود أول من جهَرَ بالقرآن بمكة ، وذلك : « أنه اجتمع يوماً أصحابُ رسول الله فقالوا : والله ما سمعتْ قريش هذا القرآن يُجهَرُ لهَابهِ قطْ ، فمن رجلٌ يسمعهموه ؟

فقال عبد الله بن مسعود : أنا . قالوا : إنا نخشاهم عليك ، إنما نريد رجلاً له عشيرة يمنعونه من القوم إن أرادوه . قال : دعوني ، فإن الله سيمنعني .

وغدا ابن مسعود حتى أتى المقامَ في الضحى وقريشٌ في أنديتها ، حتى قام عند المقام ، ثم قرأ بسم الله الرحمٰن الرحيم : الرحمان علم القرآن . . .

ثم استقبلها يقرأها ، وتأملوه فجعلوا يقولون : ماذا قال ابن أم عبد ؟ ثم قالوا : إنه ليتلو بعض ما جاء به محمد ، فقاموا إليه فجعلوا يضربون في وجهه ، وجعل يقرأ حتى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ ، ثم انصرف إلى أصحابه وقد أثروا في وجهه ، فقالوا له : هذا الذي خشينا عليك . فقال : ما كان أعداء الله أهون علي منهم الآن ، ولئن شئتم لأغادينهم بمثلها غداً : قالوا : لا ، حسبُك ، قد أسمعتَهُمْ ما يكرهون .

وكان الخليفة عمر بن الخطاب قد أرسله إلى الكوفة ليعلّم أهلها أمورَ دينهم ، وبعث عماراً أميراً ، وكتب إليهم : « إنهما من النجباء من أصحاب محمد من أهل بدر فاقتدوا بهما ، واسمعوا من قولهما وقد آثرتكم بعبد الله بن مسعود على نفسي » .

وكان على عهد عثمان يقيم في الكوفة والأميرُ عليها الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، وكان قد ألقى إليه مفاتيح بيت المال وقال له : « من غيّر غيّر الله ما به ، ومن بدّل أسخط اللهَ عليه ، وما أرى صاحبكم إلا وقد بدّل وغيّر ، أيعزَلُ مثلُ سعد بن أبي وقاص ويُولىَّ الوليد ؟!

وكان ابن مسعود يتكلم بكلام لا يدعه ، وهو : « إن أصدَقَ القولِ كتابُ الله ، وأحسنُ الهدي هدىٰ محمد ( ص ) ، وشرّ الأمور محدثاتها ، وكل محدَثٍ بدعة ، وكل بدعةٍ ضلالة ، وكلّ ضلالة في النار » .

فكتب الوليد إلى عثمان بذلك وقال : إنه يعيبُك ويطعن عليك .

فكتب إليه عثمان يأمره باشخاصه . فاجتمع الناس فقالوا : أقم ، ونحن نمنعك أن يصلَ إليك شيء تكرهه .

فقال : إن له علي حقَّ الطاعة ، ولا أحب أن أكون أول من فتح باب الفتن .

فردَّ الناس وخرج إلى المدينة .

قال البلاذري : وشيّعه أهل الكوفة ، فأوصاهم بتقوى الله ولزوم القرآن . فقالوا له : جُزيت خيراً ، فلقد علّمتَ جاهلنا ، وثبتّ عالمنا ، وأقرأتنا القرآن ، وفقهتنا في الدين ، فنِعم أخو الإِسلام أنت ونعم الخليل . ثم ودّعوه وانصرفوا .

ودخل المدينة يوم الجمعة وعثمان يخطب على المنبر . وقال البلاذري : « دخلها ليلة الجمعة ، فلما علم عثمان بدخوله قال : يا أيها الناس ، إنه قد طرقكم الليلة دُوْيَبة ! من يمشي على طعامهِ يقيىء ويسلح !!

فقال ابن مسعود : لستُ كذلك ، ولكنني صاحب رسول الله ( ص ) يوم بدرٍ ، وصاحبهُ يوم بيعة الرضوان ، وصاحبه يوم الخندق ، وصاحبه يوم حُنَين .

قال : وصاحت عائشة ، يا عثمان ، أتقول هذا لصاحب رسول الله !؟ فقال عثمان : اسكتي .

ثم قال لعبد الله بن زمعة : أخرجه اخراجاً عنيفاً .

فأخذه ابن زمعة فاحتمله حتى جاء به باب المسجد فضرب به الأرض ، فكسر ضلعاً من أضلاعه . فقال ابن مسعود : قتلني ابن زمعة الكافر بأمر عثمان .

وقام علي بأمره حتى أتى به منزله . فأقام ابن مسعود بالمدينة لا يأذن له عثمان في الخروج منها إلى ناحية من النواحي ، وأراد حين برىء الغزوَ ، فمنعه من ذلك ، وقال له مروان : إن ابن مسعود أفسد عليك العراق ، أفتريدُ أن يفسد عليك الشام ؟ فلم يبرح المدينة حتى توفي قبل مقتل عثمان بسنتين .

وكان عثمان قد منعه عطاءه سنتين ، ولما مرض مرضه الذي مات فيه أتاه عثمان عائداً ، فقال له : ما تشتكي ؟ قال : ذنوبي ! قال : فما تشتهي ؟ قال : رحمة ربي . قال : ألا أدعو لك طبيباً ؟ قال : الطبيب أمرضني ! قال : أفلا أمر لك بعطائك ؟ قال : منعتنيه وأنا محتاج إليه وتعطينيه وأنا مستغنٍ عنه ! قال : يكون لولدك . قال : رزقهم على الله . قال : استغفر لي يا أبا عبد الرحمان . قال : أسأل الله أن يأخذ لي منك بحقي .

وأوصى أن لا يصلي عليه عثمان ، فدُفن بالبقيع وعثمان لا يعلم . . الخ .

وقد وردت في فضله أحاديث كثيرة ، نذكر بعضها :

عن رسول الله ( ص ) إنه قال : تمسكوا بعهد عمار ، وما حدثكم ابن مسعود فصدقوه .

وعنه ( ص ) : عبد الله يوم القيامة في الميزان أثقل من أحُد .

وعنه ( ص ) : رضيتُ لأمتي ما رضيَ الله لها وابنُ أم عبد ، وسخطتَ لأمتي ما سخط الله لها وابن أم عبد .

وقال فيه علي ( ع ) حين أتاه ناس يثنون عليه : أقول فيه مثل ما قالوا وأفضل ، من قرأ القرآن وأحلّ حلاله ، وحرّم حرامه ، فقيهٌ في الدين ، عالمٌ بالسنة .

وكان يلقب بصاحب سِواد رسول الله . أي صاحب سره .

مقتبس من كتاب : عمّار ابن ياسر / الصفحة : 114 ـ 117