من أسماء وألقاب أمير المؤمنين عليه السلام : « حبل الله المتين »

طباعة

حبل الله المتين (1)

يُضرب الحبل مثلاً لكلّ وسيلة ينجو بها الإنسان ، خصوصاً إذا كان التخوّف من السّقوط ، فإنّ الحبل وسيلة ينجو بها المتسلّق في الجبال يمسك به ويحفظ نفسه من السقوط ، بل أكثر من ذلك فهو وسيلة للارتفاع وصعود القمم الشامخة وبلوغ الأمانيّ الصعبة.

ولمّا كانت جهنّم هي الهاوية وحُفر النيران الّتي لها جذب وتدعو من أدبر وتولّى وكلّ منّا واردها ، انحصر طريق النجاة بالتمسّك بالنّبيّ صلّى الله عليه وآله ؛ لأنّهم على الصراط المستقيم ، وهم حبل الله ، والتمسّك بهم منجاة من السقوط. وجاء في كثير من الأخبار تفسير حبل الله في قوله تعالى ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ) بالنّبيّ والأئمّة عليهم السلام. (2)

عن إسحاق بن غالب عن أبي عبد الله الصّادق عليه السلام في خطبة طويلة له : ... مضىٰ رسول الله صلّى الله عليه وآله وخلّف في أمّته كتاب الله ووصيّه عليّ بن أبي طالب عليه السلام أمير المؤمنين ، وإمام المتّقين ، وحبل الله المتين ، وعروته الوثقى. (3)

وفي قوله تعالى : ( إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ ) (4). قال : الحبل من الله كتاب الله ، والحبل من النّاس هو عليّ بن أبي طالب عليه السلام. (5)

وقال عليّ عليه السلام : أنا الهادي وأنا المهتدي ، وأنا أبو اليتامى والمساكين وأنا ملجأ كلّ ضعيف ومأمن كلّ خائف ، وأنا قائد المؤمنين إلى الجنّة ، وأنا حبل الله المتين ، وأنا العروة الوثقى ، وكلمة التقوى ، وأنا عين الله ، ولسانه الصادق. (6)

وقال الثعلبيّ بإسناده : روى أبان بن تغلب عن جعفر بن محمّد عليهما السلام : نحن حبل الله ، قال الله عزّ وجلّ ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ). (7)

وروى أبو سعيد الخُدريّ عن النّبيّ صلّى الله عليه وآله أنّه قال : أيّها النّاس ، إنّي تركت فيكم خليفتين ، إن أخذتم بهما لن تضلّوا بعدي ، أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله حبلٌ ممدودٌ من السّماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي. ألا وإنّهما لن يتفرّقا حتّى يردا عليّ الحوض (8). ويخبر رسول الله صلّى الله عليه وآله عن دنوّ أجله وقرب رحيله عن هذه الحياة : يقول : وإنّي تارك فيكم الثّقَلين.

وروى الشيخ المفيد رحمه الله في كتاب الغيبة تأويل هذه الآية ، وهو من محاسن التّأويل ، عن محمّد بن الحسن ، عن أبيه ، عن جدّه قال : قال عليّ بن الحسين عليهما السلام : كان رسول الله صلّى الله عليه وآله ذات يوم جالساً في المسجد ، وأصحابه حوله ، فقال لهم : يطلع عليكم رجل من أهل الجنّة يسأل عمّا يعنيه. قال : فطلع علينا رجل شبيه برجال مصر ، فتقدّم وسلّم على رسول الله صلّى الله عليه وآله وجلس ، وقال : يا رسول الله ، إنّي سمعت الله يقول : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ) ، فما هذا الحبل الّذي أمر الله بالاعتصام به ، ولا نتفرّق عنه ؟ قال : فأطرق ساعة ، ثمّ رفع رأسه ، وأشار إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام وقال : هذا حبل الله الّذي مَن تمسّك به عُصم في دنياه ، ولم يضلّ في أخراه ، الحديث. (9)

وهذا الحديث المشهور بحديث الثقلين ، يدلّ على أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وآله خلّف لأُمّته هذين الثقلين العظيمين واعتمد عليهما ، وقرن سعادة المسلمين بالتمسّك بهما معاً.

واعتبر رسول الله صلّى الله عليه وآله عليّاً عليه‌السلام عِدل القرآن وأحد الثقلين ، وصرّح أنّهما لن يفترقا إلى يوم القيامة ، فالقرآن مع العترة ، والعترة مع القرآن ، فمن لم يتمسّك بأهل البيت لم يتمسّك بالقرآن وإن زعم ذلك ، وهو في الآخرة من الخاسرين ، ويشمله قوله تعالى : ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ). (10)

وممّا يؤسف له أنّ خصوم أهل البيت حرّفوا هذا الحديث النبويّ الشريف فحذفوا كلمة « عترتي » ووضعوا مكانها كلمة « سُنّتي » دفعاً لآل محمّد صلّى الله عليه وآله وتبريراً لتمسّكهم ـ حسب زعمهم ـ بالسُّنّة وتركهم العترة الطاهرة.

المطلب الأساسيّ في هذا الحديث هو أنّ الثقلين لايقبلان التفكيك بينهما فلا يتيسّر الأخذ بأحدهما دون الآخر كما قيل : « حسبنا كتاب الله ». وهذا هو المفهوم من الحديث لا الإخبار بأنّهما لا يختلفان ، ولا يفترقان ، ولا يقع بينهما الجدال ، فهذا أمر ضروريّ لم يحتج إلى البيان. والخبر برمّته متّفق عليه بين العامّة والخاصّة.

وقال الحاكم الحسكانيّ بإسناده في تفسير قوله تعالى : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ) عن عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام ، عن آبائه عن عليّ عليه السلام قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : مَن أحبّ أن يركب سفينة النجاة ويستمسك بالعروة الوثقى ويعتصم بحبل الله المتين ، فليوالِ عليّاً ، وليأتمّ بالهداة من ولده.

وعنه أيضاً وعن جعفر بن محمّد عليهما السلام قال : نحن حبل الله الّذي قال الله تعالى : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ) ، فالمستمسك بولاية عليّ بن أبي طالب عليه السلام المستمسك بالبرّ ، فمن تمسّك به كان مؤمناً ومن تركه كان خارجاً من الإيمان. (11)

وقال زين الدين عليّ بن يوسف بن جبر بإسناده عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال : إذا كان يوم القيامة نودي : أين خليفة الله في أرضه ؟ فيقوم داود فيقال ، لسنا إيّاك أردنا وإن كنت لله خليفة ، فيقوم عليّ بن أبي طالب عليه السلام فيأتي النداء : يا معشر الخلائق ، هذا عليّ بن أبي طالب خليفة الله في أرضه ، وحجّته على عباده ، فمَن تعلّق بحبله في دار الدنيا فليتعلّق بحبله في هذا اليوم ، ليستضيء بنوره وليتبعه إلى الجنّة. (12)

الهوامش

1. نفس المصدر 3 / 331.

2. أمالي الطوسيّ 272 ؛ مناقب آل أبي طالب 2 ، 273 ؛ شواهد التنزيل 1 / 168 ـ 170 ؛ الهداية الكبرى 239.

3. اللوامع النورانيّة 39 ، 40.

4. آل عمران / 112.

5. اللوامع النورانيّة 64.

6. التوحيد للصدوق 164 ؛ ينابيع المودّة 3 / 401.

7. تفسير الثعلبيّ 3 / 163 ؛ الصواعق المحرقة 151 ، والآية في سورة آل عمران / 103.

8. مسند أحمد بن حنبل 5 / 189 ، 190 ، 492 ، 6 / 232 ، 244 ؛ مصابيح السنّة 4 / 190 ؛ طبقات ابن سعد 1 / 194 ؛ المستدرك للحاكم 3 / 110 ؛ الموطّأ 2 / 899 رقم 3 ؛ تهذيب التهذيب 8 / 377 ؛ الصواعق المحرقة 145 ؛ 149 ، 126 ، وفيه : أنّي مخلّف فيكم كتاب ربّي عزّ وجلّ وعترتي أهل بيتي ، ثمّ أخذ بيد عليّ فرفعها ، فقال : هذا عليّ مع القرآن والقرآن مع عليّ لا يفترقان حتّى يردا عَلَيّ الحوض ؛ تذكرة الخواصّ 322 ؛ المعجم الكبير للطبرانيّ 3 / 109 ، 5 / 166 رقم 4969 ؛ المعجم الأوسط للطبرانيّ 7 / 49 رقم 6081 ؛ المعجم الصغير 1 / 131 ، 71 ، ذكر أخبار إصبهان 1 / 161 ؛ حلية الأولياء 4 / 23 ؛ المناقب لابن مغازليّ 18 ، 234 ـ 236 ؛ سنن الدارميّ 2 / 431 ، كتاب فضائل القرآن ؛ خصائص النسائيّ 112 رقم 78 ؛ مجمع الزوائد 9 / 183 ؛ المناقب للخوارزميّ 154 رقم 182 ؛ سنن الترمذيّ 5 / 633 رقم 3713 ؛ السنن الكبرى للبيهقيّ 5 / 45 رقم 8148 ؛ تهذيب الكمال 11 / 90 ؛ فيض القدير 3 / 15 ، وفيه : في هذا الحديث تصريح بأنّهما ـ أيّ القرآن والعترة ـ كتوأمين خلّفهما وأوصى أُمّته بحسن معاملتهما وإيثار حقّهما على أنفسهم والاستماك بهما في الدّين.

9. الغيبة للنعمانيّ 41 ، باب 2 ؛ تأويل الآيات الظاهرة 123 ؛ نهج الإيمان 547.

10. الكهف / 103 ـ 104.

11. شواهد التنزيل 1 / 168 ، 169.

12. نهج الإيمان 389 ؛ مناقب آل أبي طالب 3 / 78.

مقتبس من كتاب : [ أسماء وألقاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ] / الصفحة : 115 ـ 119